الإسكان: جار تنفيذ 64 برجا سكنيا بها 3068 وحدة.. و310 فيلات بتجمع صوارى في غرب كارفور بالإسكندرية    الانتفاضة الطلابية بأمريكا.. ماذا يحدث في حرم جامعة كاليفورنيا؟    دور العرض ترفع أحدث أفلام بيومي فؤاد من شاشاتها.. تعرف على السبب    بحضور السيسي.. تعرف على مكان احتفالية عيد العمال اليوم    سفير روسيا لدى واشنطن: اتهامات أمريكا لروسيا باستخدام أسلحة كيميائية في أوكرانيا بغيضة    طقس أسيوط اليوم.. جو ربيعي وانخفاض درجات الحرارة لمدة يومين    ارتفاع في أسعار الذهب بكفر الشيخ.. عيار 21 بكام؟    ماذا يستفيد جيبك ومستوى معيشتك من مبادرة «ابدأ»؟ توطين الصناعات وتخفيض فاتورة الاستيراد بالعملة الصعبة 50% وفرص عمل لملايين    قوات الجيش الإسرائيلي تقتحم مخيم عايدة في بيت لحم وقرية بدرس غربي رام الله ومخيم شعفاط في القدس    "الحرب النووية" سيناريو الدمار الشامل في 72 دقيقة    ملخص عمليات حزب الله ضد الجيش الإسرائيلي يوم الأربعاء    إجراء عاجل من الفلبين ضد بكين بعد اشتعال التوترات في بحر الصين الجنوبي    رامي ربيعة يهنئ أحمد حسن بمناسبة عيد ميلاده| شاهد    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الخميس 2 مايو 2024    حملة علاج الادمان: 20 الف تقدموا للعلاج بعد الاعلان    بحضور السيسي، تعرف على مكان احتفالية عيد العمال اليوم    نسخة واقعية من منزل فيلم الأنيميشن UP متاحًا للإيجار (صور)    هل يستجيب الله دعاء العاصي؟ أمين الإفتاء يجيب    مشروع انتاج خبز أبيض صحي بتمويل حكومي بريطاني    تعرف على أحداث الحلقتين الرابعة والخامسة من «البيت بيتي 2»    الصحة: لم نرصد أي إصابة بجلطات من 14 مليون جرعة للقاح أسترازينيكا في مصر    الصحة: مصر أول دولة في العالم تقضي على فيروس سي.. ونفذنا 1024 مشروعا منذ 2014    ضبط عاطل وأخصائى تمريض تخصص في تقليد الأختام وتزوير التقرير الطبى بسوهاج    تشيلسي وتوتنهام اليوم فى مباراة من العيار الثقيل بالدوري الإنجليزي.. الموعد والتشكيل المتوقع    خبير تحكيمي يكشف مدى صحة ركلة جزاء الإسماعيلي أمام الأهلي    بتهمة التحريض على الفسق والفجور.. القبض على الإعلامية "حليمة بولند" في الكويت    تأهل الهلال والنصر يصنع حدثًا فريدًا في السوبر السعودي    الثاني خلال ساعات، زلزال جديد يضرب سعر الذهب بعد تثبيت المركزي الأمريكي للفائدة    متى تصبح العمليات العسكرية جرائم حرب؟.. خبير قانوني يجيب    بتهمة التحريض على الفسق والفجور.. القبض على حليمة بولند وترحيلها للسجن    «البنتاجون»: أوستن أكد لنظيره الإسرائيلي ضرورة ضمان تدفق المساعدات إلى غزة    أمطار تاريخية وسيول تضرب القصيم والأرصاد السعودية تحذر (فيديو)    تامر حسني يوجه رسالة لبسمة بوسيل بعد الإعلان عن اغنيتها الجديدة.. ماذا قال؟    وليد صلاح الدين يرشح لاعبًا مفاجأة ل الأهلي    هاجر الشرنوبي تُحيي ذكرى ميلاد والدها وتوجه له رسالة مؤثرة.. ماذا قالت؟    عميد أصول الدين: المؤمن لا يكون عاطلا عن العمل    كيف يؤثر الذكاء الاصطناعي في الموارد البشرية؟    لاعب الزمالك السابق: إمام عاشور يشبه حازم إمام ويستطيع أن يصبح الأفضل في إفريقيا    عاطل ينهي حياته شنقًا لمروره بأزمة نفسية في المنيرة الغربية    هذه وصفات طريقة عمل كيكة البراوني    أهمية ممارسة الرياضة في فصل الصيف وخلال الأجواء الحارة    حكم دفع الزكاة لشراء أدوية للمرضى الفقراء    مظهر شاهين: تقبيل حسام موافي يد "أبوالعنين" لا يتعارض مع الشرع    كوكولا مصر ترفع أسعار شويبس في الأسواق، قائمة بالأسعار الجديدة وموعد التطبيق    بسام الشماع: لا توجد لعنة للفراعنة ولا قوى خارقة تحمي المقابر الفرعونية    الأنبا باخوم يترأس صلاة ليلة خميس العهد من البصخة المقدسه بالعبور    برج الميزان .. حظك اليوم الخميس 2 مايو 2024 : تجاهل السلبيات    الخطيب يطالب خالد بيبو بتغليظ عقوبة افشة .. فماذا حدث ؟    يوسف الحسيني : الرئيس السيسي وضع سيناء على خريطة التنمية    أخبار التوك شو|"القبائل العربية" يختار السيسي رئيسًا فخريًا للاتحاد.. مصطفى بكري للرئيس السيسي: دمت لنا قائدا جسورا مدافعا عن الوطن والأمة    حيثيات الحكم بالسجن المشدد 5 سنوات على فرد أمن شرع فى قتل مديره: اعتقد أنه سبب فى فصله من العمل    انخفاض جديد في عز.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الخميس 2 مايو بالمصانع والأسواق    بعد أيام قليلة.. موعد إجازة شم النسيم لعام 2024 وأصل الاحتفال به    مفاجأة للموظفين.. عدد أيام إجازة شم النسيم في مصر بعد قرار ترحيل موعد عيد العمال    بقرار جمهوري.. تعيين الدكتورة نجلاء الأشرف عميدا لكلية التربية النوعية    النيابة تستعجل تحريات واقعة إشعال شخص النيران بنفسه بسبب الميراث في الإسكندرية    أكاديمية الأزهر وكلية الدعوة بالقاهرة تخرجان دفعة جديدة من دورة "إعداد الداعية المعاصر"    بروسيا دورتموند يقتنص فوزا صعبا أمام باريس سان جيرمان في ذهاب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحمس الأول.. طارد الهكسوس
نشر في آخر ساعة يوم 29 - 12 - 2015

مصر حروباً عدة عبر التاريخ للحفاظ علي وحدة أراضيها وأمن شعبها بصدها لأي غزوات علي أراضيها منذ ما يقرب من ثلاثة آلاف وسبعمائة عام وبطردها الهكسوس.. وقبل ذلك التاريخ كانت الحروب عبارة عن مناوشات قبلية من دول متشرذمة محيطة بمصر خاصة من الشرق والجنوب.. وبعد أولي معارك الجيش المصري الكبري لطرد الهكسوس 1580 ق.م وسحقهم والذين لم يعد لهم ذكر في التاريخ بعد ذلك
واستمرت حروب عدة كان فيها جيش مصر درع الوطن والأوطان العربية مروراً بالحروب في العصر الإسلامي ضد الصليبيين والمغول والتتار وصولاً لإنشاء محمد علي جيشا مصرياً نظامياً قوياً وما حققه من انتصارات مبهرة في عهد الدولة المصرية الحديثة.. وحتي حرب 1973 أعظم حرب خاضها جيش مصر في العصر الحديث.
تُعد حرب أحمس الأول ضد الهكسوس وطردهم من مصر 1580 ق.م أولي المعارك المعروفة في تاريخ مصر القديمة.. والتي يمر عليها الآن حوالي 3600 عام. يقول المؤرخ المصري القديم "مانيتون": "فاجأ الهكسوس المصريين وهجموا عليهم بأعداد كبيرة لم يستطع المصريون مقاومتها.. فحرقوا المدن والمعابد ودخلوا إلي مصر واتخذوا عاصمة لهم في شرق الدلتا أطلق عليها "زوان" وانتشروا تدريجياً حتي سيطروا علي شمال مصر".
وفي الفترة من 1580 -1110 قبل الميلاد وهي فترة عصر الدولة الحديثة وشملت الأسرات 18 - 19 وفيها طرد أحمس الأول الهكسوس وأسس النهضة المصرية الجديدة.. وفيه أيضا ظهر إخناتون ورمسيس الثاني ووقع الصدام مع الحيثيين.. وفيها قاد أحمس الجيوش وعمره 19 عاماً عام 1580 ق.م مستخدماً بعض الأسلحة الحديثة مثل العجلات الحربية وانضم إلي الجيش الكثير من شعب طيبة وذهب بجيشه إلي "زوان" - صان الحجر الآن - عاصمة الهكسوس وهزمهم هناك ثم لحق بهم الي فلسطين وحاصرهم في حصن "شاروهين" ومزق شملهم حتي استسلموا ولم يظهر للهكسوس بعدها ذكر في التاريخ ..
وتبدأ مصر منذ تخلصها من احتلال الهكسوس عهدا مجيدا وقد تغلغلت في النفوس الروح الحربية والنزعة الوطنية وأقبل الشباب علي الجيش يندفعون في معاركه، وكان لقيام الإمبراطورية واختلاط المصريين بمن حولهم من الشعوب وما تدفق علي البلاد من ثروات أن تمتعت مصر بالرخاء والترف الذي أثري حياتها وحضارتها.
