حزمة من الاعتبارات السياسية ربما تغلق أي أحاديث متواترة حاليًا بشأن مصالحة مرتقبة أو متوقعة بين الدولة والإخوان.. منها أزمات داخلية في الجماعة باتت تهدد وجودها فعليًا ولم يعد هناك مفر معها من رفع الراية البيضاء أمام السلطة علي أمل الحفاظ علي التنظيم علي قيد الحياة ولو ظل راقدًا علي أجهزة التنفس الصناعي. فضلًا عن مجموعة من المعادلات الدولية والإقليمية وحساباتها المعقدة، ورغبة قوي كبري بالمنطقة كالمملكة العربية السعودية، في نبذ الخلافات وتشكيل جبهة سنية موحدة، تضم الجميع، دولًا وتنظيمات، في مواجهة المارد الإيراني الشيعي. وقبل هذا وذاك رغبة صانع القرار السياسي ربما في خلق مناخ مغاير يزيد من الشعور بالأمن في الشارع. السؤال، هل حسب أي من المتحمسين للتهدئة بين السلطة ورجال المرشد، حساب العشرات من أبناء الجماعة ممن انخرطوا فعليًا في صفوف الإرهاب، وبخاصة في طبعته الداعشية الدموية؟.. «لم يتصدر أحد أو جهة مسئولة للإجابة علي ذلك التساؤل الشائك»، يقول الخبير في الجماعات والحركات الإسلامية، هشام النجار، لافتًا إلي أن مصر تعيش حاليًا إرهابًا من نوع مختلف عما كان عليه في موجة الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، حيث تنهار في هيئته الجديدة الحسابات الأيديولوجية والسياسية بين التنظيمات، فيما تتعاظم فيه «فقه الأهداف المشتركة»، والمتمثل في محاولات متواصلة لضرب الدولة. الكلام السابق لا يعني إلا أن العشرات من شباب الإخوان لن يعودوا أبدًا عن طريق العنف، ولو كان سبيلهم في ذلك جماعات تكفرهم في الأصل كداعش. بين أيدينا دراسة غاية في الخطورة والدقة في رصد تحولات التعاون والتحالف بين جماعات العنف المسلح في مصر. وحسب الباحث في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، محمد جمعة، فقد بدأت خلال العام 2015 مؤشرات علي وصول جماعات إرهابية متعددة الأهداف والتوجهات إلي نقاط تقارب مثلت «إرهاصاً علي احتمالات تشكيل ما يمكن أن نطلق عليه وحدة شبكية بحيث تتقارب الجماعات الإرهابية علي اختلاف توجهاتها وأهدافها، وتتبادل الأدوار معاً بشكل مثير». هذا التقارب تجلي، كما يقول جمعة، في ملامح رئيسية، منها التقارب بين تنظيمات العنف المسلح الإخوانية مثل جماعة «العقاب الثوري» والسلفية العشوائية مثل تنظيم «أجناد مصر»، التي ظهرت كرد فعل للصراع السياسي والاستقطاب الديني في البلاد، وأيضاً تنظيمات سلفية جهادية مثل «ولاية سيناء»، حامل راية قيادة «التنظيمات الجهادية» في مصر. يقول جمعة: «رغم أن الصراع بين هذين التيارين، سمة لطالما طبعت العلاقة بينهما، وإن اختلفت حدة هذا الصراع من بلد لآخر، ومن مرحلة إلي أخري، لكن يبدو أن البيئة السياسية في مرحلة ما بعد عزل محمد مرسي وفرت أرضية للتقارب ما بين السلفية الجهادية، والإخوان المسلمين، والسلفيين غير الجهاديين أيضا، خاصة أن فكرة الحرب علي الإسلام ظلت - ولا تزال - حاضرة في كل وسائل الإعلام الإخوانية خلال العام 2015، وكان من وسائل صب الزيت علي النار إطلاق حملة إعلامية عبر قنوات تليفزيونية أنشأها إسلاميون مؤيدون للإخوان، وبعض أعضاء جماعة الإخوان، هذه القنوات هي مصر الآن (ترتبط بجماعة الإخوان المسلمين)، وقناة الشرق (يمولها إسلاميون مصريون،من غير الإخوان)، وقناة مكملين» (تبث بتمويل من رجل أعمال خليجي، وفقاً لبعض المصادر)، والثورة» (كانت