عمليات تهريب الملابس المستوردة تعاني صناعة الغزل والنسيج من صعوبات عدة جعلتها في وضع حرج خاصة في ظل فتح باب الاستيراد علي مصراعيه، وغزو الملابس الصينية والتركية للأسواق المصرية، حتي أن غرفة الصناعات النسيجية باتحاد الصناعات قدرت فاتورة المستورد مؤخراً بأكثر من 20 مليار جنيه، بخلاف أن 50% من الملابس الجاهزة المعروضة دخلت البلاد بشكل غير شرعي مما يحرم الدولة من عائدات ضخمة كانت ستدخل خزينة الدولة. وبالتوازي مع ذلك، فإن هناك عشرات من مصانع "بير السلم" يقوم عملها علي استيراد أقمشة وملابس غير مطابقة للمواصفات وتعمل علي توزيعها بعد ذلك، ما يهدد صحة المصريين ويجعلهم عرضة لأمراض الربو والسرطان، إضافة لتهربها من دفع الرسوم الجمركية لدخول تلك الشاحنات، كما أن هناك ورشا ومصانع صغيرة غير مدرجة باتحاد الصناعات ولا تملك سجلا تجاريا محرومة من دفع ضرائب ورسوم مادية، ما يجعلها بعيدة عن سيطرة الحكومة. وطبقا لإحصائية صدرت أخيراً عن جهاز التعبئة والإحصاء، فإن استهلاك المصريين من الملابس الجاهزة يقدر ما بين 12و15 مليار جنيه سنوياً، فيما تقدر قيمة الجمارك المفروضة علي استيراد الملابس الجاهزة ب30% علي الشحنات الواردة و10% علي الضرائب ويتم التعامل مع السلع الاسترشادية بحسب قانون 2008. الأدهي أن المصانع المصرية أصبحت غير قادرة علي الصمود أمام المنتجات الرديئة المستوردة التي تهطل علي الأسواق دون خضوعها لفحص مواصفات الجودة، ما أدي إلي توقف بعضها وتسريح آلاف العمال بالمحلة الكبري والقاهرة. وتعتبر مدينتا بورسعيد والقنطرة الواقعة غرب الإسماعيلية شاهدتي العيان علي عمليات التهريب بأساليبها المختلفة فبمجرد وصول شحنات الملابس لأرض الميناء البورسعيدي وأغلبها يوفد من الهندوالصين بأسعار زهيدة يتم لصق شريط "صنع في مصر"، ليتم تصدير كمية منها لبعض الدول الأوربية وأمريكا، ثم يوزع الباقي بداخل مصر بأسعار مرتفعة. وتوجد أربعة منافذ غير شرعية تشهد تلك العمليات وهي القابوطي والحراسات والجبانات والشادوف ويتم من خلالها تهريب حمولات كبيرة تصل لآلاف الأطنان دون دفع جمارك ليتم تهريبها بعد ذلك لمدينة القنطرة المتواجد بها كبار التجار ليقوموا بدورهم بعد ذلك بتوزيعها علي محلات القاهرةوالمحافظات المختلفة لتصبح منطقة حرة غير رسمية، إلا أن الكارثة هي تواطؤ بعض مستخلصي الجمارك مع التجار لدخول تلك الشحنات بعد إغرائهم بالمال وتلقي الرشاوي الكبيرة وهذا مايفسر ظاهرة مليونيرات الميناء التي تجلت بعد ثورة يناير في ظل الغياب الأمني. أما الطريقة الأخري التي تعد أكثر شيوعا، هي التلاعب في العينات المحرزة، فمع دخول شحنات الملابس لأرض الوطن يتم تحريز بعض العينات لتحليلها والتأكد من سلامتها ومكوناتها بالمعامل ليتم التلاعب عن طريق وضع عينات مخالفة للمنتج المستورد من الخارج وهو ما يسمي"فحص الوارد"خوفا من استبعاد شحناتهم وخسارتهم المادية وهناك طرق