عاني الاقتصاد المصري من العديد من المشاكل التي أثرت علي مؤشرات أدائه خلال السنوات الأخيرة، حيث عاني الاقتصاد تدهوراً في الاحتياطي النقدي وانخفاض في إيرادات السياحة، وانخفاض قيمة الجنيه أمام الدولار، ما دفع الحكومة إلي اتخاذ إجراءات تقشفية خلال الفترة الأخيرة بغية تحسين الوضع الاقتصادي في البلاد ومراعاة ظروف المواطن البسيط، إلا أن ارتفاع مؤشر التضخم بدرجة كبيرة جعل المواطنين يصرخون من الغلاء ويطالبون الحكومة بخفض الأسعار. علي الرغم من تدهور الأوضاع الاقتصادية إلا أن الاقتصاد المصري بدا خلال الفترة الأخيرة وكأنه يسير في اتجاه استعادة العافية مجدداً، وتحسين مؤشرات أدائه كخطوة نحو تصحيح المسار، خاصة مع الانخفاض في سعر الدولار أمام الجنيه، لكن تصحيح المسار الاقتصادي كان ثمنه غاليا حيث سدد فاتورته المواطن البسيط، بعد موجة الغلاء التي ضربت كل الأسعار حيث ارتفعت جميع أسعار السلع الأساسية إلي الضعف، كما ارتفعت أسعار العقارات والملابس وكل ما يحتاجه المواطن من مستلزمات حياته اليومية، وكان لارتفاع الأسعار الهائل الأثر الأكبر علي معدلات التضخم التي بدأت تحقق معدلات غير مسبوقة لم يشهدها الاقتصاد المصري منذ فترة طويلة. ووفقا لما أعلنه البنك المركزي في تقريره الأخير فإن التضخم الأساسي سجل معدلا شهريا قدره 5٪ خلال شهر يناير الماضي مقابل 4.35٪ في ديسمبر السابق له، وأضاف البنك أن المعدل السنوي للتضخم الأساسي المعد من قبل البنك ارتفع إلي 30.86٪ في يناير الماضي مقابل 25.86٪ في ديسمبر الماضي. وذكر الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء برئاسة اللواء أبوبكر الجندي أن معدل التضخم قد ارتفع خلال يناير الماضي بنحو 4.3٪ مقارنة بشهر ديسمبر السابق عليه، ليبلغ 227.5 نقطة، وأنه سنويا قد سجل في يناير 2017 »29.6٪» مقارنة بشهر يناير 2016. وأوضح أن معدلات التضخم السنوي »نسبة التغير في أسعار المستهلكين، السلع الاستهلاكية» في مدن مصر »حضر الجمهورية» قفز إلي 28.1 ٪ في يناير 2017، حيث بلغ 23.3٪ في ديسمبر الماضي، وكان 19.4٪ في نوفمبر 2016. موجة غلاء ضربت البلاد لم يستطع المواطن البسيط تحملها، فصرخاته تعلو كل يوم لكي تصل إلي الحكومة لعلها تتدخل لخفض الأسعار، فمعدلات التضخم ارتفعت بشكل جنوني لم تشهدها البلاد من قبل، ما كان له تأثير سلبي علي أسعار السلع والخدمات الأساسية، فكيف لمواطن دخله الشهري ألفي جنيه إذا كان من أصحاب الدخول المحدودة أن يعيش وسط هذا الغلاء، وكيف له أن يقضي احتياجاته الأساسية في ظل ارتفاع الأسعار الهائل من دواء وغذاء وغيرها من السلع الأساسية. »آخرساعة» استطلعت آراء عدد من الأسر المصرية حول كيف يمكن لأسرة بسيطة دخلها ألفي جنيه أن تقضي احتياجاتها الأساسية وفقا لهذا الدخل البسيط. يقول محمد كمال موظف أعمل في القطاع الخاص ودخلي حوالي 2500 جنيه، ولديّ ثلاثة أبناء لديهم الكثير من الاحتياجات، وأنا لا أستطيع توفير احتياجاتهم الأساسية، فالبكاد يمكن لي توفير احتياجاتهم الأساسية من الغذاء. يضيف: في حال احتياجهم إلي بعض الرفاهيات فأنا لا يمكنني حينذاك توفير ما يطلبونه، وفي كثير من الأحيان لا يمكنني أن ألبي لهم احتياجاتهم في نهاية الشهر. ويتفق معه في الرأي، يقول محمد إبراهيم 33 عاما أعمل موظفا في القطاع الحكومي ودخلي لا يتجاوز 3 آلاف جنيه، ولديّ طفلان لديهما متطلبات كثيرة لا أستطيع توفير احتياجاتهما خاصة أنهما في مراحل تعليمية متقدمة . ويؤكد أن أسعار الاحتياجات الأساسية ارتفعت بشكل كبير خلال الفترة الأخيرة، وفي كثير من الأحيان لا يمكنني استكمال الشهر بهذا المبلغ البسيط في ظل هذا الغلاء، كما أنني لا أستطيع تحمل تكلفة الدواء الذي ارتفع بشكل كبير خلال الفترة الأخيرة. علي الجانب الآخر ، يقول أحمد سعيد 32 عاما أنا أعمل في القطاع الخاص ودخلي لا يتجاوز ألفي جنيه ، ولديّ أربعة أبناء، كلهم في مراحل تعليمية مختلفة، ولدي طفل يحصل علي علاج شهري. ويؤكد: أنا لا أستطيع تحمل تكلفة علاجه، مشيرا إلي أن أسعار