وأميرتنا ملكت القلوب.. وأسرت العقول.. وسحرت النفوس وأصبحت ملكة متوجة علي عرش السينما العمالية.. كانت نجمة هوليوود بدون منازع.. في زمن الفن الجميل «الأبيض والأسود». «أنجريد برجمان» السويدية الأصل التي تتصدر صورتها أفيش مهرجان «كان» في دورته الثامنة والستين.. والذي يكرمها أيضا ويعرض فيلما عنها في إطار «كلاسيكيات كان» من إخراج «ستيج بوجركمان» وسوف يحضر عرض الفيلم ابنتها «إيزابيللا روسيلليني».. والتي ترأس لجنة تحكيم «نظرة ما» والتي يعرض فيها عشرون فيلما.. وفي إطار الاحتفال وتكريم «أنجريد برجمان» يعرض أيضا فيلم يتخلله استعراض يستعرض حياتها.. والرسائل المتبادلة بينها وبين روسيلليني.. من إخراج «جيدو نورلينو» «ولودفيكا دامياني». وعن الابنة «إيزابيللا روسيلليني» والتي أصبحت نجمة بدورها لامعة.. تضاهي في شهرتها وجمالها والدتها.. بدأت حياتها الفنية «لبيسة» في أفلام والدها أي بدأت السلم من أوله.. وكان أول من قدمها للسينما «الأخوان نافياني» والحقيقة إن «إيزابيللا» تشبه والدتها إلي حد كبير.
أما عن الجميلة «أنجريد» فولدت لأب كان يبيع آلات التصوير.. ولذلك منذ ولادتها وعندما وقعت عيناه عليها قام بالتقاط أجمل صور لها.. قائلا للجميع إنه رزق اليوم «بملكة جمال» وتحققت رؤية الأب بأن أصبحت ابنته فيما بعد ملكة متوجة في هوليوود. صغيرة «تربت يتيمة» فقد توفيت والدتها ولم يكن عمرها تعدي العامين ولذلك تحملت مسئولية تربيتها «عمتها» «ألين» الشقيقة الكبري.. في كنف العمة عاشت سعيدة لكن والدها توفي بعد ذلك ولحقت به عمتها.. فأخذها «عمها» الآخر لتعيش مع أولاده الأربعة.. وتشعر لأول مرة أن لها أربعة أشقاء كانوا يعاملونها كأميرة باعتبارها الابنة الوحيدة بينهم.. أولاد العم كانوا هم الإخوة والأصدقاء فيما بعد.. وبسبب نشأتها وحيدة في سنوات عمرها الأولي.. كان ينتابها دائما إحساس بالخجل والوحدة.. ظل يلازمها طيلة حياتها. التمثيل «كان» طريقها للخروج من شرنقة «الوحدة» «والعزلة» و«الخجل».. وقد شجعها علي ذلك زملاء الدراسة عندما كانت تؤدي لهم العديد من الأدوار.. فكان المدرسون ينهرونها بشدة.. أما زميلاتها فقد كن يصفقن لها ويطلبن منها الإعادة أثناء الفسحة المدرسية.. من هنا بدأ عشقها للتمثيل وحبها للمسرح والسينما.
موجوعة أنا.. «بالحب».. «والفقدان» هكذا تقول «أنجريد برجمان» في الكتاب الذي حكت فيها «سيرتها الذاتية».. وذلك بعدما قال لها ابنها.. أنت وأبي مشهوران وحكايتك تصلح فيلما سينمائيا فلماذا لا تروينها بنفسك فكان أن استمعت لصغيرها.. وبالفعل قامت بكتابة كتاب أطلقت عليه اسم «حياتي». في سنوات طفولتها العشر الأولي.. كانت تختبئ وراء شخصيات عديدة تقوم بتمثيلها في المنزل.. فهي مرة «ساعي البريد» أو «شرطي الدورية» أو «كلب» صغير.. يشجعها في ذلك «جمهورها» الذي تمثل في عمتها «ألين».. ووالدها الذي احترف التصوير. كان والدها يتمني أن تصبح مطربة «أوبرا».. لأنها تتمتع بصوت جميل.. لكنها هي كانت تعشق المسرح والتمثيل.. ولذلك وهي في الحادية عشرة من عمرها قررت أن تكون ممثلة ولم يتحقق ذلك سوي بعد أربع سنوات وذلك بعد رحيل عمتها التي توفيت بعد والدها بثلاث سنوات.. لكن «العم» لم يكن متفتحا مثل الأب.. فكلمة ممثلة كانت عنده مرادفا «لداعرة».. لكن أمام إصرارها وافق علي أن تلتحق بمدرسة «فنون الدراما».. في مدرسة الفنون تفتحت «أنجريد» كبراعم الزهر.. ولفتت أنظار جميع الأساتذة بموهبتها.. وفي هذه الأثناء وقعت في حب طبيب أسنان شاب يكبرها بسبع سنوات «بيتر ليندستروم».. وليتوج هذا الحب بالزواج فيما بعد. وكانت فرصتها الأولي في السينما «جوستاف مولنديه» سنة 34.. وتفتح لها السينما السويدية أبوابها.. فتركت مدرسة الفنون وإن كانت اشترطت علي الاستديوهات أن تدفع تكاليف دروس خصوصية لها في مجال التمثيل لتستكمل ما فاتها من الدراسة. في سنة 1937 تزوجت من الطبيب الشاب وأنجبت منه ابنتها الأولي «بيا» ولتفتح لها هوليوود ذراعيها وكانت لم تكمل بعد عامها الرابع والعشرين.. ليقع الأمريكيون في عشق وهوي هذه السويدية الجميلة. أما الزوج الحبيب فقد فضل في البداية البقاء في السويد علي أن يذهب كل فترة إلي أمريكا لملاقاة «أنجريد» وابنته «بيا».. ويزداد لمعان «أنجريد» وصعودها للقمة بعد أن قدمت أدوارا عديدة من بينها «جان دارك».