جاء في كتاب الأدب المصري القديم لأحمد عبدالحميد يوسف: "هب المصريون بقيادة ملوك طيبة لطرد الهكسوس عن أوطانهم وكان من أبطال معركة التحرير "سقننرع" الذي قُتل وأعقبه "كاموسي" الذي وصف المعركة كاتبا في لوح كارنارفون: "لقد هبطت النيل لطرد الهكسوس بأمر آمون - أحمس الأول - ذي الرأي السديد.. ولقد تقدمني جيشي القوي كأنه جذوة من نار.. وكانت طلائع الجيش من فصائل المازوي تتقدمه للكشف عن الآسيويين وتدمير مواقعهم.. وقد أفاض المصريون علي الجيش الطعام من كل مكان وقد وجهت فصيلة قوية من المازوي إلي الأمام علي حين توليت بنفسي حصار نبتي بن تيتي في نفروسي فقد كرهت أن أفلته ففصلت بينه وبين الآسيويين ثم قضيت الليل علي سفينتي.. فلما أسفر النهار انقضضت عليه كالصقر فدحرته فدمرت أسواره وقتلت قومه".
تميزت فترة حكم أحمس بهذا الحدث البطولي العظيم بطرد الهكسوس - والذي مازال من أهم الأحداث الحربية - من أرض مصر بعد احتلال دام أكثر من قرن من الزمان.. واستعداداً لطرده الهكسوس قام أحمس بتطوير الجيش المصري فكان أول من أدخل عليه "العجلات الحربية".. ويري بعض المؤرخين أن المصريين عرفوا الحصان والمركبة من الهكسوس الذين كانوا يستخدمونها وهي سبب تغلبهم علي مصر وكان يجرها الأحصنة.. فكانت العربة تحمل ثلاثة جنود منهم من يرمي النبال وآخر يُقاتل بالسيف وثالثهم يقود العربة بينما المصريون كانوا يُقاتلون راجلين.. أيضاً كانت تكتيكات الهكسوس العسكرية جديدة علي المصريين واهتمامهم بالمحاور أثناء المعارك وتحصيناتهم القوية لقلب الجيش.. واستعد أحمس الأول لحرب الهكسوس فطور الأسلحة الحربية باستخدام النبال المزودة بقطعة حديد علي الأسهم والتف الشعب حوله فقام بتدريبهم بكفاءة حتي أصبحوا محاربين أقوياء ومهرة ثم بدأ بمحاربة الهكسوس من صعيد مصر حتي وصل إلي العاصمة التي أقامها الهكسوس بجوار مدينة الزقازيق الحالية وظل يحاربهم حتي فروا إلي شمال الدلتا وهو خلفهم الي سيناء ثم إلي فلسطين وشتت شملهم تماماً ولم يرجع أحمس إلا بعد أن اطمأن علي حدود مصر الشرقية أنها آمنة وأحضر معه أسري وفي المتحف المصري يوجد إناء من المرمر نُقش عليه اسم أحمس الأول وآخر من الخزف الأزرق نُقشت عليه صور الأسري.
حكم أحمس مصر مدة تقرب من 25 عاماً.. شجع المصريين علي الدخول في سلك الجندية وأقام حكمه علي النظم العسكرية فوجد بين المصريين إقبالاً علي الانخراط في الجيش لما رأوا فيه متنفسا للترقي والتقدم فوضع بذلك الأسس الأولي لجيش اقتحم الحدود لحمايتها متنقلاً من نصر لنصر ضد أي محاولة لغزو مصر.
معركة "مجدو"
حين ماتت "حتشبسوت" ملكة مصر بعد 22 عاما قضتها حاكمة طمع بعض زعماء سوريا بقيادة أمير قادش في خليفتها "تحتمس الثالث".. وكان مازال شاباً وتمردوا عليه فخرج إليهم بجيشه 1457 قبل الميلاد عند قرية "مجدو" المنيعة بين سلسلتي جبال لبنان علي الطريق الممتد بين مصر ونهر الفرات التقي الجيش المصري مع جيش أمير قادش وكانت الغلبة الساحقة للجيش المصري.. وما إن نفض تحتمس الثالث يده من هذه المعركة حتي واصل زحفه إلي غربي آسيا ليُعيد ضمه إلي ملكه فضم قادش ثم قرقميش وبعدها عاد إلي مصر كي يستعد لشن حملات أخري أخضع بها البلاد الواقعة إلي الشرق من البحر المتوسط كما بسط نفوذ مصر علي جميع ثغور فلسطين وسوريا وجزر البحر المتوسط.
ومعركة "مجدو" هي واحدة من أشهر المعارك التي خاضها الجيش المصري وكانت ضد القادشيين الذين استولوا علي "مجدو" (شمال فلسطين)، و"مجدو" من أشهر المعارك التي خلدت أيضاً جيش مصر وقادها تحتمس الثالث وليس من شك أن أعماله العسكرية في هذه المعركة تُعد مفخرة يعتز بها التاريخ الحربي في العالم القديم، فهو أول من نظم الجيوش وقسمها إلي قلب وجناحين، وأول من درس ساحة القتال قبل أن يخوض المعركة.. وأول من نفذ الحرب الخاطفة المفاجئة.. وبفضل براعة "تحتمس الثالث" وبه بدأ المصريون مبكراً في تطبيق الأفكار الحربية الاستراتيجية.. وقد لعبت المناورات الاستراتيجية التي تجريها الفرق والجيوش المصرية دوراً حاسماً في كسب المعارك في ميادين القتال.
غامر الجيش المصري باختيار طريق الموت ليباغتوا القادشيين وهي خطة نفذها الجيش بقيادة الملك تحتمس الثالث.. إذ كان أمام الجيش المصري طريقان للوصول إلي "مجدو" لملاقاة القادشيين.. الطريق الأول وهو عبارة عن ممر جبلي ضيق محفوف بالمخاطر لا يتسع إلا لمرور فرد واحد وإن اكتشف العدو ذلك ستكون خسارة فادحة للمصريين.. والطريق الثاني أكثر سهولة وأمناً ولكن علي عكس المنطق اختار تحتمس الثالث الطريق الأصعب لأن العدو لن يتوقع أبداً اجتياز الجيش لهذا الطريق.. وبذلك أمكن للجيش المصري مباغتة طلائع العدو الاستكشافية المتمركزة علي الطريق الثاني السهل فكان النصر حليف جيش مصر.
وقد ورد ذكر مدينة "مجدو" في حوليات الفرعون "تحتمس الثالث" التي تعود إلي القرن 15 ق.م حيث جاء فيها إنه استطاع عام 1468 ق. م أن يهزم جيش الكنعانيين والذي كان عبارة عن ائتلاف لجيوش عدة من الملوك والأمراء لعدد من المدن الكنعانية ضد النفوذ الفرعوني المصري في كنعان وسوريا حيث جمع ملك مجدو حوله ثلاثة وثلاثين أميراً بجيوشهم ولما علم الفرعون المصري تحتمس بذلك التحالف دعا قادة جيشه وعرض عليهم الموقف ووضعوا خطة للقتال قيل عنها إنها خطة مُتقنة وذات مناورة ناجحة ليس لها أي سوابق في تاريخ الدول الأخري وتدل علي عبقرية تحتمس الثالث كقائد حربي عظيم.. ليصل إلي سهل مجدو بجيشه وعدده مائة ألف جندي لشمال فلسطين وعبر طريق ضيق يُفاجئ العدو منه لينزل إلي سهل "مجدو" الذي يحاصره ولم يعد إلي مصر إلا بعد أن أعاد النظام والاستقرار إلي جنوب سوريا.. وقد سُجلت أخبار هذه الانتصارات في مجدو علي جدران "معابد الكرنك" لتصبح بمثابة سجل واف يحكي تفاصيل المعركة التي أصبحت علامة بارزة في تاريخ العسكرية في مصر القديمة.
وجاء في المجلد الأول من نصوص مقدسة ونصوص دنيوية من مصر القديمة بقلم كلير لالويت:" كان هناك خطر جسيم يحدق بالبلاد وكانت الإمارات الآسيوية الخاضعة للهيمنة المصرية - ساحل المتوسط وجوف البلاد - قد شكلت تحالفاً مناهضاً للسلطة الفرعونية يدعمه ملك الميتاني الذي أخذت طموحاته تتحدد بوضوح والذي كان يسعي إلي استبدال نفوذه الخاص بنفوذ مصر التقليدي في هذه المناطق وكان يهدف بخاصة إلي تأمين المنافذ التجارية علي البحر المتوسط وعلي امتداد سبع عشرة حملة متوالية أدارها تحتمس الثالث ببصيرة ثاقبة للمعطيات السياسية والعسكرية استعاد نفوذه حتي نهر الفرات.. وقد تم نحت رواية هذه الحملات في معبد آمون- رع بالكرنك كأكبر مدونة تاريخية في العالم تضم 225 سطراً من النصوص طول كل سطر منها 25 مترا.. وأهم أقسام هذه الحوليات هو التقرير الخاص بالحملة الأولي التي شهدت هزيمة تحالف "مجدو" وهو موقع حصين يقع عند منفذ معابر الكرمل شمال فلسطين.
يقول أحد المؤرخين عن قوة مصر في زمن حكم الملك تحتمس الثالث: "لا توجد هناك قوة في بلاد الشرق الأدني تستطيع أن تواجه الجيش المصري الذي نال تدريباً عسكرياً ممتازاً وفاز بقيادة ملك عبقري".
انتصارات رمسيس الثاني
آثار رمسيس الثاني بمكانة شخصيته الذي عاش 99 عاماً.. ولعله أكثر ملوك التاريخ شجاعة وتوفيقاً في ميادين الحرب حتي أصبح شخصية أسطورية ووجه عنايته لتأمين مملكته وواجه جيوش ملك الحيثيين في "قادش" حيث دارت معركة طاحنة تحقق لمصر فيها ولجيشها النصر.
