لا شيء علي ما يُرام بين تركيا وحلف شمال الأطلنطي »الناتو«، حيث أصبحت الشكوك تتصاعد تجاه إمكانية الوثوق في أنقرة، وإذا كانت الجمعية البرلمانية للحلف انعقدت فى نوفمبر الماضى فى مدينة اسطنبول، وأظهرت ما يشبه التضامن الغربى مع الأتراك فيما يُسمى ب«الحرب على الإرهاب»، إلا أن حالة من الارتياب تهيمن على الأجواء بين الأوروبيين والولاياتالمتحدة من جانب وتركيا من جانب آخر منفرد. التدخل العسكرى التركى فى شمال سوريا والتوتر العسكرى القائم مع الأكراد المدعومين أمريكياً، ليس الشيء الوحيد من معالم الاحتقان بين الطرفين، فهناك أيضاً التقارب المقلق بشدة بين الرئيس التركى رجب طيب أردوغان ونظيره الروسى فلاديمير بوتين منذ يوليو 2016 كما جاء إعلان وزير الدفاع التركى فى الثامن عشر من الشهر الجاري، عن تفاوض بلاده مع موسكو للحصول على منظومة صواريخ إس 400 المتطورة، لتزداد الأمور تعقيداً بين الجانبين. اتساع نطاق القمع فى تركيا، حتى فى أوساط الجيش، منذ محاولة الانقلاب الفاشلة فى الخامس عشر من يوليو الماضي، يثير حالة غضب داخل حلف مؤسس على «مجموعة من القيم»، بحسب تصريح لدبلوماسى فرنسى رفض ذكر اسمه لصحيفة لوموند، والذى أضاف أيضاً: «ملاحقة الانقلابيين لا تستثنى أنقرة من ضرورة احترام سيادة القانون»، أما الأمين العام لحلف الأطلنطى ينس شتولنبرج فأكد أن «ضباط جيش أتراكاً يعملون فى هيئة قيادة أركان الناتو طلبوا اللجوء فى البلدان التى يعملون فيها»، وأوضح شتولنبيرج، بنبرة تعتبرها تركيا استفزازية، أن «قبول هذه الطلبات من الدول المعنية يعنى بالتبعية أن هؤلاء العسكريين لا ينتظرهم قضاء عادل فى بلدهم»، ومن جانبه لا يتوقف أردوغان عن إدانة «المؤامرة الغربية» على بلاده، لا سيما الولاياتالمتحدة التى تأوى الداعية الملياردير المتصوف فتح الله جولن المتهم بتدبير المحاولة الانقلابية، والذى يعيش منفياً فى ولاية بن سليفينيا منذ عام 1999. غير أن انتخاب دونالد ترامب رئيساً قد يغير المعطيات فى هذه العلاقة المتوترة، على الأقل فى الوقت الراهن، حيث إن الرئيس المنتخب ينوى تعيين الجنرال مايكل فلاين مستشارً للأمن القومي، علماً بأن أشهر كلمات الجنرال هى « تركيا مصدر استقرار هام للمنطقة وعنصر حيوى للمصالح الأمريكية»، كما لا يتردد فلاين فى مقارنة فتح الله جولن بآية الله الخومينى ولا يجد مانعاً فى طرده خارج الأراضى الأمريكية. أما مايك بنس، نائب ترامب، فيرى ضرورة «عودة العلاقات مع أنقرة كما كانت من قبل فى زمن جميل». ولكن شهر العسل المزمع بين واشنطنوأنقرة، قد لا يأتى من الأساس، فبعد المحاولة الانقلابية الفاشلة تحدث كثير من الخبراء الأمريكيين عن تأمين عشرات الأسلحة النووية الأمريكية المتواجدة بقاعدة إنجرليك بجنوبتركيا، وعن احتمالية وقوعها فى أيدى «قوات معادية أو إرهابية»، إضافة إلى أن وزارة الدفاع الأمريكية، البنتاجون، تتبع سياسة تغضب العسكريين الأتراك فى سوريا، حيث يُغدق البنتاجون دعمه على الميليشيات الكردية المعروفة باسم قوات سوريا الديموقراطية فى عملية تحرير مدينة الرقة من تنظيم ما يُعرف بالدولة الإسلامية، علماً بأن قوات سوريا الديموقراطية على اتصال وثيق بحزب العمال الكردستانى الانفصالي، والذى يخوض تمرداً عسكرياً مسلحاً، منذ عام 1984 فى مناطق جنوب غربى تركيا بهدف الاستقلال بها. سولى أوزيل الخبير التركى بالعلاقات الدولية، يوضح لصحيفة لوموند الفرنسية اليومية: «لا أعتقد أن الإدارة الأمريكية الجديدة تريد أن تضع الأكراد خارج المعادلة السورية كما تسعى لذلك أنقرة»، ويشير أوزيل إلى أن تركيا ما كان لها أن تتدخل