يرفض المواطن المصري، ضعيف السمع، استخدام السماعة لعدم تقبله لفكرة النظر إليه وهو يضعها في أذنه، وعدم الاقتناع بها كمظهر خاصة بين الشباب، لكنه في النهاية يضطر لاستخدامها لأنها تعمل علي تحسين مستوي السمع بتضخيم الأصوات وجعلها مسموعة، أما الفخ الذي يقع فيه الجميع هو اتباع الاستشارات «المجانية» والهرولة خلف الحصول عليها عن طريق شركات تروج للمنتج بأسعار رخيصة من خلال الفضائيات. وكلاء الشركات الكبري معروفون والمعروضة في الإعلانات »مغشوشة« الغرفة التجارية: صغر حجمها يساعد علي تهريبها بسهولة تسبب الضوضاء والتحدث عبر الهاتف لدي البعض مشكلات سمعية مما يجبرهم علي ارتداء سماعة طبية للحفاظ علي الجزء المتبقي من سمعهم ومحاولة تحسينه ولو بشكل بسيط، والسؤال ما الحل إذا كانت السماعات الطبية التي يستعملها غالبية المصريين غير صالحة للاستخدام الآدمي وتضر بالمرضي بل وقد تصيبهم بفقدان السمع كليا؟! يروي محسن السيد- 30 عاماً- قصته مع السماعات الطبية قائلاً: أعاني من ضعف السمع منذ صغري وفور وصولي للمرحلة الثانوية رفضت ارتداء السماعه لاعتقادي أن مظهرها غير لائق، ومنذ عام تقريبا شاهدت أحد الإعلانات التليفزيونية التي تعرض سماعات طبية صغيرة الحجم، وبالفعل اتصلت بهم لشرائها فأرسلوا شخصين لمنزلي ومعهما السماعة المطلوبة، وفوجئت بأحدهما يطلب مني الوقوف بعيداً عنه بمسافة لا تتجاوز 3 أمتار قائلاً إذا لم تتمكن من سماعي فهذا يعني أنك في حاجة ماسة إلي السماعة دون توقيع أي كشف أو التعرف علي مقياس للسمع، وعند تجربة السماعة تسرب إلي أذني «خرخشة» مرتفعة جداً فرفضت شراءها. أما شوقي عبد البديعذ تاجر- فيقول إن السماعات المضروبة تسببت في فقدانه السمع وهو ما جعله زبوناً دائماً لدي عيادات الأطباء وفي انتظار ظهور ولو أمل يستعيد من خلاله شيئاً من سمعه المفقود. يوضح د. أشرف مرجان مدرس السمع والاتزان بكلية طب جامعة المنصورة أنه مبدئياً السماعات التي نري إعلاناتها في التليفزيون كلها غير صالحة، فكل شركة سماعات كبري لها وكلاؤها بمصر ومعروفون تماماً لدي مراكز وأطباء السمعيات، ومن يظهر في التليفزيون يحصل علي هذه السماعات بطرق ملتوية إما مهربة أو بطرق غير شرعيه أخري، وفجأه تعلن أنها صاحبتها والوكيل الحصري لها وبذلك فهي تغش المريض. أما فيما يخص جودة السماعات فالشركات الأم خارج مصر لا تتخلص إلا من السماعات غير الكفء، فلا تعطيها لوكيلها، وتبيعها بأسعار رمزية لهؤلاء المستوردين، وعادة التوكيلات المحترمة تتخلص من كل ما هو غير جيد ولا تعطيه لأحد، وبنسبة 100 بالمائة تشتغل الشركات المصطنعة علي منتجات هندية أو صينية. ويضيف: النقطة الثانية أن المريض الذي يعاني من ضعف السمع بالتأكيد يحتاج لمقياس سمع مثله كمثل من لا يري جيداً، لكي أستطيع أن أختار له سماعة مناسبة لحالته ونسبة سمعه، فبالتالي التفاوت في أسعار السماعات لا يكون نتيجة الغني أو الفقر لكنه نتيجة أن كل شخص له سماعة تناسبه، ويقوم الطبيب بعرض الشركات