تسيطر علينا حالة من القلق والخوف من الغد .. لأن الأصوات العالية الآن مخيفة.. وبدأنا نتساءل هل الثورة الشعبية العظيمة، حررت الألسنة والعضلات دون العقل؟.. هل فجرت مخزون الغضب فقط؟.. هل يملك أحد غير الإسلاميين المتشددين خارطة للطريق؟.. هل الثورة مازالت محاصرة بالأمن وبلطجية فلول النظام، بالاضافة للقوي الإسلامية المتصارعة؟.. المشهد في مصر فوضوي وغير متسق، شباب ينظف ويجمل ويرمم آثار الثورة، ويدعو لإنقاذ مصر ماديا بدعم البورصة، وحضاريا بتكوين مجموعات عمل منظمة لمحو الأمية وتهذيب السلوك واحترام القانون .. وشباب مضاد، يحول ماتش كرة من ساحة رياضة شعبية محببة إلي استعراض علني للهمجية .. وجماعات إسلامية تهدد وتروع كل من يخالف أفكارها .. سلفيون يهددون بإقامة الحد وينفذون تهديدهم بقطع الأذن وحرق المنازل .. ومجلس شوري إسلامي يناقش هل إنشاء شرطة جديدة باسم شرطة الحسبة، لمحاربة المنكرات أفضل، أم تفعيل شرطة الآداب، علي اعتبار أن شبكات الدعارة منتشرة في كل مكان، وبالأخص في الأماكن العامة والسياحية !! هذا نص المنشور في الصفحة الأولي للمصري اليوم وكأن الثورة قامت لأن مصر كانت مرتعا للدعارة ! كيف تحولنا بهذه السرعة من مصريين أشعلوا ثورة هادرة، زلزلت كيان نظام قمعي فاسد في أول ساعاتها، إلي مجتمع يخاف من بعضه؟.. كل المصريين اجتمعوا علي هدف واحد، وهو إسقاط ديكتاتور خائن، ومحاكمته هو وأتباعه .. وأعلنوا إصرارهم علي إقامة وطن حر، ودولة مدنية تحقق العدالة الاجتماعية .. فماذا حدث.. وماذا تحقق .. وكيف ننجو؟. ماحدث هو تباطؤ وترهل في نزع جذور الفساد .. وفي محاكمتها .. وفي استبدالها بعناصر عفية تملك من العلم والثقافة نفس قدر الشجاعة .. وبالتأكيد هي موجودة في كل قطاع، ومعروفة، وجاهزة لحمل المسئولية .. لكن حكومة د. شرف آثرت السلامة والتأني .. فاستعانت بأهل الخبرة الذين سحب العمر من همتهم، وسحبت الإحباطات من شجاعتهم .. وأصبحوا حذرين أكثر مما يحتمل الموقف.. والثورات تحتاج إلي فرسان. أما المسئول الأول عما أصابنا، فهو الإعلام .. الذي فقد توازنه وهو يطارد القارئ والمشاهد لكي يستبقيه معه .. واختلط الحابل بالنابل .. إعلاميو التليفزيون يحاكمون بعضهم وينتقمون من نجوم شباك سنوات الفساد .. وجرائد معارضة تلهث في سباق نشر كل ماهو مثير من أخبار نجوم الفساد لإشباع شهوة النميمة أولا، وهدفها الأعظم هو استمرار القراء في مصايدها.. وجرائد قومية تجاهد لتبرئة نفسها، وتبالغ في الاعتذار عن سنوات السجود .. الكل فقد اتزانه نتيجة صدمة الحرية المفاجئة.. والنتيجة هي نشر كل ماهو متاح، بلا حكمة في الاختيار أو العرض، فسقطنا كلنا في حالة اكتئاب من متابعة الكم المذهل من تفاصيل الفساد.. ومن إحساسنا بالبطء في التحقيقات .. ومن إهمال تفاصيل معينة في المحاكمات، إغفالها يثير المزيد من الفتن في المجتمع .. مثل إغفال محاكمة وزير الداخلية المعتقل عن تخطيطه لحادث كنيسة القديسين بالإسكندرية ضمن مخطط الهجوم علي الكنائس.. وهي جريمة وحشية إنسانيا ومجتمعيا تعادل جريمة قتل أبرياء الثورة.. ومثل عدم الرد علي شائعة أن الأمن كان هو المخطط لجرائم الهجوم علي محلات الذهب.. ومثل عدم القبض علي المسئولين عن هدم كنيسة أطفيح، وهم معلومون وليسوا هاربين.. مع المبالغة في التشتيت والتشويش وإجهاد القارئ والمتفرج بتفاصيل تافهة، مثل متابعة غسيل أموال حبيب العادلي، ومواكب حراسته في البدلة البيضاء من السجن للمحكمة . ولكن جاءت جمعة إنقاذ الثورة إنقاذا لأملنا في غربلة الصورة الحالية.. واستعادة روح الوعي والصحوة، والمقاومة الجماعية .. وأعادتنا للهدف الأول ..وهو بناء مصر الحرة الديمقراطية العظيمة واستعادة مكانتها التاريخية والحضارية. لهذا أقول للثوار .. حافظوا علي استفزازكم من أي خطأ أو تجاوز، أو محاولة للتشويش علي هدفكم النبيل. وأقول لرئيس الحكومة د. عصام شرف، حكمة الكبار علي »عينا وراسنا« .. احتفظ بهم مستشارين أجلاء .. لكننا نريد مسئولين بقوة الثوار .. نريد ثلاثة فرسان لقيادة المراكب الغارقة في وزارات العدل والتعليم والصحة .. نريد قرارا جريئا بنسف المحليات وبؤر الفساد في الأحياء .. استبدال السادة اللواءات المحافظين ورؤساء الأحياء أمر لا يحتمل المزيد من الانتظار .. فقد ثبت فشلهم في إدارة هذه المواقع الحيوية، أو حتي في تطهيرها من المرتشين المحترفين .. يارئيس الوزراء أنت تملك الكثير لدعم هذه الثورة .. انسف منظومة النظام الفاسد الذي جلب أتباعا لخدمته .. ابدأ بإعلان خطة التنمية، ومشروعات بناء مصر الجديدة .. لأنه بالحق والحرية والشجاعة أولا تستعيد مصر قوتها .. وتعوض خسائرها .. وتجمع أولادها تحت جناحيها .. ولاتسمح لجماعة دينية بإرهاب الأغلبية .. وإنا لمنتظرون .