في ظل ارتفاع سعر الدولار وتهديده المستمر لاقتصادنا خاصة بعد تراجع مصادر الدخل القومي من سياحة وعائدات تصدير، بات الكثيرون يبحثون عن حلول غير تقليدية لمواجهة جنون الدولار وتراجع قيمة الجنيه، وهي الحلول التي يكثر الجدل حولها، ولعل أهمها تشجيع الاقتصاد الموازي واعتراف الدولة به الذي تتعدد أسماؤه كاقتصاد الظل والاقتصاد غير الرسمي، المتمثل في مصانع بير السلم وبالطبع ليست مسجلة باتحاد الصناعات الذي يلزمهم باستخراج سجل صناعي لمباشرة عملهم، وقد وصل عدد الذين استخرجوا ذلك السجل الصناعي حوالي 43 ألفا فقط، في حين وصل عدد الذين لم يخضعوا لذلك الشرط أكثر من 47 ألفا بحسب الإحصائية الأخيرة لاتحاد الصناعات. 330 مليار جنيه قيمة ضرائبه المهدرة مصانع بير السلم والباعة الجائلون أبرز أشكاله ولم تكن مصانع بير السلم وحدها المستأثرة بهذا الاقتصاد فالباعة الجائلون حجزوا لنفسهم مقعداً متقدماً وانضموا بقوة له فقد وصل عدد العاملين في ذلك الحقل إلي 8 ملايين عامل بخلاف الطلبة وربات البيوت الذين يمتهنون تلك المهنة بشكل مؤقت مما أدي لانتشار أسواق السلع العشوائية بجميع محافظات الجمهورية التي تقتضي تأجير مخازن لإخفاء بضاعتها فكان سببا لارتفاع أسعار تأجير العقارات بمناطق الموسكي والعتبة ووسط القاهرة. هذا بخلاف أصحاب المشروعات الصغيرة والحرف اليدوية المدارة من داخل منازلهم أو ورشهم الصغيرة وحتي الدروس الخصوصية التي تدار في الخفاء بمراكز غير مسجلة وتكبد الأسر مبالغ ضخمة تدخل في نطاق هذا الاقتصاد فنحن أمام منظومة متكاملة تباشر عملها بصمت وبمباركة من أباطرة السوق ولك أن تعلم أن حجم هذا الاقتصاد غير ثابت وقد ظهرت الكثير من الدراسات التي تحدد حجمه فبحسب دراسة صادرة من لجنة الضرائب باتحاد الصناعات قدرت حجمها بتريليون جنيه أي ما يمثل 40%من حجم الاقتصاد ككل في حين أن الأممالمتحدة أصدرت في أواخر العام الماضي تقريراً يفيد بأن حجمه وصل إلي 269 مليار دولار وتوافق معها في النتيجة بفارق طفيف مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية فقدره 1.5تريليون جنيها أي ما يعادل 209مليارات دولار مما يثبت بالدليل القاطع قوة هذا الكيان إلا أن بعض الخبراء يرون أنه يمثل تهديداً علي الاقتصاد الرسمي لتهرب أصحابه من دفع الضرائب المستحقة للدولة والرسوم وقد قدرها محمد البهي عضو مجلس إدارة اتحاد الصناعات في دراسته المستفيضة بحوالي 330 مليار جنيه قيمة ضرائب مهدرة علي الدولة إضافة إلي الاستغلال البشع لعماله وامتصاص دمائهم مع تقديم منتجات تفتقد للجودة وتضر بالصحة العامة وتجعلها خطراً محدقاً في وجه المواطنين وإبطاء عجلة النمو القومي ولا ننسي أن أغلب المنتجات المباعة علي الأرصفة صناعات صينية رديئة أو منتهية الصلاحية يتم جلبها من الدول الأوربية عن طريق الموانئ دون دفع ضرائب جمركية. وبحسب دراسة البهي أيضا فإنه يضاف إلي مكونات السوق الموازي قطاع المهن الحرة وعدم التزامه بسداد الضرائب الواجبة، أيضًا قطاع المقاولات الذي نما بشكل عشوائي مع المد العمراني وانتشار البناء بدون الحصول علي تراخيص، مما يؤثر ربما علي حياة المواطنين ويفسد الذوق العام والشكل الحضاري