تعاني المطلقة في مجتمعاتنا من نظرات التهكم والاحتقار باعتبارها المسئول الأول عن خراب بيتها، دون البحث عن الأسباب الحقيقية للطلاق أو حتي توجيه اللوم للرجل فهو دائما علي حق ومهما كانت أحواله وتقلباته فعلي "الست" أن تتحمله، ولكن لم تعد المطلقة وحدها من تتحمل تبعات الطلاق وآثاره المؤلمة، فالرجل أيضا يشاركها نفس الإحساس. والجديد هو تأسيس سيدة مطلقة لجمعية تهتم بشؤون المطلقين.. التفاصيل في السطور التالية. بحسب دراسة اجتماعية أجراها باحثون في قسم الاجتماع بكلية الآداب جامعة عين شمس فإن معظم الرجال الذين سبق لهم خوض تجربة الزواج وفشلوا فيها، معرضون للإصابة بالاضطرابات النفسية جراء هذا الفشل، وأن (الرجل المطلق) يعاني غالباً من عدم القدرة علي التكيف اجتماعياً بعد الطلاق، كما يواجه صعوبات في خوض التجربة مرة أخري باعتباره رجلاً (له ماض) ناهيك عن دوامة مشكلات ما بعد الطلاق خاصة إذا أثمرت تجربة زواجه أطفالاً، وإذا فكر جديا في الزواج مرة أخري فإن أهل العروس يجبرونه علي تأمين حياة ابنتهم المادية تخوفا من إقباله علي الانفصال مرة أخري مما يدفعه لتنحية الفكرة تماما عن باله. كل هذا دفع سيدة الأعمال عبير الأنصاري لإنشاء أول جمعية للمطلقين بمصر سمتها "جمعية الثقة" وشعارها "نعم لعودة الثقة بالنفس مرة أخري بعد الطلاق" ونجحت نجاحا كبيرا ووصل عدد أعضائها إلي أكثر من 200 مطلق ومطلقة أغلبهم من الرجال الذين وجدوا فيها حلا ودواء لمشكلاتهم وأمراضهم النفسية ونجحوا في تكوين صداقات ساعدتهم علي تخطي الأزمة بل وخاضوا تجربة الزواج الثاني بنجاح واستقرار تام. "آخرساعة" التقت عبير الأنصاري لتعرف منها أهم أهداف الجمعية وسبب تأسيسها، حيث يقع مقر الجمعية في إحدي الشقق بمدينة الرحاب (شرق القاهرة)، وهناك وجدنا مجموعة من الرجال والسيدات يجلسون جنبا إلي جنب ينتمون إلي مراحل عمرية مختلفة يتبادلون الضحكات والأحاديث المهمة لا يحملون هما للدنيا أو للمجتمع الذين ينتمون إليه, ينتظرون علي أحر من الجمر دخول الدكتور محمد الدهشان خبير التنمية البشرية والعلاقات الإنسانية لإعطاء محاضرة عن أهمية الثقة بالنفس وكيفية تدعيمها, فهم حريصون كل الحرص علي تقوية روابطهم بالعالم الخارجي وإعطائهم مزيدا من القوة بالنفس فهم أدركوا أهمية ذلك بعد تعافيهم من تجربة الطلاق التي مروا بها والتي خلفت كآبة وعزلة استطاعوا التخلص منها بعد انضمامهم لجمعية "الثقة" للمطلقين والتي تعد الأولي من نوعها في مصر. وليس هذا فحسب بل يهتمون أيضا بتنظيم رحلات جماعية كل أسبوع كشكل من أشكال الترفيه إضافة إلي تبادل الخبرات الحياتية وتقديم مزيد من النصائح , إضافة إلي الندوات الطبية التوعوية, يقف وراء تلك الفكرة "عبير الأنصاري" وهي سيدة مطلقة تجاوزت الأربعين عاما عانت مرارا بعد عودتها إلي مصر بعد انفصالها عن زوجها لتصطدم بواقع مرير ومجتمع ينظر للمطلقة علي أنها سيئة السلوك دون إدراك لظروفها ومدي قوة دوافعها بل وواجهت تهرب صديقاتها وقريناتها منها وقطع علاقتهن بها لتقرر علي الفور إنشاء تلك الجمعية لتضم المطلقين سواء أكانوا رجالا أو سيدات. تقول عبير: "عانيت كثيرا في تجربة زواجي الفاشلة حيث كنت أعيش في إنجلترا وواجهت زوجا سيئ السلوك وسرعان ماقررت الانفصال عنه وعودتي إلي مصر وقررت الاستقرار فيها ابتداء من عام 2003. ولاحظت ما يعانيه المطلقون والمطلقات في الوطن العربي من الأزمات النفسية والاجتماعية الكبيرة التي قد تؤدي بهم إلي الانتحار أو التقوقع علي الذات، إلي درجة الإصابة بأمراض نفسية مستعصية، ولهذا قررت الاندماج في النشاط الاجتماعي، لكن بشكل مختلف من خلال تأسيسي جمعية "عودة الثقة والتأهيل النفسي للمطلقين والمطلقات". وحصلت علي موافقة وزارة التضامن، وقمت أخيراً بضم الأرامل إليها لحاجتهن إلي الدعم النفسي والتثقيفي هن أيضا وبمجرد أن ظهرت الفكرة إلي النور حتي استطاعت جذب أعضاء كثيرين إليها وصلوا إلي أكثر من مائتين أغلبهم من الرجال". وحول الأزمات