بدائية للتهريب كتخبئة حاويات الملابس المهربة بداخل عربات تضم بضائع ومواد غذائية مختلفة ومؤخرا استطاعت جمارك بورسعيد إحباط محاولة تهريب بنطلونات جينز بداخل سيارة لنقل الأموال يصل قيمتها إلي أكثر من 30 ألف جنيه وذلك بغرض التهرب من الرسوم الجمركية ولك أن تعلم أن منظمة جمارك ضد الفساد رصدت وجود 200 منفذ غير قانوني تحرم الدولة من رسوم جمركية وضرائب تصل الي 4مليارات جنيه سنويا. أما بمدينة القنطرة عرب الواقعة علي حدود محافظة الإسماعيلية والتي تعد متنفس أباطرة التهريب لترويج بضاعتهم خاصة أن معظم سكان تلك المدينة يمتهنون مهنة تجارة الملابس القادمة من الصينوالهند كما أن السوق التجارية كانت تعتمد اعتمادا كليا علي تجارة الملابس المهربة من غزة قبل إنشاء المنطقة الحرة ببورسعيد والغريب أن بعض سائقي سيارات الأجرة يتعاونون في عمليات التهريب من القنطرة لباقي المحافظات بوضع حاويات الملابس أسفل كرسي القيادة وكراسي الركاب وأغلبهم معروف لدي موظفي الجمارك أو عساكر الأكمنة فيسمحون لهم بالمرور نظير حفنة من الأموال. يقول أحد أصحاب مصانع الملابس، الذي طلب عدم نشر اسمه:إن حجم الملابس المستوردة يصل إلي نصف المعروض في السوق، والباقي منتج محلياً وأغلب الملابس المستوردة دخلت البلاد بشكل غير شرعي، ما يضيع علي الخزانة العامة مليارات الجنيهات نتيجة للتهرب الجمركي موضحا أن الجمارك المفروضة علي استيراد الملابس الجاهزة وتتمثل في 30% جمارك و10% ضرائب غير كافية لحماية الصناعات المحلية للملابس إضافة إلي أن بعض التجار يتلاعبون في الفواتير مما يخفض من قيمة الضرائب المفروضة عليها كالمنتجات الصينية التي ترخص يوما بعد يوم مما يجعل المستهلك يقبل علي شرائه بينما يعجز أصحاب المصانع والتجار علي مواجهة تلك الحرب الشرسة فيضطر إالي تخفيض إنتاجه العام إلي النصف والاستغناء عن عدد كبير من العمالة مما يصيب منظومة صناعة الملابس بالانهيار واقترح زيادة الدعم للتصدير وفرض رسوم إغراق علي المنتج المستورد حماية للمنتج المصري. تاجر آخر من بورسعيد، قال إن عمليات التهريب تؤدي إلي توافر البضائع خارج المدينة بأسعار أقل من داخلها فهي تنتقل دون تطبيق قواعد استيراد الوارد فإذا تكلفت الحاوية مليون جنيه فإن الدولة تحصل علي نصف المبلغ فيتم توفير هذا المبلغ بإعطاء المهربين مبلغا ماليا لتهريب الحاوية خارج المدينة مما يؤدي إلي تدمير الاقتصاد والأمن القومي لذا لابد علي الدولة أن تحكم قبضتها علي عمليات التهريب وإلزام المستورد بشروط ومواصفات الاستيراد بنظام الوارد وسداد الرسوم الجمركية المستحقة لخزينة الدولة. ويتفق معه رجب خضر (تاجر ملابس): لا شك أن القرارات الجديدة للوارد علي الحاويات هي السبب في تفشي عمليات التهريب علي الرغم من الرقابة الأمنية المشددة إضافة إلي زيادة قيمة التعريفة الجمركية بنسبة 25% علي قيمة الحاوية، ووقف قيمة البيع في القطاعي، تسببا