ومن بعض ما جاء في النصوص المقدسة والدنيوية من مصر القديمة ما ذكرته كلير لالويت عن مآثر رمسيس الثاني: "عظيمة هي انتصارات رعمسيس الثاني علي جميع البلدان الأجنبية ولا أحد يدري متي يتهيأ لخوض المعركة. إنه سور ذو كفاءة لجنوده. ودرعهم يوم المعركة إنه قوْاس لامثيل له فهو أقوي من مئات الألوف مجتمعين كأنه شعلة لحظة تأججها ثابتة هي شجاعته كشجاعة الثور المتأهب للمعركة وليس في استطاعة ألف رجل أن يصمدوا أمامه إنه صاحب صيحات الحرب التي تنفذ إلي قلب جميع الأراضي".
لمعركة قادش أعد رمسيس الثاني مشاته وسلاح مركباته و20 ألف مُقاتل وتوجه صوب الشمال يصحبه سلاح المشاة والمركبات وذلك في السنة الخامسة من حكمه ومضي في اتجاه هذه البلاد وتجاوز حصن "يارو" وارتعدت جميع البلدان الأجنبية لاقترابه فأمراؤها يقدمون له الجزية ويأتي المتمردون منحنين بسبب ما يثيره مجده من فزع.. وسار جيشه عبر الممرات الضيقة بنفس السهولة التي يسير بها عبر طريق مصر.. وعندما وصل إلي "قادش" كان ذلك العدو الخسيس "من خاتي" قد حشد من حوله جميع البلدان الأجنبية حتي حدود البحر (كان التحالف الحيثي يضم شعوب ساحل آسيا الصغري: سكان بيدسا ودوروني وماسا وكليكيا وبلاد أرزاوا وقديا وبلاد شمال فينيقيا والمدن الفينيقية وحصون بلدان أعالي سورياك"قرقميش" علي نهر الفرات و"قادش" علي نهر العاصي).. بينما لم يستعن رمسيس الثاني بأي بلد.. وكان الجيش المصري يضم آنذاك أربع فرق وضعت ثلاث منها تحت رعاية آلهة مصر الكبار: "آمون" و"رع"و"بتاح" أما الفرقة الرابعة فكانت تحمل اسم "ست" وكان جيش "آمون" يسير خلفه. وجيش "رع" يعبر علي مقربة من شبتونا.. وجيش "بتاح" إلي الجنوب من مدينة إيرواما.. وجيش "ست" لايزال علي الطريق.. كما شكل أيضا سرية تضم نخبة من مقاتلي سلاح مشاته وكانت موجودة عند ساحل بلاد "أمورو" (في منطقة لبنان إلي الشمال من فلسطين).
وقد سجل تقرير رسمي مسطور علي البردي من عمل الرئيس الأعلي للمحفوظات " آمن إمينت" وصفاً لحيلة أقدم عليها الملك الحيثي لم تكن لصالح رمسيس الثاني - علي ما يبدو - وهو ما يشير إلي اعترافات ملقنة من جانب جاسوسين زائفين، فبينما كان رمسيس معسكرا بجيشه قرب قادش دخل معسكره اثنان من الشاسو - البدو - ادعيا أنهما فاران من جيش الملك الحيثي وأظهرا الولاء للفرعون الذي أسلمهما بدوره إلي رجاله ليستجوبوهما عن مكان جيوش الحيثيين فأخبرا الفرعون بأن ملك الحيثيين ما إن سمع بمقدم الفرعون حتي ارتعد وتقهقر بجيوشه إلي حلب في الشمال من سوريا.. وفي الواقع لم يكن هذان الشاسو غير جاسوسين وعلي أساس هذه الأخبار وبدون التأكد من صحتها أسرع الملك رمسيس علي رأس فيلق "آمون" وعبر نهر العاصي وسار الي مرتفع شمال غرب قادش وأقام معسكره في انتظار وصول باقي الجيش ليتابع السير حسب ما أخبره الجاسوسان.
وفي هذه الأثناء قبض جيشه علي اثنين من جنود العدو استخلصوا منهما الحقيقة وهي أن الحيثيين كامنون في قادش وأنهم في طريقهم لعبور نهر العاصي لمفاجأة الجيش المصري هناك.. وبالفعل عبر نصف الجيش الحيثي النهر وفاجأوا رمسيس الثاني فهجموا علي فيلق "رع" ودمروه وبذلك قطعوا الاتصال بين رمسيس وبقية فيالقه واتجه الجيش بعد ذلك بعرباته الحربية وتابع تقدمه وهاجم فيلق "آمون".. فقاد رمسيس بنفسه هجوماً ضد الحيثيين حيث سلك بالجيش ممرا ضيقاً ليلتف حول الحيثيين ودفع بهم حتي النهر.. وكانت اللحظة الفارقة في ذلك بوصول إمدادات من جنوده القادمين من بلاد "آمور" ففاجأ الحيثيين ووجدوا أنفسهم محاصرين مما اضطرهم لترك عرباتهم الحربية والسباحة في نهر العاصي أمام ضراوة هجوم الجيش المصري.
وقد سُجلت أخبار معركة "قادش" علي جدران معابد الكرنك والأقصر والرامسيوم وأبوسنبل. وذكر رمسيس في سجلات هذه المعركة أن ملك الحيثيين طلب العفو حتي لا يفني ما تبقي من رعاياه.
تحرير القدس
الدكتور عبدالرحمن زكي في كتابه "الجيش المصري في العصر الإسلامي من الفتح العربي إلي معركة المنصورة.. من عين جالوت إلي رشيد" ملامح انتصارات وانكسارات عديدة والتي حكم مصر فيها ولاة وفدوا من "المدينة" أو "دمشق " أو "بغداد"، ثم بعدهم "الطولونيون" و"الفاطميون" وأسرة الأيوبيين، التي أسسها صلاح الدين الأيوبي صاحب المعارك الظافرة ومنها معركة "حطين" الحاسمة التي انتهت بتحرير القدس وإنزال هزيمة ساحق بالصليبيين.. هي مراحل تاريخية تشهد علي براعة وكفاءة الجيش برجاله وأسلحته ومعاركه التي خاضها ضد من يحاول الاعتداء علي مصر.
تعد معركة "حطين" إحدي أعظم المعارك التاريخية التي خاضها جيش المسلمين تحت لواء جيش مصر بقيادة صلاح الدين الأيوبي ضد الصليبيين الذين احتلوا بيت المقدس وشرق الأردن نتيجة نقض "رينالد شاتيون" أحد قادة الصليبيين الهدنة التي عقدها ملك بيت المقدس "بلدوين" مع صلاح الدين الأيوبي ومهاجمته لقافلة تابعة للمسلمين ورفضه تسليم الأسري حتي أنه قتل بعضهم.. وعلي إثر هذه الحادثة يدعو صلاح الدين البلاد الإسلامية إلي الجهاد ضد الصليبيين ليقود بنفسه أكبر جيش من المسلمين وهو ما دفع ملك بيت المقدس "جي دي لويزينيان" الذي تولي الحكم بعد وفاة "بلدوين" للخروج علي رأس جيش جرار لملاقاته.. ودارت معركة ضارية بين الطرفين علي أرض "حطين" قُتل فيها أعداد مهولة من الصليبيين الذين كانوا يعانون العطش وقد قطع عنهم المسلمون طريق الوصول إلي المياه.. كما تم أسر عدد كبير منهم.. وهذا ما دفع "ابن الأثير" للقول بأن "ساحة الحرب ظلت مرتعاً للطيور الجارحة لمدة سنة" فكان من يري القتلي لا يظن أنهم أسروا أحدا.. ومن يري الأسري لا يظن أنهم قتلوا أحدا.
وقد شكلت المعركة الفاصلة "حطين" 1187 ميلادياً الواقعة بين "الناصرة " و"طبرية" نقطة التحول الأولي البارزة في تاريخ الحروب للناصر صلاح الدين الأيوبي وكانت معركة فاصلة بين الجيوش الإسلامية وجيوش الصليبيين.. وهو ما يؤكد أن العسكرية المصرية كانت وراء هذا النصر.. وقد كانت القوات الصليبية تحتل جزءاً من المناطق الساحلية بفلسطين وكانت تحصيناتهم تعتمد علي الصراع القوي في الدفاع والهجوم.. وقد حشد الصليبيون ليلة معركة "حطين" جيشاً يتألف من أكثر من ستين ألفاً من الفرسان والمشاة.. وعرض صلاح الدين خطة الهجوم وقاد بنفسه جيوش المسلمين يوم الجمعة 3 يوليو 1187 في اتجاه "طبرية" وفجر السبت التحم وفرسان "جي" ملك الصليبيين وتقدم وحطم محاولاتهم وعزل مؤخرتهم عن بقية الجيش.. فقد وضع الصليبيون أنفسهم في وضع غير استراتيجي داخل طوق من قوات صلاح الدين الأيوبي.. وبعد معارك طاحنة أصيبت قوات "جي" بخسائر فادحة وأسر قائد جيوش الصليبيين ملك القدس.. وقد تم الانسحاب علي إثرها من جميع المواقع وتم النصر العظيم في معركة "حطين" الخالدة.
لقد استطاع صلاح الدين بحكمته وشجاعته توحيد مصر والشام والحجاز واليمن تحت الراية العباسية وأسس الدولة الأيوبية التي أحاطت بالإمارات الصليبية في بيت المقدس.
"المنصورة" تسحق الصليبيين
(معركة المنصورة) كثانية الحروب التي تعبر عن تضامن الجيش المصري مع الشعب في الدفاع عن دمياط، فبعد هزيمة الصليبيين في «حطين» جاءوا مدعومين بالفرسان والمدافع والآلات ليهاجموا مصر 1248 ميلادياً ويستوطنوا فيها، إلا أن شعب مصر وقف بالمرصاد ولقنوا هذه الحملة درساً في مدينتي المنصورة ودمياط، ليتم القضاء نهائياً علي تلك الحملات.. وعاد من تبقي منها عقب القضاء عليها إلي بلادهم.. بعدما انكسرت القوة الضاربة للجيوش الصليبية بعد معركة المنصورة في فبراير 1250.
