حقا هذه هي مصر العريقة بتاريخها وحضارتها وقدراتها وعظمة شبابها الذي فجر بكل الوعي والإخلاص والوطنية ثورته الخالدة يوم الثلاثاء 25يناير 2011 هذه الثورة التي بهرت العالم كله بل وأذهلت الأصدقاء قبل الأعداء. اهتمام غير مسبوق لهذا الحدث الجليل الذي أطلق عليه بعض المحللين السياسيين الزلزال أو الطوفان.. أخبار »ثورة الشباب« تصدرت نشرات الأخبار في شبكات الإذاعة والتليفزيون في مختلف دول العالم الفضائيات العربية الإخبارية وفي مقدمتها BBC والعربية والجزيرة وDW والحرة و24 ساعة الفرنسية وظلت تتابع كل تحركات الشباب منذ البداية وحتي الآن. كما أبدي كل زعماء العالم وفي مقدمتهم الرئيس الأمريكي باراك أوباما والفرنسي ساركوزي والألمانية ميركل والإنجليزي جوردون اهتماما كبيرا بالثورة وطالبوا الرئيس السابق حسني مبارك بضرورة العمل علي نقل سلمي وسلس للسلطة حرصا علي مسيرة الديمقراطية والحرية وتأكيدا لمبدأ حقوق الإنسان والشفافية. ولاشك أن كل هذا الاهتمام بثورة الشباب المصري سواء من أجهزة الإعلام العالمية والمحلية وزعماء العالم شرقا وغربا وخاصة الزعماء والملوك العرب وقادة أفريقيا إنما يؤكد وبكل وضوح حجم مصر ودورها في عالمها العربي والأفريقي وثقلها في منطقة الشرق الأوسط وعلي المستوي العالمي. في البداية قاد الشباب المصري الواعي المثقف شباب »فيس بوك« ثورته بإخلاص وتفان رافعين شعار »حرية.. ديمقراطية.. عدالة اجتماعية« ومطالبين بضرورة القضاء علي الفساد والمفسدين ولكن سرعان ما انضم إليهم الملايين من أبناء الشعب من مختلف طبقاته وخاصة الطبقات المطحونة التي عانت لسنوات طويلة من شظف العيش وصعوبة الحياة نتيجة ارتفاع معدلات البطالة التي بلغت نسبتها أكثر من 15٪ أو ضعف الأجور والمرتبات والتي لا تتفق أبدا مع ارتفاع الأسعار وكذلك الشباب الذين مر علي تخرجهم ما يقرب من العشر سنوات دون أن يتمكنوا من الحصول علي وظيفة وأصبحوا عالة علي أنفسهم بل وعلي أهاليهم. لقد حقق الشباب المصري الأصيل ما عجز عن تحقيقه كل الذين نادوا بالإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي من أحزاب سياسية أو علماء ومفكرين ومناضلين سياسيين علي مدي ثلاثين عاما واستجاب مبارك لمطالبهم بعد فترة عناد لم تطل وفي مقدمة هذه المطالب تعيين نائب للرئيس بل وأقدم علي تغيير حكومة أحمد نظيف وأعلن أنه لن يترشح مرة أخري لمنصب الرئيس ولا حتي نجله جمال الذي ظل مثار جدل ورفض سياسي وشعبي علي مدي السنوات العشر الماضية لقضية التوريث وأوضح أنه ينوي الاستمرار في عمله حتي انتهاء مدة الرئاسة الحالية في شهر سبتمبر القادم. وذلك حتي يتمكن من العمل علي نقل السلطة بطريقة سلمية طبقا للشرعية الدستورية وألقي بيانه يوم الثلاثاء والحقيقة أنه كان بيانا مؤثرا هز مشاعر العديد من المصريين إلا أن العملية الإجرامية الغبية التي عرقت بموقعة »الجمال والخيول« والتي تسببت في سقوط العديد من الضحايا وعشرات الجرحي سواء من الشباب الثائر أو رجال الشرطة وأجهضت خطاب الرئيس بل وأشعلت الثورة من جديد وزادته إصرارا علي مواقفه من ضرورة إسقاط النظام بكل رموزه وفي مقدمتهم رئيس النظام نفسه وزاد الأمر سوءا الانسحاب الفوري الغامض لرجال الشرطة وهو ما يستدعي ضرورة إجراء تحقيق فوري وراء هذه الخيانة وتقديم المتسببين عنها لمحاكمة عاجلة. كما أنه لابد من الإسراع في اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لإعادة جهاز الأمن لوضع أفضل حماية للأمن الداخلي وضرورة أن يتعاون الشعب معه حتي يتمكن من القيام بواجباته علي أكمل وجه حفاظا علي أمن المواطنين وحماية للممتلكات العامة والخاصة. والآن وبعد أن حقق الشباب هدف ثورتهم بسقوط النظام وتنحي مبارك عن الحكم وتسلم المجلس الأعلي للقوات المسلحة مقاليد الحكم في البلد وإصداره قرارا بتولي حكومة الفريق أحمد شفيق بتسيير أمور الدولة في هذه المرحلة الاستثنائية. لقد حذر البعض أثناء الأزمة من مغبة حدوث فراغ دستوري حال التنحي الفوري للرئيس عن الحكم وسقوط البلد في هاوية الفوضي.. وهو ما لم يحدث بعد أن تولت القوات المسلحة التي يكن لها الشعب بكل فئاته وطبقاته كل الاحترام والتقدير زمام الأمور في هذه المرحلة الحاسمة من تاريخ مصر. وأصبح الجميع علي ثقة بالغة من أن القوات المسلحة ستقوم بواجبها الوطني علي أكمل وجه وإعادة الأمن والاستقرار في البلاد من خلال إقامة نظام سياسي ديمقراطي سليم تفخر به مصر أمام العالمين الذين ظلوا يراقبونها ويتابعونها باهتمام بالغ طوال فترة الثورة وحتي الآن. ويري أساتذة القانون الدستوري والمفكرون وأصحاب الرأي السديد في هذا البلد أنه لابد من الإسراع بتشكيل لجنة محايدة لإعداد دستور حضاري يتفق مع مقتضيات العصر الذي نعيش فيه الآن علي غرار اللجنة التي أعدت دستور عام 1923 وتكونت من 30 عضواً لكي يحقق مصالح كافة أبناء الشعب وخاصة الشباب الذين يمثلون أكثر من 30٪ منه ويعيد النظر في نسبة 50٪ عمال وفلاحين التي أصبحت خاوية المعني والمضمون ولا تتفق مع عصر التكنولوجيا والإنترنت والأسلحة النووية إذ كيف يمكن أن يتقدم العديد من اللواءات سواء شرطة أو جيش للترشح كفلاحين في انتخابات مجلس الشعب ويمتلكون آلاف الأفدنة. ومصر ينبغي كما تطالب الأغلبية من أبناء الشعب أن تكون دولة ديمقراطية عصرية مدنية تقوم علي نظام برلماني منتخب انتخابا حرا نزيها يراعي مصالح كافة أبناء الشعب يرعي مصالحهم ويسعي إلي تحقيق آمالهم في حياة حرة مستقرة وغد آمن مشرق في ظل أوضاع اقتصادية واجتماعية محترمة ومشرفة أمام كل شعوب العالم.