ولأن طبائع الناس، وبخاصة أولئك القادمين من مجالات الجهاد المسلح، إلي فضاء السياسة الواسع، قلما تغيرت إلي الأفضل حقًا وصدقًا، فيواصل عبد الماجد الرهان علي الخطوات الخطأ ذات الدلالات الظلامية، حتي أنه قرر استدعاء اسم حلف يعود في جزء منه إلي سنوات الجاهلية قبل الإسلام: «الفضول المصري»، ليكون بديله عن تحالفات الإخوان الورقية في مواجهة الدولة.. يقول عبد الماجد علي حسابيه الشخصيين علي فيسبوك ويوتيوب، عن تحالفه الغامض الجديد، إنه يسعي لتشكيل ائتلاف ليس له هدف سياسي، ولا يسمح لكيان ولا شخص باستغلاله لأهداف سياسية، بل هو فقط تحالف جماهيري، علي حد قوله، قبل أن يبرر إقدامه علي تأسيس كيان جديد بعيدًا عن الإخوان، إنهم، أي أنصار مرسي، «لم يعد بمقدورهم أن يقنعوا دول الخارج بدعمهم، وأن معركة الإخوان في الخارج أصبحت صعبة جداً، ومن الصعب الفوز بها، ويستحيل أن يكون بمقدورنا كسب تأييد المجتمع الدولي لقضيتنا». عبد الماجد تجاهل كافة الإشارات السلبية المحيطة بائتلافه الجديد جراء اقتباسه اسمًا له من الجاهلية، بل ويدافع عن الاسم باستماتة: «اقتبسنا اسمه من حلف الفضول الذي عقده بعض شرفاء العرب قبل الإسلام»، وكأن ما بعد الإسلام قد عز فيه وجود الشرفاء!!.. لكن هل يبدو عبد الماجد جادًا في مسألة النأي بتحالفه عن السياسة وأطماعها، كما يروج وأنصاره؟.. «لا بالقطع»، يقول الباحث في شئون الجماعات الإسلامية، أحمد بان، معتبرًا الحكاية مجرد تكتيك لفصل «الفضول المصري»، عن «تحالف دعم الشرعية» الإخواني، وهو الرأي الذي ينحاز له قيادي الإخوان الشاب المنشق، سامح عيد، قاطعًا بأن قيادي الجماعة الإسلامية الهارب، يريد تغيير استراتيجية المواجهة مع الدولة، مستشهدًا بما قاله عبد الماجد نفسه في هذا الشأن عن ضرورة العودة إلي الوراء قليلًا في التعاطي مع الوضع السياسي في مصر في تلك المرحلة، بحيث يتم الاستفادة من حالة الزخم المتصاعد في الشارع ضد بعض السياسات الحالية.. في هذا الشأن قال عبد الماجد نصًا، مهاجمًا الإخوان ومروجًا لمشروعه الجديد علي صفحته بفيسبوك: «أنتم مضطرون للتراجع خطوة إلي الوراء كي تتمكنوا من استكمال المسير وإلا فسوف تتخطفكم الذئاب (وقد بدأت تتخطفكم وتتخطف كثيرين ممن وثقوا فيكم).. لقد تقدمتم خطوات للأمام دون تأمين كاف للأجناب ولا حماية للقافلة. والآن اخترق العدو صفوفكم وقطع خطوط الإمداد بينكم وبين قواعدكم. إصراركم علي الوقوف عند أقصي نقطة وصلتم إليها (الرئاسة) والتشبث بالتقدم الذي حققتموه سيؤدي إلي إتمام حصاركم وإفنائكم». وتابع «محاولتكم سحب الناس إلي مواقعكم المتقدمة للاحتماء بهم لم تفلح. الصحيح الآن هو خطوة للوراء للوقوف مع الجموع والتحرك معها ولو ببطء للتقدم من جديد. لست أنا الذي منعتكم من حماية أجناب مسيرتكم في السابق. بل أنا وغيري كنا نصيح بكم وكنتم تعرضون عن نصحنا وتستهينون به. الآن نكرر النصح لكم. لا لننتظر استجابتكم أو عدم استجابتكم هذه المرة. نحن الآن بالفعل وسط الجماهير العريضة ندشن معهم حلف الفضول المصري نتقدم معها ولو ببطء». دليل آخر علي عدم