وكانت الحملة الصليبية توجهت لتستولي علي دمياط ولاقت هزيمة منكرة وفيها تم أسر لويس التاسع في المنصورة عام 1249م وحبس في دار ابن لقمان.. المعركة الحربية ذاتها دارت أحداثها بمدينة المنصورة بين "الأيوبيين" والحملة الصليبية السابعة بقيادة لويس التاسع ملك فرنسا.. حيث نجح جنود الملك الصالح أيوب الذي اشتري جنوداً بكثرة واهتم بتدريبهم عسكرياً حتي أصبحوا عماد جيشه القوي في تحطيم آمال لويس التاسع وإفشال حملته.
وقد وضع المصريون والمماليك الذين حكموا مصر خطة هي طُعم للفرنسيين بالتعاون مع أهالي المنصورة بعد استيلاء الحملة علي دمياط وتوجههم للاستيلاء علي القاهرة وتمثلت الخطة في وضع عدة كمائن ومتاريس داخل مدينة المنصورة والتظاهر بالهدوء والسكينة حتي تطمئن قوات لويس التاسع وبأن الأمر قد استتب لهم وأن الأهالي قد انسحبوا من المنصورة كما انسحبوا من دمياط ثم يشرعون بالهجوم والانقضاض المفاجئ علي الصليبيين لتفريق صفوفهم وهو ما حدث بالفعل حيث أصيب الصليبيون بالفزع والاضطراب وتكبدوا خسائر كبيرة وانسحبوا إلي دمياط.. ولكن المماليك بقيادة "توران شاه" تعقبوهم وأسروا ملكهم لويس التاسع وتم حبسه في بيت القاضي ابن لقمان إلي أن تم إجراء مفاوضات مع الصليبيين انسحبوا علي إثرها من دمياط وتعهدوا بعدم غزو سواحل البلدان الإسلامية ودفعوا فدية كبيرة مقدارها ثمانمائة ألف دينار مقابل إطلاق سراح أسراهم بمن فيهم الملك لويس التاسع.
وهكذا كسرت مصر الروح الصليبية التي سادت القرن الثالث عشر الميلادي، ذلك أن المملكة الصليبية في الشام وبيت المقدس ما لبثت بعد فترة وجيزة من تلك المعركة الفاصلة أن تقلص ظلها ثم زالت، فلم يكد يمر واحد وأربعون عاما علي انتهاء معركة المنصورة الخالدة حتي قام سلطان مصر باحتلال عكا في 18 مايو 1291م، وبذلك قضت مصر علي البقية الباقية من الوجود الاستعماري في بيت المقدس.
وكان من أسباب هذه الحملة علي المنصورة أنه بعد انفراد الصالح نجم الدين أيوب بحكم مصر 1238 ونجاحه في استرداد بيت المقدس من أيدي الصليبيين 1244 وهزيمته لهم في معركة غزة أكتوبر 1244 والتي كانت كارثة ضخمة حلت بالصليبيين بعد معركة حطين 1187 وبلغ من أثرها أن أُطلق عليها حطين الثانية ونجاح نجم الدين أيوب في استرداد قلعة طبرية واستيلائه علي عسقلان أثار هذا الغرب منادين بإرسال حملة جديدة إلي مصر بسبب الاعتقاد الذي ساد بأنه ما دامت مصر علي قوتها وبأسها فلا سبيل إلي نجاح الحملات الصليبية واستعادة بيت المقدس من أيدي المسلمين واستجاب لهذه الصيحات الغاضبة ملك فرنسا لويس التاسع وعقد مجلساً في باريس في خريف 1245 وكان أول من أدرج نفسه في سجل الحرب وتتابع الأمراء اقتداء به.. وفي 12 أغسطس 1248 أبحرت الحملة من ميناء "يجور" قاصدة قبرص ومكثت حوالي ثمانية أشهر هناك.. وعلم الصالح أيوب بأنباء الحملة من صديقه الإمبراطور الألماني فريدريك الثاني فحضر من الشام رغم مرضه محمولاً في محفة ونزل بأشموم طناح التي أصبحت مركز عملياته الحربية.. وحصن دمياط وزودها بالمؤن والعتاد وعهد إلي طائفة "بني كنانة" بحماية المدينة. وبعد سقوط دمياط نقل معسكره إلي مدينة المنصورة.. وقامت البحرية المصرية بحصار الحملة وقطع خطوط إمدادها في فرع دمياط لمدة ستة أشهر.. واستطاعت فرقة من الصليبيين بقيادة "روبرت ارتوا" دخول مدينة المنصورة وأخذوا يقتلون المصريين وانتشروا في أزقة المدينة وكان الناس يقاومونهم بالحجارة .. وانقض المماليك البحرية بقيادة بيبرس البندقداري علي الصليبيين في8 فبراير 1250 فانقلب نصرهم إلي هزيمة وقُتلت الفرقة وقائدها الكونت "أرتوا" نفسه.
وفي فجر الجمعة 11 فبراير بدأ الجيش المصري هجومه علي معسكر الفرنسيين لكن لويس التاسع تمكن من الثبات رغم تكبده خسائر فادحة.. وانتهت معركة المنصورة الثانية وهي المعركة التي أيقن الصليبيون بعدها أن عليهم الانسحاب إلي دمياط قبل القضاء عليهم بالكامل.. وفي 27 فبراير 1250 وصل توران شاه بعد وفاة الملك الصالح وتولي قيادة الجيش وأعد خطة لإجبار لويس التاسع علي التسليم فأمر بنقل عدة سفن مفككة علي ظهور الجمال وإنزالها خلف خطوط الصليبيين في النيل وبذلك تمكن من مهاجمة السفن الصليبية والاستيلاء عليها وأسر من فيها.. وساءت أحوال الفرنسيين وحلت المجاعة بمعسكرهم وتفشت الأمراض والأوبئة بينهم فطلب لويس التاسع الهدنة وتسليم دمياط مقابل أن يأخذ الصليبيون بيت المقدس وبعض بلاد ساحل الشام فرفض المصريون ذلك وأصروا علي مواصلة الجهاد.. فلم يجد الفرنسيون سوي الانسحاب من دمياط ليلاً ولكن المصريين تعقبوهم وطاردوهم حتي فارسكور وقتلوا منهم أكثر من عشرة آلاف وأسروا عشرات الألوف وكان من بين الأسري أنفسهم الملك لويس التاسع حيث تم أسره في قرية "منية عبد الله" وتم نقله إلي دار ابن لقمان حتي أفرج عنه مقابل فدية مالية.
الانتصار علي المغول
سقوط بغداد في يد التتار زحفوا إلي سوريا لتسقط "نصيبين وحمص وحراة والرها والبيرة وحلب" ليتوجه الجيش التتاري بعدها لغزة واستولوا عليها دون مقاومة.. وهكذا أصبح الجيش التتري علي بوابة مصر الشرقية.. وبعد تولي السلطان "قطز" حكم مصر جاءته رسالة من "هولاكو" يأمره بتسليم البلاد دون مقاومة ورفض قطز بإباء وغضب غضباً عارماً.. ورفض ملك مصر التسليم للتتار وإخضاع مصر لهم فقتل رسلهم وعلق رؤوسهم علي باب زويلة.
وبدأ الاستعداد للمعركة فبذل جهده من أجل جمع كلمة المسلمين للقضاء علي التتار، وعمد إلي استصدار فتوي لجمع الضرائب من المصريين لبناء جيش قوي بينما البلاد تمر بأزمة اقتصادية طاحنة.. وما إن أتم بناء الجيش وتسليحه علي الوجه الأكمل حتي رأي أن يبادر لملاقاة المغول ومبادرتهم قبل أن تؤول مصر إلي نفس مصير جيرانها.
وبدأ الجيش بقيادة قطز بالتجمع في منطقة الصالحية.. ثم توجه بجيشه إلي سيناء.. ثم سلك طريق الساحل الشمالي لسيناء بمحازاة البحر الأبيض المتوسط، وقد وضع علي مقدمة جيشه بيبرس ليكون أول من يصطدم بالتتار لكي يحدث نصرًا ولو جزئيًا وذلك ليرفع من معنويات جيش المسلمين الذي يسير خلفه.. وجعل هذه الفرقة تتقدم كثيرًا عن بقية الجيش التي تسير خلفها.. وتظهر نفسها في تحركاتها.. بينما يتخفي بقية الجيش في تحركاته.. فإذا كان هناك جواسيس للتتار اعتقدوا أن مقدمة الجيش هي كل الجيش.. فيكون استعدادهم علي هذا الأساس.. ثم يظهر بعد ذلك قطز علي رأس الجيش الأساسي.. وقد فاجأ التتار الذين لم يستعدوا له.. واجتاز بيبرس سيناء في 26 يوليو 1260 ميلادياً ودخل فلسطين، وتبعه قطز بعد ذلك في سيره.. واجتازوا رفح وخان يونس ودير البلح واقتربوا من غزة التي احتلها التتار في اجتياحهم للشام.. وانتقلت أخبار مجيء الجيش الإسلامي إلي التتار.. فأسرعت الحامية التترية للقاء بيبرس.. وتم بينهما قتال سريع.. جري هذا القتال وجيش قطز الرئيسي مازال يعبر حدود سيناء متوجهًا إلي غزة.. ولكن تأخر الجيش الرئيسي لم يؤثر في سير المعركة كثيرًا، فقد كانت مقدمة الجيش بقيادة بيبرس قوية وتتمتع بالمهارة الكافية لمواصلة القتال والحامية التترية في غزة صغيرة نسبيًا.. واستطاعت مقدمة جيش المسلمين أن تنتصر في هذه الموقعة الصغيرة التي قُتل فيها بعض جنود الحامية التترية وفرّ الباقون في اتجاه الشمال لينقلوا الأخبار إلي "كتبغا".