للمباني، حيث إنه من أكبر مكونات الاقتصاد الموازي. إلا أن بعض الاقتصاديين يرون أنه يمكن أن يكون حلاً جيداً للعبور من تلك الأزمة إذا تم تدعيمه واعتراف الدولة به خاصة إذا كانت هي المسئولة عن ازدياده بسبب تفشي البيروقراطية وتعقيد إجراءات الحصول علي تراخيص لمزاولة العمل أو تأسيس مشروع صغير مع وجوب دفع رشاوي وإكراميات للموظفين كما أن ضعف مرتبات العاملين بالحكومة يجعل الكثير من الشباب يلجأ للعمل كباعة جائلين بعيداً عن أعين الرقابة لذا فإنه علي وزارتي الصناعة والتضامن الاجتماعي والتموين أن يعملوا علي دمج تلك الصناعات بالاقتصاد الرسمي لكي يضاف إلي قاعدة البيانات الخاصة بالحسابات القومية، وتوفير مناخ أفضل للعاملين فيه و لتوفير الآلاف من فرص العمل ولتشديد الرقابة الصحية علي المنتجات الغذائية التي تصنعها هذه المصانع من أجل الحفاظ علي صحة المصريين مع وضع نظام تأميني لأصحاب المشروعات الصغيرة. «آخر ساعة» طرحت الفكرة علي بعض خبراء الاقتصاد لمعرفة مدي جدواها علي إنعاش الاقتصاد ليصمد أمام ارتفاع الدولار المتتالي وما هي المشكلات التي تعوق أصحاب مصانع بير السلم للاندماج تحت مظلة القطاع الرسمي للعمل سوياً لإنعاش الخزانة العامة. في البداية يقول صاحب مصنع لإنتاج الجبن غير المسجلة تجارياً والذي رفض ذكر اسمه:تنتشر صناعات بير السلم بشكل كبير وتكسب ملايين الجنيهات وتعتبر الدولة هي المسئولة عن انتشارها بشكل كبير فهي تتعمد إذلالنا من قبل موظفيها عند الحصول علي التراخيص اللازمة إضافة لوجوب دفع رشاوي وإكراميات كبيرة لنيل رضاهم كما أننا نضطر لدفع ضرائب مالية كبيرة لا تراعي كساد السوق المحلي وحجم مكاسبنا وخسائرنا فيلجأ الكثيرون لتأجير طابق أو اثنين في أحد العقارات غير المرخصة مع الاستعانة بالأيدي العاملة المدربة ويتم تداول منتجاتنا في الأسواق العشوائية أو حتي من قبل الأسواق الرسمية والمحلات الكبري نظرا لرخص أسعارها مقارنة بالمنتجات المستوردة. وحول حماية حقوق العمال قال:كثير من العاملين بالمصنع هربوا من شبح العمل بالوظائف الحكومية نظراً لضعف الراتب أما في تلك المصانع فيزداد الحافز السنوي والمكآفات التشجيعية كما أنه يعمل علي دحض شبح البطالة ويوفر آلاف فرص العمل إلا أن بعض رجال الأعمال يتعنتون في حقوق عمالهم فيخضعونهم لظروف عمل غير مناسبة مما يعرضهم لكثير من الأمراض، كما لا يتمتعون بأي نوع من الحماية سواء كان علي شكل تأمين صحي أو اجتماعي مع عملهم لساعات أطول فيستهلكون قواهم ويستنزفون صحتهم مع عدم وجود رعاية صحية بداخل المكان فيموت الكثيرون خوفا من انكشاف أمر المصنع غير المرخص. ويتفق معه محمود نصر صاحب ورشة لتصنيع الخزف فيقول: يعاني أصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة من تجاهل الدولة لهم وتعنتها المستمر فالصندوق الاجتماعي يتعنت في إمدادنا بتمويل مناسب لمشروعاتنا علي الرغم من كونه الجهة المنوطة بدحض معدلات البطالة وتوفير فرص حياة كريمة للشباب العاطل فدوره تحصيل الفوائد دون النظر للعقبات والمشكلات التي نواجهها كما أن هناك حوالي 70%من أرباب المشروعات الصغيرة غير مشتركين في نظام التأمينات الاجتماعية فيضطر الكثيرون إلي مزاولة