ظل بلال فضل يكرر في برنامجه »عصير الكتب« في قناة »دريم« كل أسبوع ضرورة الاحتفال يوم 28 أكتوبر بذكري رحيل عميد الأدب العربي الكاتب الكبير والأديب العظيم طه حسين. طلب الاحتفال بذكري طه حسين بإقامة ندوات وتقديم برامج عنه. ومرت الذكري دون أن يحتفل بها أحد. نسينا طه حسين أو نسينا كفاحه ضد الظلام الذي عاش فيه وحصوله علي الدكتوراة من فرنسا. ولم نذكر أحدا من كتبه أو رواياته. الغريب في حكاية طه حسين أن كل ما كتبه من مقالات في الصحف أو أدلي به من أحاديث طبع ولكننا جميعا أهملنا فترة من حياته مع أنها أهم أيام عمره لأنها تمثل بداية توقده ونجاحه في أول عمل صحفي. ومقالات طه حسين في ذلك الزمان لم تطبع. أهملها هو وأهملتها نقابة الصحفيين علي مر العصور وأهملتها كلية الصحافة والإعلام. ❊ ❊ ❊ كان زمنا غريبا في مصر. سعد زغلول زعيم الأمة وبطل ثورة عام 1919 ورئيس حزب الوفد يتولي أول وآخر وزارة له ومدتها تسعة شهور. وكان سعد زغلول يكرر دوما أنه يقرأ صحف المعارضة نيابة عن شعب مصر. واقتنع المصريون بذلك إلا بالنسبة لصحيفة واحدة هي جريدة »السياسة« التي يصدرها حزب الأحرار الدستوريين المعارض والتي يرأس تحريرها الدكتور محمد حسين هيكل. وارتفع توزيع السياسة إلي أكثر من 20 ألف نسخة وهو رقم قياسي بحسابات تلك الأيام. وكان السبب مقالاتها الأدبية والفنية وكتابها الكبار. أشهر أولئك الكتاب كان يكتب بغير توقيع وهو الدكتور طه حسين العائد حديثا من فرنسا. أشهر هذه المقالات عنوانها »حزب الستمائة«. وكان مجلس نواب الوفد قد أصدر أول قرار له بتحديد خمسين جنيها شهريا مرتب العضو وهو مبلغ ضخم في عام 1924. معني الخمسين جنيها أنها 600 جنيه في العام. ومن هنا كان عنوان مقال طه حسين. وبني مقاله علي أساس أن حزب الوفد هو حزب الشعب. ونوابه يمثلون شعب مصر والستمائة جنيه هي مال الشعب ومن حق نواب الشعب توزيعها فيما بينهم. وتتابعت مقالات طه حسين. وضاق سعد زغلول بالسياسة وما تنشره فقرر تقديم صاحب امتيازها الدكتور حافظ عفيفي ورئيس تحريرها الدكتور هيكل وأيضا طه حسين إلي النيابة. ولكن مقالات طه حسين تنشر بغير توقيع ولذلك فلا دليل علي أنه كاتبها. طلب إلي النيابة أن تحقق معه. سألته: هل أنت كاتب هذه المقالات قرر طه حسين أن يعترف ولكن المحامين نصحوه بألا يفعل قال: لن أنفي ولن أكذب قالوا له لا تكذب وأعطوه جوابا مرنا رد علي وكيل النيابة عندما سأله هل هو كاتب هذه المقالات قال: لا أجيب فلم تقدمه النيابة إلي المحاكمة واكتفت بتقديم هذه المقالات كدليل اتهام ضد المتهمين الآخرين علي أن بها سبا وقذفا. وكان شباب الوفد الذي يحضر المحاكمة يبدي استحسانه للمقالات وإذ لم يوافق علي ما جاء فيها. وقالت النيابة لمحامي المتهمين: كيف تترك مأتم أخيك وتحضر المحاكمة قال: تركت مأتم أخي لأحضر مأتم الحرية وبدأت صحافة المعارضة تطلق علي المحاكمة: محاكمة مأتم الحرية ❊ ❊ ❊ ومرت السنون. رحل سعد وتولي مصطفي النحاس رئاسة الوفد ورئاسة الوزارة. وكان أشهر الأعضاء في وزارته الأخيرة الدكتور طه حسين الذي رفع شعار »التعليم كالماء والهواء« وتبنت حكومة الوفد مجانية التعليم لطه حسين. ومرت ذكراه بعد أن نسيناه. وتلك هي عاداتنا وتقاليدنا أن ننسي عظماء الرجال وأن ننسي عظماء الصحافة.