ومعركة عين جالوت 1260 بفلسطين بين مدينة جنين والناصرة وبيسان عصف فيها المصريون بالتتار بعمل تكتيك الكماشة وهي خطة نفذها جيش مصر بقيادة ملك مصر سيف الدين قطز حيث رتب الجيش في سهل "عين جالوت" الذي يشبه حدوة الحصان واُستُغل هذا الوضع الجغرافي للسهل وأخفي جيوشه خلف التلال ووضع كتيبة من أمهر وأقوي جيوشه بقيادة ركن الدين بيبرس عند شمال السهل لإغراء التتار بالنزول له وتثبت أمام التتار فترة من الزمن حتي تنزل الجيوش الإسلامية وتطبق علي التتار تحاصرهم من كل الجهات فالتفت من ورائهم الكتائب والقوات الإسلامية تحاصرهم.. وبالفعل نجحت الخدعة وكان النصر للمصريين وقُتل "كتبغا" قائد التتار بعد أن كاد يهلك المصريون من قوة التتار وعددهم المهول.. وانتصر المصريون انتصاراً ساحقاً علي المغول.. وكانت هذه هي المرة الأولي التي يُهزم فيها المغول في معركة حاسمة منذ عهد جنكيز خان.. وأدت نتيجة معركة جيش مصر إلي انحسار نفوذ المغول في بلاد الشام وخروجهم منها نهائياً. وأوقفت شجاعة الجيش المصري المد المغولي المكتسح الذي أسقط الخلافة العباسية عام 1258 كما أدت المعركة لتعزيز دولة المماليك في مصر كأقوي دولة إسلامية في ذلك الوقت لمدة قرنين من الزمان.
ويعد المؤرخون هذه المعركة ونتائجها بداية النهاية للإمبراطورية المغولية إذ لم يُهزموا في أي معركة قبلها.. وقد وقعت المعركة بعد انتكاسات مريرة لدول ومدن إسلامية أمام المغول كان أبرزها سقوط بغداد بعد حصار لعدة أيام اُستبيحت بعدها المدينة وقُتل الخليفة المستعصم بالله وسقطت معه الخلافة العباسية.. وتبع ذلك سقوط مدن الشام وفلسطين.. وكانت مصر في ذلك الوقت تعاني من صراعات داخلية انتهت باعتلاء سيف الدين قطز عرش البلاد ليبدأ الاستعداد لمواجهة التتار.. وقاد قطز الجيش المصري وانتصر فيها انتصاراً ساحقاً أظهر فيه الجندي المصري كفاءة خاصة علي مستوي القتال والتكتيك العسكري.
وتحقق لجيش مصر النصر في 3 سبتمبر 1260 ميلاديا وقد سحق جيش مصر بقيادة السلطان " قطز" القائد العظيم و" بيبرس" المغول سحقاً كاملاً بقيادة "كتبغا نوين" وألحق بهم هزيمة ثقيلة غير مسبوقة.
كانت معركة "عين جالوت" طوق النجاة الأخير الذي اُلقي للحضارة الإسلامية والعربية كي تتعلق به قبل الغرق في طوفان المغول الهمجيين الذين لم يعرفوا سوي القتل وإزالة معالم الحضارة الفكرية والدينية والعلمية ومظاهر الوجود الإنساني.. وسخْر الله مصر وجيشها العظيم ليكون سبباً في صد الهجمة علي الإسلام والعروبة.. وهو الجيش الذي كان ومازال وعبر تاريخه الطويل المشرف درعا صادا وقاصما لأي معتدٍِ علي الأرض المصرية.
هزيمة فريزر في "رشيد"
إطار حملة فريزر البريطانية علي مدينة رشيد قامت معركة كبري دبر فيها خطة الدفاع عن مدينة رشيد "علي بك السلانكي" محافظ المدينة بمعاونة الأهالي والحامية وهزم قوات الجنرال "ويكوب" المتقدمة إلي المدينة من البحر وفيها لقي "ويكوب" مصرعه.. وبعد ثلاثة أسابيع في 21 أبريل 1807 ميلاديا شنت الهجمة الثانية جنوب رشيد في معركة الحماد بقيادة الجنرال" ستيوارت" أحد قادة حملة "فريزر" وألحقت بالمعركة الثانية هزيمة وخسائر فادحة وتأكد للمرة الثانية فشل الحملة.
ومعركة رشيد 1807 بدأت بمؤامرة أواخر سنة 1806 بمحاولة محمد بك الألفي الاستيلاء علي مدينة دمنهور لتأمين الأرض أمام الإنزال الإنجليزي.. وكان القائد المملوكي يتوقع أن تنجح مهمته بسهولة ويسر، فلم يكن محمد علي باشا قد بني جيشه بعد.. ولم يكن يتوقع أي مقاومة من المصريين.. وكانت خطة الإنجليز في القتال أن يزحف المماليك الي القاهرة فيحتلوها وأن يحتل الإنجليز بمعاونة أسطولهم ثغور مصر ويزحفوا إلي الداخل ويبسطوا أيديهم علي حكومة البلاد مستعينين برجالهم المماليك.. لكن ما حدث كان بخلاف المتوقع، فقد خرج أهالي المدينة رجالا ونساء للتصدي للمحاولة.. وشاركت النساء الرجال في الدفاع عن المدينة.. وأدت بسالة أهالي دمنهور في الدفاع عن مدينتهم إلي فشل المحاولة مع ما ترتب علي فشلها من انهيار المخطط الثلاثي الإنجليزي العثماني المملوكي.
والمدينة هي التي أوقعت القوات الإنجليزية فريسة في شٍباك المصريين.. فبعد نجاح الحملة الإنجليزية بقيادة فريزر في احتلال مدينة الإسكندرية أرادوا أن يبسطوا سطوتهم علي باقي المدن المجاورة للإسكندرية.. فأرسل فريزر حملة لرشيد بقيادة الجنرال "ويكوب" لاحتلالها.. واستعد محافظ رشيد بخطة لحماية المدينة فأبعد سفنه إلي الشاطئ الشمالي للنيل وأمر الحامية التي قوامها سبعمائة جندي بالتراجع إلي داخل المدينة مع الأهالي وبقائهم في المنازل لخداع القوات الإنجليزية ومباغتتهم حينما تصدر الأوامر بذلك.. وبالفعل تقدم الإنجليز في 31 مارس 1807 ولم يجدوا أي أثر للمقاومة فظنوا أن الحامية قد أخلت المدينة فدخلوا شوارعها مطمئنين حتي صدرت الأوامر بالاشتباك معهم وأمطرهم الأهالي بالطوب والجنود بوابل الرصاص في كل الاتجاهات وقتل من الإنجليز 170 قتيلا كان من بينهم قائد القوات الجنرال "ويكوب" و250 جريحا و120 أسيرا، وتقهقر الباقون للإسكندرية حيث كانوا يعسكرون.. وكانت هذه المعركة أحد أهم العوامل التي حفزت المصريين علي المقاومة إلي أن فشلت الحملة الإنجليزية علي مصر ورحل عنها الإنجليز.
وتجمع المصادر الأوروبية علي أهمية معركة دمنهور وشجاعة أهلها رجالا ونساء، فيقول "فولابل" في كتابه "مصر الحديثة": "يمكن اعتبار دفاع دمنهور الذي جمع بين الشجاعة والثبات من أهم الأسباب المباشرة التي أحبطت الخطة المرسومة بين الباب العالي والإنجليز".. ويقول العالم الفرنسي "جومار" وهو واحد من مؤلفي كتاب وصف مصر: "إن أهالي دمنهور قد أظهروا مثل هذه الشجاعة والمثابرة أثناء الحملة الفرنسية في ظروف تختلف عن الظروف التي قاوموا فيها قوات الألفي مما يدل علي ما فطروا عليه من الشجاعة". أما "مانجان" في كتابه "تاريخ مصر تحت حكم محمد علي" فيقول: "إن دفاع دمنهور المجيد جدير بأن يسجل في نفحات تاريخ مصر الحربي.. فقد تولي أهلها الشجعان هذا الدفاع وحدهم، دون أن يتلقوا أي مدد أو مساعدة حتي من محمد علي الذي كان هذا الدفاع دفاعا عنه.. فقد قاوم أولئك الشجعان بكل ثبات وبسالة قوات الألفي كلها إلي أن تكلل دفاعهم بالنجاح.. فكان له تأثير كبير في إحباط خطة الباب العالي".. وقد اكتمل إحباط الخطة بهزيمة أهالي رشيد لحملة "فريزر" في ربيع عام 1807، وقد كانت هزيمة الألفي مفاجأة لإنجلترا ولم تتمكن من تعديل خطتها لغزو مصر.. وعندما وصلت الحملة الإنجليزية بقيادة فريزر إلي رشيد شارك كل أهالي المدينة والحامية تحت قيادة "علي بك السلانكي" حاكم رشيد في التصدي للحملة الإنجليزية وهزيمتها في 31 مارس 1807، ثم شاركوا الصمود أمام الهجوم الثاني والحصار الذي فرضته القوات الإنجليزية علي المدينة في شهر إبريل من نفس العام، وقد أدت هزيمة حملة فريزر إلي تأجيل الاحتلال البريطاني لمصر لمدة 75 سنة.
