السفير الفرنسى فى ضيافة رئيس حزب الحرية والعدالة ساعات قليلة للغاية فصلت بين إعلان واشنطن عزمها مواصلة الاتصال والحوار المباشر مع جماعة الإخوان المسلمين وبين استقبال د. محمد مرسي، رئيس حزب الحرية والعدالة الإخواني، للسفير الفرنسي بالقاهرة، جان فيليكس باجنون.. ناهيك عن عشرات المبادرات والتحليلات الغربية التي ظهرت علي السطح فجأة داعيةً لفتح صفحة جديدة مع أبناء حسن البنا، وذلك علي ضوء واقع مصري جديد يلعب فيه الإخوان دور البطولة، والأدوار المساعدة، والتأليف والإخراج والمونتاج، وربما المتفرجين أيضاً.. فالجماعة التي كانت آخر من التحق بركب الثوار بشكل رسمي، عصر جمعة الغضب الأول في الثامن والعشرين من يناير الماضي، كانت أول من قفز منه بمجرد تنحي الرئيس السابق، حسني مبارك، بحثاً عن مكاسب سياسية خاصة في الداخل والخارج. يخطئ من يظن أن أيادي الأمريكيين والأوروبيين الممدودة الآن للإخوان تمثل تحولاً في استراتيجية الغرب تجاه أشهر وأكبر حركات الإسلام السياسي وأكثرها تنظيماً وتأثيراً في مصر والعالم العربي.. فالأمر لا يتعدي كونه اتصالاً في العلن بعد سنوات من علاقات الخفاء الخاطفة، حواراً مباشراً بين قيادات ومسئولين من أصحاب المواقع والمناصب العليا بعد عقود من الأحاديث الدليفري، المارة عبر وسيط أو علي هامش مؤتمر دولي، فيما كانت تتولاها عناصر قيادية من الدرجة الرابعة أو الخامسة حرصاً علي عدم لفت الأنظار أو إثارة غضب نظام مبارك تجاه الجماعة، وكذا تجنباً لعبوث وجه الرئيس المخلوع "المؤقت علي كل الأحوال" في وجه حلفائه الغربيين. قبل أربع سنوات كاملة، في العام 2007 علي وجه الدقة، كان الاتصال الأشهر علي الإطلاق بين أمين عام حزب الحرية والعدالة، د. محمد سعد الكتاتني، رئيس الكتلة البرلمانية للإخوان وقتها، وبين زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس النواب الأمريكي ستيني هويار، وذلك علي هامش عشاء دعا إليه السفير الأمريكي الأسبق بالقاهرة، فرانسيس ريتشار دوني، بمنزله، وجمع عدداً من نواب الكونجرس الأمريكي ومجموعة مختارة من مختلف التيارات السياسية في البرلمان المصري. الفرنسيون معتادون أيضاً علي حوار الإخوان، وتكفي للتدليل هنا الإشارة إلي ذلك اللقاء الذي جمع آن شارلتون، المسئول السياسي للسفارة الفرنسية بالقاهرة، والمحامي الإخواني المعروف، العضو السابق بمجلس نقابة المحامين، جمال تاج.. ذلك اللقاء الذي تم في مكتب الأخير بمقر النقابة العامة بوسط المدينة صيف 2009 وحضره "كاتب هذه السطور" وشهد علي تفاصيله كاملة.. المسئولة الفرنسية لم تتعامل مع تاج بصفته النقابية، بل إنها لم تتوقف كثيراً أمام أحداث وصراعات النقابة والشد والجذب والمعارك حول انتخاباتها والتي كانت علي أشدها في تلك الفترة، لكنها كانت تخاطب أحد القيادات المهنية بالإخوان المسلمين، فسألته عن موقف جماعته من قضايا التوريث والحريات والمحاكمات العسكرية فضلاً عن طموحاتها السياسية، بينما كانت إجابات تاج تحمل تأكيداً متواصلاً بأن الجماعة تري، أو تؤكد، أو تعاني، أو تطمح، لا أنه هو الذي يري أو يؤكد أو .. أو.. لكن المفارقة الآن أن علامات الارتباك لاتزال واضحة علي قيادات جماعة