علي المريض وله حرية الاختيار أو من الممكن أن يقوم الطبيب نفسه بإحضارها للمريض وضبطها له بناءً علي قياس سمعه، وإذا ظهرت أي عيوب بالسماعة يقوم الوكيل بإرسالها للشركة الأم سواء في ألمانيا أو سويسرا أو الدنمارك وهي من تتحمل مسئولية خطئها وتعوضه عنها بقطعه أخري. وينطبق هذا الحديث بشكل أكبر علي الأطفال، فهم لا يستطيعون التعبير عن مضايقاتهم من مستوي جودة السماعة علي عكس الناضجين القادرين علي اكتشاف أي مشكلة تحدث في السماعة، والمشكلة أن العمر السمعي للأطفال قصير فإما أن يعالج ويتحسن سمعه خلال الخمس سنوات الأولي من إصابته بضعف السمع أو لا يسمع بعد ذلك طوال حياته. ويستطرد: في النهاية ما الذي يجعلني أجهد نفسي في دراسة الطب عشرات السنين طالما أن الموضوع بهذه السهولة التي تجعل شركات السماعات المضروبة تقيس السمع دون أجهزة أو في أقل من دقيقتين، فطالما أن الموضوع بهذه البساطة لماذا كل هذا الإرهاق في دراسة السمعيات، فبالمنطق كل ما يحدث هو موضوع مادي بحت، مثل ما كان يحدث في البصريات بموضوع العدسات اللاصقة وحصلوا علي تشريع في سنة معينة بعدم تركيب عدسة لاصقة إلا بإشراف طبيب، وبالتالي ألغيت التجارة في العدسات، فقد كانت جهازا يدمر حياة الكثيرين، والسماعات كذلك إذا لم تكن من مكان موثوق فيه وتحت إشراف طبيب متخصص. وعن كيفية الإعلان عن المنتجات المهربة في التليفزيون يقول مرجان: بعد مشاهدتي لأحد الإعلانات التي تؤكد أنها الوكيل الحصري لماركات معينة من السماعات، تحدثت للمسئولين عن التوكيل الرسمي متعجباً أنهم لا يقاضونهم، ففوجئت بالرد بأنهم «مسنودين» لا أعرف من من، فكل هذا بيزنس، ورغم أنه يعلن عن السماعة بحوالي 300 جنيه تدفع في البداية، يقوم المشتري بالتوقيع علي إيصالات أمانة تصل إلي 3000 جنيه وإذا لم يسدد يذهب للنيابة! علي الرغم من أن هناك بعض السماعات يصل ثمنها لأكثر من 25 ألف جنيه للسماعة الواحدة، وهو ليس طمعاً من الوكيل، ولكن هناك بعض الحالات لا يفيدها سوي هذه السماعة، ولكن من يعمل بها البعض لا يصلح بالمرة فهو أولاً وأخيراً حرام لأنهم يتعاملون مع آدميين. ويؤكد أن من يعاني من ضعف السمع ويذهب للعلاج وشراء سماعة من تلك العينة لتعالجه ستزيد من مرضه فقد وقع بين أيدي مافيا شركات بيع السماعات، وفي الحقيقة الوكلاء الحقيقيون لا يقومون بالإعلان عن أنفسهم لأنه لا يتعامل سوي مع طبيب، فالوكيل لا يروج سلعته عن طريق التليفزيون، فكل تعاملاته مع الأطباء المتخصصين فقط، والطبيب هو من يصف السماعة، ومن يظهرون علي الشاشات ليس هدفهم علاج المريض ولكن هدفهم الضحك علي المريض وبيع منتجاتهم المضروبة له، وتحصل الشركات غير الحقيقية علي بعض السماعات القديمة والمعطلة بمئات الجنيهات ويعيدون بيعها مرة أخري بآلاف الجنيهات. ويقترح للقضاء علي هذه المافيا أنه لا يجب الترويج لهم عن طريق دعاية ويقتنع بها المريض، فالدواء يوصف عن طريق الطبيب، ومن المفترض إغلاق كل هذه الأماكن واقتصار البيع علي الطبيب