لافتًا في أقوال قيادي الإخوان المقبوض عليه، الدكتور محمود غزلان، في تحقيقات اغتيال العقيد وائل طاحون، إصراره الكبير علي فصل نفسه وفريقه من صقور مكتب الإرشاد القديم، بزعامة محمود عزت، عن دائرة العنف الدائر علي الأرض عبر اللجان النوعية التابعة للتنظيم، محملا فيما يشبه الوشاية الصريحة، الهارب محمد كمال، مسؤولية القصة برمتها. غزلان والبر يعترفان في التحقيقات بمسئولية محمد كمال عن العنف الإخواني جناح عزت يعمم منشور "توضيح رؤية" علي القواعد يصف فيه وهدان ب"الديكتاتور" نوح: قادة بالإخوان والجماعات الإسلامية نصبوا أكمنة لبعضهم البعض خدمة للأمن أقوال غزلان في هذا الشأن تطابقت تمامًا، أو كادت، مع ما أدلي به مفتي الجماعة المقبوض عليه، الدكتور عبد الرحمن البر، في القضية ذاتها.. التمسك بتحميل كمال وزملائه من أعضاء مكتب إرشاد فبراير 2014، بقيادة محمد طه وهدان، وإعلان ذلك بصيغة تجاوزت مرحلة إقرار واقع إلي مصاف الإرشاد عليهم لأجهزة الأمن، بدا دستور عمل متفقا عليه.. المثير أن تلك الأقوال المفعمة بالوشاية تزامنت مع توجيه تنظيمي ل"توضيح الرؤية"، عممه قيادي مكتب الإرشاد القديم، محمد عبد الرحمن، وهو من الموالين لجناح عزت، علي القواعد الشبابية، يصف فيه وهدان وكمال بأنهما سبب أزمات وابتلاءات الجماعة، وأنهما وحدهما مسئولان عن تدهورها ب"قراراتهما الديكتاتورية". عضو بما يعرف باللجنة المركزية لشباب الإخوان، يدعي عبد الله عزت، فضح الأمر السابق صراحة في شهادة مهمة متداولة عنه علي نطاق واسع في فضاء الإنترنت، قال فيها نصًا "كما قام محمد عبدالرحمن بإنزال، ما أسماه توضيح رؤية، يؤكد فيه أن جميع الإجراءات التي تمت عقب جريمة الفض (يقصد فض رابعة) كانت ديكتاتورية من محمد كمال وطه وهدان، وكذّب ما قيل عن وجود هيئة شرعية بالجماعة - لجنة مكونة من 7 علماء يرأسها د. عبدالرحمن البر، عضو مكتب إرشاد الجماعة -، كما رفض أي شكل من أشكال المقاومة الثورية وأكد علي تمسك الجماعة بالسلمية المطلقة".. جاء ذلك بعد أسابيع قليلة من اتهامات متبادلة بين الفريقين المتناحرين علي قيادة التنظيم (مكتب الإرشاد القديم ونظيره المعروف إعلاميًا بمكتب فبراير 2014) بالوشاية بالطرف الآخر لدي الأمن، ما أدي إلي إلقاء القبض علي ثلاثة من الرؤوس الكبيرة من الجانبين في أسبوع واحد فقط: محمد طه وهدان ومحمود غزلان وعبد الرحمن البر، إذ لم تكد تمر إلا أيام قليلة علي سقوط الأول في قبضة السلطة، حتي تبعه الثاني والثالث في ضربة واحدة، الأمر الذي بدا أنه وشاية من وهدان ضدهما في رغبة واضحة من جانبه لنقل صراع الحكم في الجماعة إلي داخل السجن.. لم يجرؤ أي من قادة التنظيم علي نفي تلك الفرضية قطعيًا، وما أثار مزيدًا من الشك وكذا الاحتمالية في صحتها، وفق الدكتور كمال الهلباوي، مسؤول الإخوان الأسبق في أوروبا، كان تباري عدد من الأصوات المحسوبة علي الجماعة في القول إن وهدان ربما أفصح عن مكان غزلان والبر "تحت ضغط الأمن"، وهو ما يثبت عليه شائعات تطارده بأنه