»لن أصمت بعد الآن« تلك هي الصرخة الملتاعة التي أطلقها العظيم تولستوي عام 1908 لإنقاذ الفلاحين من الإعدام.. هو الأديب الروسي الأشهر، الكونت، النبيل، الحالم بالعدالة الاجتماعية، فالثروة عبء إنساني بالنسبة للنفوس المحلقة، هو لم يقنع بالحلم فحسب فقام بتوزيع أملاكه علي البؤساء فظل دوما السيد، النبيل ، رغم تجرده من أمواله. »تولستوي أنفق حياته في البحث عن الحقيقة دون تجميلها.. هو أصدق الرجال المبشر والراعي.. الداعي لمبدأ اللاعنف بشموخ مبهر ولم يكن ليقايض بتلك القيمة المجوهرة في مقابل كل غوايات الوجود« ويعترف غاندي بإيمانه بالعنف قبل اكتشافه (مملكة الله بداخلكم) لتولستوي فكان أن شُفي من تلك الذائقة الهدامة فآمن (بالأبيمسا) (abimsa) وهي تعني الرغبة في كبح جماح العنف والتي صاغها فيما بعد إلي (اللاعنف) فالمناضل الهندي يدين لتولستوي بكل المعاني التي زينت الأوديسة الخاصة به من أجل منازلة الشر الجاثم علي شعبه. فجاء رده هناك وسائل منزوعة العنف من بينها عدم الخضوع للمؤسسات الناضحة بالعنف، استرداد الكرامة والحرية من خلال الالتزام بكل ما يحض عليه الضمير، عدم اللجوء للشر لمحاربة الشر، فالنار لا تطفئ النار فقط الخير في مواجهة الشر كي لايصيبنا الوباء هذا هو الانتصار علي الشر، هو يرفض القصاص، الحقد الذي يلتهم كل المباهج الكونية، وقبيل رحيل تولستوي الملهم الروحي لغاندي بدأت بمبادرة من المهاتما مجموعة من الرسائل بينهما والرسالة الأخيرة التي بعثها تولستوي هي الوصية الروحية أو إنجيل اللاعنف الذي أهداه يورثه.. وإذا كان فكر تولستوي لم يكن فلسفيا فمعاناته كانت فلسفية، فلا الفن ولا العلم ولا العقيدة قادرة علي صياغة التحليق المنشود.. نحن اليوم في أشد الحاجة لفكر تولستوي الذي ينبذ العنف، الكراهية، التعالي، الزيف وتمجيد (الأيجو) الذي يظن البعض أنهم تخلصوا منه..