جدية عبد الماجد، الذي لا يرفع إلا شعار «مصر إسلامية»، في العودة إلي العمل العام السلمي، إنما تنبئنا عنه سنوات الثورات في مصر، فالمشاركة السياسية الفاعلة و»المرنة»، للجماعة الإسلامية في العمل العام بعد ثورة 25 يناير لم تستمر طويلًا. اللغة التصالحية لقادتها مع مفاهيم الديمقراطية والانتخابات والإرادة الشعبية، وقبلها مع المجتمع بأطيافه السياسية المختلفة، وبمسلميه وأقباطه، تراجعت رويدًا رويدًا، حتي كادت تتلاشي تمامًا حتي من قبل 30 يونيو.. وبينما كانت الغضبة علي الرئيس «المعزول» وأهله وعشيرته تتضاعف في الشارع، كان الانحياز الأعمي من جانب نفر من قادة الجماعة الإسلامية لسياط الإخوان الموجهة ضد أعدائهم، لتتحول إلي فزاعة لإرهاب المصريين وتخويفهم. إن جملة التصريحات النارية التي أطلقها عاصم عبد الماجد (وبحدة أقل منه نوعًا ما طارق الزمر وربما صفوت عبد الغني) قبل عزل مرسي وما تلاه، سواء علي شاشات الفضائيات، أو أعلي منابر المساجد، أو من فوق منصات «النهضة» و«رابعة العدوية» عن سحق الثوار، والتشهير بالمعارضين والمثقفين، ومحاصرة القضاة، وتخوين مؤسسات الدولة من جيش وشرطة ومخابرات ومؤسسات تنفيذية، وتشجيع تشكيل ميليشيات، علاوة علي الانضواء تحت لواء الإخوان القمعي، إنما تمنح الجميع مبررًا أخلاقيًا ومنطقيًا للتشكيك في مصداقية نبذ العنف والإرهاب، في عقلية قادة وكوادر الجماعة الإسلامية، وعلي رأسهم عبد الماجد نفسه. ذلك المبرر الذي تحول لدي كثيرين لقناعة راسخة، خاصة أن مواقف عبد الماجد المتطرفة، ومن بعده الزمر، جاءت لتتوج ردة فكرية واضحة ما تزال تسيطر، وبخاصة بعد مظلومية رابعة، علي عدد من رموز الجماعة الإسلامية، وقادتها الثقات التاريخيين. فرغم أن عاصم عبد الماجد نفسه، كان أحد من ألفوا كتبًا للمراجعات الفقهية في السجون، ومع ذلك لم يتردد بعد 25 يناير مثلًا، في الحديث عن ضرورة مراجعة مفاهيم كتب المراجعات، متبرئًا من تفسير حاكمية الله كما جاء فيها، وقال إنه لم يوقع علي نصه، محملًا ناجح إبراهيم المسئولية كاملة عنه، وكأنه يستدعي كتابه الشهير «ميثاق العمل الإسلامي» الذي كان يعد دستور العمل والمنهج الفكري للجماعة الإسلامية، طيلة سنوات الدم..الأرجح، أن عبد الماجد يصعد ضد الإخوان في الوقت الراهن، وفق أحمد بان، وحتي من خلال شق تحالفاتهم بائتلاف الفضول الجديد في إطار مخطط الزعامة التي يبحث عنها، بعدما بدا له من تراجع إخواني كبير عن مساندته ودعمه، بذات القدر الذي كان يجري بعد فراره من مصر.. وتقوم نظرية عبدالماجد في الزعامة علي أنه لا سبيل لإسقاط 30 يونيو، إلا بالانزواء في فسطاط نافر مكون من القوي الإسلامية (بما فيها بعض أجنحة جماعته الإسلامية) المؤمنة بحتمية التغيير لا التعاطي مع الأمر الواقع.. إذن عبد الماجد يغازل الإسلاميين؛ تنظيمات وشبابًا ورموزَا، بالابتعاد عن الإخوان وحساباتهم البراجماتية رويدًا رويدًا، وتشكيل تحالفات بديلة لهم: الفضول المصري، ثم بمهاجمة كيانات انحازت ل30 يونيو مثل حزب النور مثلا واختلاق معركة معه تحقق له الزخم والزعامة المفقودين..