آآآآآآآآآآآآآآآآه.. آي رقبتي رقبتي ارحمني حاتخنق حاتخنق.. أرجوك ماتموتنيش ماتشنقنيش.. حاديك نص أموالي.. أبوس إيديك.. طيب أنا ما عنديش أولاد يورثوني حاديك اللي ورايا واللي قدامي وكل ملياراتي بس سيبني أعيش.. سيبني أعيييييييييييييييييييييش ..... ياربي.. أعوذ بالله.. أنا حي ولا ميت.. مش عارف آخد نفسي كابوس كابوس.. إيه الضلمة دي وإيه الشبح الأسود ده؟ زنزانة دي ولا مقبرة؟!.. كباية ميه كباية ميه.. خرجوني من هنا.. أنا ما تسجنشي.. أنا ماكانش حد في البلد دي يقدر يقف قدامي.. أنا ليّ أربعين سنة باحكم واتحكم في أفخم القصور.. أوووووف.. طيب بس لما أخرج لكم يا...! ...لا قوة إلا بالله.. قد إيه الإنسان دا ضعيف ونمرود في وقت واحد: في لحظة يصرخ ويستنجد ويعرض كل كنوز ونفوذ الدنيا مقابل شهقة هوا، وفي لحظة بعدها يملأ صدره الغرور والغطرسة، ثم يعيث في الأرض بالفساد والظلم والطمع، ولا يملأ عينه سوي أن يحصل علي مقابل لكل شيء يمر من تحت يديه.. وأنا بلا فخر أحد مجموعة تعد علي أصابع اليدين في هذا البلد لا أترك أحدا يدخل مكتبي ويتنفس أمامي الا اذا أخذت منه إتاوة أو رسما أو هدية نفيسة مقابل تنفسه وفتحة الباب الذي يمر منه إلي الرجل الكبير! (1) حاجة غريبة.. الرجل دا محظوظ بشكل عجيب: يوم واحد فرق بين إنه يجلس ببيته أو أن يصبح أكبر راس في البلد، والسر أهه في إيدي.. دا راجل ما يتسابش، لازم أنط له وأعيش في جيبه وبعد كده أطويه وأحطه هو في جيبي.. وأنا باستمرار باخلي نفسي جاهز، وأهم حاجتين في التقدير والاحترام: البدلة الميري والدكتوراه فلنتوكل علي الله.. ورغم إنه لا يحب القراية ولا يطيق فذلكة المثقفين، لكنه يحب يتداري فيهم، خصوصا لو كانوا من عينة أصحاب أختام الأمن الرسمي والميري.. ودلوقتي ياست مرجانة يللا بقي نبدأ في الأربعين شغلانة، وأنا أموت في لعبة الأراضي، بس مايكفينيش فدان ولا اتنين.. أنا من بتوع الأربعة آلاف والأربعين ألف وانتي طالعة، وما احبش ازرع للشعب "العدمان"، إنما إنتاجي للتصدير بالدولارات وأسعار الخواجات، وإن كان علي القوانين وخلافه فالقوانين احنا اللي بنعملها ونغيرها وقت مانحب والبلد بلدنا والسجلات والدفاتر بتاعتنا، وكبير البلد في جيبنا، وتارك لنا الحبل علي الغارب وكل واحد عارف المطلوب، وهو لايطمئن لأحد من موظفيه أكثر مني، والسنين أكدت له إخلاصي وأدائي لكل حقوقه بالزيادة ودون نقصان، وأنا يادوب قدامه قنوع وبارضي بنصيبي بجوار الوزراء والكبار في القصور والشقق والفيلات، ولكن من ورا ضهره الدهب والهدايا والألماظات ماينفعنيش حتة ولا اتنين ولا عشرة، أنا مايملاش عيني إلا ميات وآلافات.. هم كام واحد في البلد دي عنده البدلة والدال وماسك في إيده كمان كل مفاتيح وأسرار كنوز لقمان وسليمان؟! وعلي فكرة احنا حظنا حلو.. التحف والمجوهرات والتماثيل اللي كانت حتتهرب من كذا سنة لدبي دي نميسة أوي، وفيها أندر الآثار الإسلامية وأغلي مقتنيات الأسرة الملكية.. دي ما يصلحش لها مكان غير عندي هنا في القصور الجمهورية، أكيد حانحتاجها في أيام "زنقة زنقة" وكل صاحب أو صاحبة نصيب في حاجة حتوصله، مع التحية! (2) الراجل دا بيحب يتحرك متخفي، ويموت في السرية والكتمان، وذنبجي ويحب الكدب زي عينيه، لكني طبعا باحسسه إنه أصدق البشر، وماخبيش عليكم أننا حوله