«عكا» تفتح أبوابها لجيش مصر
"عكا" معركة دارت بين الجيش المصري والحامية العسكرية لمدينة عكا التي كان قوامها حوالي 6000 مقاتل بقيادة ضباط أوروبيين ورغم.. حصار المصريين لها إلا أن أسوارها المنيعة جعلتها تقاوم مقاومة عظيمة فقام الجيش المصري بإمطارها بعدد كبير من القذائف بلغ حوالي 50 ألف قنبلة وحوالي 203000 قذيفة ليقتحم بعدها المصريون الأسوار وتدور معركة ضارية بين الطرفين انتصر فيها المصريون، وأسروا فيها والي عكا.. وتكبد الطرفان في هذه المعركة خسائر فادحة حيث فقد الجيش المصري 4500 قتيل وخسرت حامية عكا 5600 قتيل.. وكان هذا النصر أحد أعظم الانتصارات التي حققها الجيش المصري لأن عكا استعصي فتحها علي أعظم القادة العسكريين في التاريخ وهو نابليون بونابرت في وقت سابق.
في معركة "عكا" حدثت بطولات ونماذج لا تُحصي لإقدام وشجاعة الجندي المصري. فذكر "كلوت بك" حادثة قال عنها إنها من أهم الحوادث وهي أن سليمان باشا الفرنساوي كان ذات يوم يستعرض أورطة وصلت إليه حديثا.. فوقع نظره علي فتي نحيل في السادسة عشرة من عمره يدعي الحاج علي، فحاول سليمان باشا أن يرده معترضا بأنه لا يصلح أن يكون جنديا كفئا. فأبي الحاج علي إلا أن يبقي في السلاح قائلا لسليمان باشا: إن الحكم علي إنما يكون في عملي ومتي سنحت الفرصة تبين الحكم. فلما ضرب الجيش المصري الحصار علي عكا خرجت الحامية يوماً فاستظهرت علي المشاة المصريين وردت جنود الأورطة الثامنة المقاتلة في الجبهة في أعقابها. فتقدمت الأورطة الثالثة من الفرسان التي كان الحاج علي منتظما في سلكها لتعزيز جانب أولئك الجنود. وحملت حملة باهرة صدت فيها المحصورين وأعادتهم الي مواقعهم.. ولم يكتف الحاج علي أن شاطر رفاقه مجد فوزهم بل أنقذ بيده "يوزباشيا" كان علي وشك الوقوع في أسر العدو، ثم انقض علي ضابط تركي فأسره. وجاء بالضابطين المصري والتركي إلي سليمان باشا وقال له: "أفتري أنني جندي لا أصلح لشيء"؟.
وعن العدو التركي قال "كلوت بك": كان الأتراك لما يشعرون به من الغطرسة والكبرياء ينظرون بعين الزراية إلي المصريين ولا يكترثون بهم ويعتقدون فيهم العجز عن مجاراتهم، ولكن حرب "المورة" أثبتت لهم بالبرهان القاطع أن ذلك الشعب الحي المنكمش الذي أرهقه الضغط الشديد قادر علي استرداد مجده القديم وأهل لمنازعتهم النجاح والفوز في القتال.. ولقد أثبت لهم فتح الشام وانتصارات "حمص" و"بيلان" و"قونية".. تفوقهم عليهم وكفاءتهم.
وفتح عكا بالأمر اليسير، فهي التي وقفت صامدة أمام عبقرية نابليون وعزيمته. فقد مرت أشهر أمام شجعان إبراهيم باشا من جيش مصر ولم تسقط في أيديهم. ولم تكن منعتها هي الصعوبة التي قاومت قائدها فحسب بل كانت للخطة التي انتهجها الباب العالي مانعا.. فقد كان سلطان الباب العالي يصب علي إبراهيم اللعنات.. ويسلط عليه سيلا من فتاوي شيخ الإسلام.. فمن ذلك أنه أصدر مرسوماً يرمي فيه مصر بالمروق ثم تبعه في مايو 1832 بفرمان شاهاني بتجريد محمد علي وإبراهيم وإباحة دمائهما. وهذا ربما كان له أثر علي الروح المعنوية للمدافعين الجنود المصريين وكان السلطان قد أعلن الحرب رسميا علي محمد علي.. عاد إبراهيم باشا بعد أن اطمأن للموقف العسكري في الشمال إلي عكا في 27 مايو 1832، وحمل عليها حملة صادقة أشرف عليها بنفسه وكان يتطلب من ضباطه أن يكونوا مثله شجعانا لا يرهبون الموت. وطالت المعركة واشتد لهيبها. فلما أذنت الشمس بالمغيب، حمل إبراهيم علي المدينة حملته الأخيرة. ولكن أبدي المهاجمون لدي مغيب الشمس من ضروب الجسارة والإقدام مثلما أبدوه في أول النهار. واشتغل المهندسون العسكريون بحفر الخنادق المتعرجة وإقامة متاريس قريبة من الأسوار ونصب المدافع وأتموا كل هذه الأعمال أثناء الظلام، بينما كانت نيران المدفعية تنصب باستمرار علي المدينة.
وفي فجر 27 مايو ، عقب شروق الشمس، صدر أمر القائد العام بالهجوم، واستمر القتال كما ذكرنا طيلة اليوم. وفي المساء سقطت عكا في قبضة المصريين. ومكث إبراهيم باشا في بعلبك يرقب حركات الجيش العثماني مخافة أن يُعاود كرة الهجوم لكنه ما لبث أن علم أن عثمان باشا أرسل يطلب المدد من الأستانة وهذا دليل علي ضعف مركزه. ولما كان المدد لا يمكن أن يصل إلا بعد شهرين إذا تعجل به الباب العالي فاطمأن إبراهيم باشا وعاد إلي عكا وشدد عليها الحصار من البر والبحر وساعده في هذا العرب والدروز والموارنة الذين أتوا طائعين.
وفتح إبراهيم باشا لعكا قد وضع حدا نهائيا للجفوة الناشبة بين محمد علي وعبدالله. كما أثار موجة من الاغتباط في وادي النيل، حيث أقيمت الزينات ثلاثة أيام متواليات.
وكان قد وصف مستر "سنت جون" فتح "إبراهيم باشا" لعكا وصفاً قال فيه: في صباح يوم 26 مايو عام 1832 دعا إبراهيم باشا إلي خيمته كبار ضباط القوات المهاجمة من قادة وأميرالايات وقادة كتائب وأصدر إليهم أوامره تتضمن الآتي: اللواء أحمد المنكلي يتوجه بلوائه ومعه الكتائب الأولي من الآلاي الثاني المشاه للهجوم علي برج (قبو برجي قلعة الباب) الكتيبة الثانية المشاة تهجم الثغرة المقابلة للنبي صالح الكتيبة الثالثة المشاة بقيادة عمر بك تهاجم الثغرة المعروفة بالزاوية وعينت قوة احتياطية من الكتيبة الرابعة (الآلاي الثاني) تحت الثغرة الأولي لمساعدة إحدي القوات السابقة المهاجمة عند الحاجة وصدر الأمر إلي كتيبة من الآلاي العاشر بقيادة أميرالاي للوقوف تحت الثغرة الثالثة للغرض المتقدم وصدر الأمر إلي كتيبة أخري بنقل السلالم قبيل الساعة الأولي بعد منتصف الليل إلي الخندق الواقع بجانب قبو "برجي" وبأن تكون هناك علي استعداد للهجوم، وزود القائد العام فيما عدا ذلك كل قائد بالتعليمات الخاصة به.
محمد علي.. مؤسس الجيش
في مُنشآت محمد علي باشا أو مشاريعه ما نال عنايته مثل الجيش المصري وقد أقام مُنشآته الأخري لاستكمال حاجات الجيش.. وقد أدرك أن عليه لتحقيق أهدافه التوسعية كدولة كبري أن لا بد من تأسيس قوة عسكرية نظامية حديثة.. وقرر أن يستبدل جنوده غير النظاميين بجيش علي النظام العسكري الحديث تكون بمثابة درع الدولة. وعندما عاد من حرب الوهابيين كانت محاولته الأولي لتأسيس جيش نظامي عام 1815 - أي منذ مئتي عام - حين قرر تدريب عدد من الجنود الألبان التابعين لفرقة ابنه إسماعيل علي النظم العسكرية الحديثة في مكان خصصه لذلك في "بولاق" ولم يرق لهؤلاء فثاروا علي محمد علي وهاجموا قصره ودارت بينهم وبين حراس قصره مناوشات وأيقن حينها أنه لا يمكنه الاعتماد علي مثل هؤلاء الجند فأرجأ تنفيذ الفكرة.
ذكر الجبرتي نبأ محاولة محمد علي إدخال النظام الجديد في الجيش.. قال في حوادث 25 شعبان 1230 - 3 أغسطس سنة 1815: "أمر الباشا جميع العساكر بالخروج إلي الميدان لعمل التعليم والرماحة خارج باب النصر حيث قبة العزب فخرجوا من ثلث الليل الأخير وأخذوا في الرماحة والبندقة المتواصلة في كبكبة عظيمة حتي زحموا الطرق بخيولهم من كل ناحية وأشيع أن الباشا قصده إحصاء العسكر وترتيبهم علي النظام الجديد وأوضاع الإفرنج ليلبّسهم الملابس المقطمة ويغيّر من شكلهم.. وركب في ثاني يوم إلي بولاق وجمع عساكر ابنه إسماعيل باشا وصفّهم علي الطريقة المعروفة بالنظام الجديد. وعرفهم قصده وفعل ذلك بجميع العساكر ومن أبي ذلك ناله بالضرب والنفي بعد سلبه حتي ثيابه. ثم ركب من بولاق وذهب إلي شبرا وحصل في العسكر قلقلة ولغط وتفرق الكثير منهم عن مخاديمهم وأكابرهم».