السلع الأساسية ارتفعت بشكل كبير خاصة أسعار الدواجن واللحوم، لذلك قاطعنا هذه السلع ولا نقوم بشرائها. ويطالب الحكومة بضرورة خفض الأسعار والعمل علي توفير السلع الأساسية لمحدودي الدخل، مشيرا إلي أنه علي الحكومة أن تتدخل لتضع حلولا للأزمة الكبيرة التي نعاني منها. كما يقول سعد كامل - 40 عاما - أنا موظف بسيط أعمل في القطاع الخاص دخلي لا يتجاوز الألفين ونصفا ولدي طفلان صغيران لا يتجاوز عمراهما ثلاثة أعوام، لديهما الكثير من المتطلبات التي لا أستطيع توفيرها لهما، كما أنهما يحتاجان إلي الذهاب إلي الطبيب بشكل دوري وارتفعت أسعار كشوف الأطباء وأنا لا أستطيع أن أجاري هذا الغلاء. ودعا الحكومة إلي التدخل لخفض الأسعار بعد انخفاض أسعار الدولار، خاصة أن ارتفاع الأسعار كان مرتبطاً بشكل كبير بارتفاع أسعار الدولار، لذلك يجب أن تضع الحكومة الجديدة محدودي الدخل في عين الاعتبار، لتوفير حياة آمنة للمواطن البسيط. علي صعيد الخبراء، يقول الخبير الاقتصادي الدكتور مختار الشريف إن معدلات التضخم شهدت ارتفاعات غير مسبوقة لم تشهدها البلاد من قبل مما أثر بشكل سلبي علي الأسعار، مشيرا إلي أن تحسن مؤشرات الوضع الاقصادي سيساعد علي خفض الأسعار وانخفاض معدلات التضخم. ويشير إلي أن ارتفاع معدلات التضخم مرتبط بارتفاع الأسعار فكلما ارتفعت الأسعار زادت معدلات التضخم بشكل كبير، مشيرا إلي أن هناك ارتفاعا متزايدا في أسعار السلع والخدمات، ويظهر هذا المؤشر عندما يذهب المواطن إلي السوق ليجد أن قيمة ما يشتريه من سلعة ما ارتفعت عن اليوم الذي قبلها. وقد سجل معدل التضخم السنوي »الغلاء» في أسعار السلع الاستهلاكية لشهر يناير ارتفاعا، مسجلا 29.6٪ لشهر يناير 2017، مقارنة بشهر يناير 2016، في حين كان معدل التضخم سجل 24.3٪ في شهر ديسمبر 2016، ووفقا لبيان الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، جاء ارتفاع معدلات التضخم بسبب الزيادة والتغير في أسعار مجموعات من السلع خلال شهر يناير الماضي مقارنة بشهر ديسمبر 2016. فيما توقع الدكتور فخري الفقي الخبير الاقتصادي ومساعد المدير الأسبق لصندوق النقد الدولي، أن تنخفض معدلات التضخم خلال الفترة القادمة بعد انخفاض أسعار الدولار، خاصة في ظل المؤشرات الإيجابية للاقتصاد التي تحسنت خلال الفترة الأخيرة حيث بدأ تعافي القطاع السياحي، فضلا عن انخفاض أسعار الدولار وتماسك الجنيه أمام الدولار، بالإضافة إلي ارتفاع تدفق النقد الأجنبي لدي البنوك المصرية، كل هذه المؤشرات الإيجابية ستنعكس بشكل إيجابي علي الاقتصاد وعلي معدلات التضخم، ومن المتوقع انخفاضها خلال الفترة القادمة. ويشير إلي أن تماسك الجنيه المصري وتعافيه وارتفاع قيمته أمام الجنيه سيؤثر بالإيجاب علي الأداء الاقتصادي، مطالبا بضرورة العمل علي إصدار قانون الاستثمار ويجب علي الحكومة الجديدة أن تعمل علي وضع حزمة من الإجراءات التي من شأنها العمل علي خفض الأسعار خلال الفترة القادمة، ومن ثم تنخفض معدلات التضخم. ويؤكد أن علي الحكومة الجديدة أن تعمل علي عدة محاور أساسية لتحقيق الإصلاح الاقتصادي وأن تضع المواطن البسيط الذي تضرر من ارتفاع الأسعار الهائل في عين الاعتبار، خاصة أن المواطن قد انقسم كاهله من ارتفاع الأسعار الهائل الذي لم يعد المواطن يستطيع تحمله. بينما يري الخبير الاقتصادي محمد سعيد، إن هناك العديد من الهيئات التي التي قامت بمنح العاملين بها علاوة غلاء لمواجهة الظروف الاقتصادية الصعبة التي نعيشها الآن، مشيرا إلي ضرورة تطبيق هذه الفكرة في جميع الهيئات الحكومية والخاصة لكي يمكن للمواطن البسيط أن يتحمل هذا الارتفاع في الأسعار. وأكد أن ارتفاع معدلات التضخم يعكس الوضع الاقتصادي السيئ، ويعطي مؤشرا للمستثمر الأجنبي بعدم الاستقرار الاقتصادي في البلاد، لذلك لابد من السعي وراء خفض معدلات التضخم وخفض الأسعار، مشيرا إلي أن انخفاض معدلات التضخم سيساعد الاقتصاد بشكل كبير علي تعافيه، وعودته إلي استقراره من جديد وارتفاع معدلات النمو خلال الفترة القادمة.