رفيق حبيب النظام فرق بين الإخوان والكنيسة لضمان بقائه وقدم نفسه للغرب على أنه حامي الأقباط الكنيسة لم تحقق أي مكاسب من مهادنة النظام وأتحفظ على الدعم الدولي لأقباط المهجر
نواصل نشر الجزء الثاني من الحوار الموسَّع مع المفكر القبطي والمتخصص في شئون الحركات الإسلامية الدكتور رفيق حبيب الذي أوضح فيه رؤيته الخاصة للهوية المشتركة بين المسلم والمسيحي, وأسباب سعيه الحثيث كقبطي مصري لإحياء الحضارة الإسلامية, ووضع بإجاباته النقاط على حروف منقوصة بين الهويات العربية والإسلامية والمصرية, رافضًا تغلغل العلمانية لخطرها على الكنيسة أو إلغاء المادة الثانية في الدستور لفائدتها لعموم الأقباط, الذين طالب بحلول اجتماعية لمشاكلهم في مصر . ويتطرق في هذا الجزء إلى موضوعات مهمة تخص الإصلاح السياسي، وعلاقة الكنيسة بالنظام الحاكم وبجماعة الإخوان المسلمين والقوى السياسية المصرية، وموقف الكنيسة من انتخابات رئاسة الجمهورية القادمة, وقضية توريث الحكم، وقضايا أخرى غيرها.. فإلى مزيد من التفاصيل في نص الحوار:
الأقباط يعتبرون الكنيسة الملاذ الآمن لهم, هل يمكن وصفها دولة داخل الدولة؟ تعبير دولة للمسيحيين يقال على سبيل المبالغة والظاهر أن دور الكنيسة أصبح كبيرا للجماعة القبطية, المسيحيين لجئوا للكنيسة كملاذ آمن لهم وكمساحة للحركة والنشاط وتلبية للاحتياجات, والكنسية وافقت على هذا الدور قامت به, وبهذا أصبحت الكنيسة هي المؤسسة العامة للجماعة القبطية, ولم يعد دورها ينحصر فقط في العقيدة أو العبادة والرعاية الروحية, أو العمل الاجتماعي لمساعدة الفقراء فامتد الدور لتحاول الكنيسة حل مشاكل الأقباط والدفاع عن مطالبهم وإيجاد حل عملي لمشالكهم. إلا أن تبني الكنيسة لمطالب الأقباط أدى إلى أنها أصبحت تتجه للدولة بتلك المطالب, وأصبحت تمثلهم سياسيًا ودينيًا وهذا دور جديد للكنيسة ارتضته وقبلته, فضلا عن أن هذا ما أراده النظام الحاكم لجعل كل الأقباط كتلة واحدة داخل الكنيسة, ليس لهم نشاط أو تواجد عام. وبهذا استطاع النظام أن يحدد رأس الكنيسة كجهة يتحدث إليها عندما يريد أن يتعامل مع عمومهم, و فجعلها تؤيد الحزب الوطني وأن تجعل الأقباط يستخرجون بطاقات انتخابية ويصوتون لمرشح الحزب الوطني في انتخابات مجلسي الشعب والشورى والانتخابات الرئاسية مقابل إعطاء دور سياسي للكنسية, وبهذا حول النظام الأقباط إلى كتلة مناصرة له, مستغلاً وضعه للأقباط في حالة خوف من الجماعات الإسلامية, مقدمًا نفسه لهم وللغرب وكأنه حامي الأقباط, ويقدم الحركات الإسلامة على أنها تهديد للنظام الاجتماعي, وأن بقاءه في الحكم لمصلحة الأقباط وبهذا نستيطع القول: إن النظام الحاكم حقق مكاسب هائفه من دخول الأقباط للكنيسة, ولم يحقق الأقباط أي مكاسب من تلك العلاقة التفاهمية وحيدة الاتجاه مع النظام التي حصد فيها الأخير كافة المكاسب.