نعرف أن كلنا هذا الرجل، فنحن نعيش حياة واحدة ومباهجها مغرقانا ومنسيانا نفسنا وربنا وحتي أهلنا.. والمناصب الكبري لاتقبل القسمة علي اتنين فإما أنا أو أنا.. أما أي حد تاني يكون شايف نفسه، فهذا مكانه خارج القصور.. وما أسهل بث الشك حوله وإثارة الخوف منه.. فدا بتاع ملذات وداك لسانه زالف وهذا كثير الاختلاط والقعدات، وكلها أنماط وشخصيات لا سر يمكن حفظه طرفها.. ومن المستحيل ائتمانها علي خطط أو مؤامرات.. وهي لمن لا يعلم من لوازم حياة قصور وسرايات الحكام الذين هم علي شاكلتنا.. ومن الأفكار التي أعجبت الرجل الكبير مني بدرجة مذهلة.. أنني كنت ألعب خارج القصر دور النزيه الصارم والمقاوم الأقوي ضد الفساد، وكنت أتعمد أن يجلجل صوتي في جنبات القاعات وأمام الشاشات والكاميرات وكانت خبرتي الأولي في هذا المجال من عميد المسرح العربي يوسف بك وهبي في إشاعة حب وهو يكذب علي ابنته سعاد حسني من أجل إيقاعها في حب ابن أخيه القفل عمر الشريف! وكان هذا الأداء يبهره، فهو بالنسبة له متعة شخصية، كما أنه دعاية حية ومتحركة، باعتباري أمام الناس ممثلا مباشرا له وانعكاسا لشخصيته وسلوكه ومبادئه.. وقد ساهم ذلك لسنوات طويلة في الحفاظ علي صورته الجادة النزيهة، وحتي حينما بدأ الشك يساور الناس في نزاهة أقرب الناس إليه بمن فيهم أنا وأسرته، ظل هو في صورة أفضل، لمدة أطول.. وكان مما يسعد قلبه أيضاً ميله غير العادي لسماع النكات والقفشات والأسرار الجنسية والعاطفية.. وقد كان ذلك سببا مباشرا في حرصي علي تجميع المعلومات والمستندات من مختلف الأجهزة أولا بأول حول تورط الكبار والمشاهير في العلاقات والغراميات السرية، وكنت أجتهد في التدرب علي طريقة روايتها وأدائها في أسلوب قصصي ودرامي مؤثر، بنفس نمط أدائي المسرحي لقصة النزاهة والشفافية الخيالية التي كانت تميز العهد بأكمله. (3) ولا أخفي أن عقدتي الشخصية كانت علاقاتي بالنساء، فلم تكن تتم في بداياتها بسهولة وتلقائية مثل الكثيرين ممن أعرفهم، لكنني بالطبع أعرف أنني أملك المنصب والجاه والنفوذ وهذا ما كان يحقق لي الكثير مما أريده، لكنه للحقيقة كان يعوزه الإحساس الطبيعي الصادق بأن العلاقة خالصة نقية من أجل شخصي وذاتي، ولكي أحقق كما كثيرا من العلاقات يحقق لي الإشباع الشخصي وفي نفس الوقت لا يبعدني عن مقر عملي الذي يكاد يتطلب 24 ساعة عمل في اليوم، فقد كانت السرايات والقصور هي مقار لقاءاتي الغرامية، ومن الطبيعي أن أعرف أن الرجل الكبير يمكن أن يعلم بذلك منذ أول لحظة، لذلك لم يكن ممكنا أن أبدأ في أي شيء يخصني إلا بعد توفير وترتيب كل متطلباته هو أولا وفي أي مكان وزمان يريده.. ولأننا تقريبا شخصيتان متقاربتان في الطبيعة الرسمية والجدية في العمل فقد كانت ميولنا ونوعيات من نحب أن نقترب منهن متشابهة تقريبا، فكلانا خاصة في السنوات الأخيرة كان يميل لبعض الصبايا والجميلات الصغيرات من مجالي الفن والإعلام.. وكان ذلك يتم داخل مصر وخارج مصر، في الرحلات والسفريات إلي دول العالم المختلفة.. وكان يؤلمني جدا رغم سلطاتي وجبروتي أن ترفضني إحدي الجميلات أو تتهرب مني مع كلمات ظاهرها الذوق والرقة وباطنها الكراهية والاحتقار.. وقد يكون ذلك مع عوامل أخري قد ترجع للطفولة أسبابا في أنني أجد راحة ومتعة خاصة في التعامل مع النساء البسيطات