الإخوان المسلمين في تعاطيها مع وضعها الجديد كقوة منظمة علنية وغير محظورة، فلا هم يتعاملون بشفافية كاملة أو تنحية تامة لمصالحهم التنظيمية الخاصة مع الشأن المصري الداخلي، ولا يبدو أنهم مستعدون بالقدر الكافي لأسئلة الغرب الذي هرول إليهم بحثاً عن رسم ملامح دقيقة لمصر إذا ما اعتلي سدة الحكم فيها إسلاميون.. وعليه كان التضارب بين موقفي الجماعة وحزبها من الحوار مع الأمريكيين والأوروبيين.. فبينما أكد مسئولو مكتب الإرشاد أنه لا حوار إلا عبر الخارجية المصرية، كان تصميم الدكتور الكتاتني علي الترحيب بالحوار المباشر: "نحن حزب شرعي متواجد علي الساحة، فما المانع من أن نمارس أنشطتنا وأن نعرف الناس حقيقتنا دون شروط".. هكذا أكد بحسم. في المقابل وبعيداً عن تأكيد وزيرة الخارجية الأمريكية، هيلاري كلينتون، علي محدودية الاتصال مع الإخوان لبيان موقفهم من عملية التداول الديمقراطي للسلطة وحقوق الأقليات والمرأة ومن تعهدات مصر الخارجية وبخاصة معاهدة السلام مع إسرائيل (النقطة الأخيرة بالذات كانت محور تساؤل للسفير الفرنسي في لقائه مع د. مرسي)، فإن مراكز الأبحاث الكبري في واشنطن تبرر موسم حج "الغرب" للإخوان المسلمين بأن صناع القرار في بلاد العم سام وحلفاءها يرون في الإخوان حالياً بديلاً للحزب الوطني المنحل، والذي حكم مصر وحدد سياساتها الداخلية والخارجية طيلة ثلاثة عقود. الصحفي والمحلل السياسي الألماني، شتيفان بوخن، علق علي الاتصال الجاري مع الإخوان في تصريحات خاصة لآخرساعة بأن واشنطن أدركت أن الإخوان يشكلون قوة سياسية لا يجوز تجاهلها في المشهد السياسي المصري، ومن ثم فهي تبدي موافقتها علي فتح الحوار مع تلك الحركة "علي أمل أن يقترب فكرها السياسي من تفكير حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا والذي تعود جذوره إلي الإخوان". لكنه لفت إلي خشية الغرب من أن تحل أنظمة إسلامية محل الأنظمة التي سقطت أو التي في الطريق لذلك. ومن ثم فإن إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما تعول علي أن تثمر مثل هذه الحوارات والعلاقات الرسمية مع القوي والحركات الإسلامية بالمنطقة كالإخوان في إدماجها في عملية السلام، لكنه أكد أن علاقة الإخوان بحماس وموقفها المعادي لإسرائيل سيمثل بلا شك عقبة كبري في العلاقة بين واشنطن وأبناء حسن البنا. روجر يجزم بأن العلاقة بين واشنطن والإخوان لن تخرج عن الإطار الدبلوماسي المبني علي المصالح المشتركة بين الطرفين، فيما لن تتسم يوماً بالعمق أو التعاون التام. ولم يستبعد روجر في حوار أجرته معه هيئة الإذاعة الألمانية، دويتشه فيله، مؤخراً، أن تحدث اتصالات من جانب تل أبيب بالإخوان في المستقبل، لكنه أشار إلي صعوبة أن يحدث ذلك في عهد حكومة بنيامين نتنياهو الحالية. وبينما تتصاعد المخاوف داخل وخارج الإخوان من حوارهم مع الغرب، خشية إفساده الجماعة، أو تحويل بوصلتها بعيداً عن الأرضية الوطنية، فإن الدكتور محمد سليم العوا، المرشح في الانتخابات الرئاسية القادمة يري عكس ذلك تماماً، قائلاً بكل ثقة وهو القريب من الجماعة علي نحو كبير: "ما يتحاور الإخوان مع العفاريت الزرق.. هما الإخوان صغيرين.. دا الإخوان يدوخوا اللمونة"..!!