»وطن واحد وشعب واحد».. هذا ما جسّدته أزمة نزوح عدد من الأسر المسيحية بعد تعرُّض أفراد عائلاتها للقتل والتعذيب والتنكيل بهم بخلاف التهديد الدائم لهم من العناصر المتطرفة لتنظيم أنصار بيت المقدس الإرهابي.. فالإسماعيلية التي كانت في الماضي إحدي المحافظات المهجر أبناؤها بمختلف المحافظات تفتح اليوم أبوابها لاستقبال النازحين من شمال سيناء ويسارع أبناؤها في مد يد العون لإخوانهم وأشقائهم، ليتأكد أمام الجميع أننا نواجه حربا شرسة أمام عدو معدوم القيم والمبادئ ولا صلة له بأي من التعاليم أو الديانات السماوية، ويعيد المصريون من جديد ملحمة الترابط بين رافدي الأمة مسلمين ومسيحيين. علي مدار 48 ساعة تحولت الإسماعيلية لبيت ضيافة كبير، فالجميع هنا يشعر بمدي المأساة والمعاناة للأسر القادمة إلي المجهول، الذين قرروا الرحيل عن منازلهم وشوارعهم وأحيائهم وجيرانهم بلا وداع. الخوف والهلع علامات مرسومة علي الوجوه خاصة النساء والأطفال والأرامل ويكفي النظر فقط إليهم لتعرف قصصهم الموجعة، 85 أسرة حتي الآن هربت من جحيم العناصر الإرهابية بالعريش بعد عمليات قتل وتنكيل أدت إلي وفاة 7 في صورة غير آدمية، أسر لم تستطع حمل أي عتاد أو أثاث بل تركوا كل شيء وراءهم حتي أن هناك أسرا فرت بالملابس التي ترتديها فقط. »آخرساعة» قامت بلقاءات مع عدد من الأسر، والحقيقة أن من هول الصدمة والخوف الذي كان ينتاب الجميع وجدنا صعوبات في إمكانية التحدث معهم فاسترجاع شريط الأحداث يسبب للكثيرين منهم الدخول في نوبات بكاء شديدة. قالت السيدة نبيلة جرجس إحدي اللاجئات للكنيسة الإنجيلية بالإسماعيلية ضمن ال 19 أسرة وابنها الطالب بمرحلة الثانوية العامة إنهم هربوا للحفاظ علي حياتهم بعد مصرع عدد من المواطنين المسيحيين في المنطقة، فقد أصبحوا بين خيارين إما فقد حياتهم أو ضياع مستقبلهم. فيما قال عدد من الأسر المسيحية المتوافدة علي الكنيسة الإنجيلية بالإسماعيلية إنهم خرجوا بملابسهم وتركوا كل شيء خلفهم للنجاة بحياتهم وتساءلوا عن الجرم الذي ارتكبوه بكونهم مسيحيين ليلقوا هذا المصير. روايات عديدة يرويها الفارون ولكن من أكثرها بشاعة ذبح المواطن كامل رؤوف كامل علي سطح منزله بعد محاولة الهروب والمواطن سعد حكيم حنا وابنه مدحت اللذين ذبحا ثم أضرمت النيران في جثمانيهما أمام الجميع إضافة إلي جمال توفيق جرجس مالك لمحل أحذية. وكذلك مقتل الطبيب بهجت مينا ووليم زخاري رمياً بالرصاص إضافة إلي شاب مسيحي اسمه »هاني»، وقد تم نهب وسرقة محله التجاري بعد قتله وآخر كان مواطنا يُدعي »أبو روماني» تم ذبجه أمام عائلته بلا أدني شفقة أو ضمير ودون النظر لتوسلات زوجته وأطفاله. وبسؤال الأسر عن مطالبهم أكدوا أنه ليس هناك أية مطالب لهم سوي توفير الأمن والأمان لأطفالهم ونسائهم، موجهين نداءات للقيادات بالدولة بضرورة محاربة الإرهاب بسيناء بلا هوادة أو رحمة، فجميع أهالي سيناء علي استعداد تام للمغادرة والهجرة الجماعية حتي يتم القضاء نهائيا علي الإرهاب، مشيرين إلي أن القوات المسلحة والشرطة تقوم بدورها الفعلي هناك ولكن تحصن الإرهابيين بالقري واختفاؤهم وسط الأهالي يسبب مصاعب نحو القضاء عليهم، فخلال الأحداث الأخيرة فوجئنا بأشخاص غير معروفين لدينا وبعضهم يتحدث بلكنات غير مصرية. وعلي مدار الأيام الماضية تحولت كنائس الإسماعيلية وبيت الشباب الدولي ونزل الشباب لساحة ترابط وتكاتف بين المسلمين والمسيحيين في مشهد لن تجده إلا في مصر، الجميع في الإسماعيلية شبابا ونساء هبوا لمعاونة أشقائهم الأقباط النازحين من شمال سيناء بعد الجرائم الإرهابية التي استهدفت عددا منهم في الآونة الأخيرة، ووسط هذا التلاحم يصعب التفرقة بين المسلم والمسيحي، فسمار الوجوه واحد والملامح واحدة وجميعهم في النهاية مصريون. الجميع يقدم يد المساعدة والعون كلٌ علي قدر استطاعته، فمجموعة تساعد في جمع الأغطية والبطاطين وآخرون يسعون لسد الاحتياجات الغذائية، والبعض قام بإحضار أجهزة كهربائية يتطلب وجودها كالغسالات. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل انتشرت الدعوات والنداءات علي مواقع التواصل الاجتماعي من شباب وفتيات تطوعن لجمع المساعدات للأسر النازحة التي تركت كل شيء ولم يحضروا إلا بملابسهم فقط. آخرساعة التقت بعدد من الأسر للتعرف علي مشاكلهم واحتياجاتهم، يقول عادل إن مرارة مغادرة مدينتنا ولجوءنا إلي الإسماعيلية خوفا علي حياة أسرنا خفّف من وطأتها حسن الاستقبال الذي وجدناه من الجميع هنا، فيكفي ان يقابلك الموظف بابتسامة تخفف عنك. ويقول إنني وأسرتي تم تسكيننا ببيت الشباب الدولي وهو في منطقة سياحية ومطل علي بحيرة التمساح ومن حسن الاستقبال لم يكن لي أيه شروط في التسكين، مشيرا إلي أنه مع تذكر الأحداث الأخيرة ينتابنا حزن شديد فقد تركنا كل شيء خلفنا، منازلنا ومحلاتنا وتجارتنا حتي ابنائي لا أعلم ماذا سيحل بهم في هذا العام الدراسي. مينا يقول إن الحياة بالعريش أصبحت صعبة للغاية. تؤكد ماري وهي ربة منزل ولديها 3 أولاد أن الوضع بالعريش يصعب التعايش معه علي الرغم من مجهودات الجيش والشرطة الذين يبذلون مجهودات فائقة لفرض الأمن بالمدينة مؤكدة أن الكمائن الأمنية منتشرة بكثافة بجميع أرجاء المدينة بخلاف الأقوال الأمنية ولكن علي الرغم من ذلك يتعرض رجال الجيش والشرطة للعديد من العمليات الإرهابية الغادرة فكيف بنا نحن المدنيين العزل في مواجهة هؤلاء المجرمين. وأثناء تواجدك بمقر إقامة الأسر لا يغيب عن ناظرك براءة الأطفال وحرصهم علي الاستمتاع بأوقاتهم باللعب أو التواجد علي الشاطئ ولكنهم في الحقيقة يخفون حزنا دفينا في وجدانهم.. يقول جرجس وهو طالب في الصف الثاني الإعدادي والدموع تفيض من عينيه، إنني حزين جدا لمغادرة مدينتي وبعدي عن مدرستي يشعرني بالخوف كما أن أصدقائي سوف أفتقدهم بشدة خاصة صديقي محمد رياض الذي كنت أقضي معه أجمل الأوقات في لعب الكرة بالمدرسة والشارع وأود أن أرسل له رسالة بأنني لن أغيب طويلا.. فسوف أعود لأستكمل معك لعب الكرة. وسيم أحد أكبر المسنين المتواجدين بالمكان لا يتحدث إلا بكلمة »ربنا موجود» علي لسانه يقول إن أكثر ما يحزنني هو أنني أتوفي ولا أدفن بجوار أحبائي في مدينتي. ويتساءل: من هم هؤلاء الإرهابيون ومن أتي بهم وبماذا يدعون فأنا لديّ الكثير من الأصدقاء والجيران من المسلمين وعلاقاتنا أكثر من طيبة ولا يوجد شيء سوي الحب والاحترام وكعاداتنا الأصيلة نهنِّئ أنفسنا في كل عيد أو مناسبة سواء أسلامي أو مسيحي حتي أننا كمسيحيين نصلي علي النبي محمد كما يفعل اصدقاؤنا المسلمين، إذن هؤلاء القتلة ليسوا من الإسلام بصله مطلقا. علي جانب آخر قام العشرات من الأسر المسيحية القادمة من العريش، بالمشاركة في قداس الأحد في كنائس الإسماعيلية المختلفة داخل المدينة، ومدينة المستقبل، واستقبلت الكنائس بالمحافظة جميع الأقباط لأداء قداس الأحد الذي بدأ من الساعة السادسة صباحا، وترأس القداس داخل مطرانية الأنبا بيشوي بوسط مدينة الإسماعيلية القمص يوسف شكري راعي الكنيسة. وأدي جميع الحاضرين القداس والصلوات من أجل أن يحفظ الله مصر وشعبها، وقال القمص يوسف شكري راعي كنيسة الأنبا بيشوي عقب انتهاء قداس الأحد، إن الجميع يصلي من أجل أن يحفظ الله مصر، وشعبها وقيادتها، وأشار شكري إلي أن الكنيسة بالإسماعيلية استقبلت ما يقرب من 82 أسرة، تم تسكينهم بنزل الشباب بطريق البلاجات بالإسماعيلية، ومدينة المستقبل. وأضاف القمص يوسف شكري أنه تم مخاطبة محافظات بورسعيد والسويس، للاستعداد لإرسال أسر مسيحية أخري، قد تصل خلال الساعات القليلة القادمة، لإتمام عمليات التسكين في نزل الشباب التابعة لوزارة الشباب في المحافظات المجاورة. كان مجلس الوزراء قد شكل غرفة عمليات لمتابعة أوضاع المسيحيين النازحين من العريش، كما قررت وزير التضامن الاجتماعي، غادة والي، صرف إعانة عاجلة للنازحين، وزارهم في الإسماعيلية وزراء الصحة والسكان والتضامن ووعد وزيرا التعليم والتعليم العالي بحل مشكلات الطلاب النازحين.