ما من مرة أتصفح فيها كتب التاريخ، وأتوقف عند الثورة العرابية، حتي أجد نفسي مشدودا لقراءة الدور الهائل الذي لعبه خطيب هذه الثورة عبدالله نديم. كان عظيما عندما اشتغل بالصحافة ونشر مقالاته المعبرة عن آمال الناس وآلامهم في صحيفة (التنكيت والتبكيت). وكان عظيما يوم ساند ثورة عرابي بقلمه، ووقوفه مع عرابي وهو يجابه الاستعمار الإنجليزي، وحض الناس علي الوقوف ضد الاستعمار الإنجليزي وهو يقول لهم يحثهم علي النضال: «يأهل مصر إن أجال الناس محدودة، فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون، فاخرجوا لحرب عدوكم ولاتخشوا الموت فلكل أجل كتاب». وكان عظيما يوم استطاع أن يختفي عشر سنوات بعد فشل الثورة العرابية وهو يتنقل بين القري والكفور، وعندما تم القبض عليه كان الذي يحقق معه في طنطا وكيل النائب العام قاسم أمين، الذي عامله معاملة تليق بكفاحه العظيم.. بعدها نفي إلي «يافا» ثم عاد بعد أن عفا عنه الخديو عباس، وأنشأ صحيفة (الأستاذ).. ولم يطق المستعمر الانجليزي مقالاته ضد الاستعمار والأوضاع في مصر المحتلة، فنفي إلي تركيا، وفي تركيا عينه السلطان عبد الحميد في وظيفة في (الباب العالي) ليكون تحت رقابته ولكن النديم مات سنة 1896، وكان من بين المشيعين الذين شيعوه إلي مثواه الأخير والدموع تملأ عينيه أستاذه الثائر العظيم جمال الدين الأفغاني، لقد مات النديم غربيا في بلد غريب!