فقط أو الأماكن التي يشير لها حتي ولو خارج مصر، ويجب أن تعامل هذه الأجهزة الدقيقة نفس معاملة الأدوية. ويري محمد إسماعيل رئيس شعبة تجار المستلزمات الطبية بغرفة القاهرة أن السماعات الطبية تخضع للإدارة الطبية لشئون الصيدلة، ومن المعروف أن هذا النوع من السماعات تكون صغيرة الحجم جدا، فمن الممكن أن يحضر أحد الأشخاص بحقيبة صغيرة أكثر من مائتي قطعة دون الانتباه لها، وهناك أشخاص بالفعل يحضرونها بهذه الطريقة، ونستطيع أن نعرف أن هناك شكاوي منها، فنقوم بإبلاغ الغش التجاري الذي يذهب للمكان المبلغ عنه، ويتفحص الأجهزة وإذا ثبت أنها مخالفة تتم مقاضاته، ومصادرة بضائعه ومن الممكن أن تصل إلي السجن عامين. وفيما يخص الإعلانات المتداولة في التليفزيون فلا يمكننا السيطرة عليها لأنها تبث من قنوات خارج مصر ولا يوجد عليها رقابة، ولمن يتعرض لعملية نصب من إحدي هذه الشركات فيمكنه أن يتوجه للغش التجاري الذي بدوره يقوم بحملة علي مقر الشركة والتحقيق بالواقعة. ويري د. عصام رمضان خبير الصحة العامة والأوبئة بالأمم المتحدة ورئيس مجلس الصحة العامة وحماية المستهلك أن المشكلة ترجع في الأساس إلي تهريب هذه السماعات بحاويات مختلفة وإحضارها ضمن لعب الأطفال داخل حاويات بضائع ضخمة، ولا يتم الفحص الكافي لها وهو نوع من الغش، أو يقوم بعرض العينات العشوائية للسماعات سليمة مائة بالمائة دون عرض القطع غير الصالحة للاستخدام، وبعد إجراء عملية المعالجة لتلك الأجهزة واكتشافنا بعد ذلك أن البعض الآخر منها غير سليم، فنقوم برصد هذه الأماكن التي تتاجر بها ونبدأ بعمليات مداهمتها، وهناك الكثير من الشركات بالفعل تمت مصادرة بضائعها، ويدخل تحت إطار عقوبة الغش التجاري وهي السجن ثلاث سنوات ومصادرة البضائع بالكامل. وفيما يخص الشركات التي تعلن عن أجهزتها عبر التليفزيون يقول: لسنا مسيطرين علي الفضائيات، فليس لها قانون محدد خاص بنا، فنحن كوزارة الصحة لا نمنح التصاريح إلا للقنوات الأرضية فقط، وأي قناة فضائية يمكن لأي فرد أن يعلن عن منتجه من خلالها من أي بلد في العالم، فالبث من جهات مختلفة، وقد طالبنا في الاتحاد العربي التابع لجامعة الدول العربية بتوحيد البث، فلا يجوز الإعلان عن أي أجهزة طبية أو أدوية أو غيرها عبر التلفاز، والمشكلة أننا لا نملك عقوبة للشركة المعلنة عن كل ما يعرض علي القنوات من أدوات مغشوشة، فليس لنا أي سلطات عليها.. ووعد رمضان بتتبع بعض الشركات المعلنة بالتليفزيون للتأكد من مصداقيتها، وأشار إلي أنه يجب تفعيل الكثير من القوانين الرادعة لمواجهة هذا النصب باسم الطب فهناك عشوائية كبيرة في هذا المجال، ولا يجوز الاكتفاء بهذه العقوبات فقط فعلي الأقل لابد من إيقاف النشاط تماماً، فهناك بعض الأحكام تقتصر في النهاية علي ثلاث سنوات مع الإيقاف، وحتي إذا قمنا بتشميع المكان وغلقه من الممكن أن يعاد فتحه مرة أخري والغرامة لا تتعدي 50 جنيهاً وكأن شيئاً لم يكن، فكل ما يتعلق بصحة المواطن لابد من إعادة التشريع له.