اكتسب الحسين رضي الله عنه مكانة خاصة في الضمير الإسلامي، لا يختلف في ذلك السني عن الشيعي، فهو سبط الرسول صلي الله عليه وسلم، وهو ابن السيدة فاطمة الزهراء، أم أبيها، ووالده هو الإمام علي بن أبي طالب، وتلميذ مدرسة النبوة النجيب، والحسين مع الحسن شقيقه هما سيدا شباب أهل الجنة، فضلاً عن علمه وفضله، كلها أسباب جعلته شخصية كاريزمية لديها حضورٌ واسع في الخيال الشعبي الإسلامي، لكنه حظي بعلاقة حب من نوعٍ خاص مع بسطاء المصريين الذين عشقوا أهل البيت دون ارتباط عقائدي، وصار من المشاهد المألوفة احتشاد مئات الآلاف احتفالاً بمولد الحسين سنوياً، بالقرب من مقامه الشهير بحي الحسين القريب من مسجد الأزهر، والغريب أن الاحتفال ليس بمولد الحسين كما قد يتبادر للأذهان، فالحسين ولد في 3 شعبان من العام الرابع الهجري، بينما يتم الاحتفال بالمولد في اليوم العاشر من شهر جمادي الأولي من كل عامٍ هجري، وهو تاريخ استقبال المصريين لرأس الحسين في العصر الفاطمي. الطريف أن الروايات الشعبية تحكي ألف قصة حول رأس الحسين الذي اختفي من ساحة معركة كربلاء سنة 61ه/680م، يمتزج التاريخ بالأسطورة بالرواية الشعبية لينتج قصة تأخذ من هذا كله، فالرواية المتداولة تقول إنه بعد قتل الجيش الأموي بقيادة عمرو بن سعد بن أبي وقاص للحسين، تم قطع رأسه واصطحابه مع الجيش إلي مدينة الكوفة حيث أمير العراق عبيد الله بن زياد، الذي لعب بالرأس الشريف بقضيب كان في يده، ثم حمل الرأس ونساء الحسين؛ وفي مقدمتهن السيدة زينب الكبري بنت علي بن أبي طالب، وعلي زين العابدين بن الحسين، وكان طفلاً صغيراً، إلي دمشق حيث مقر الخلافة الأموية. واستقبل الخليفة الأموي يزيد بن معاوية، رأس الحسين بالندم، وقال مقولته الشهيرة: "أما والله يا حسين، لو أنا صاحبك ما قتلتك"، وندم علي قتل قواته للحسين، فيما تقول رواية أخري إن رأس الحسين طيف بها في مدن الشام المختلفة للتأكيد علي مقتل الحسين، ومن هناك اختلف مصير الرأس النهائي، فبعض المصادر التاريخية تقول إن الرأس عادت بعد جولة في مدن الشام إلي دمشق مرة أخري، فيما تقول روايات أخري إن الرأس أرسلت إلي المدينةالمنورة حيث دفنت بجوار السيدة فاطمة الزهراء والحسن بن علي بن أبي طالب، فيما تقول روايات أخري إن الرأس استمرت رحلتها حتي استقر بها المقام في مدينة عسقلان الفلسطينية المطلة علي البحر المتوسط. لكن كيف وصلت رأس الحسين إلي مصر؟ تجمع المصادر المصرية التي تعود إلي الحقبة الفاطمية والأيوبية والمملوكية، وكتبها مؤرخون كبار مثل ابن ميسر والمقريزي وابن حجر وابن تغري بردي، علي أنه نتيجة للحروب الصليبية والهجمة الأوروبية الاستعمارية علي منطقة بلاد الشام وفشل جهود الفاطميين في مواجهة الهجمة الصليبية التي سيطرت علي معظم مدن بلاد الشام، تم نقل الرأس الشريف إلي القاهرة، خوفاً عليه لما كادت عسقلان تسقط في يد الصليبيين. ونترك مؤرخ مصر الكبير تقي الدين المقريزي يروي لنا قصة انتقال الرأس إلي مصر قائلاً في كتابه "المواعظ والاعتبار في ذكر الخطط والآثار". وكان حمل الرأس إلي