كالموظفات والبائعات والعاملات، وقد يصل لمستوي الشغالات.. وكانت هذه النوعية من السيدات يتعاملن معي بلطف وإخلاص يشعراني بصدق افتقده كثيرا في الحياة.. (4) من الطبيعي ألا أخفي عن أوراقي الخاصة أدق أسراري التي لا يمكن أن يراها غيري في حياتي.. فقد تمكنت بما حصلت عليه من معلومات ووثائق ومستندات علي مر السنين أن أكون الممر الوحيد الذي لابد أن يعبره أي شخص يريد أن يتصل بالرجل الكبير، فيما عدا أسرته بالطبع.. وقد أتاح لي ذلك العلم.. بل القدرة علي اتخاذ القرار إذا أمكن أو التأثير فيه بقوة إذا كان من الضروري عرضه علي الكبير، وقد أدرك ذلك الوزراء والمحافظون والمسئولون، وأصحاب المشروعات ورجال الأعمال، وكان لذلك ثمن معتبر يضعه كل هؤلاء في حسابات التكلفة بجانب جميع عناصرها الأخري سواء التكلفة الرأسمالية المباشرة أو الإكراميات والمصاريف الأخري غير المنظورة ، مما هي من ضرورات تمرير المشروعات في بلد يتحكم في سياساتها واقتصادها وأسواقها عدد محدود جدا من الكبار.. وكان الاطمئنان لجانب جميع من حولي خاصة الرجل الكبير يعطيني القوة في أن أطلب أي مبالغ أريدها بما قد يصل لعشرات الملايين في الصفقة الواحدة، ناهيك عن الصفقات الكاملة كالأراضي والڤلل والقصور التي أطلبها لنفسي خالصة " مخلصة"! وللأمانة فقد كنت أعامل الدول وحكامها وبالذات الملوك والأمراء والسلاطين الأثرياء نفس معاملتي لرجال الأعمال، كل حسب ثرائه وحجم المسألة أو المشروع الذي يريده من الرجل الكبير أو غيره.. وعلي قدر الثراء والكرم العربي الشهير كانت الهدايا الثمينة تقدم لي ولجميع العاملين معي كحاشية قصر أكبر بلد عربي وقد تنازل كبار هذا البلد عما تتطلبه مكانة دولتهم إلي الحد الذي أصبح لها تسعيرة بمبلغ أوهدية تحط بالضرورة من كرامة هذه الدولة العظيمة.. لكن يبدو أن السكين والمصالح الضيقة كانت سارقة للجميع.. (5) كان اقترابي من أسرة الكبير يتيح لي الكثير ، ومن ذلك أنني أصبحت أتمكن من معرفة كل ما يفكر فيه أفراد هذه الأسرة، فتكفيني نظرة مبكرة جدا في عيون الأم، لأدرك علي الفور رغبتها الشديدة في توريث ابنها الذي تعتقد أنه أعطاها عمرا ثانيا أستغفر الله ولأنني من هواة ركوب كل الأمواج التي تصل بي إلي مراميّ الشخصية، فإنني يجب ألا أفوت الفرصة كي أنول ثقة الأم العمياء إلي جانب الثقة المتوافرة من الكبير بالطبع، وأجعلها توقن أنني أفضل من سيصل برغبتها إلي شاطئ التحقيق والأمان، وبالفعل شرحت المسألة للوزيرين الكبيرين المقربين مني ولهما نفس هواية ركوب الموجة ذات الاتجاه السليم، واتفق ثلاثتنا بالأساس إلي جانب آخرين مهمين، لكنهم يلعبون من زوايا وتربيطات أخري وأصبحنا نحن الثلاثة نعمل كفريق متناغم حتي سقط واحد منا في منتصف الطريق لاستكمال أمنية العمر للأم وابنها التواق للعرش الجمهوري الرهيب.. وللحقيقة فقد كانت لفريقي ميزة في ملعب التوريث، وهي أننا مقربون في نفس الوقت بدرجة مذهلة من الكبير الذي وافق علي هذه اللعبة مؤخرا جدا، لكنه كان في البداية لايميل لها ورآها مغامرة قد تؤدي في أقل جانب منها لخطر الموت، ويبدو أنه كان صادقا، فقد وصلت بنا جميعا لما هو أسوأ من الموت.. وفشلت جميع الخطط والمؤامرات أمام إرادة الشعب المظلوم التي هي من إرادة الله. اللعنة لمن يقترب من أي عرش ظالم مستبد!