بشكل رئيسي في الإتجاه إلي التهريب لعدم قدرة التاجر علي دفع قيمة تلك الزيادات كما أن ارتفاع أسعار الملابس، وارتفاع سعر الحاويات سببا لجوء بعض التجار لعمليات التهريب. يتابع: عملية التهريب تتم من جمرك بورسعيد في ظل زيادة كبيرة في الأسعار، ونظراً لحالة الركود في حركة التجارة حاليًا، يتم الاتفاق بين أشخاص من محافظة بورسعيد، وعدد من المستوردين، علي تهريب البضائع إلي مدينة القنطرة غرب، موضحًا بأن هذه العملية لا يحكمها أي قانون ليعود بالسلب علي الصناعة الوطنية. أما يحيي زنانيري رئيس شعبة الملابس الجاهزة بالغرفة التجارية، فيقول : يستهلك المصريون ملابس جاهزة بقيمة تتراوح بين 12 و15 مليار جنيه سنويا، وأن حوالي ملياري جنيه تضيع علي خزانة الدولة سنويا نتيجة التهرب الجمركي كما أن هناك ما يقرب من 5000 مصنع ملابس في مصر تقدر قيمة إنتاجها بنحو ستة مليارات جنيه، مؤكدا أن أغلب هذه المصانع يمر بأزمة كبيرة تهدد بإغلاق تلك المصانع وتسريح العمالة. يضيف: تهددت مصانع المحلة الكبري والقاهرة بتلك الظاهرة فهم يعانون من نقص في العمالة وارتفاع في أسعار الخامات، بالإضافة إلي التهريب المنتشر بصورة مفزعة مع الوضع في الحسبان ارتفاع أسعار الغاز والكهرباء، مقترحا إلغاء السماح المؤقت لدخول البضائع قائلا إن بعض التجار يبيعون السلع خلال فترة السماح مما يؤثر سلبا علي السوق ككل. أما سيد رضا أحد أعضاء غرفة الصناعات النسيجية فيري:أن هناك أنواعا عديدة من الأقمشة التي تفتقد الجودة وغير مطابقة للمواصفات انتشرت بصورة كبيرة بأسواق الأزهر والعتبة وتباع بأقل من نصف سعرها في بلد المنشأ وتستغل في عمليات تهريب المنشطات والترامادول وهذا مايفسر ثراء كثير من تجار الأقمشة وقد ازداد حجم التهريب في السنوات القليلة الماضية بسبب عدم ربط استيراد القماش بالطاقة الإنتاجية للمصانع وتعتبر الحدود البرية مع ليبيا ومنافذ ميناء بورسعيد أهم منافذ التهريب. أما عن دور رجال الأمن والجمارك في مواجهة هذه الظاهرة، فقال الدكتور مجدي عبدالعزيز رئيس مصلحة الجمارك: تم الانتهاء من تعديلات قانون الجمارك الجديد وإعداد منشور بضوابط جديدة لتنظيم حركة الترانزيت عبر المناطق الحرة الخاصة، منعاً لتهريب البضائع وضرب الصناعة الوطنية. وأضاف في تصريحات إعلامية له: الضوابط الجديدة لتنظيم حركة الترانزيت لن تُعرقل حركة التجارة المحلية، ولن تمسّ التيسيرات المقرّرة داخليّاً للمصنّعين بين الموانئ والمناطق الحرة الخاصة، مشدّداً علي أنه "لا مساس بالتسهيلات الخاصة الممنوحة للمصنعين، ومنها السماح بنقل مستلزمات الإنتاج بنظام الترانزيت من الموانئ إلي أقرب مستودع لمصانعهم". وأكد أن ضوابط تنظيم الترانزيت بالمناطق الحرة هدفها إحكام الرقابة علي تداول البضائع الأجنبية داخل البلاد، بين المنافذ الجمركية والمناطق الحرة، لسد الثغرات التي يستغلّها البعض للتهرّب من سداد الرسوم الجمركية.