"التوك توك هو السبب في اختفاء صبي الأسطي فالشباب لم يعد يُقبل علي العمل معنا"، هكذا قال إسلام عزت، نجار، بحي إمبابة عن آثار انتشار ظاهرة التوك توك التي باتت تهدد مستقبل الصنايعية أمام هجمة عفاريت الأسفلت، كما يطلق علي سائقيه الذين تتراوح أعمارهم بين 12 إلي 25 سنة، وهم الفئة العمرية التي كان يعتمد عليها الصنايعية والحرفيون لاختيار صبيانهم فقد تحول التوك توك لأداة جذب للشباب والمراهقين في المناطق الشعبية، فالمكسب مضمون والرقابة غائبة. "أسعار الصنايعية نار.. أتصل بالنقاش قافل موبايله..أكلم السباك لا يرد.. النجار بيعمل في المطبخ من شهرين ولسه ماخلصش"، هذه عينة مما يردده رجل الشارع عن معاناة متكررة في التعامل مع الصنايعية الذين رفعوا أسعارهم للضعف وأكثر، وبات التهرب من تنفيذ الاتفاقات في المواعيد المحددة السمة المميزة لهم فينالوا قسطاً من لعنات رجل الشارع، لكن كما يقول المثل "ياما في الحبس مظاليم"، اكتشفت "آخر ساعة"، أن تفاقم الأزمة بسبب إقبال الشباب والمراهقين علي التوك توك بحثا عن الربح السريع. و"التوك توك"، مركبة هندية ذات عجلات ثلات وغطاء بلاستيكي أسود، حصلت علي اسمها من صوت "موتورها" ظهرت 2006، وانتشرت بكثافة بعد ثورة 25 يناير 2011، إذ استغل أصحاب هذه المركبات الانفلات الأمني لتكريس وجودهم في شوارع رئيسية في القاهرة والجيزة والمدن الرئيسية ورغم صدور أكثر من قرار بمنع استيراد التوك توك، وإصدار حزمة قرارات بمنع تسييره في شوارع مدن مثل القاهرة، التي أصدر محافظها جلال السعيد قرارا بمنع تسييره في 8 أحياء من أصل 37 حيا في القاهرة، إلا أنه رغم ذلك بات من مكونات الشارع خاصة في العشوائيات والقري والكفور والنجوع، لخفة حركته وقدرته علي التعامل مع الطرق غير المعبدة والمراوغة في الأماكن الضيقة. الأرقام لا تكذب فدراسات رسمية تشير إلي أن نحو مليوني شخص يعملون في قيادة التوك توك لا تزيد أعمارهم عن 25 سنة، كلهم من الذكور ونسبة كبيرة منهم لم تكمل تعليمها، تجتذبهم أرباحها التي تقدر إجمالياً ب3 مليارات جنيه تدخل فيما يعرف بالاقتصاد الموازي الذي لا تعرف عنه الحكومة شيئا ولا تحصل منه ضريبة وأكد عزت النجار أنه لا يجد أي تجاوب من شباب منطقته للعمل معه، وحاول جذبهم بكل الطرق فلم يجد إلا النفور والرفض، لأنهم يبحثون عن الربح السريع، ولا يرغبون في إنفاق الوقت في تعلم حرفة، فهم يقارنون الآن بين تعلم حرفة والمكسب الكبير للتوك توك رغم أن أيامه معدودة، ومكسبه رايح في الفاضي". وقال إن أنصراف الشباب أدي إلي نقص عدد الحرفيين والصنايعية، ضاربا المثال بحال ورشته في حي إمبابة وكان يعمل بها 4 مساعدين فضلوا العمل في التوك توك. محمود. ج شاب في ال 19من عمره، يعمل علي التوك توك من 2011، أي عندما كان في ال 15 من عمره، وهي سن أقل كثيرا من السن القانونية لاستخراج رخصة قيادة والمقدرة ب18 عامًا لم ينكر محمود أنه كان صغيرا علي قيادة السيارات لكن التوك توك أمره مختلف فهو للصغار، نركبه في الشوارع الضيقة، وبنبعد عن الطرق السريعة، والموضوع مش محتاج غير شوية فهلوة وخفة حركة". ويرفض محمود تماما فكرة تعلم حرفة، فقد جرب العمل كصبي نقاش ولم يحصل إلا "علي البهدلة وقلة القيمة والمرمطة، كل يوم كنت بطلع من صبحية ربنا وأرجع آخر النهار ريحتي بويه وفي جيبي 15 جنيها يوميتي، دلوقتي أكسب أكتر من 80 جنيها، وكل ده في وردية واحدة 8 ساعات، والواحد ملك نفسه". أحمد ماهر شاب عشريني حاصل علي دبلوم تجارة، أكد ل"آخر ساعة"، أن الشباب توجه إلي التوك توك مضطرا بعدما ضاقت به السبل وعاني الأمرين من البطالة، خاصة في الأحياء الشعبية، في وقت لم تستطع الحرف أن توفر فرص عمل لآلاف الشباب ومن تعلم منهم حرفة لم يحصل علي دخل يكفيه إذ إن دخل