معارك شرسة تخوضها نقابة الأطباء للمطالبة بحق المواطن المصري في علاجٍ يليق به، وحقوق الأطباء المهدرة لسنوات طويلة،كشف عن آخر تفاصيلها الدكتور خيري عبد الدايم نقيب الأطباء الذي أكد في حواره ل"آخر ساعة" أن النقابة أحالت جميع المروجين لجهاز علاج فيروس سي للتحقيق لعدم خضوعه لاشتراطات البحث العلمي التي تقتضي إقرار سلامة وفاعلية العلاج. وأكد أن إعادة هيكلة المنظومة الصحية المتردية في مصر تحتاج إلي حوالي 190 مليار جنيه، مشيراً إلي أن هناك عيوبا فادحة في قانون المستشفيات الجامعية الجديد دفعت النقابة للتصدي له. نحتاج 190 مليار جنيه للنهوض بالمنظومة الصحية لماذا أحالت النقابة المروّجين لجهاز علاج فيروس سي "المزعوم" الذي أعلن عنه اللواء إبراهيم عبدالعاطي للتحقيق؟ - أولاً يجب أن نوضح أن اللواء عبدالعاطي ليس طبيباً وبالتالي لا يخضع لقانون نقابة الأطباء ولوائحه التأديبية، فسلطة النقابة في المساءلة تقتصر علي محاسبة أعضائها من الأطباء حال خروجهم عن آداب المهنة.وقمنا بالفعل بإحالة كل الأطباء الذين شاركوا في الترويج لهذا الجهاز للتحقيق وأرسلنا مذكرات لاستدعائهم، لأن الجهاز لم يستوفِ اشتراطات البحث العلمي ولم يمر بالتجارب العلمية اللازمة ولم يُسجل بوزارة الصحة كعلاجٍ آمن ثبتت فاعليته. وبالتالي فالإعلان عنه والترويج له وتقديمه للجمهورعلي أنه علاج فعال، ينطوي علي مخالفة صريحة للقانون وخروج عن آداب المهنة، خاصة أن هناك مرضي بالتهاب الكبد الوبائي "فيروس سي"أوقفوا علاجهم انتظاراً للجهاز الجديد، فالقضية قيد التحقيق الآن. ما هي إجراءات المساءلة التأديبية التي يفترض أن تتبعها النقابة في التحقيق مع هؤلاء الأطباء؟ - لجنة آداب المهنة بالنقابة هي المنوط بها إجراء التحقيق مع أي طبيب ترد إلينا شكوي بمخالفته للقانون، وهي لجنة قضائية يرأسها رئيس نيابة مع أعضاء من مجلس النقابة، تقوم بالتحقيق وتعطي الطبيب الحق في الدفاع عن نفسه، وإذا خلصت إلي أنه قد يكون مذنباً تحوّله إلي محكمة تأديبية يحكم فيها مستشار من مجلس الدولة، وإذا استأنف أيّ من الطرفين الحكم تُنظر القضية أمام المحاكم العادية. ما تقييمك لقانون التأمين الصحي الجديد في صورته النهائية؟ - نطالب منذ سنوات بضرورة إصدار قانون للتأمين الصحي الشامل يضم المصريين جميعاً تحت مظلة تأمينية واحدة، لأن الدولة يجب أن تتكفل بملف الصحة بالكامل حتي يحصل كل مصري علي حقه في العلاج طبقاً للدستور، فللأسف 70% مما يُنفق علي الصحة اليوم يخرج من جيوب المواطنين، بينما لا تتكفل الدولة إلا ب27% فقط من إجمالي الإنفاق وهذا بالطبع وضع معكوس. ورغم إيجابيات القانون المطروح الذي يكفل الخدمة الصحية لجميع المصريين، إلا أننا نعترض علي بعض المواد التي نري أنها تتنافي مع ما هو مأمول من القانون الجديد الذي يفترض أن يراعي الظروف المادية السيئة لملايين المصريين، وهي المواد التي تنتقص من حق المواطن في الحصول علي الخدمة