تسمي سابقاً رابعة، ومصادر تمويلها غير واضحة)». علي عهدة دراسة لمحمد جمعة بعنوان «الجماعات الإرهابية الجديدة في مصر.. الأبنية الفكرية والتنظيمية»، فقد «تقدم هذه القنوات منبرا لكبار دعاة السلفية الجهادية، وعلي الرغم من أنهم ليسوا جزءاً من سلسلة قيادة الإخوان». ونظريا، حسب الدراسة وباحثها، «قد يؤدي كذلك الانقسام الجديد داخل الجماعة إلي تكاثر المجموعات الصغيرة التي تمارس العنف والإرهاب، فعادة لا يزدهر العنف إلا وسط الفوضي، إلا أنه وفي حال تعزز هذا الانقسام، وعدم تمكن جناح إخوان الداخل من تأمين الموارد المالية لتمويل استمرار وتصعيد العنف بعيداً عن مكاتب وفروع الجماعة في الخارج فهناك سيناريوهان: أولهما، أن تتفكك هذه الجماعات وتنتهي بمرور الوقت. ثانيهما، أن تنجح الجماعات السلفية الجهادية وأهمها «ولاية سيناء» في استقطاب هذه الجماعات إليها وضمها إلي عناصرها، وبالتالي، تعزز شبكة من التنظيمات العليمة بأوضاع الداخل المصري، وقادرة علي التحرك والعمل بشكل أكبر». إذن الواقع يقول، إن ثمة تحالفا وتعاون وثيقا صار علي الأرض بين الجماعات المتطرفة، بما فيها أجنحة الإخوان الشبابية المتسربة في اللجان النوعية العنيفة. ينوه جمعة في دراسته إلي أن ما تعرف بجماعة «ولاية سيناء» التقطت هذا الخيط في وقت مبكر «فقبيل ساعات فقط من تفجير مديرية أمن القاهرة يوم 24 يناير 2014، أصدرت الجماعة تسجيلا صوتياً لأحد قادتها، (أبو أسامة المصري) ناشد فيه الشباب غير الجهاديين المحبطين الذين أشار إليهم، قائلاً علي إنه ثوار ضد الطغيان: أيها الثوار تمردوا من أجل شرع الله، أيها الأبطال دافعوا عن الإسلام. أيها الثوار الأبطال.. تقبل الله الذين قتلوا منكم.. إخواني الثوار: اعلموا أن إخوانكم المجاهدين يعانون بسبب معاناتكم .. فاستمعوا إلينا». نلاحظ هنا، تعمد أبو أسامة المصري الإحجام عن انتقاد من لا يرفعون راية الشريعة في احتجاجاتهم، فناشدهم، قائلاً: إن المعركة اليوم ليست ضد فرد أو شخص أو جماعة، المعركة اليوم هي ضد الإسلام، واستمرت جهود التجنيد التي قامت بها جماعة ولاية سيناء، عقب إعلانها الولاء لتنظيم داعش، في التركيز علي الوصول إلي الإسلاميين الساخطين، حيث تظهر أشرطة الفيديو الأخيرة علي نحو متزايد مقاتلين يتحدثون بلهجات مصرية بصورة مميزة، أو يتخذون لهم أسماء حركية تشير إلي أنهم قدموا من بر مصر. علي إثر ذلك، وكما يقول جمعة، حدث تحول في الجماعات من العنف العشوائي إلي العنف المنظم، ففي الرابع والعشرين من يناير 2015، أعلنت خمس جماعات تحالفها وتشكيلها ما عرف ب «تحالف حركة المقاومة الشعبية» ويضم: حركة المقاومة الشعبية، حركة حسم، حركة العقاب الثوري، حركة ثوار بني سويف، وكتيبة الإعدام، ولكن مستوي اندماج هذه الحركات لا يزال غير معروف تماما.. إذ لا تزال هذه الحركات تنشر بيانات باسمها المنفرد وبشكل مستقل عن كيان «تحالف حركة المقاومة الشعبية». ولعل التحول المهم علي هذه الحركات بعد تحالفها معا يتمثل، وفق جمعة، في اتجاهها إلي استهداف المدنيين واستلهامها أسلوب ودعاية داعش وولاية سيناء في هذا الشأن. إذن،وبناءً علي تلك المعطيات، فلا مفر من حل وإغلاق ملف الإخوان المنخرطين حاليًا في عمليات العنف، حتي لا تبدو أي مصالحة مرتقبة كشرارة بداية أو انطلاق لموجة إرهابية جديدة لا أحد يعلم علي وجه الدقة نتائجها المستقبلية.