مصر الجديدة لم تعد شعارا بل أصبحت واقعا ملموسا أقرت به جميع دول العالم وها هي مدينة "شرم الشيخ" التي استضافت المؤتمر الاقتصادي لدعم وتنمية الاقتصاد المصري الذي أسفر عن قصة نجاح باهرة بكل المقاييس ذات المدينة رمز السلام تستعد لاستضافة القمة العربية المصيرية علي أرضها 28 مارس الجاري لتؤكد مصر مجدداً عودتها القوية لدورها الريادي في المنطقة علي الصعيدين السياسي والاقتصادي وهذه النجاحات بلا شك تعد انعكاسا للرؤية الثاقبة للقيادة السياسية وللتحرك الدبلوماسي المصري الواعي والنشيط في الاتجاهات كافة. من هذا المنطلق دار الحوار مع السفير رؤوف سعد رئيس المكتب الوطني لاتفاقية المشاركة مع الاتحاد الأوروبي. سياستنا الخارجية تعبر عن النهضة المصرية أمام دول العالم الاتحاد الأوروبي متحمس لدفع الاستقرار والتنمية في مصر العلاقات المصرية الخليجية تقوم علي التعاون ودرء الخطر عن المنطقة كيف تقيم النتائج التي أسفر عنها مؤتمر دعم الاقتصاد المصري في شرم الشيخ؟ - أعتقد أنه يجب ألا نحصر أنفسنا في إطار أرقام الاستثمارات التي تمخصت عن المؤتمر بل لابد أن ننظر إليه من منظور استراتيجي، وفي هذا الإطار فإن هذا المؤتمر يعني أولا أن مصر خرجت من الكبوة التي عانت منها خلال السنوات الماضية لتعود بقوة للأجندة العالمية.. الأمر الثاني هو أن هدف المؤتمر العام الذي كانت تسعي مصر إلي تحقيقه حتي قبل ثورة يناير هو دمج الاقتصاد المصري في الاقتصاد العالمي لاسيما أن نوعية المشروعات المطروحة خلال المؤتمر تمثل نقلة مهمة في هذا الإطار. كما أن طرح هذه المشروعات والعمل علي تنفيذها يعني أن مصر أقدمت علي طريق الإصلاح الاقتصادي والتشريعي والسياسي بشكل كبير حتي يمكن أن توفر لهذه الاستثمارات المناخ المناسب لتحقيق الفائدة المتبادلة لكل من مصر وأصحاب الاستثمارات. ما الرسائل السياسية المهمة التي حققها هذا المؤتمر؟ - المؤتمر حمل رسالة سياسية مهمة مضمونها أن هناك بالفعل مصر جديدة ليست شعارا لكنها واقع ملموس يعكسه الالتحام القوي والواضح بين القيادة السياسية والشعب المصري الذي ظهر بوضوح من خلال ردود فعل الشعب المصري تجاه المبادرات المطروحة من القيادة السياسية ويأتي علي قمتها مشروع قناة السويس وهذا الزخم السياسي القوي وهذا الدعم الشعبي كان يرتكن إليه الرئيس السيسي في دخوله في أدق التفاصيل والمفاوضات بشأن المبادرات المطروحة خلال المؤتمر من أجل تحقيق أقصي فائدة ممكنة ترضي توقعات أبناء الوطن. وهناك رسالة سياسية هامة أيضا تمخص عنها المؤتمر الاقتصادي بشرم الشيخ بأنه مع انتهاء المؤتمر انتهي الحديث عن توصيفات مللنا منها خلال الفترة الماضية وجاءت الرسالة المقابلة من كافة دول العالم التي عبر عنها هذا الإقبال غير المتوقع علي المشاركة في المؤتمر التي فاقت كل الحدود والتي جاءت كرسالة مباشرة من دول العالم بأن مصر هي حجر الزاوية في منطقة الشرق الأوسط ومنطقة المتوسط وجاءت هذه المشاركة الكبيرة بمثابة اعتراف دولي بأن الاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني في مصر أمور لا تخص مصر وحدها لكنها تخص العالم ككل وأن أي مخاطر أو أي اضطرابات في مصر تنعكس سلبيا علي منطقة الشرق الأوسط وبالتالي يمكن تصديرها لأوروبا وبالتالي للعالم الخارجي. دول الخليج كان لها نصيب الأسد من حجم الاستثمارات المطروحة مقارنة بالدول الأوروبية كيف تقرأ ذلك؟ - العلاقة بين الاتحاد الأوروبي ومصر خلال السنوات الماضية كانت متعثرة بعض الشيء نتيجة اختلاف واضح في المفاهيم وتعريف ما يحدث علي أرض مصر وبالتالي كانت هذه فترة صعبة في العلاقات لاسيما العلاقات الاقتصادية، لكن مشاركة الاتحاد الأوروبي علي المستوي الجماعي ومشاركة الدول الأوروبية علي المستوي الثنائي في المؤتمر كانت كبيرة وكان لي جلسات مع المسئولين في الاتحاد الأوروبي كمفوضية وعلي مستوي الأجهزة كالمسئولين في بنك الاستثمار الأوروبي والبنك الأوروبي للإعمار والتنمية، وقد أدهشني حديثهم وحماسهم الكبير عن إمكانات الاقتصاد المصري ومدي اهتمامهم البالغ بالعمل علي تحقيق الاستقرار والتنمية في مصر. وهنا أود أن أؤكد أن العلاقات الدولية ليست مشاعر حب أو كراهية بل علاقات مصالح، ومن هنا فإنه بواقع الاتصال الجغرافي الأوروبي بمصر ومنطقة الشرق الأوسط وبمنطقة المتوسط فإن هناك ارتباطا استراتيجيا سياسيا واقتصاديا بما يؤدي إلي الاهتمام الأوروبي باستقرار وقيمة مصر والمنطقة لانعكاس ذلك إيجابيا عليهم والعكس صحيح لأن أي مشاكل واضطرابات في المنطقة، كالإرهاب والهجرة غير الشرعية وغير ذلك قابلة للتصدير إليهم. والاتحاد الأوروبي كتكتل ليست وظيفته تقديم استثمارات وإنما هناك برامج في إطار المشاركة التي تربطه بمصر ويتم حاليا مراجعة برامج التعاون ومساعدات الاتحاد الأوروبي لدول الجوار، وهناك رغبة أوروبية لدعم التنمية في مصر لاسيما أننا لدينا برنامج للمشاركة مع الاتحاد الأوروبي. أما علي المستوي الثنائي، فلقد رأينا الخطاب السياسي الأوروبي في المؤتمر الذي كان قويا للغاية وخاصة كلمة كل من رئيس وزراء أسبانيا وإيطاليا والتي كانت مفعمة بالحماس من خلال الإعلان عن أن العلاقة بين مصر وأوروبا هي نقطة انطلاق أساسية بين أوروبا والمنطقة ككل. وفي هذا الإطار أعرب الرئيس عبدالفتاح السيسي عن تقديره الكبير للجانب الألماني الذي شارك بإيجابية في المؤتمر، وهناك دعوة موجهة للقيادة السياسية المصرية من المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لزيارة برلين. لكن ماذا بشأن دول الخليج وحجم دعمهم لمصر والذي فاق كل التوقعات؟ - العلاقة بين مصر ودول الخليج مختلفة في طبيعتها وتركيبتها حيث إن العامل الهام الذي يحكم دعم هذه الدول والاستثمارات المقدمة منهم إلي مصر هو المصلحة المشتركة وبالتالي فإن علاقاتنا مع دول الخليج تختلف من حيث طبيعتها وقوتها عن العلاقات مع أي دولة أخري. وبالتالي فإن الظروف التاريخية والمصلحة المشتركة والروابط القوية التي تربط بين مصر ودول الخليج هي التي دفعت دول الخليج بالتضامن مع مصر في مواجهة الأخطار المشتركة التي تواجه المنطقة إدراكا من هذه الدول بأن الحفاظ علي مصر هو دعم للأمن القومي لمنطقة الخليج ولمنطقة الشرق الأوسط بصفة عامة وفي نفس الوقت مصر لديها قناعة هامة بأهمية دعم الأمن القومي للمنطقة ومن ثم فإن العلاقة مع منطقة الخليج هي علاقات مشاركة في جلب المنافع ودرء الأخطار عن المنطقة برمتها. في إطار التحركات والاتصالات المكثفة للدبلوماسية المصرية ما تصوركم للسياسة الخارجية المصرية راهناً؟ - السياسة الخارجية المصرية حاليا تقوم بدور يستحق أن يطلق عليه سياسة خارجية عصرية جديدة تمثل ارتباطا وثيقا بين صنع قرار السياسة الخارجية والأوضاع الداخلية في مصر وهي تمثل أداة رئيسية للدفاع عن مصالحنا وقضايانا من خلال العلاقات الخارجية ونحن نلمس ذلك بشكل واضح في النشاط المحمود لوزير الخارجية المصري سامح شكري وتحرك الدبلوماسية المصرية في كافة الاتجاهات وما نراه من تفعيل للسياسة الخارجية لتكون جسرا ممهدا للربط بين مصر وكافة دول العالم وصوتا معبرا عما يحدث في مصر من تطورات تعكس نهضة اقتصادية وسياسية بكل المقاييس. تستقبل "شرم الشيخ" مؤتمر القمة العربية خلال أيام والذي يمثل أهمية تضع الدول العربية علي الطريق الصحيح لمواجهة الأخطار والتحديات، فما تعليقكم علي ذلك؟ - القمة العربية تمثل أهمية بالغة الخصوصية فهذه أول قمة عربية يرأسها الرئيس عبدالفتاح السيسي وأول قمة عربية تعقد في مصر بعد ثورتي يناير ويونيو من الناحية الإجرائية. أما من الناحية السياسية فانعقاد القمة العربية يأتي بعد انعقاد العرس الاقتصادي الذي انعقد في شرم الشيخ منذ أيام قليلة والذي شهدت فيه هذه المدينة الصغيرة تجسيدا لعلاقة مشاركة جديدة بين مصر وكل دول العالم ويأتي في نطاق ذلك المواقف العربية الداعمة من دول الخليج وغيرها والتي تعكس إدراكا سياسيا رفيعا بأهمية استقرار وتنمية مصر وبأهمية إعطاء العلاقات العربية العربية دفعة قوية بما يضفي بآثاره الإيجابية علي المناخ الذي تنعقد فيه القمة العربية. وفي نفس الوقت نري زخما جديدا للعلاقات المصرية الأفريقية والذي يمكن أن نسميه عودة الروح للعلاقات المصرية الأفريقية، وهناك تحركات نشطة علي صعيد القارة السمراء وآخرها زيارة الرئيس السيسي لكل من السودان وأثيوبيا وزيارة رئيس الوزراء المهندس إبراهيم محلب لكوت ديفوار ومن ثم فإن مثل هذه العودة الحميدة للقارة الأفريقية تمثل هي الأخري رصيدا لصالح العرب والجامعة العربية ولابد أن ذلك سيكون بمثابة قوة دافعة للتعامل مع التحديات والمخاطر التي تواجه المنطقة العربية في لحظة تاريخية بالغة الدقة والحساسية وعلي رأس هذه التحديات ظاهرة الإرهاب غير المسبوقة التي تمثل خطرا وجوديا علي المنطقة العربية ليس من منطلق ما يرتكب من جرائم فحسب ولكن من واقع الفكر الذي يحكم هذه الجماعات الإرهابية والتي تهدف إلي إزالة الحدود وإنشاء كيانات جديدة وإشاعة الاضطراب والتوتر في المنطقة.