بعض من أعضاء لجنة التحكيم الدولية مهرجان أفلام الحب الذي احتفل بدورته الحادية والثلاثين هذا العام.. هو الذي جعل من مدينة مونز الثقافية عاصمة للثقافة الأوروبية.. رغم أن عدد سكانها وضواحيها لايتعدي المائلة ألف نسمة.. فشهرة المهرجان الذي يبلغ عدد مشاهديه ثلاثين ألفا علي مدي أسبوع يعكس مدي أهميته واهتمام الناس به. المدينة رغم صغرها تتميز بطراز معماري فريد.. وهي المدينة التي ينتمي إليها في بداياته الرسام الشهير «فان جوخ».. لذا كان هناك حرص شديد في إطار احتفاليتها كعاصمة ثقافية لأوروبا علي أن تقيم معرضا لأعماله وأشهر لوحاته جمعتها من العديد من متاحف العالم. المدينة الصغيرة تتفاءل «بالقرد» الصغير. علي جدارية دار البلدية يوجد تمثال صغير من النحاس «لقرد» يقولون إن من يضع يده اليسري علي رأسه.. ويمسحها ثلاث مرات فإن ذلك يجلب الحظ السعيد. ولذلك يسعي الزائرون إلي الوقوف في طوابير طويلة أمام هذا التمثال الصغير. ولما كانت «بلجيكا» تشتهر بصناعة «الماس» وأكبر ملوك الماس وتجاره يتمركزون في مدينة «إنفرس» فإن للكريستال البلجيكي أيضا شهرة لا تقل عن الماس.. لذا فإن جائزة المهرجان والهدية المفضلة لضيوفه هي «قلب من الكريستال». وفي هذه الدورة أضفي تواجد المخرج التونسي الأصل «عبداللطيف كشيش» حميمية خاصة رغم أنه شديد التحفظ.. ومن حسن حظي أن جمعنا عشاء سويا.. فالرجل لايحب الإدلاء بأي حوارات صحفية.. وذلك بعد فيلمه الأخير «حياة إديل» الذي حاز علي السعفة الذهبية لكان عام 2013. حوارنا كان بعيدا عن فيلمه وبطلتيه اللتين أثارتا ضجة ضده عند عرض الفيلم في أمريكا.. ربما ما جمعنا وفك عقدة لسانه كما يقول لي إنه عرف أنني مصرية وهو يكن لمصر وشعبها حبا وتقديرا.. ولتاريخها الحضاري القديم.. أيضا ثورات الربيع العربي كانت «هما» مشتركا جمع بيننا. إن عبد اللطيف كشيش هذا المخرج العبقري الذي يتحدث عنه العالم.. وصاحب الأفكار الجريئة الحرة.. عندما يتحدث فإنه يتحدث همسا.. بداياته الأولي كانت كممثل في مدينة «إفينيون» التي يقام بها مهرجان مسرحي شهير تعرض فيه كل التجارب المسرحية في العالم أجمع. ومن المسرح اتجه للسينما فكانت أول بطولة قام بها «شاي بالنعناع» للمخرج القدير «عبدالكريم بهلول» عام 1985.. ليعمل بعد ذلك مع «أندريه تشينبه» ومن بعد مع «نوري بوزيد». وفي عام 2000 أخرج أول أفلامه «غلطة فولتير» الذي حاز علي جائزة «الأسد الذهبي» في مهرجان فينسيا كعمل أول. لتتوالي أعماله الرائعة ويحصد العديد من جوائز «السيزار» الفرنسية.