هل تقبل جمال مبارك رئيسًا للجمهورية؟ فكرة أن تقوم انتخابات الرئاسة في ظل نظام انتخابي مقيد تمامًا وفي ظل الماده 67 المعدلة, فضلاً عن عدم أحقية غالب المجتمع المصري في الترشيح للرئاسة وحصر حق الترشيح في أفراد قلائل معروفين سلفًا, يجعل مجرد ترشيحه هو ترشيح تحت رعاية والده الذي يتقلد رئاسة الجمهورية, مما يجعلنا في حالة توريث لحكم جمهوري. إذن الكنيسة تؤيد النظام الحاكم في بعض المواقف السياسية؟ هذا جزء من التفاهم الحادث بين الطرفين, فالكنسية تؤيد مرشح الحزب القادم في إطار تأييدها لحسني مبارك إذا كان سيرشح نفسه, وهي بذلك ترسل رسالة للنظام بأنها مؤيدة لجمال مبارك إذا رشح نفسه, وفي كل الأحوال فهي مؤيدة لكل من يحدده الحزب الوطني وهذا حدث في كل الانتخابات السابقه, فالتعليمات تعطى داخل الكنيسة بترشيح نائب أو مرشح معين, وهذا دور لا يجب أن تلعبه الكنيسة لأنها بذلك متورطة في الصراعات والخصومات السياسية. ما تقييمك لمراجعات الجماعة الإسلامية, وهل حققت ما كانت تصبو إليه؟ اعتقد ان المرجعات التي قامت بها الجماعة الإسلامية أثرت بشكل واضح في انحصار العمل المسلح داخل المجتمع المصري, وتوقف ظاهرة مواجهة الأنظمة بالسلاح بعد أن كانت قد تطورت للاعتداء على السياح والاقباط باعتبارهم حركات ضعيفة ككبش فداء للأنظمة, وبالتالي أصبح استخدام العنف داخل الأوطان العربية بعد تلك المراجعات أكثر محدودية . برأيك هل فقدت مؤسسة الأزهر بريقها لدى رجل الشارع بتبعيتها المطلقة للنظام الحاكم؟ الازهر انهار عند صدور قانون إصلاح الازهر في بداية الستينيات لأنه أصبح جزءا من الدولة, واصبح شيخ الازهر معينا من قبل رئيس الجمهوريه, لتنتهي مصداقية الازهر بالنسبة لعامة المسلمين في المجتمع المصري , لان الرجل البسيط يدرك ان خضوع تلك المؤسسة لرئيس الدولة يجعل رأيها غير حر, و قد كان للازهر مصداقيته عندما كان مسقلا عن الدولة و كانت قيادته العليا تنتخب بهيئة من كبار العلماء, ويجب ان نعترف ان النظام الحاكم نفسه ومنذ سنوات طويله فقد مصداقيته لدى رجل الشارع. وما أبقى للكنيسة مصداقيتها انها مازالت مؤسسة مستقلة عن الدولة وتنتخب قيادتها من داخلها دون تدخل من الدولة لتظل مستقلة شعبيا, وأنا أتصور ان من اهم شروط النهضة ان يستعيد الازهر استقلاله, فلا يمكن ان ننهض ونتقدم إلا بمؤسسات دينية مستقلة تعلن رأيها بحرية دون الخضوع لاي سلطة سياسية. كيف تقيّم اقباط المهجر؟ أقباط المهجر كثير وليسوا كتلة واحدة لها اتجاه واحد, وجمعيات اقباط المهجر النشطة هي جزء من اقباط المهجر, وبرنامجها السياسي عليه العديد من التحفظات, لتبنيها برنامج عمل يقوم على طلب الدعم الدولي للتدخل في مشكلة المسلمين والمسيحيين, وهذا أسلوب شديد السلبية لأن الخارج لا يملك حلا, واستدعاء التدخل الخارجي يزيد الامر سوءًا, ويجعل المسيحيين يظهرون وكأنهم يستقوون بالخارج وبالتالي يبدون وكأن انتماءهم ليس للوطن. فضلا عن أن