النفسية التي يعانيها الرجل المطلق تقول: "هناك اعتقاد سيئ بأن الطلاق يؤثر نفسيا فقط علي المرأة دون الرجل ولكن الزوج المطلق أكثر معاناة من المرأة التي غالباً ما تتأقلم مع وضعها الجديد، فالنساء أكثر قدرة من الرجال علي تحمل صدمة الطلاق، فالرجال يميلون عادة إلي كبت أحزانهم وعدم البوح بها للغير كما تفعل معظم النساء، وأكثرهم يهجر منزل الزوجية ليعاني من الوحدة وعدم الاستقرار المرتبط بذكرياته الأسرية إذا كان لديه أطفال ويصطدم بالناس نتيجة شعوره بالمسؤولية عن انهيار الأسرة، إضافة إلي عدم السماح له قانوناً بحضانة الأولاد في معظم الأحيان إلا في سن متأخرة وكل هذا من شأنه أن يصيبه بعقدة من الطلاق والأدهي من ذلك عند اتخاذه خطوة الزواج الثاني يواجه برفض الكثير من الفتيات له خوفا من تكرار طلاقه بل ويضعون أمامه شروطا تعجيزية تصيبه بالإحباط وقد تكون تلك الأسباب هي من دفعتهم للانضمام للجمعية ويزيد عددهم عن السيدات". وعن المهارات المقدمة لهم ليستطيعوا التعايش مرة أخري مع المجتمع تقول: "هناك أنشطة متعددة وندوات تثقيفية يتم تنظيمها أسبوعيا يتم مناقشة ضرورة عودة الثقة مرة أخري بالنفس وكيفية تدعيمها وتنمية المهارات المختلفة إضافة إلي تعديل السلوك غير المرغوب ويشترط أن يعترف كل عضو بأخطائه وسلوكياته غير الحميدة حتي يستطيع تعديلها وتفسير نظرته للجنس الآخر وتنقية الذهن والروح من أي ذكريات وخبرات سيئة وكل ذلك يتم من خلال أساتذة علم نفس واجتماع إضافة لأطباء متخصصين في كافة الأمراض كما نقيم رحلات مشتركة يتعايش فيها المطلقون والمطلقات وأطفالهم، مما يجعل كل فرد منهم يشعر بأنه ليس وحده ضحية الطلاق، بل إن هناك آخرين في مثل حالته وخرجوا من الأزمة. ولهذا تتحول هذه الرحلات الترفيهية إلي منتديات ثقافية، بما تحويه من حلقات نقاشية بين كل الأطراف ونجح الكثير من الأعضاء في تقبل فكرة الزيجة الثانية ووجدوا الشريك المناسب. وحول الشروط اللازمة للانضمام إلي الجمعية تقول: "لابد أن يحمل العضو درجة جامعية ومطلق وقد فتحنا الباب للأرامل الذين يواجهون مشكلات مماثلة ولا يشترط الحضور وإنما يمكن التواصل معها من خلال الإنترنت وتضم الجمعية اختصاصيين نفسيين واجتماعيين متاحين طوال اليوم لتقديم الدعم والنصيحة كما أننا ننظم أنشطة لأطفال المطلقين ورحلات ترفيهية فأبناء الطلاق هم المتضرر الأكبر من تلك التجربة القاسية لذا نقوم بتعريفهم بأن الطلاق هو قدر لكلا الوالدين وأن حياتهما سوف تكون أفضل حتي يستطيع التأقلم مع ذلك الوضع كما نعطي نصائح تربوية وإرشادات للمطلقين بضرورة إقامة جسور تواصل مع الطرف الثاني لمصلحة الطفل ولخلق إنسان سوي". وبعد أن تحدثنا إلي مؤسسة الجمعية استطلعنا رأي بعض الأعضاء الرجال، حيث يقول المهندس هاني مطر:" بعد طلاقي من زوجتي بعد زواج دام تسع سنوات مررت بأزمة نفسية صعبة جعلتني أعاني من الوحدة وعندما تعرفت علي أنشطة الجمعية من خلال شبكة الإنترنت تواصلت معها وحضرت الندوات والمحاضرات التي تنظَّم في مختلف فنون الحياة وكيفية إدارة الأزمات، وخاصة الأسرية، من خلال الاستماع إلي الأكاديميين المتخصصين، وكذلك أصحاب تجارب الطلاق المشابهة من أعضاء الجمعية جعلتني أعيد التفكير في طريقة حياتي وسلوكياتي الخاطئة لأقوم بتعديلها وأنني يمكنني البدء من جديد، لأن الحياة حلوة والاستفادة من الأسباب المؤدية إلي الفشل في الزواج الأول تؤدي إلي النجاح في الزواج الثاني". واتفق معه في الرأي الدكتور محمود زين أحد أعضاء الجمعية فيقول: "فور علمي بإنشاء الجمعية سارعت بالانضمام لها لأخرج من العزلة التي عشتها كثيرا كما أنها تقدم مزايا متعددة لأعضائها لاسيما الأطفال الصغار الذين حرمهم الطلاق من الاستقرار، فالطفل داخل الجمعية يتفاعل مع الأعضاء ويتلمس مشاعر العطف والحنان المفقودة في حياته كما يشعر أن أسرته أكبر من الأسرة المعتادة وأن محيط العلاقات أكبر بكثير مما كان يتمني، ومن هنا تتعمق مفاهيم التواصل الاجتماعي بشكل عملي".