ومن «تونس» إلي «الجزائر».. كان تكريم المخرج القدير (محمد الأخضر حامينا) الذي تعدي الثمانين من العمر وصاحب التاريخ الطويل في الأفلام الوطنية التي من خلالها تستطيع أن ترصد معركة التحرير الجزائرية حتي الحصول علي الاستقلال.. أول أفلامه الروائية الطويلة «رياح الأوراس» وفي سنة 1967 وقبلها فيلم تسجيلي «يوم في شهر نوفمبر»، وبعد عشر سنوات قدم فيلم «وقائع سنوات الجمر» فكان أول مخرج عربي يحصل علي السعفة الذهبية من مهرجان كان السينمائي. وبعد غياب عن السينما في عام 1986 قدم مؤخرا أحدث أفلامه «غروب الظلال» في هذا الفيلم يواصل «الأخضر حامينا» حكايات النضال ضد المستعمر الفرنسي الذي كان يعتبر الجزائر تابعة لأراضيه ودفع الجزائريون ثمنا لاستقلالهم «مليون شهيد».. «الأخضر» أخذ علي عاتقه طيلة حياته أن يقدم صورة واقعية لوحشية فرنسا في تعاملها مع الأهالي العزل من السلاح فما بالكم في تعاملها مع المجاهدين. الفيلم كتب له السيناريو «محمد الأخضر حامينا» واستعرض فيه من خلال التصوير والإخراج قدراته غير العادية كمخرج متميز.. وذلك من خلال قصة الرائد «سانتوناك» الذي كان شديد القناعة مثله مثل العديد من الفرنسيين أن الجزائر لا حق لها في الاستقلال وأنها تابعة لفرنسا.. ولهذا فإن تعامله مع الأهالي كان في غاية القسوة والعنف.. ويصل إلي المعسكر الجندي «لامبير».. وهو موصي عليه من العاصمة الفرنسية.. مما يثير غضب سانتوناك.. خاصة أن «لامبير» كان يرفض الأسلوب الوحشي الذي يتبعه هذا الأخير. ولقد تمادي سانتوناك في تعذيب المجاهد خالد الذي يستطيع أن يسيطر علي سانتوناك ويصبح علي الثلاثة أن يتعايشوا معا وسط الصحراء الجرداء ليصلوا إلي بر الأمان.. إن الثلاثة علي خطوة واحدة من الموت.. فالسير داخل حقول الألغام لا أحد يضمنه علي الإطلاق.. وبالتأكيد فإن المصير سيكون واحدا. لقد استطاع الأخضر حامينا أن يقدم أروع المشاهد للصحراء والجبال، باختصار صورة جميلة وإن كانت قاسية للجزائر.. التي تمتاز بمساحات شاسعة. أعطي الله الصحة «للأخضر حامينا» ويكفي أن الرجل في هذا العمر بذل هذا الجهد الكبير لهذا الفيلم الرائع.
قالوا قديما.. من يملك «القوة».. هو من يحتفظ بهدوئه في لحظة الغضب.. ومن يظهر السعادة وهو لايشعر بها.. أن يبتسم مع أنه يشعر بالرغبة في البكاء.. وأخيرا أن يهتم بالآخرين بالرغم من وجع قلبه. وبطل فيلمنا «قلبه» موجوع يتألم.. لكنه يحاول أن يخفي ألمه وراء ابتسامة بالتأكيد زائفة.. الحيرة تقتله.. والشك يكاد يفقده عقله ويجن جنونه لكنه يحاول أن يحتفظ بهدوئه.. لكي يصل إلي الحقيقة.. مهما كانت مرارتها. في فيلم «كل القطط رمادية اللون» للمخرجة البلجيكية «سافينا ديلليكور». وهو عن «تحري» خاص في الثالثة والأربعين من عمره وأعزب.. انتقل إلي بلدة صغيرة ليبحث عن ابنته التي كانت ثمرة لعلاقة عابرة مع فتاة التقي بها ذات ليلة.. الفتاة تزوجت من طبيب أعطي اسمه لابنتها وتبناها.. لكن عندما بلغت «دورثي» السادسة عشرة من عمرها.. أخبرت والدتها بأنها تريد معرفة والدها «البيولوجي».. ولذلك تلجأ «لبول» المخبر الخاص. الذي كان متأكدا أنه والدها.. لكن لايعرف كيف يخبرها. وعندما يواجه والدتها تقول له إنها ليلة ما التقت به كانت مصدومة من قصة عاطفية ولذلك بعدما تركته ارتمت في أحضان رجال كثيرين.. ويؤكد قولها هذا تحليل ال D.N.A وتصاب «دورثي» بحالة من اليأس الشديد.. لكن بول يعدها بأنه سوف يجد والدها الحقيقي.. وأنه سيظل يعتبرها ابنته.. وبالفعل يفي بوعده.. لكنها تعلمت درسا.. يجعلها راضية بحياتها وبالأسرة الصغيرة وبرعاية بول لها.. مهما كان جرحها عميقا. إنها واحدة من نفوس بشرية حائرة تبحث عن السعادة الحقيقية في معرفة حقيقة أهلها لكن من يقول إن الحقيقة «مرة» فقد صدق.