أخذ يؤسس محمد علي باشا جيشه النظامي منذ سنة 1820 وكان الجيش قبل ذلك العهد أخلاطاً من عناصر متمردة وفوضوية يطلق عليها لفظ «باشبوزق» أي الجنود غير النظاميين ومثل هذا الجيش لم يكن جديراً بالاعتماد عليه في رفع هيبة مصر والدفاع عن كيانها لذلك لم يكف محمد علي عن فكرة إنشاء جيش علي النظام الجديد.. ولكن الظروف لم تكن مواتية إلي أن عاد معتزماً تحقيق مشروعه فافتتح مدرسة حربية في أسوان لتخريج ضباط الجيش ووجد مساندة كبيرة من ضابط فرنسي وهو "الكولونيل سيف" الذي قدم له "سليمان باشا الفرنساوي" الذي إليه يرجع الفضل الأكبر في مؤازرته علي تأسيس الجيش المصري.. وأرسل محمد علي عام 1820 الكولونيل سيف إلي أسوان لتكوين النواة الأولي من الجيش .. وبدأ في العمل بأن قدم إليه خمسمائة من خاصة مماليكه ليدربهم علي أن يكونوا ضباطاً في النظام الحديث وطلب من بعض رجاله تقديم مماليكهم فاجتمع لديه ألف من هؤلاء أخذ يدربهم مدة ثلاث سنوات علي فنون الحرب وأساليبها الحديثة فصاروا نواة الجيش النظامي.
وبعد أن توافر العدد الكافي من الضباط أخذ محمد علي يفكر في حشد الجنود وتنظيم صفوفهم وكانت المشكلة في طريقة الاختيار ولم يشأ أن يجند الأتراك ولا الأرناؤوط لما فطروا عليه من الشغب والنفور من النظام. ولجأ إلي تجنيد المصريين وأنشأ لهم ثكنات تدريب المجندين في "فرشوط".
وفي يناير 1834 تألفت الأورط الست الأولي من الجيش النظامي وكانوا عدة آلاف من المشاة البيادة شاكي السلاح كاملي العدة.. وأنشأ معسكراً عاماً للجيش في الخانكة كان يحتوي دوماً من 20000 إلي 25000 من الجنود النظاميين وصارت الخانكة وأبو زعبل مكاناً للتعليم العسكري.. وفي أبو زعبل أنشئ المستشفي العسكري الأول ثم مدرسة الطب وأنشئت المدرسة الحربية للمشاة ومدرسة أركان الحرب في الخانكة.
قال مسيو "مورييه" : " لما انتظم الفلاحون في صفوف الجيش النظامي ألفوا بسرعة حياتهم الجديدة وبعد أن كانوا مُعتادين الذل والمسكنة في قراهم استشعروا تحت راية الجيش بكرامتهم الإنسانية وأخذوا يفخرون بأنهم جنود محمد علي ويقابلون غطرسة الترك بمثلها".
ولما اتسعت دائرة التجنيد استدعي محمد علي طائفة من كبار الضباط من فرنسا ليعاونوه علي تنظيم الجيش المصري فتكونت طائفة الضباط المصريين علي يد المعلمين الأوربيين وأرسل طائفة من الشبان إلي أوربا لإتمام دروسهم الحربية فعادوا إلي مصر ككفاءات في العلوم العسكرية ومعظمهم تخصص في الفنون الحربية والهندسة والرياضيات وحلوا في المدارس الحربية محل المعلمين الأجانب.
وتميزت ملابس الجند في عهد محمد علي بغاية البساطة فالجند تتألف ملابسهم من طربوش أحمر وصدار وبنطلون وهو يشبه السروال الواسع يُشد بتكة من الوسط ويربط علي الركبة برباط الساق (القلشين) ويتمنطق الجنود علي خواصرهم بحزام. وملابسهم في الشتاء من الجوخ، وفي الصيف من قماش القطن السميك، أما ملابس الفرسان ورجال المدفعية والحرس فيلبسون في الشتاء صداراً أزرق اللون وغيرهم يلبس صداراً أحمر، ويرتدي رجال الجيش جميعهم في الصيف الملابس البيضاء ويحتذون بأحذية من الجلد الأحمر (مراكيب) ولا يختلف رداء الضباط عن رداء العساكر إلا في نوع الجوخ وما يزيّنه من التطريز.. واللون الأحمر يميز الضباط عن سواهم. أما الشارات التي تميز بعضهم عن بعض بحسب مراتبهم فهي كالتالي: يحمل الأونباشي شريطاً واحداً علي الصدر، والجاويش شريطين.. والباشجاويش ثلاثة، والملازم الأول يحمل علي صدره من ناحية اليمين نجمة فضية، واليوزباشي نجمة وهلالا فضيين، والصاغ هلالاً من الذهب ونجمة فضية، والبكباشي هلالاً ونجمة من الذهب، والقائمقام هلالاً من الذهب والفضة ونجمة من الماس. والأميرالاي هلالا ونجمة من الماس. وأمير اللواء نجمتين في هلال كلها من الماس، والفريق الميرميران ثلاث نجوم في هلال كلها من الماس.
درس النهاية للعثمانيين
24 يونيه 1839 ميلاديا اندلعت معركة "نصيبين" بين جيش مصر بقيادة إبراهيم باشا وجيش العثمانيين تحت قيادة حافظ باشا الذي تقدم لاسترداد سوريا وفيها أحرز إبراهيم باشا أكبر انتصاراته علي الجيش التركي وألحق به هزيمة ساحقة وأسر أكثر من اثني عشر ألفا من رجاله وأكد التفوق العسكري لجيش مصر علي الجيش العثماني في هزيمة لم ينسها العثمانيون إلي اليوم.
المعركة دارت بين الجيشين المصري بقيادة إبراهيم باشا والعثماني بقيادة فريق من الضباط الألمان وعلي رأسهم القائد الشهير"فون مولتك" في (نصيبين) وكان قوام الجيش العثماني آنذاك 38 ألف مقاتل بينما كان تعداد الجيش المصري حوالي 40 ألف مقاتل ودار بين الطرفين قتال ضار بدأ بنيران المدفعية من الجانبين وانتهي بانتصار الجيش المصري واستولي المصريون علي جميع أسلحة الجيش العثماني الذي فر جنوده بعد الهزيمة وبلغت خسائر الأتراك نحو 4500 قتيل وجريح ومن 12000 إلي 15000 أسير، كما ترك الجيش العثماني خزينته وبها نحو 6 ملايين فرنك، أما خسائر الجيش المصري فبلغت نحو 3000 ما بين قتيل وجريح.
وقبل معركة "نصيبين" وما لحق الأتراك فيها من هزيمة ساحقة ألحقها بهم الجيش المصري. كانت هناك معركتان ذاق فيها العثمانيون مرارة الهزيمة من جيش مصر بقيادة إبراهيم باشا. فقد هزمهم الجيش المصري في موقعة "بيلان" 1832 بتكتيك التفاف الجيش المصري بخطة نفذها الجيش بقيادة إبراهيم باشا ضد الجيش العثماني بعدما تحصن الأخير بمضيق "بيلان" بسوريا تحصناً منيعاً وساعدته طبيعة الأرض علي ذلك. حيث أدرك إبراهيم باشا أنه لا سبيل إلي مهاجمة الأتراك أمامياً وأنه من الأفضل بدلاً من ذلك أن يقوم بحركة التفاف حول ميسرة وميمنة الجيش التركي وقاد بنفسه القوات التي كُلفت بالقيام بحركة الالتفاف. وبعد أن اجتازت القوات المصرية مواقع الجناح الأيسر والأيمن للأتراك هاجموهم من الأمام والجنب هجوماً شديداً فلم يصمد وتحرج مركز قلب الجيش العثماني تبعاً لذلك أمام مهاجمة المصريين من الأمام أيضاً وتخلي جنوده عن مواقعهم وتشتتوا في الجبال.
أما المعركة الثانية في نفس العام هي معركة "قونية " 1832 وفيها أصبح الجيش المصري علي أعتاب الأستانة.. فبعد أن حقق الجيش المصري بقيادة إبراهيم باشا ابن محمد علي حاكم مصر العديد من الانتصارات علي الجيش العثماني في أكثر من معركة.. منها معركة "حمص" في يوليو 1832 ومعركة "بيلان" في 30 يوليو 1832 واستولي علي سوريا وبدأ يزحف علي الأناضول. قام رشيد باشا بإعداد جيش عثماني كبير لقتال إبراهيم باشا الذي بات يهدد الدولة العثمانية والتقي الجمعان في "قونية" ودارت معركة عنيفة انتهت بهزيمة الجيش التركي بعد قتال دام 7 ساعات، وكانت خسارة المصريين حوالي 262 قتيلا و530 جريحًا، أما الجيش التركي فقد اُسر قائده رشيد باشا مع 5000 من قواته بينهم عدد كبير من الضباط والقواد وقتل حوالي 3000، وكانت معركة قونية من المعارك الفاصلة في حروب مصر لأنها فتحت أمام الجيش المصري طريق الأستانة حيث أصبح علي مسيرة 6 أيام من البوسفور، وكان الطريق خاليا أمامه.
هزيمة العدوان الثلاثي
في 19 يوليو 1956 أعلن جون فوستر دالاس وزير الخارجية الأمريكي إلغاء مساهمة حكومته في تمويل السد العالي وتتبع بريطانيا أمريكا في اتخاذ الخطوة ذاتها.
وفي 26 يوليو 1956 أعلن الرئيس جمال عبدالناصر قراره التاريخي بتأميم قناة السويس بعد رفض البنك الدولي تمويل بناء السد.
من الفترة 16 إلي 22 اغسطس 1956 ينعقد مؤتر لندن لبحث أوضاع قناة السويس عقب تأميمها برئاسة سلوين لويد ويتمخض المؤتمر عن مشروع دالاس لتدويل قناة السويس.
وفي 30 أغسطس 1956 تعلن بريطانيا نقل قوات فرنسية إلي قبرص لتعزيز القوات البريطانية بها.. الأمر الذي أوحي بانعقاد النية علي عمل عسكري مشترك بين الدولتين.
في 3 سبتمبر 1956 عقد عبدالناصر أول اجتماعاته مع بعثة منزيس لممثلي الدول المنتفعة بقناة السويس.
