بصراحة لطالما حلمت بجسر يربط بين السعودية ومصر، ومنذ أكثر من عشر سنوات، ولا أفوِّت أي فرصة للكتابة أو الحديث في وسائل الإعلام إلا وتطرقت لهذا المشروع الذي يحقق الحلم العربي ويؤصل الروابط بين البلدين الشقيقين، بالإضافة إلي الفوائد التجارية والاقتصادية والنفسية للمصريين بصفة خاصة والمسلمين بصفة عامة. وعبر هذا الجسر الذي أعلن عنه الملك سلمان خادم الحرمين الشريفين خلال مباحثاته مع الرئيس عبدالفتاح السيسي في القاهرة، يمكن أن أستقل سيارتي مع أولادي وأذهب إلي الكعبة المشرفة ومسجد النبي محمد (صلي الله عليه وسلم). وأؤدي فريضة الحج أو العمرة، بنصف التكلفة علي الأقل، وبمشقة أقل بكثير من الطريق البري الحالي الذي يتم عن طريق عبّارة تعبر البحر الأحمر. أما إذا نظرنا إلي فوائده التجارية والاقتصادية، فلن تستوعب مقالة واحدة عدها أو حصرها، فهو يماثل الممر المائي لقناة السويس الذي يربط قارتي أفريقيا وآسيا، وهو كذلك جسر يمر فوق البحر الأحمر من شمال مدينة شرم الشيخ إلي رأس حميد شمال غرب السعودية ماراً فوق البحر الأحمر. هذا الشريان الجديد الذي يربط البلدين الشقيقين برباط مستقبلي سيكسر الحدود بين البلدين ويكون فاتحة خير لمستقبل شراكة أكبر وأرحب، وسيكون خط السكك الحديدية الذي يمر من فوقه حلقة وصل جديدة قد يمتد فيما بعد لدول أخري من جهة السعودية ومن جهة مصر، كالقطار الذي يربط أوروبا. وبديهي أن تنتفض إسرائيل وتنزعج، ويولول مصدر بالحكومة الإسرائيلية عبر إذاعة تل أبيب ويصف هذا الجسر "بأنه بمثابة إعلان حرب". وظني أن التصريح الإسرائيلي لن يثني عزم الزعيمين السيسي وسلمان عن بناء الجسر.. ولن يتوقف المشروع كما توقف من قبل منذ 10 سنوات.
ووسط حفاوة الاستقبال ودفء المباحثات وأجواء الأخوة التي تميزت بها الزيارة والنجاح الباهر الذي حققته الزيارة ومباحثات الزعيمين "السيسي وسلمان"، خرج من يحاول إفساد الفرحة بالاستثمارات السعودية في مصر وبزيادة الروابط بين البلدين، وبالتفاؤل بمستقبل العلاقات التي تربط أقوي بلدين في المنطقة، وأكثرهما استقرارا وتماسكا وامتلاكا لجيشين قويين ووطنيين. وحاول هؤلاء وصف اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية علي أنها تنازل من مصر للسعودية عن جزيرتي "تيران" و"صنافير" وأغفلا أن مصر لا تغتصب أرضا من عدو ولا صديق ولم تدخل حربا يوما لأخذ شيء ليس حقها ولا ملكها بالإضافة إلي أنها لم تتنازل عن حبة رمل واحدة لا لعدو ولا لحبيب، لأن مصر كانت ومازالت وستظل بلد المبادئ. وحكاية الجزيرتين ببساطة كما أجابني عليها مسئولون وأساتذة قانون علي مستوي عالٍ وذوو ثقة ومصداقية ووطنية: أن الجزيرتين تقعان داخل المياه الإقليمية السعودية، وأن مصر اتفقت مع السعودية علي احتلالهما عام 1950 وأبلغ الملك فاروق وقتها الولاياتالمتحدة وبريطانيا بذلك، للدفاع عنها من العدو الإسرائيلي الذي كان بدأ في احتلال أي أرض تقع تحت يده بعد احتلاله فلسطين عام 1948، ولأن الشقيقة السعودية لم تكن تمتلك وقتها قوات بحرية كافية للدفاع عنها. وظلت الجزيرتان منذ هذا الوقت تحت حماية السلطات المصرية، وبعد احتلالهما في العدوان الثلاثي عام 56 والسيطرة الإسرائيلية عليهما في نكسة 1967 ثم استردادهما بالكامل بعد حرب 73 وحتي الآن كانتا تحت السيطرة المصرية، ولأن العلاقات بين مصر والسعودية ليس بها نزاع، ولا خصام ولا تضارب مصالح، فقد كانت مطالبات السعودية باسترداد هاتين الجزيرتين هادئة، وغير معلنة، وكانت السعودية حريصة علي ألا تثير أي مشاكل مع مصر حول هذا الموضوع.. وهناك من الخطابات الرسمية التي تؤكد ذلك خلال تولي حكومة عاطف صدقي المسئولية حيث أقر د. عصمت عبد المجيد وزير الخارجية وقتها، ود. مفيد شهاب أستاذ القانون الدولي رئيس لجنة تحكيم طابا وقتها بأن الجزيرتين تتبعان المملكة العربية السعودية، وفي عام 1990 أصدر رئيس الجمهورية وقتها حسني مبارك قراراً جمهورياً بتحديد نقاط الأساس لحدود مصر الشرقية البحرية، وأرسل القرار للأمم المتحدة، وفي عام2010 أرسل خادم الحرمين الشريفين خطاباً للأمم المتحدة بنقاط الأساس لحدود السعودية البحرية. وكانت قد بدأت مباحثات بين البلدين عام 2010 حول ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، ولكنها توقفت في أعقاب الثورة، نظرا لما تمر به المنطقة كلها من مشاكل. وفي العام الماضي عند زيارة ولي العهد السعودي لمصر كانت قضية ترسيم الحدود البحرية بين البلدين واحدة من نقاط الاتفاق الذي تضمنه إعلان يوليو 2015 وتم تناولها أيضا خلال زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلي المملكة السعودية في نوفمبر 2015 ومن وقتها واللجان المشكلة تدرس "خط المنتصف" بين البلدين بناء علي نقاط الأساس التي وضعتها مصر عام 1990 وأبلغت بها الأممالمتحدة وتوصلت في النهاية إلي أن الجزيرتين "تيران" و"صنافير" سعوديتان. ولمن لا يعرف فإن اللجنة الفنية القانونية للبحار مشكلة من ممثلين من الدفاع والمخابرات وهيئة المساحة والبترول والخارجية والقانون الدولي. ولا يستطيع أحد أيا كان أن يشكك في مصرية ووطنية أي من هؤلاء، والأمر سيعرض أيضا علي البرلمان. وإذا كان جيش وشعب مصر العظيم ورئيسه لايفرطون في حبة رمل من أرضهم، فإنهم بنفس القدر لايمكن أن يغتصبوا حق غيرهم ولا يخونوا أمانة. من حق الشعب أن يعرف الحقيقة مفصّلة، ولابد أن يخرج رئيس الوزراء ويدلي ببيان مفصل أمام وسائل الإعلام في مؤتمر صحفي حول هذا الموضوع لا أن يقوم بإصدار بيان لا يغني ولا يسمن من جوع، ويترك الشائعات تكبر مثل كرة الثلج. وأقترح أن يستدعي البرلمان الدكتور مفيد شهاب لسماع شهادته وهو عالم جليل أثناء مناقشة اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع السعودية. آخر كلمة يقول الله تعالي : بسم الله الرحمن الرحيم {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلي أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل}.. صدق الله العظيم النساء آية 58