الصنايعي لا يزيد علي 50 جنيها في المتوسط، في حين أن وردية سائق التوك توك لا تقل عن 80 جنيها والعمل فيه يجعلك تملك أمر نفسك، فلا أحد يلقي عليك الأوامر، ولا أحد يوجه لك الإهانات، علي عكس الأسطي الصنايعي الذي يتفنن في توجيه الإهانة لمساعديه، والدخل قليل والمجهود البدني كبير". وأضاف "أعمل من الساعة العاشرة صباحا وحتي الساعة 6 مساء عدا يوم الجمعة لأن الشغل فيه خفيف، لذلك أخرج إلي المقهي كل يوم بعد انتهاء العمل لأن الشغل غير مجهد، نجلس سويا نحن سائقي التوك توك، لكن عندما كنت أعمل في مجال بيع الملابس في أحد محال وسط البلد، كنت أعمل لورديتين من الساعة 10 صباحا وحتي الساعة 10 مساء وفي المواسم قد يمتد الأمر إلي منتصف الليل، والعائد المادي كان مرتبا شهريا لا يتجاوز 800 جنيه، وهو دخل لا يمكن شاب مثلي من فتح بيت، ولم ينف بحثه عن وظيفة ذات عائد جيد تحميه من النزول إلي الشارع، فللتوك توك مساوئ بالدخول في صراعات مع بعض الخارجين علي القانون والذين يتولون قيادة بعض التكاتك، ومطاردة الشرطة ومصادرة التوك توك وغرامة 1500 جنيه، لابد من دفعها قبل الإفراج عن التوك توك. من جانبه، قال صلاح قرقوشة، إنه في الأصل كان يتخصص في تصليح الاحذية والشنط، لكنه غير نشاطه إلي قيادة التوك توك في وردية نهارية لأن حاله ماشي، والناس بتشتري منه كتير، وبقي ضيف ماتقدرش تستغني عنه"، والقرارات الأخيرة بمنع تسييره في شوارع بعض المحافظات خفض سعره من 20 ألفا إلي 15 ألفا فازداد الطلب عليه، فهو وسيلة مضمونة لتحقيق ربح متوسط فدخله الشهري لا يقل عن 2500 جنيه. الظاهرة الجديدة، حللها صلاح جودة، مدير مركز الدراسات الاقتصادية، قائلا ل "آخر ساعة"، إن التوك توك تحول إلي ضلع أساسي في منظومة الاقتصاد غير الرسمي والمعروف بالاقتصاد الموازي، الذي لا يخضع لتوجيه الحكومة، ولعب أحد أهم الأدوار في استيعاب عشرات الآلاف من الشباب كانوا تحت مظلة البطالة، خاصة في المناطق الشعبية، وهي الأحياء ذاتها التي ينتشر الحرفيون والصنايعية فيها، فحدث نوع من أنواع الصراع بين التوك توك الوافد الجديد والحرف علي اجتذاب الشباب والمراهقين للعمل في أي من المجالين، إلا أن التوك توك انتصر لأنه يحقق ربحية أعلي بمجهود أقل. وأشار جودة إلي أن توسع اقتصاد التوك توك في مجتمع حقيقة لا يمكن إنكارها إذ يعمل به ما لا يقل عن 2 مليون مواطن، بدخل لا يقل عن 2 مليار جنيه شهريا، ويوفر عشرات الآلاف من فرص العمل سنويا، وقد تواكب مع تزايد العشوائيات التي لا يمكن أن يتحرك في شوارعها الضيقة إلا التوك توك. اجتماعيًا، قال الدكتور علي ليلة، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، إن ظاهرة التوك توك انتشرت في المجتمع واستطاعت أن تتحول لجزء أصيل في بنية المجتمع وعلاقاته المتشابكة، رغم المخاطر التي خلقها خاصة أنه يستخدم في جرائم الخطف والاتجار بالمخدرات، لكنه يظل وسيلة جيدة في التنقل بين الأحياء الشعبية، كاشفا أن المجتمع المصري مر بتحولات أساسية في بنيته الاجتماعية انتصرت لقيم الربح السريع والفهلوة علي حساب الإتقان في العمل، كما أن الوجاهة الاجتماعية ترتبط الآن بالقدرة علي تحقيق، والتوك توك هو وظيفة مقبولة اجتماعيا في وسط الأحياء الشعبية إذ يقارن بسائق التاكسي، وهي وضعية أفضل اجتماعيا من وضعية الحرفي أو الصنايعي. بدورها، اعتبرت الدكتورة عالية المهدي، أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، أن ظاهرة انتشار التوك توك جزء من ظاهرة توسع الاقتصاد غير الرسمي الذي بات يشكل ما لا يقل عن 50% من إجمالي الناتج المحلي، مؤكدة أن محاربة التوك توك لن تؤدي إلي أي نتيجة، مطالبة بضرورة العمل علي تقنين وضع التوك توك لكي تستفيد الدولة من أرباحه في شكل ضرائب.