صراع يكاد يكون شبه يومي يدور بين البنك المركزي والسوق السوداء للحد من حالة النزيف الدولارية المستمرة منذ فترة.. وتراجع جميع موارد العملة الصعبة التي كانت تورد للبنك المركزي سواء من السياحة أو التصدير أو الاستثمار الأجنبي المباشر.. بالإضافة إلي وجود مؤامرات خارجية للتأثير علي التحويلات الدولارية للمصريين بالخارج.. مما أثر علي حجم العملة في الأسواق وأحدث عجزا كبيرا نظرا للتفاوت الكبير بين عملية العرض والطلب. والطلب علي الدولار بالطبع يكون من أجل عملية الاستيراد، حيث تؤكد الأرقام أن احتياجاتنا السنوية تبلغ حوالي «75» مليار دولار.. في حين يبلغ العرض من الدولار «39» مليار دولار والذي يأتي من خمسة مصادر رئيسية وهي:التصدير بحوالي «24» مليارا بعد أن كان من شهور «31» مليار دولار.. والسياحة حوالي»4» مليارات بعد أن كانت قبل الثورة «15» مليار دولار، وقناة السويس حوالي «5» مليارات دولار وتحويلات المصريين في الخارج حوالي «6» مليارات دولار.. واستثمارات أجنبية مباشرة. إذن يبلغ العجز الدولاري بين العرض والطلب حوالي «36» مليار دولار..لذلك كان لابد للدولار أن يرتفع سعره مثل أي سلعة شحيحة حتي وصل إلي 9.8 جنيه. وبوادر هذه الازمة ظهرت منذ شهور مضت.. وكان دور البنك المركزي طوال هذه الفترة هو المحافظة علي سعر الدولار.. عن طريق السحب من الاحتياطي، وهذا قرار أمن قومي لا يمكن تحميله لمحافظ البنك المركزي. ولذلك كان الجميع يعلم ولا يستطيع أن يصرح بذلك.. فسكت الجميع إلا بعض رجال الاعمال. مما أدي الي ظهور هذه الأزمة بهذه الحدة خلال الشهور الأخيرة. ثم كان هناك ضخ مستمر للدولار من دول الخليج.. والآن توقف هذا الإمداد لأسباب كثيرة منها نقص أسعار البترول. يضاف إلي ذلك إنه منذ أكثر من عام تقريبا سحب كثير من المواطنين مدخراتهم بالجنيه المصري وبالدولار..ووضعوها في مشروع قناة السويس الجديدة.. حيث تم جمع «66» مليار جنيه.. واضطرت الحكومة إلي تحويلها إلي دولارات لتحاسب الشركات الأجنبية العاملة في المشروع.. فنقص الرصيد من الدولار.. وأصبح لدي الحكومة جنيهات لا تستطيع أن تحولها إلي دولارات أو حتي شراء سلع بها فزادت عملية التضخم. كما أن مشاريع المؤتمر الاقتصادي لم تكن كلها مشاريع لجهات أجنبية ستضخ دولارات في السوق.. بل كان معظمها مشاريع لجهات أجنبية تحتاج إلي دولارات لتنفيذها مثل مشاريع سيمنز وغيرها..واضطرت الحكومة لسداد ديون دولارية متأخرة مثل القرض القطري والالتزامات لشركات حفر البترول العاملة. يضاف إلي ذلك أن التصدير لروسيا كان بالعملة الروسية التي انخفضت قيمتها أمام الدولار حوالي 50%.. ما يعني أن الدخل من الدولار هبط 50%. وكان بعض المضاربين يعلمون أن سعر الجنيه سيتهاوي أمام الدولار..فبدأوا في شراء الدولارات وتخزينها خارج الجهاز المصرفي.. لبيعها عند ارتفاع سعر الدولار وجني أرباح طائلة أفضل من أي تجارة أخري. كل هذه الأمور أدت إلي تفاقم حدة الأزمة الدولارية.. ووضعت البلاد في منعطف خطير..تبعه عدة قرارات «متخبطة» من جانب البنك المركزي منها وضع حد وقيود علي حركة السحب والإيداع الدولاري في البنوك..والحد من عملية الاستيراد مما أدي إلي انكماش في الأسواق وتخوف المواطنين واكتناز مدخراتهم بالبيوت لحين الاحتياج إليها..وهو الأمر الذي أحدث عجزا كبيرا في العملة الصعبة بالبنوك. وهو ما تداركه البنك المركزي سريعا فقام منذ أيام قليلة بعدد من الإجراءات الجيدة كان لها أثر إيجابي فعال بالأسواق..حيث قام البنك المركزي برئاسة طارق عامر برفع القيد عن حد الإيداع والسحب للعملة الأجنبية بالنسبة للأشخاص العاديين، كخطوة علي الطريق الصحيح، وبداية لرفع القيود عن الأشخاص الاعتباريين والشركات خلال الفترة المقبلة. واقتناع البنك بأن السياسة النقدية السليمة للمدي الطويل، تكون بترك السوق ليحقق التوازن تلقائيا، دون الخروج عن القواعد الأساسية..