التدخل الخارجي يفرض علينا تبعية في خطوات الإصلاح السياسي القائم ومعني ذلك أننا نتنازل عن استقلالنا ونقبل أن يكون للخارج يد في قراراتنا. فأغلبية المجتمع هويتهم المصرية جزء من هويتهم الإسلامية والعربية, وعلينا ان نبحث عن هوية الأغلبيه حتي نحدد هويه المجتمع, واقتناع الاقباط بان هويتهم مصرية خالصة يجعلهم في خلاف مع المسلمين ويصنع انشقاقا و لا يوجد شعب واحد له أكثر من هوية. هل هناك اختلاف مذهبي مسيحي غربي, يفرض وجود الكنيسة المصرية بعيدًا عن التدخلات المذهبية الغربية؟ دائما هناك علاقه بين الدين والحضاره, الفكر الديني في الغرب هو مسيحي بالطبع ولكنه متأثر بالحضارة الغربية, و الحركة المسيحية الغربية جاءت إلي بلادنا لنشر الرؤية المسيحية الغربية بصراعات الكنائس في القرون الأولى في محاولة لفرض رؤيتها علي كل كنائس العالم, بسب الرغبة و الدافع القوي لدي الغرب لقيادة العالم و السيطرة عليه بوصفها القوي الاكثر تقدما. فالكنيسة المسيحية في الغرب تري ان المسيحي الغربي هو الذي يقود مسيحي العالم, و أصبحنا مسيحي الشرق نواجه محاولات الهيمنة الفكرية المسيحية الغربية, الا ان الكنيسة المصرية الام الارثوذكسية لها هويتها و فكرها الخاص الشرقي , وبالطبع لا يوجد ما يمنع ان يستفيد عالم اللاهوت المصري من عالم اللاهوت الغربي ومن كتاباته وان يكون هناك علاقه و تحاور بينهم في مجال العقيدة,اما مجال الفكر المسيحي يختلف لانه تطبيق للرؤية المسيحية وفق ظروف المجتمع. هناك اتهام ل"الإخوان" بتديين السياسة و تسييس الدين، وادخالهم الدين في الصراع السياسي وتهميشهم للأقباط ؟ انا اعتبر تعبير تدين السياسة تعبير جيد لانه يعني ان نفرض القيم الدينية على السياسية لتكون شريفة و مخلصة اما تسييس الدين فهو مرفوض, فكون الدين حكم على رجل السياسة يعني انه مرجعية له و هذه وظيفة ايجابية للدين, اما اذا استخدم رجل السياسة الدين باعتباره أداة من أدواته يتحكم فيها و يستخدمها أو يرفضها متي شاء فهذا هو التوظيف السلبي للدين, فكل من يقول ان الدين حكم على حاسبوني به هو ملتزم بالمرجعية الدينية, و كل من يرفض ان يحاسب طبق احكام الدين هو يستخدم الدين. وبهذه النظرة فالجماعة تقول دائمًا نحن نطالب بأن تكون الشريعة الإسلامية هي المرجيعة الأولي التي يحتكم إليها الجميع وكل من يخرج عليها يحاسب والنظام الحالي خارج جزئيا عن احكام الدين و هذا الخروج يتزايد اتساع مع الوقت. وفكرة ان وجود جماعة الإخوان أدى الي عزلة الاقباط غير صحيحه لان الإخوان كانوا غيرمحظورين فيما سبق و كان لها فروع في كل انحاء مصر و كان الاقباط يعيشون فترة حراك اجتماعي قوية. هل هناك دور للنظام في التباعد بين الإخوان والاقباط؟ الجماعه تعاني من حصار امني وحظر قانوني ولا يتاح لها ان تتفاعل مع الاقباط و يتم تخويف الاقباط منها حتي لا يتعاملوا معها, لو حدث تفاعل حقيقي في الشارع سوف تقل مخاوف الاقباط وسط مجتمع سياسي حر.