لم أسع إلي وزارة الأوقاف ولم أسأل عن أسباب خروجي منها، المراجعات الدينية التي أشرفت عليها للجماعات الإسلامية حققت نتائج طيبة، الإسلام لايعرف الدولة الدينية، والحاكم في الإسلام ليس صاحب سلطة مطلقة، أي فكر متشدد خطر علي صاحبه والمجتمع والدين، ليس من حق أحد غير ولاة الأمر تطبيق الحدود، علمانية الغرب عنصرية، المادة الثانية من الدستور لاتحتاج لتعديل وهي أمان للأقباط، والمسلم مأمور شرعا بالحفاظ علي دور عبادة الآخرين. حول هذه القضايا والمسائل محل الخلاف سياسيا ودينيا دار حوار »آخر ساعة« مع المفكر الإسلامي الدكتور محمد الأحمدي أبو النور وزير الأوقاف الأسبق حول قضايا الساعة ومصر بعد ثورة 25 يناير. ❊❊ في البداية كيف تري مستقبل مصر بعد الثورة؟ أنا متفائل جدا، رغم وجود بعض الضباب في الأفق أو المعوقات في المسيرة، لكنني أؤمن بأن النجاح طريقه محفوف بالمخاطر والثائرون في طريق النجاح لايفت في عضذهم وجود معوقات أو ثورات مضادة أو أفكار مضادة، فلابد للشباب أن يكون متوقعا للكثير من العقبات التي تمثل رصيدا هائلا كانت مع النظام الذي ثار عليه الشباب، وهذا النظام كان متغلغلا في أوصال المؤسسات والأنظمة الشبابية والجامعات والمدن والقري، فالشباب لن يستغرب من وجود هذه الترسبات وحسبه أن يكون متيقظا وألا يخالجه يأس أو قيود أو إحباط لأن المهمة ليست سهلة.، فالذي أقوله أن الثورة الشبابية تمثل قدرا هائلا من المبادئ التي آزرتها فطرة الإنسان وأنكرها المخلصون الحريصون علي تطوير مجتمعاتهم، ولن تتطور المجتمعات بقمع الرأي.. لكنها تتطور حينما يعتمد علي حرية الرأي والإبداع العقلي في الإطار الذي جاءت به شرائع السماء ولا أستطيع أن أقول إلا كما قال الشاعر أباظة فيما يتعلق بالسد: كان حلما فخاطرا فاحتمالا ثم أضحي حقيقة لاخيالا فلا أقول هذا لأنه كان حلما، لكن الذي صنعه هو الله وأهداة لمصر شبابا وشعبا وجيشا وأطيافا قامت لتعيد الحق السليب إلي أربابه ولتعيد الإنسان إلي حقوقه فنحن مع الثورة قلبا وقالبا وندعو لها ونتمني ألا تلين لها عزيمة مهما حدث أمامها من معوقات لأن الصورة سوف تكتمل بالصعاب التي سوف نتخطاها واستشهد هنا ببيت الشعر الذي يقول : لأستسهلن الصعب أو أدرك المني فما انقادت الأماني إلا لصابر وأيضا.. إذا كانت النفوس كبارا أتعبت في مرادها الأجسام .. فلا يخايلني أدني شك أن شبابنا قد قاموا بما قاموا به وشهد لهم العالم كله شرقه وغربه، فالذي حدث قريب من المعجزة. ❊❊ ما السبب في تراجع الأزهر كمرجعية معتدلة أمام المذاهب المتشددة وأفكار السلفيين المتطرفة؟ لا أراه تراجعا وإنما قضية تحتاج إلي دليل، فالأزهر لم يتراجع ولم يقصر في ضوء ما كان متاحا له من إمكانات فحسبك أن تعلم أن الإنفاق من ميزانية الدولة علي طالب جامعة الأزهر عشر الإنفاق الذي يصرف علي طالب الجامعات الأخري، وبالتالي لابد أن تكون الإمكانات كاملة ولابد أن تكون في إطار ماينبغي أن يكون للأزهر سواء الأستاذ أو الطالب فالإمكانات عامل مهم في عودة الأزهر للقيام بدوره. ❊❊ لكن ماذا عن الغزو السلفي ولجوء البعض في الشارع المصري إلي دعاة السلفية في غيبة دعاة وعلماء الأزهر؟ هذا لايعني أن الأزهر متقاعس عن أداء دوره ولايعني أيضا أن الأزهر ليس له الشعبية وليس له العمق في الشارع المصري فالأزهر له العمق في الشارع وله الشعبية فهو يعتمد علي الأسلوب العلمي. ❊❊ كيف تفسر اعتماد الدولة والمجلس العسكري حاليا علي مشايخ السلفية؟ هذا الاعتماد مرحلي وهذه حكمة القوات المسلحة وذكاؤها فهؤلاء الذين كان مضيقا عليهم في الفترة الماضية الآن تفتح لهم الأبواب حتي يقوموا بواجبهم، وليس هذا يعني أبدا ضعف الثقة في الأزهر، وأقول إن قيمة الأزهر تتمثل في أنه لا يحتكر المنبر، وأن الذين يحتكرون المنبر لايطول بهم الأمر ولايطول معهم المدي، لأن احتكار المنبر أحيانا يكون احتكارا عاطفيا، ولايكون احتكارا منهجيا فعندما يعتلي عالم الأزهر المنبر فإنه يعتليه بالمنهجية العلمية وبالمرجعية الواضحة للكتاب والسنة، وليس إلي مخاطبة العواطف وإثارة المشاعر، وسنري في المرحلة القادمة أن الأزهر سوف يبرز دوره. نتائج طيبة ❊❊ كيف تري المراجعات التي كنت تشرف عليها في المعتقلات والسجون مع شباب الجماعات الإسلامية وهل حققت نتائج إيجابية علي أرض الواقع؟ نعم حققت المراجعات نتائج طيبة لأننا كنا ندرس فكر هذه الجماعات قبل أن نلتقي بها، وهذه الدراسة أتاحتها لنا الدولة. حيث طلبنا أن نتعرف علي فكر هؤلاء حتي نستطيع أن نتحاور معهم ونناقشهم، فقد تعرقنا علي فكرهم سواء عن الخلافة أو التكفير أو الهجرة أو عن مفهوم المؤمن في الإسلام ونجحنا في تصحيح الكثير من هذه الأفكار.. فقد كان من ضمن هذه الأفكار التكفير فالمسلم عندهم هو من التزم بكل القيم والمبادئ الإسلامية دون أن يقصر في واجب وأيضا من التزم بأن ينبيء عن المنهيات دون أن يفعل منهيا عنه وأعتبروها معصية وكانوا يقولون إن الشخص إذا مات وهو غير تائب من معصيته فهو إنسان مصر يعني مخلد في النار. وكانوا أيضا يستشهدون ببعض الآيات ويتركون بعضها وهذه آفة الشباب، أي نجد الشباب يتمسك ببعض الآيات أو الأدلة دون أن يستقرئ باقي الآيات التي لها دلالة فمثلا قرأوا قوله تعالي »ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين« فطلبت منهم أن يقرأوا غيرها وهي قوله تعالي (إن الله لايفغر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) ومعني كلمة من يشاء هنا أن الذي مات تائبا موضع اتفاق من الجميع وهو أن الله يتوب عليه وأما الذي مات مصرا فهوا ليس بكافر كما يزعمون.. ولكننا نقول عنه إنه مات إلي المشيئة كما قال القائل (ومن يمت ولم يتب من ذنبه فأمره مفوض لربه). وهنا نطلق عليه مؤمنا عاصيا وهذا المؤمن العاصي قد يشاء الله أن يغفر له والأمر لمشيئته ولايدخل النار وقد يشاء الله أن يعذبه بذنوبه فيدخله النار ثم يخرجه علي أساس ماعنده من التوحيد وبينا أنه من مات موحدا لايخلد في النار. ❊❊ لكن هناك من رفض هذه المراجعات؟ البعض رفضوا هذه المراجعات بسبب تأثير قياداتهم عليهم. فكنا إذا التقينا بالبعض منهم وتحاورنا معهم ويقتنع بكلامنا لكنهم إذا التقوا بقياداتهم داخل المعتقلات أثرت عليهم. لكن هناك من يقتنع بكلامنا وكان يرد علي قادته. وأتذكر أن طالبا كان اسمه عمرو وكان والده محافظ مطروح في ذلك الوقت.. هذا الطالب حاورته في وزارة الداخلية واقتنع بكلامي وطلب مني بعض الكتب مثل كتب البخاري ومسلم وابن كثير وغيرها من الكتب واحضرت له هذه الكتب وقرأها وقد خرج من المعتقل، وأثناء وجوده في معسكر أبو بكر الصديق بالإسكندرية فوجئت بهذا الطالب واقفا أمامي وتناقشنا مرة أخري في أمور جاء يسألني عنها ثم فوجئت برجوعه عما اقتنع به وقام بالاحتداد عليّ، ثم فوجئت مرة أخري بهذا الطالب يعتذر لي عما بدر منه في حقي فقلت له يا عمرو يكفيني أنك تعرف أنك أخطأت في حقي وقد تراجع عن فكره المتطرف. ❊❊ هل الجماعات الإسلامية المتشددة تمثل خطرا علي البلاد؟ أي فكر متشدد وأي فكر لايعتمد علي الكتاب والسنة فهو خطر علي صاحبه وعلي الإسلام وعلي المجتمع فالإسلام ليس دين تشدد فهو دين السماحة والرحمة فعندما ننظر إلي الغاية من إرسال النبي ([) سنجد الرحمة »وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين« ❊❊ وكيف تري مطالب الإخوان بإقامة الحكم الإسلامي وتطبيق الحدود؟ كل من يسعي إلي إقامة الإسلام بالطريق المنطقي والمشروع فأنا أويده. لكن ينبغي أن يتخير كلا من الوقت الملائم والبيئة الملائمة. فليس لأي إنسان أن يعطي نفسه منصب الإفتاء أو الفقيه. ❊❊ من له الحق في تطبيق الحدود؟ الذي له الحق في تطبيق الحدود هو من ولاّه الله أمر المسلمين، فليس لأي إنسان أو جماعة أن ينصب نفسه حاكما علي أمر المسلمين، وليس من حق أحد أن ينصب نفسه قاضيا ومنفذا للأحكام. سلطة مطلقة ❊❊ كيف تري مفهوم الدولة المدنية في الإسلام؟ هل تقصد الدولة المدنية في الغرب أم في الشرق؟ فالدولة الدينية في الغرب لايعرفها الإسلام وهذه الدولة تعرف بالاستبداد والإدعاء بأن الحاكم هو ظل الله في الأرض وله سلطة وحصانة مطلقة وأنه لايعزل ومطاع في كل مايصدر عنه.. ولذلك الدولة الدينية في الغرب كان يحكمها رجال الدين وكانوا يعتبرون أنفسهم ألهة يشرعون ولا نقد لتشريعهم.. ولذلك قامت ثورة ضدهم طالبت بالدولة المدنية التي لا علاقة لها بالدين.. أما في الإسلام فلا يوجد أن الحاكم له سلطة مطلقة ولا يعزل وأنه مطاع في كل مايصدر عنه فالحاكم في الإسلام كما قال أول حاكم بعد »النبي«([) أبو بكر الصديق عندما قال »أطيعوني ما أطعت الله ورسوله فإن عصيت فلا طاعة لي عليكم« وهذا مفهوم الدولة المدنية في الإسلام ونحن في مصر نرحب بالدولة المدنية التي تطور المجتمعات لكن هذه الدولة ذات مرجعية دينية بحيث يجب ألا تكون معادية للمبادئ الدينية، لأن المبادئ الدينية هي المبادئ التي قامت عليها عدالة الأرض وقامت عليها حضارة الإنسان. ❊❊ كيف تفسر قول العالم الأزهري الراحل الدكتور محمد البهي أن العلمانية إيمان ببعض الكتاب وكفر ببعض؟ العلمانية تأخذ بالعلم لكنها تعطي لكل إنسان الحرية في الارتباط بالدين وعدم الارتباط، نحن وسط ففي الدولة المدنية يتساوي فيها المسلم وغير المسلم في الحقوق والواجبات وهذا مأخوذ من صحيفة المدينة التي وضعها الرسول ([) كما أننا لاندع العلمانية مطلقا ولانكذب بها مطلقا ولا ندعها جانبا ولانأخذ بها أخذا كاملا، إنما نأخذ منها ما يتماشي مع ديننا ومع مبادئنا ونرفض منها ما لا يتماشي.. فمثلا العلمانية لامانع عندها من العنصرية، فإذا نظرنا إلي أوروبا نجدها علمانية لكن موقفها من الإسلام موقف عنصري سواء في الدنمارك أو السويد، أيضا نجد أن العلمانية لن تعصم هذا المجتمع من أن يكون مزدوج المعايير حيث نجد الغرب يعامل المسلمين والعرب معاملة ويعامل إسرائيل واليهود معاملة أخري. المادة الثانية ❊❊ كيف تري مطالب بعض الأقباط بتعديل المادة الثانية من الدستور؟ في تصوري أن هذه المادة لاتحتاج إلي تعديل لأن مصر دولة إسلامية ولغتها هي العربية ودينها الإسلام، وأن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، وأقول هناك مسيحيون يدافعون عن هذه المادة ويقولون نحن لم نر السعادة ولم نر الأطمئنان إلا في ظل هده المادة وهي موجودة منذ دخول عمرو بن العاص مصر، كما أن البابا شنودة ليس ضد المادة، أما ما يطالب به البعض من الأقباط بأن يحتكموا إلي شريعتهم فلا مانع من ذلك فأنا أؤمن بأن الإنجيل الذي أنزله الله »فيه هدي ونور« وأن التوراة فيها هدي ونور وأن القرآن فيه هدي ونور، فلا يضيرنا أن يحتكم الأقباط إلي شريعتهم وهناك نص في القرآن يقول: وليحكم أهل الإنجيل بما أنزله الله فيه« .. فلا نحكم علي الطوائف الأخري بحكم الإسلام لكنهم إذا جاءوا وتحاكموا إلي الإسلام في بعض المسائل فلا مانع. ❊❊ كيف تفسر تظاهرات أهالي قنا ضد محافظهم الجديد.. وهل هذا راجع إلي كونه محافظا قبطيا؟ هذا خطأ لأن الجماهير لم ترفض هذا المحافظ لمسيحية وإنما بحسب ما سمعته من بعضهم بأنه شارك في ضرب المتظاهرين في الثورة وأتساءل هل هذا الإدعاء صادق أم لا ؟ فأنا لا أعترض علي وجود محافظ قبطي وربما يكون هذا المحافظ القبطي في موقعه خيرا من غيره فالعبرة ليست بمسحيته ولا بإسلاميته وإنما بمدي وطنيته ونزاهته في موقعه فهذا الكلام خارج عن أصول الإسلام. ❊❊ هل الإسلام يمانع في بناء الكنائس؟ نعرف من وصايا الإسلام أنه يترك للمسيحيين كنائسهم وبيعهم وصلبانهم .. فالمسلم مسئول عن تأمين دور العبادة ومأمور شرعا بأن يحافظ علي دور العبادة للآخرين. ❊❊ ما أسباب إقالتك من وزارة الأوقاف؟ يجب أن تعرف بأنني لم أسع إلي الوزارة ولم أسأل عن خروجي منها. ولو سعيت إليها لسألت عن الأسباب التي من أجلها خرجت. فأنا لم أسأل عن الأسباب .. وأقول لك عندما تم تكليفي كوزير رأيت بعض الناس الذين أعرفهم جاءوا يهنئون ففوجئت بأنهم جاءوا يعزونني وقلت لهم وقتها قبلت تعازيكم، وعند خروجي من الوزارة جاءوا أيضا يهنئونني، فقلت لهم أنا معكم قبلت تهانيكم وإذا سألتني لماذا أقول لك لأنني خرجت من مسئولية كبيرة مثل وزارة الأوقاف دون تحميلي مسئولية محددة. ❊❊ إذا كنت لاترغب في تولي منصب وزير الأوقاف لماذا لم تعتذر؟ الأمر في هذا الوقت ماكنت تشعر بحرية أن تقول لا، وما رأيت وقتها أن أعتذر لأنه قد يؤول بغير الحقيقة وحسبك أن تعلم بأنه لم يطلب مني أن أصدر قرارا يغضب الله وأحمد الله علي هذا. واتذكر أن الرئيس السابق طلب مني ألا أطول في الخطبة كما طلب مني أن أطلب من الأئمة أن يحببوا الناس في دينهم وهذا شيء كان عظيما جدا.