علي الرغم من أن الظروف التي تمر بها البلاد بعضها لا إرادي، والآخر متعمد من بعض الدول ضد اقتصاد مصر، إلا أن السوق سوف يحقق توازنات خلال الفترة المقبلة. في نفس الوقت قام المركزي بطرح عطاء استثنائي بالأسواق قدره «550» مليون دولار.. وعقد عدة لقاءات مع شركات الصرافة والمصدرين والمستوردين ورؤساء البنوك لتوفير العملة الصعبة في الأسواق.. كل هذا والتراجع عن القرارات الخاطئة أدي إلي تهدئة السوق.. وتراجع الدولار 75 قرشا في السوق الموازي ليصل إلي 9.10 جنيه. ولأن أصابع الاتهام موجهة دائما لشركات الصرافة في التلاعب بأسعار الدولار.. وارتفاع أسعاره في السوق الموازية.. إلا أن محمد حسن الأبيض رئيس شعبة شركات الصرافة ينفي هذا الاتهام موضحا أنه قبل توجيه الاتهامات لابد أن نسأل أنفسنا أولا.. هل لدينا أزمة دولارية أم لا؟ وهل الموارد السيادية للدولة مثل السياحة والتصدير ومدخرات العاملين بالخارج والاستثمارات الأجنبية المباشرة وكافة أوجه النشاط التي تدر موارد أجنبية للدولة تعمل بنفس الكفاءة التي كانت تعمل بها قبل ثورة 25 يناير؟! الشيء المؤكد أن كل هذه الموارد حدث بها عجز شديد.. وأثرت علي عملية العرض والطلب، فالاتهامات أصبحت الشماعة التي نعلق عليها دائما أزمة الدولار، فالشركات حجمها صغير ولا تستطيع عمل أزمة في الدولة، إنما يمكنها فقط استغلال الأزمة وهذا ما نحاول علاجه من خلال التنسيق المستمر مع قيادات البنك المركزي التي تعمل بفكر جديد ومتحرر ومن خارج الصندوق وغير مقيد بأي قيود عليه. وأكد أن عطاء البنك المركزي الاستثنائي البالغ «550» مليون دولار الذي طرحه بالأسواق مؤخرا كان له أثر إيجابي علي سوق الصرف وغطي به احتياجات المستوردين بالأسواق.. وتلاه قرار آخر برفع الحد بالنسبة للسحب والإيداع الدولاري للأفراد والشركات مما أدي إلي طمأنة السوق بأنه لا توجد قيود عليه، خاصة أن الجهاز المصرفي اكتشف أنه فقد كميات كبيرة من المدخرات والحسابات الجارية بالعملة الصعبة بسبب تخوف الناس واكتنازهم الدولار في البيوت. ثم تبعه قرار آخر بفتح الإيداع للشركات لاستيراد السلع والمنتجات الأساسية من الأغذية والأدوية، وانسياب حركة التجارة الخارجية.. كل هذا أدي إلي تهدئة الأسواق وانخفاض سعر الدولار من 9.45 جنيه وهي أكبر نقطة لمسها سعر الدولار، ولم يبلغ ال10 جنيهات كما تردد من إشاعات فهذا كله مجرد «هراء» خاصة أننا نحارب داخليا وخارجيا..ولكن مصلحة البلاد فوق كل اعتبار وسنعبر تلك الأزمة بإذن الله وسيعود الدولار قريبا إلي أسعاره الطبيعية ليتراوح ما بين 8.5 جنيه و8.25 جنيه فقط. واستكمالا لهذه القرارات يطالب أشرف هلال رئيس شعبة الأدوات المنزلية والأجهزة الكهربائية بغرفة القاهرة التجارية، محافظ البنك المركزي بإلغاء سقف الإيداع والسحب للمنتجات تامة الصنع حتي يتم توفير السلع والمنتجات لمتوسطي ومحدودي الدخل..وطالب أيضا بفتح السداد الآجل لنموذج «4» والتحويل بدون مستندات توثيق الغرض، والحصول علي 4% عمولة تحويل، وفتح سقف الإيداع لكل الشركات بجميع المنتجات وعدم تمويل مستلزمات الإنتاج نهائيا حتي لا يتم التلاعب في فواتير الموردين، ومن ثم المضاربة بالدولار، وأن يتم توفير الدولار للصفقات الحكومية فقط. موضحا أن التراجع عن القرارات الخاطئة من «شيم الكبار» خاصة أن الشعبة كثيرا ما هاجمت قرارات البنك المركزي المحجمة لإيداع الدولار ولكن بعد فتحه مرة أخري للشركات والأفراد يجب الإشادة به، مطالبا وزير الصناعة المهندس طارق قابيل بالسير علي خطي محافظ البنك المركزي وإلغاء القرارات «991-992» لعام 2015 المقيدة لاستيراد السلع من الخارج. كما أكد فتحي الطحاوي عضو الغرفة التجارية،أن إلغاء قرارات تقييد استيراد السلع من الخارج سيساعد وبشكل كبير في توفيرها بالسوق المحلي فضلا عن المساهمة في خفض أسعارها التي ارتفعت بشكل كبير علي مدار الأشهر الماضية نتيجة لقرارات وزير الصناعة الخاطئة بالإضافة إلي تسبب القرارات في إحداث حالة ركود بالأسواق. وأشار إلي أن التراجع عن قرارات سحب وإيداع الدولار للأفراد والشركات تسبب في تراجع سعر الدولار إلي 9.30 جنيه،أي أن الدولار بالسوق السوداء فقد أكثر من 70 قرشا خلال ثلاثة أيام فقط، مما يؤكد أن تلك القرارات كانت معوقا للسوق وسببا في أزمة الصرف. وطالب وزير الصناعة والتجارة طارق قابيل، بالعدول عن القرارات التي تقيد الاستيراد المتمثلة في القرارين (991، 992، خاصة أنها أدت إلي كساد السوق وارتفاع الأسعار، لحساب بعض المحتكرين الذين يتلاعبون بقوت الشعب المصري البسيط.