فلسفة العبادات.. ولماذا كان الصيام هو الركن الرابع في الاسلام؟ العبادة قصد.. إخلاص.. توجه من العبد إلي الرب، ربط الإنسان بخالقه، الإنسان جسد وروح، غذاء الجسد وعلاجه مادي بالطب العادي أو العلمي، أما غذاء الروح فليس له سوي الله الذي خلقه، ويقول تعالي: (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير)، ويقول في آية أخري: (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) فمن أراد أن يطمئن قلبه فيما يتعلق بمعنوياته وأموره مع بعض الدنيا فليس أمامه طريق نهائي إلا ماجاء عن طريق الوحي الصحيح المنسوب إلي الله عز وجل، عن طريق رسله المعروفين، فالعبادة أفعال يقدمها العبد إلي الله عز وجل بناء علي طلبه، ولا تصح إلا بنية. الصيام والركن الرابع أما الشطر الثاني من سؤالك كون الصيام ركنا رابعا، ليس هذا صحيحا، لأن الأحاديث التي وردت في صحيح البخاري ومسلم عن أبن عمر: بٍُني الإسلام علي خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، والصوم، الذي جاء في الترتيب الخامس، وهناك رواية أخري جعلت الصوم في الترتيب الرابع، إذن جعل الصوم في الترتيب الرابع أو الخامس، وارد في روايتين، فليس المراد أن الصوم ركن رابع فهو في ترتيب الرابع، وإنما الأركان ليس لها ترتيب، كلها أركان، فلا يقام البناء إلا بها. درجات الصائمين.. وهل يثاب الصائم كل حسب درجته؟ تعلم أن النية بدايتها إخلاص، والإخلاص ليس له سقف، والأخلاق ليس لها سقف، هناك تعامل أفقي وهناك تعامل رأسي، الأفقي يصلح في كل الأحكام التكليفية، أما الرأسي فإنه في الأخلاقيات، بمعني فمن كان مريضا أو علي سفر فعدة من أيام أخر، يمكن أن تتصور وجود مسلمين مسافرين أحدهما صائم والثاني مفطر، أو مسلمين مريضين أحدهما صائم والآخر مفطر.. هنا «أفقية» ويعيشان سويا. درجات وثواب الصائمين لكن الأخلاقيات والنوايا والإخلاص.. «رأسية» بمعني: فيه (حسن)، و(أحسن منه)، و(أحسن أحسن منه)، فبالتأكيد متدرجة درجات، ويستحيل إعطاؤها درجة واحدة، ويثاب الصائم كل حسب درجته، هناك من يصوم عن الطعام والشراب، وآخر يصوم أيضا لكنه يحرص علي ألا يأتي حتي بالصغائر، التي كان يرتكبها في حياته الطبيعية، يحرص أن يكون الصوم مطهرا له من أن يأتي حتي بارتكاب الصغائر، فضلا عن الكبائر، وهناك من يصوم عن الطعام والشراب ويمتنع عن الصغائر ويزداد إمعانا في فعل الطاعات كقراءة القرآن، والاعتكاف في المسجد، والإخلاص، وبر الوالدين أكثر وتقديم الصدقات، وزيارة الرحم وفعل القربات أكثر من أجل أن يضاعف عمله في الصوم، فمن يأتي بالنوافل في رمضان كما ورد في الحديث يأخذ أجر فريضة، ومن يأتي بالفريضة في رمضان يأخذ أجر سبعين فريضة فيما سواه، فكل هذه أبواب تجعلنا متدرجين رأسيا في قدر تحصيل ثواب رمضان. رحمة ومغفرة وعتق ماذا يعني أن أوله رحمة.. وأوسطه مغفرة.. وآخره عتق من النار؟ كأن الرسول [ يشجع الصائمين ويهون عليهم الصوم، خاصة أن الله سبحانه يقول: (أياما معدودات)، هو شهر، ومع ذلك جاء التعبير بقوله: «أياما معدودات» كنوع من التلطيف والتهوين، والأمر الثاني كما جاء في حديث رسول الله [ يشجع الصائم علي أن أول الشهر رحمة، وكل منا يتمني الرحمة، ثم أوسطه مغفرة، وكأنه ذنوبك التي فعلتها بفضل صومك وتقواك يغفرها الله لك، وفي العشر الآواخر عتق من النار، كأن رسول الله [ يشجع الصائم ويقول له هون عليك الأيام الباقية، فليس بينك وبين الجنة إلا القليل، خاصة أن في هذه الأيام ليلة في العشر الأواخر هي خير من ألف شهر (حوالي 38 سنة).. ألف شهر، فتخيل أن صائم يدرك ليلة (ليلة القدر) ب 38 سنة، ثم اضرب هذا المقدار في عدد سنوات عمره، وكأنه عاش مثل عمر سيدنا نوح وأكثر! قضية تصفيد الشياطين قضية تصفيد الشياطين في رمضان.. نريد تفسيرها؟ - هناك أحاديث عن تصفيد الشياطين في رمضان، وردت بسند ضعيف، لكن مع ذلك يقول أهل العلم إن الأحاديث حتي ولو كان سندها ضعيفا إذا كانت في فضائل الأعمال فما المانع من العمل بها والاعتقاد فيها، خاصة أن هذه الأحاديث تشجع علي حب شهر رمضان، والتفاؤل بقدومه، لكن مع ذلك أيضا هذا لايمنع أن نري بأعيننا ناسا لايعرفون حرمة شهر رمضان، ويأتون بالمنكرات كأي شهر غير رمضان، لكن المؤمن ومن اعتقد بتصفيد الشياطين في شهر رمضان بيشجعه للابتعاد عن ارتكاب المعاصي. كما قلت.. مع سند الحديث الضعيف إلا أن العلماء يقولون إن الحديث الضعيف يعمل به في فضائل الأعمال، مادام الحديث يحض علي الخير ويشجعه فما المانع من العمل به؟ موقف المجاهر بالإفطار ما رأي فضيلتك فيمن يجاهر بالإفطار في رمضان دون عذر؟ لايصح أن نقف أمام هذا المجاهر فربما يكون مريضا.. ولو كان مريضا فله الحق، فكيف لانعذره؟.. فلعل له عذر لانعرفه أيضا! أرجو أن نحسن الظن في أنفسنا، والذي يجاهر بالفطر إما أن يكون غير مسلم وهذا حقه، أو كما قلت مريض وهذا حقه، أو يكون مسافرا وحقه، أو أن يكون عاصيا وهذا يحتاج إلي الرفق لا الغلظة، لأنك لو أغلظت عليه سيجاهر بالمعصية ويكره الرب، لكن لو رفقت به فهو سيشعر بخجل أمام الله عز وجل. وسأذكر لك حديثا رواه البخاري ومسلم أن أعرابيا دخل المسجد فبال فيه (أخذ جانبا من المسجد وتبول فيه)، فهم الناس به، فأدركهم الرسول [ وقال: لا تقطعوا عليه بولته، وفي رواية لا تزرموه.. أي لاتحبسوا بولته.. دعوه، فلما أكمل بولته وانتهي، التقاه سيدنا رسول الله [ وقال لهم صبوا عليه ذنوبا (دلو) من ماء، ثم قال للأعرابي: يا أخا العرب، إن هذه المساجد للصلاة وللذكر، وليست لهذا البول، قال له [ ذلك بكل رفق، وبذلك يمكن أن نؤلف قلوب الناس تحبيبا في الله عز وجل، أنا أري أننا كمسلمين والخطاب الإسلامي، إذا كنا نحدث الناس عن الله فلابد أن نحببهم فيه، وأن نبتعد تماما عن أي كلمة تنفر العبد من ربه، أو تبغضه منه. إذا كنا نحب الرب بصدق فيجب أن نكون سببا لحب الناس من الله، حتي العصاة وغير المسلمين يجب أن يحبوا ربنا، وأن نكون حريصين علي حبهم الخالق (عزوجل) كيف يحبون الله إلا بتصرفاتنا وسلوكنا نحن معهم! فتح المقاهي والمطاعم ورأي الإسلام في فتح المطاعم والمقاهي نهارا في رمضان للمفطرين؟ فكرة الوصاية الدينية مرفوضة، فالقرآن الكريم والسُنة النبوية هدي بمعني إنارة.. تنوير، اللفظ القرآني واللفظ النبوي يحتمل معاني متعددة، ونحن البشر لنا الحق في أن نضع من الأنظمة، ومن التعليمات واللوائح والقوانين ما نصطلح عليه، فالإسلام والشرع لا يمنع لأي شعب أن يضع لنفسه قانونا، أو لائحة، أو ضوابط، لكن هل الشرع وضع أنفه في كل هذه التفاصيل، هدي الشرع ينوِّر الطريق ويجعل الإنسان قادرا علي أن ينشئ قانونا، الهدي والقرآن الكريم والسُنة المطهرة تمكن أي إنسان من أن يبتكر ويضع من الآليات ما تمكنه من استمرار الحياة.. العبادات هي الوحيدة التي جاءت في الشرع الخاصة بعبادته كالصلاة والصوم.. إلخ.. التي لايمكن معرفتها إلا عن طريق الوحي، ماعدا ذلك الابتكار هو مسئولية الإنسان، لكن للأمانة الشرع وضع قواعد ثابتة: كالإخلاص، والصدق، والقيم، والشفافية، والاحترام، والكرامة. لا وصاية علي المجتمع أنا لا أوافق ولا أخالف في فتح المطاعم والمقاهي في نهار رمضان، وإنما القضية أمر مجتمعي بمعني أنه خيار المجتمع، وإذا أخذت رأيي في المجتمع فقد نصبتني وصيا علي هذا المجتمع، وأنا مجرد مواطن من تسعين مليونا، فهل يصح أنا وأمثالي مهما كان عددهم أن يتحكموا في جموع الشعب المصري؟ مسألة فتح المطاعم أو غلقها موضوع خاص بالشعب وله كل السيادة، وبالتالي تخضع لإرادة هذا الشعب، فلا يوجد نص في كتاب الله، ولا في سُنة رسول الله [ تمنع غلق المطاعم أو المقاهي في نهار رمضان، بل ستجد قواعد أخري عامة كالنهي عن الإضرار، فلا ضرر ولا ضرار، فأنت ستفسر الضرر: هل فتح المطعم يضرك؟.. صائم يشكو أنا جائع وعطشان وأري آخرين يأكلون ويشربون.. ثم آخر يعترض علي رأيه.. إنها وجهات نظر وليست دينا.. متابعة المسلسلات والفوازير ورأيك فيمن يصوم نهارا ويقضي الليل في متابعة التمثيليات والمسلسلات وحل الفوازير وفقرات الترفيه علي الفضائيات؟ الإسلام أتي بالفريضة، فأنت تأتي لتحاسبه عن الليل الذي قال الله (عزوجل) فيه: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّي يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَي اللَّيْل) لقد جعل الله الليل حلالا كما قال سبحانه: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَي نِسَائِكُمْ) إنها «الرفث» ليست مسألة «ميكانيكية» بل فيها «إنسانية» وتلطف وحوار حتي يصلا إلي حالة «التقاء» فمثل هذه الأمور يجب الترفع عنها، وعدم التدخل فيها، ولكن يمكن أن ننصح، وهناك فرق بين النصيحة والتدخل، ليس من حق الخطاب الديني أن يتدخل، وأن يقرع بأن المسلمين في ليل نهار يجب أن يفرغوه لصلوات التهجد والتراويح وقراءة القرآن الكريم، هو بالتأكيد مطلوب ذلك، لكنه ليس مفروضا. نريد تخفيف الأمر علي المسلمين. وبالتأكيد هذا الذي أقوله سيزعج الذين يخاطبون المسلمين في رمضان بأن يفرغوه للذكر والعبادة، هذا شيء جيد ولكن لايمنع من أراد الترفيه طالما كان في الحلال.