هذا العشق للسينما الذي قادها للنجاح الكبير.. ورغم السعادة التي كانت تعيش فيها.. كل ذلك لم يستطع حمايتها من «طوفان» أو زلزال حب جديد دمر حبها الأول لزوجها ووالد ابنتها.. وكان ذلك عندما شاهدت فيلم «روما مدينة مفتوحة» فوقعت في غرام الفيلم ومخرجه.. وأرسلت له خطابا تقول فيه: إنني ممثلة سويدية أمريكية وقعت في غرام فيلمك وأجيد التحدث بالإنجليزية والفرنسية وبالطبع السويدية لكن لا أعرف الإيطالية سوي كلمتي «أنا أحبك» ووصل المعني إلي «زير النساء» روسيلليني.. فأرسل إليها بأنه مستعد للتعاون معها. وعندما وصل لأمريكا ليتسلم جائزة عن فيلمه «روما مدينة مفتوحة» عاد إلي إيطاليا بالجائزة وبأنجريد في يده.. والتي كانت طلبت الطلاق من زوجها الذي رفض بشدة. في ذلك الوقت قامت الدنيا عليها في أمريكا.. ووصفوها «بالخائنة».. و«العاهرة» ولم ترحمها الصحافة علي تركها زوجها وابنتها «بيا».. ولم يساندها في هذا الحب سوي «المفكر إرنست هيمنجواي» وإيرين زوجة سيلزنيك» الذي وقف معها في بداية حياتها.. ووصلت الفضيحة إلي آخر مدي عندما تسرب للصحافة أن «أنجريد» حامل وكان روبرت روسيلليني لم يزل أيضا متزوجا من الممثلة الشهيرة «أنا مانياني» والتي كانت ترفض الطلاق الذي تم بعد ذلك بصعوبة. ولذلك كان يجب أن يتم زواجهما في المكسيك.. ورزقا بتوأم إيزابيللا وإيزوتا.. ورغم الحب الكبير.. وحجم كل منهما فإن الأفلام التي قدماها لم تكن علي المستوي المطلوب ولم تحقق النجاح المرجو.. ولذلك أصرت عام 56 أن تقوم ببطولة فيلم «أناستازيا» مع «يول براينر» ووافق علي ذلك «روبرتو» مضطرا.. فذهبت إلي انجلترا.. واستحقت عن هذا الفيلم جائزة أوسكار. والغريب أن هذا الحب الجارف الذي جمع بين «أنجريد» وربرتو انتهي بالطلاق عندما اكتشفت خيانته لها مع فنانة هندية ناشئة.. وفي ذلك الوقت كانت تجمعها صداقة مع رجل أعمال سويدي كان يحبها في صمت ولم يعترف لها بهذا الحب سوي بعد طلاقها، وهو «لارس شميدت» وتتزوج منه وتعيش معه في سعادة. أما آخر فيلم قدمته فكان «معزوفة الخريف» مع «ليف أولمان» ومن إخراج أنجريد برحمان.. وكانت وقتها قد أصيبت بالمرض اللعين «سرطان الثدي» وتم استئصاله.. لكنها أبدا لم تفقد حبها وعشقها للتمثيل وإن كانت توقفت عن السينما، لكنها استمرت في العمل علي المسرح حتي توفيت في التاسع والعشرين من أغسطس عام 1982 وكان عمرها 67 عاما.. والغريب أنه كان نفس الشهر الذي ولدت فيه عام 1915 تاركة رصيدا فنيا يصل إلي أكثر من خمسين فيلما.. لتكون واحدة من قلائل هوليوود اللاتي حصلن علي أكثر من أوسكار عن دورها في «ضوء خافت» عام 1944 والثاني عام 1956 «أناستازيا».