وشي بهما، ولو كان ذلك مصحوبًا بنية تبريره بالأساس لغسل يد الرجل من ذنبهما.. ولا تبدو تصريحات القيادي الهارب، عمرو دراج، عن وجود لجان مستحدثة في الجماعة، كاللجنة المركزية لشباب الجماعة، واللجنة الشرعية، وهما من طليعة حاملي شعارات التصعيد والحرب المفتوحة ضد الدولة، بزعم أن ذلك خيار ثوري مدعوم بجواز شرعي يتستر بأوشحة الجهاد ضد "الطواغيت والفئة الضالة الجاهلة"، إلا إشارة مريبة من جانبه تجاه تلك الكيانات، وبخاصة أن تصريحاته كانت الأولي من جانب مسؤول معتبر في التنظيم، التي تعترف بمثل تلك الأجنحة الجامحة الجديدة، الأمر الذي فسره الباحث في شئون الجماعات الإسلامية، الدكتور كمال حبيب، بأنه محاولة من جانب القيادات القديمة للفت نظر السلطة إلي أذرع مكتب إرشاد فبراير 2014، ومن ثم ينشغل الأخير وأصابعه بالإفلات من الملاحقات الأمنية عن مجابهة الصقور والقيادات القديمة، وعن المطالبة بعزلهم ومحاسبتهم علي تضييع كرسي حكم مصر وشرذمة الإخوان بعد عزل محمد مرسي. وتاريخ الإخوان ينضح علي أي حال، بعشرات القصص عن وشايات للأمن من قبل قيادات ضد أخري بالتنظيم. ثروت الخرباوي المحامي، يفضح في كتابه "سر المعبد" أمر "الأخ وعضو مجلس شوري الجماعة الجاسوس" الذي وشي باجتماع المجلس في المقر العام القديم للجماعة بالتوفيقية، في العام 1995، مامكن قوات الأمن آنذاك من إلقاء القبض علي جميع أعضاء المجلس، فيما تم تصوير تلك الخيانة الإخوانية- الإخوانية، بالصوت والصورة من قبل وزارة الداخلية، حيث عرض شريط مصور عن العملية بالمحكمة يظهر خروج "الأخ المُبلغ" من المقر قبل ثوان قليلة من اقتحامه علي يد عناصر الشرطة. وفي ندوة بمعرض القاهرة الدولي للكتاب، العام الماضي، قطع القيادي الإخواني المنشق، مختار نوح، بأن الإخوان وقادة الجماعات الإسلامية التاريخيين، مدانون بالوشاية ببعضهم البعض ونصب أكمنة لبعضهم البعض خدمة للأمن: "أعضاء بالإخوان والجماعات قاموا بنصب كمائن للقبض علي زملائهم، علي طريقة أفلام السينما، فعاصم عبد الماجد أبلغ عن عمر التلمساني، وأيمن الظواهري أبلغ عن عصام القمري، وأبلغ طلال الأنصاري عن صالح سرية وكارم الأناضولي". وفي مذكرات القائد التاريخي للنظام الخاص، الجناح العسكري السري للإخوان، الراحل علي عشماوي، التي حملت عنوان " التاريخ السري لجماعة الإخوان المسلمين" يقول صراحة: "وأذكر أن الأستاذ صلاح شادي حين اُبلغ في سنة 1965 بوجود هذا التنظيم (السري المسلح).. غضب وأصدر أوامره إلي المهندس مراد الزيات أن يبلغ البوليس عن هذا التنظيم! إلي هذا الحد كان القرار غير مستند إلي شرع أو عقل.. ولكن إلي الهوي الشخصي.. فكان المهم في نظرهم الطاعة والاستئذان أولاً.. وإلا إبلاغ البوليس".. بيد أن لعبة الوشاية الجديدة من جانب قادة التنظيم القديم بفريق وهدان المناوئ، هي أقرب لضرب عصفورين بحجر واحد، الأول التبرؤ من العنف والانفصال عن دعاته، والثاني السعي لخطب ود الدولة بتقديم كبش فداء لخطايا الجماعة علي مدار السنتين الماضيتين.