عسكرياً على هذا النحو فى سوريا لولا تنسيق على نطاق واسع مع روسيا، حيث يهدف الجيش التركى ليس فقط لمحاربة داعش، ولكن لمنع الأكراد من السيطرة على حدود مشتركة بطول 800 كم»، ويتابع أوزيل: «نظرياً الولاياتالمتحدة حليف لتركيا، ولكن عملياً الثقة مفقودة مع الإدارة الأمريكية، وبالنسبة لروسيا فإن علاقة تركيا معها قائمة على المصالح المتبادلة». قاعدة إرهابية من جانبها وجهت صحيفة «ملى جازيته»، التركية المقربة لحزب السعادة، الذى احتل مكان حزب الرفاه الإسلامى بقيادة نجم الدين أربكان الراحل بعد حظره، انتقادات لاذعة لقاعدة إنجرليك العسكرية الأمريكية فى مدينة أضنة جنوبتركيا التى أصبحت محط حديث الحكومة خلال الفترة الأخيرة. وصفت الصحيفة القاعدة العسكرية بقاعدة الإرهاب، مشيرة إلى أن القاعدة تم إغلاقها على يد الزعيم السياسى الإسلامى أربكان خلال عهد حزب الرفاه. وأوضحت الصحيفة أنه فى عام 1974 وعقب الغزو التركى لجزيرة قبرص، فرضت الولاياتالمتحدةالأمريكية حظر سلاح على تركيا، وحينها أصدرت حكومة حزب السلامة القومى بقيادة أربكان قراراً بإغلاق قاعدة إنجرليك أمام الولاياتالمتحدةالأمريكية، إضافة إلى قرار الاستيلاء على كل القواعد الأمريكية داخل تركيا. ثم دعت الصحيفة الحكومة إلى اتخاذ الخطوة ذاتها وإغلاق قاعدة إنجرليك. وعلى المنوال نفسه، وصف دوجو برنتشيك، الزعيم اليسارى العلمانى المتطرف ورئيس حزب الوطن، المحكوم عليه سابقاً فى إطار قضية تنظيم أرجنكون، الموصوف فى تركيا بالدولة العميقة، القاعدة العسكرية بقاعدة الإرهاب، انطلاقاً من الأسباب ذاتها، وزعم أنه من وضع خطة إغلاق هذه القاعدة، وكرر أن الحكومة تنفذ حالياً البرنامج أو المشروع الذى وضعه هو مع أعضاء حزبه، وذلك فى مقال له نشره صحيفته آيدينليك. وكانت الفترة الأخيرة قد شهدت تصريحات متوالية من أعضاء الحكومة التركية يهددون فيها بإغلاق قاعدة إنجرليك أمام الولاياتالمتحدةالأمريكية إذا تجنبت دعم العمليات العسكرية التى تنفذها تركيا ضد تنظيم داعش الإرهابى فى سوريا وفى تعليقه على الأمر، أفاد وزير الدفاع التركى فكرى إيشيك أن التعاون مع التنظيمات الإرهابية بمثابة الدخول إلى شوال مع أفعى، مؤكداً أن الولاياتالمتحدة ارتكبت خطأ استراتيجياً، وأن كلاً من تركياوالولاياتالمتحدة تدفعان ثمن هذا الخطأ. كما قدم إيشيك معلومات عن عملية الباب، مفيداً أن الأمر بدأ يتحول إلى حرب الشوارع، وأن أخطر ما فى الأمر هو وجود مدنيين يقطنون المدينة. وأضاف إيشيك أن تنظيم داعش الإرهابى ليس السبب الوحيد للتقدم البطيء بل إن للظروف المناخية دوراً فى الأمر، موضحاً أن قضية الخدمة العسكرية المدفوعة ليست مطروحة على المدى القريب أو المتوسط، وأن قاعدة إنجرليك ليست قاعدة خاصة بالناتو، بل إن القوات الأجنبية ترابط هناك بإذن من تركيا، وسيعاد النظر فى الموضوع ما إن تبين أنه يشكل خطراً على مصالح تركيا. وفى السياق نفسه، زعم رئيس الحزب الديمقراطى الليبرالى الروسى فلاديمور جيرونفيسكى أن تركيا ستمنح روسيا قاعدة إنجرليك العسكرية. وخلال حديثه فى الراديو الروسى أكد جيرونفيسكى أن روسيا ستمتلك قواعد لها فى المنطقة بصورة دائمة، وأنه على يقين بأن تركيا ستسمح بوجود قواعد روسية على أرضها، مشيراً إلى أن الأتراك بدأوا فى حظر القوات الأجنبية رويداً رويداً. وأضاف جيرونفيسكى أن الولاياتالمتحدة ستخرج من هناك وسيعقبها انفصال تركيا عن حلف الناتو، مما سيجعل القاعدة خالية، مؤكدا أن تركيا ستقوم بتأجير القاعدة إلى روسيا. وأكد جيرونفيسكى أنه فى حال حصول روسيا عليها فسيكون هذا الأمر بمثابة صفعة على وجه حلف الناتو.