مشروعه بعيدا عن أعين الحكومة وتوفير النفقات ويظهر ذلك جلياً في المناطق العشوائية والريف ويبذلون قصاري جهدهم لترويج بضاعتهم سواء عن طريق الفيسبوك أو المعارف . وعن حل تلك المشكلة يري أنه لابد من التوسع في نظام الضريبة المقطوعة وهو ما يمكن أن يتم بالاستناد إلي معيار واحد بسيط مثل عدد الأمتار المربعة لمساحة المنشأة، وهذا النظام معمول به في عدد كبير من دول أمريكا اللاتينية وهو نظام يساعد علي زيادة حصيلة الضريبة بصورة ملموسة ففي ظل هذا النظام يصبح صاحب المشروع علي علم مسبق بقيمة الضرائب المطلوبة منه سنويا بحيث يصبح من الممكن أن يقوم بدفعها في أقرب مكتب بريد أو بنك تحدده مصلحة الضرائب للممول ولابد من إقرار نظام التأمين الاجتماعي. أما عن رأي خبراء الاقتصاد في تلك الظاهرة فيقول الدكتور سعيد عبد القادر أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة: «يعتبر الاقتصاد الموازي خطراً علي الدولة فهو يضيع جزءا كبيرا من الإيرادات علي خزانة الدولة سواء المتعلقة بالتهرب الضريبي أو تلك المتعلقة برسوم التراخيص وتقديم الخدمات الحكومية. وتقدر المبالغ الخاصة بالتهرب الضريبي للاقتصاد غير الرسمي بنحو أكثر من200 مليار جنيه مصري. فالمؤسسات العاملة في الاقتصاد غير الرسمي لا تقدم فواتير لزبائنها، وهي بالضرورة لا تحصل علي فواتير لمشترياتها، حتي لا يستدل عليها لدي مصلحة الضرائب. ويضيف عبد القادر:كما أن العاملين بتلك المشروعات تضيع حقوقهم هباء حيث لا يوجد نظام رعاية صحية لهم أو تأمين يضمن تلقيهم علاجاً في حال إصابات العمل والكارثة أن هناك بعض الجهات تستعين بأطفال قصر لم يبلغوا السن القانونية تلزمهم بالعمل لساعات طويلة كما لا تلتزم بعدم التواجد في المناطق السكنية لاشتراطات الأمن الصناعي. وطالب بضرورة أن تتخلص الدولة من ذلك العبء الجاثم علي صدرها لتوفير مليارات الجنيهات التي تعجز ميزانيتها العامة وتجعلها في مهب ريح الأزمات سواء ارتفاع سعر الدولار أو كوارث طبيعية كما أنه يعمل علي قتل الفرص الاستثمارية التي من شأنها تشغيل الأيدي العاملة.. ويتفق معه في الرأي الدكتور د. هاني وهبة، أستاذ الاقتصاد بجامعة عين شمس فيشير إلي ان الاقتصاد الموازي يضر بشكل كبير المواطنين العاديين قبل الدولة، لافتًا إلي أن المواطن الفقير أكبر الخاسرين منه حيث تختفي العدالة الاجتماعية إضافة إلي إضعاف منافسة الاقتصاد الرسمي فهو يعتمد علي السلع المهربة من الداخل أو الخارج، فيتم عرض سلع الاقتصاد غير المنظم بأسعار تقل بفارق ملحوظ عن نظيرتها المنتجة في الاقتصاد الرسمي، فيضعف ذلك من قدرتها التنافسية . وعن الحل المقترح لتلك الأزمة يري أن الدولة عليها أن تلتزم ببعض السياسات لإدماج هذا القطاع والاعتراف به أولها: تيسير إجراءات الحصول علي التراخيص وخفض الرسوم الخاصة بها حتي تستطيع الاندماج مع الاقتصاد الرسمي وتقديم بعض الحوافز والمكآفات لهم مع تخفيض التأمينات الاجتماعية علي أن تتحمل الحكومة جزءاً من التخفيضات في ميزانيتها وتفعيل دور الأجهزة الرقابية والأمنية وتفعيل دور المجتمع المدني وجمعيات حماية المستهلك ويمكن أن توفر مكاتب متنقلة لاستخراج التصاريح والتراخيص.