في 19 سبتمبر 1956 يعاود مؤتمر لندن الاجتماع ويقرر عرض الأزمة علي الأمم المتحدة والمضي في تشكيل هيئة للمنتفعين بقناة السويس تتفاوض مع مصر. كل ذلك كان مجرد تغطية للاستعدادات العسكرية الجارية.
في 29 أكتوبر 1956 غزت إسرائيل سيناء بأربعة طوابير مدرعة في إطار مؤامرة العدوان الثلاثي علي مصر مع بريطانيا وفرنسا لتوفر لهما ذريعة التدخل بحجة حماية الملاحة في قناة السويس.
في 30 أكتوبر 1956 انطلق الإنذار الأنجلو فرنسي لمصر وأيضا لإسرائيل في إطار مسرحية التواطؤ الثلاثي بالانسحاب بعيدا عن قناة السويس لضمان سلامة الملاحة.
في نفس اليوم اتصل عبدالناصر بالملك حسين راجيا منه ألا يتدخل في معركة السويس لأن إسرائيل تتربص بالضفة الغربية والقدس.
في 31 أكتوبر 1956 بدأت الطائرات البريطانية والفرنسية هجومهما علي المطارات المصرية في إطار العدوان الثلاثي علي مصر.
في 1 نوفمبر 1956 توجه عبدالناصر إلي الأزهر في سيارة جيب مكشوفة والغارات مستمرة وألقي عقب صلاة الجمعة خطابه الشهير الذي دوت فيه صيحته "سنقاتل.. سنقاتل" وسكان القاهرة تدفقوا إلي طريق موكبه بهتاف "سنحارب".
في 4 نوفمبر 1956 تم إنزال القوات المظلية البريطانية الفرنسية بقيادة الجنرال "بوفر" في شمال منطقة قناة السويس واشتبكت مع الجيش المصري بينما الأسطول المشترك يقصف بورسعيد وما حولها..
واستمرت معارك التآمر علي مصر لتأميمها قناتها التي هي علي أرضها وصمد جيش مصر وشعب بورسعيد في معارك شرسة للحفاظ علي كرامة القرار المصري وأرضه المقدسة وقاوم أهالي بورسعيد في ملحمة مقاومة ودفاع عن الحرية لن ينساها التاريخ.
فجر يوم 5 نوفمبر 1956 أنزلت حاملات الجنود القوات البريطانية الفرنسية علي شاطئ بورسعيد.
مساء نفس اليوم جاء الإنذار السوفيتي يطالب بالوقف الفوري للعمليات العسكرية والانسحاب العاجل للقوات المعتدية وهدد بقصف لندن وباريس بالصواريخ النووية.
في 7 نوفمبر 1956 توقفت العمليات العسكرية الأنجلوفرنسية الموجهة ضد مصر في إطار العدوان الثلاثي بعد المعارضة العالمية واسعة النطاق للعدوان والإنذار السوفيتي غير المتوقع.
في 8 نوفمبر 1956 أعلن رئيس وزراء إسرائيل في الكنيست ضم سيناء إلي إسرائيل وأنشد مع أعضاء الكنيست نشيد الأمل - هاتيكفاه.
في 22 ديسمبر 1956 اكتمل الانسحاب البريطاني الفرنسي من بورسعيد ومنطقة القناة والقوات المصرية تسلمتها من قوات الطوارئ في 23 ديسمبر وهو اليوم الذي يخلده "عيد النصر".. بعدما لاقي تصديا لم يتوقعه من جيش مصر ورجالها ومقاومة شعبية عنيفة خاصة من شعب بورسعيد.. ولم يفت علي الفنان المصري تصوير مقاومة بورسعيد للعدوان الثلاثي في بسالة ليتركوها لوحات شاهدة علي التاريخ.. فرسم الفنانون الكبار محمد صبري.. حسن محمد حسن.. محمود عفيفي.. حلمي فرج لوحات لها قيمة كبري في سجل تأريخ بسالة جيش مصر ومقاومة بورسعيد.
6 أكتوبر .. معركة الكرامة
أعقاب حرب 1967 رفض الشعب المصري والعربي الهزيمة، وحدد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر استراتيجية المرحلة كعملية استعداد للثأر والانتصار.
من مخاض الهزيمة كان الإصرار علي الثأر والانتصار، وكانت الخطة تهدف لتوفير فرص مناسبة للقوات المسلحة المصرية، لإعادة تنظيمها والقيام بمسئوليتها في الدفاع عن مصر واسترداد أراضيها، لم يتوان الشعب المصري، قيادة وشعبا، منذ لحظة إعلان إيقاف النيران عن السعي لاسترداد أرضه المحتلة.
أبرزت الأوضاع الاستراتيجية العسكرية الجديدة بعد هزيمة 1967، مع وجود القوات الإسرائيلية علي الضفة الشرقية للقناة، العديد من المصاعب أمام المخطط العسكري المصري، فعبور قناة السويس بحجم كبير من القوات والأسلحة والمعدات، يُعَدّ أمراً في غاية الصعوبة، مع وجود ساتر ترابي يبلغ ارتفاعه عشرات الأمتار، يحول دون الرؤية المباشرة للأوضاع الدفاعية الإسرائيلية في سيناء.
كذلك، فإن إعادة بناء القوات المسلحة لم تكن أمراً سهلاً، خاصة أن أولي ركائز هذا البناء هي إعادة الثقة للمقاتل المصري، ورفع معنوياته؛ حتي يكون قادراً علي مواجهة قتال الجندي الإسرائيلي.
كذلك، كان لابد من إعادة الثقة التي اهتزت بين الشعب وقواته المسلحة، باعتبار أن الشعب المصري يمثل حائط الصمود لها، وكان لا بدّ من الإسراع في بناء خط دفاعي علي الضفة الغربية للقناة، يصبح ركيزة أساسية للدفاع عن مصر، ثم الانطلاق منه نحو تحرير الأرض.
وفي الوقت نفسه، كان لا بدّ من مواجهة الصلف الإسرائيلي وعدم تمكين العدو من أن يتحقق له استقرار دائم علي الأراضي التي احتلها، لذا، برزت فكرة تنشيط الجبهة، واستنزاف قوي العدو، المادية والعسكرية والمعنوية، بتدمير معداته وإلحاق أكبر قدر من الخسائر البشرية به، حتي يدفع ثمن استمرار احتلاله للأراضي.
تأكدت مصر أن إسرائيل لا تريد السلام، ولكنها تريد أن تفرض إرادتها علي العرب، وهي في مركز قوة، باحتلالها الأراضي العربية، وأنه لا أمل في تخليها طواعية عن هذه الأراضي أو عن أطماعها التوسعية، إلاّ إذا أدركت ولمست أن ما تدفعه من ثمن لا يتناسب مع ما تحتفظ به من مكاسب.
قامت الاستراتيجية العسكرية علي أن تكون استراتيجية هجومية تستهدف هزيمة التجميع الرئيسي للقوات الإسرائيلية في سيناء وفي تنسيق تام مع سوريا وطبقا للإمكانيات والموارد المتاحة للقوات المسلحة.
بدأت القوات المسلحة المصرية القتال، بمفاجأة القوات الإسرائيلية شرق القناة، طبقاً للخطة السابق وضعها، وبالتنسيق مع القوات السورية، مؤكدة نجاح خطة الخداع تماماً، وعلي امتداد 23 يوماً من القتال، بدأت في 6 أكتوبر، ومن خلال ثلاث مراحل رئيسية، لإدارة أعمال القتال، تم تحقيق الأهداف الموضوعة.
المرحلة الأولي كانت اقتحام قناة السويس، والاستيلاء علي رؤوس الكباري شرقها (6 - 13 أكتوبر)، وبدأت هذه المرحلة بضربة جوية مركزة (209 طائرات)، علي ثلاثة أنساق، سعت 1400 يوم 6 أكتوبر، وهاجمت أهدافها في سيناء، وتمكنت من مفاجأة القوات الإسرائيلية تماماً، نفذت معظم أهداف الضربة، بنجاح، دون تدخل القوات الجوية الإسرائيلية.
بدأ التمهيد النيراني، عقب عبور الطائرات المصرية للقناة، باشتراك 2000 قطعة مدفعية، مباشرة وغير مباشرة وصاروخية، لمدة 53 دقيقة، علي أربع قصفات. علاوة علي القصف المضاد للمدفعية الإسرائيلية، علي الأهداف المخططة، حيث تم إسكات مدفعيات العدو، وشل مراكز قيادته، وتدمير جزء من دباباته في حصون خط بارليف.
تحت ستر النيران الكثيفة، تم عبور جماعات الصاعقة، ومفارز اقتناص الدبابات، للشرق، لبث الألغام علي مصاطب الدبابات، ومنعها من التدخل في العبور، بأعمال الكمائن.
بدأ اقتحام القناة، بالأنساق الأولي لفرق المشاة، حيث تسلقت الساتر الترابي، واحتلته، وهاجمت النقط الحصينة. وفي أقل من 6 ساعات، أتمت الفرق المشاة الخمسة، الاقتحام علي مواجهة 170 كم، بقوة 80.000 مقاتل، في 12 موجه عبور. واستولت القوات المهاجمة، علي رؤوس كباري، بعمق 3/4كم.
تم تحقيق المهمة المباشرة للجيوش الميدانية، بمجرد تجهيز المعابر، عبرت اللواءات المدرعة والميكانيكية يومي 7، 8 أكتوبر إلي الشرق.
في نهاية يوم 9 أكتوبر تحققت المهمة المباشرة للجيوش، بعمق 9 - 10كم، شرق القناة، والاستيلاء علي كل النقاط الحصينة (عدا 3 نقاط). كذلك الاستيلاء علي مدينة القنطرة شرق.
تكبدت القوات الإسرائيلية المدرعة والميكانيكية، خسائر جسيمة، عند قيامها بالهجمات المضادة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.