من أطرف ماتوقفت أمامه في جمعي مادة صحفية عن المحمل المصري للحج، هي وظيفة أبو القطط وهو المختص بإطعام القطط البرية التي ترافق الموكب المصري، طوال فترة الحج، وكان صاحبها يحصل علي مرتب خاص، منذ محمل شجرة الدر 648ه وحتي انتهاء سفر المحمل بريا، والاتجاه لنقله إلي السويس بالقطار بعد عام 1851م لكن بقيت الوظيفة مستمرة بمرتبها، حتي لا تغلق بيوت أصحابها، كما صدر بذلك قرار أمير المحمل وهو المسئول عن كل مايتعلق به من أمور مالية وقانونية. تذكرت به طفولتي في السويس.. وشخصية غريبة، كانت تمر بهدوء من شارعنا يوميا، يهلل حوله الأطفال مرددين أبو بسبس.. وبس هو الإله القط في التاريخ الفرعوني فأبوبسبس هو أبو القطط.. كانت ملامحه أقرب لليونانية، وجهه شديد البياض أنيق جدا رغم بساطة بنطلونه وقميصه وصندل قدميه.. وهادئ الحركة بشكل ملحوظ.. ما استلفتني وقتها هو تلهي الأطفال، بمشاكسة هذا الرجل، والهتاف حوله دون أن تصدر عنه أي بادرة غضب أو اعتراض، رغم تكرار الأمر الذي يكاد يكون يوميا.. مستمرين في غلاستهم في رجمه بالحجارة، دون سبب أفهمه.. ويهرعون بعيدا عنه. ترصدت حركته، لأعرف أنه مقيم في بيت علي مشارف شارعنا، وجدته منزلا عاديا، من دورين بسيطين مثل كل منازل الحي، وهو يقيم في الدور الأرضي، شقته مغلقة النوافذ، لكن هناك بالفعل قططا تتحرك بحرية داخلة خارجة.. قالوا إنه يؤويها ويطعمها ويرعاها. وكانت القطط والكلاب ، هي مادة شقاوة أطفال حينا الشعبي، ومطاردتها وربطها بحبل لتعذيبها.. وكنت أتساءل عن سبب هذا العنف الغريب. كنت صبيا.. ليس لدي شجاعة سؤاله.. ولا شجاعة اقتحام عرينه.. لاستطلاع حياته.. رغم رغبتي اللحوح في ذلك، حتي ضاع في زحام الحرب والتهجير لماذا تذكرته الآن. والله ما أنا عارف..