القاهرة من عسقلان ووصوله إليها في يوم الأحد الثامن من جمادي الآخرة سنة ثمان وأربعين وخمس مائة. وكان الذي وصل بالرأس من عسقلان الأمير سيف المملكة تميم، والقاضي المؤتمن ابن مسكين.. وقد ذكرنا أن طلائع بن رزيك المنعوت بالصالح، كان قد قصد نقل الرأس الشريفة من عسقلان لما خاف عليها من الفرنج، وبني جامعه خارج باب زويلة ليدفنه به ويفوز بهذا الفخر. فغلبه أهل القصر الفاطمي علي ذلك وقالوا: لا يكون ذلك إلا عندنا، فعمدوا إلي هذا المكان وبنوه له ونقلوا الرّخام إليه، وذلك في خلافة الفائز علي يد طلائع سنة 549ه/1154". هذه هي الرواية التاريخية الأساسية التي تؤكد انتقال رأس الحسين من بلاد الشام إلي مصر، وهي الرواية نفسها التي تؤكد أن الفاطميين الذين حكموا مصر لأكثر من 200 عامٍ، وينتسبون إلي الحسين بن علي ذاته، قاموا بنقل رأس الحسين من عسقلان خوفاً من الصليبيين إلي القاهرة، حيث حاول الوزير القوي الصالح طلائع أن يحظي بشرف تخليد اسمه بجوار اسم الحسين، عبر إنشاء مسجدٍ مخصوص لاحتواء الرأس الشريف، وهو المسجد الموجود خارج باب زويلة ولا يزال موجوداً حتي يوم الناس هذا ويحمل اسم الصالح طلائع، لكن الخليفة الفاطمي ورجال القصر رفضوا أن يحصل الوزير علي هذا الشرف وقرروا أن يكون مقر رأس الحسين داخل القصر الفاطمي الذي كان يشغل قبل ألف عام نفس المساحة الواقعة بين شارع الأزهر ومسجد الأقمر، وتم تخصيص إحدي أركان تربة الزعفران وهي التربة التي كانت تضم رفات الخلفاء الفاطميين (منطقة خان الخليلي حالياً). رغم قوة هذه القصة إلا أنها تعرضت للكثير من النقد علي يد العديد من العلماء القدماء والمحدثين، الذين اعتبروا القصة محض أكذوبة فاطمية كان غرضها الدعاية لتأكيد نفوذ الفاطميين المتداعي. الاختلاف في موضع رأس الحسين حقيقة اعترفت بها المؤرخة القديرة الدكتورة سعاد ماهر صاحبة موسوعة "مساجد مصر وأولياؤها الصالحون"، التي رصدت ادعاء ثماني مدن وجود رأس الحسين بها، وهي كربلاء والمدينةودمشقوالقاهرة وعسقلان وحلب ومرو والرقة، لكنها استقرت بعد تفنيد كل الروايات المتعلقة بوجود الرأس في هذه المدن إلي حقيقة تاريخية قوامها صحة الرواية التي تؤكد انتقال رأس الحسين من عسقلان الفلسطينية إلي القاهرة الفاطمية، وأن المشهد الحالي الموجود في حي الحسين هو مقر رأس سيد الشهداء. الدكتور عطية القوصي، أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة القاهرة، أكد ل"آخر ساعة"، أن رأس الحسين موجودة في القاهرة، لورود أدلة تاريخية قوية تتضمن إلي أخباراً سجلتها كتب التاريخ المعاصرة للحدث التي نقلت لنا خبر انتقال رأس الحسين من عسقلان إلي القاهرة. وأشار القوصي إلي أن تتبع الروايات التاريخية يثبت أن الرأس انتقلت إلي مصر من بلاد الشام في العصور الفاطمية، وأن معظم المشاهد الموجودة في عدة مدن إسلامية وتنسب إلي الحسين هي في الواقع مشاهد رؤية، وفجر مفاجأة من العيار الثقيل بالتأكيد علي أن الحسين بن علي زار مصر في حياته عندما جاء ضمن جيش العبادلة في عصر الخليفة عثمان بن عفان، للمشاركة في فتح تونس.