الطبية مجاناً، بإلزامه بدفع 10% من قيمة التحاليل و20% من قيمة الأشعات. هذه النسبة ستشكل عبئاً كبيراً علي المواطنين من محدودي الدخل وأصحاب المعاشات المتدنية خاصة مع ارتفاع أسعار هذه الخدمات، فبما أن هيئة التأمين الصحي تُحصّل مبالغ مالية من المُشتركين بصورة شهرية لا يحق لها أن تطالب المريض بدفع أي قيمة إضافية للعلاج. كما نعترض علي بعض تفاصيل التعريفات أو الاشتراكات المقررة في القانون،غير أن القانون الجديد يشمل الطب العلاجي فقط ولايشمل الطب الوقائي حتي الآن. ماذا عن حجم التمويل المطلوب لتفعيل هذا القانون؟ - نحتاج تمويلاً هائلاً لتفعيل نظام التأمين الصحي الجديد، خاصة أن الدستور ألغي ما يسمي بنظام "حِزَم الخدمات الطبية" التي كان يشملها قانون التأمين الصحي بتقديمه خدمات محددة للمرضي يُستثني منها العمليات الجراحية المُكلفة وعلاج الأمراض الخطيرة أو المزمنة كأمراض القلب والكلي والأورام، فالمادة 18 من الدستور أقرت الحق في الرعاية الصحية المتكاملة لجميع المصريين ولكل الأمراض باختلافها. ميزانية التأمين الصحي الحالي لم تكن تتعدي 6 مليارات جنيه قبل أن ترصد له الدولة أخيرا 2.5 مليار جنيه عندما أضافت له فئة المعوزين الذين يحصلون علي معاش الضمان الاجتماعي، وهذا المبلغ بالطبع غير كافٍ علي الإطلاق. ليس هناك أي مبالغ مرصودة للقانون الجديد من قِبل الدولة حتي الآن، ولتفعيله نحتاج 90 مليار جنيه للإنفاق المستديم سنوياً علي الخدمات الطبية التي يفترض أن يقدمها التأمين الصحي، ولكن قبلها نحتاج مالا يقل عن 100 مليار جنيه لإعادة هيكلة المنظومة الصحية المتردية وتجهيز المستشفيات والمراكز الطبية وإنشاء مراكز تشخيص تكفي لاستقبال ملايين المرضي، فنسبة إشغال الأَسِرة في المستشفيات الجامعية والحكومية والمراكز التعليمية تتجاوز 100%، ولا يجد 50% من المرضي مكانا فيها، للأسف نراهم ينامون علي الأرض في طرقات المستشفيات. والغريب أن الدولة كانت قد خصصت 50% من عوائد الضريبة التي فرضت علي السجائر للصحة ولكن تم التراجع عن هذا القرار. هل يعني هذا أن إصلاح المنظومة الصحية يقتصر علي توفير التمويل المطلوب؟ - لا شك أن أزمة توفير مخصصات كافية للصحة علي مدي العقود الماضية ساهمت في تردي المنظومة الصحية والخدمات الطبية المقدمة إلي المرضي، ولكن لا تقتصر الأزمة علي ذلك فالجانب الأخطر هو كيفية إدارة الدولة لملف الصحة ورؤيتها للسياسات الصحية الواجب إرساؤها، وتحديدها لأولويات الإنفاق علي القطاع. فالمفارقة أن تُهمل الحكومة الطبيب وهو العنصر الذي تقوم علي أكتافه المنظومة بأكملها، بالمماطلة في إعطاء الأطباء أبسط حقوقهم فبعد أن خضنا معركة شرسة لإقرار قانون كادر الأطباء، نخوض معركة أخري لتغيير قانون حوافز المناطق النائية. هل يُسهم قانون حوافز المناطق النائية الذي رفضته النقابة في تردي الخدمة الصحية بتلك المناطق؟ - هذا القانون كارثي يهدر حقوق الأطباء ويعكس عدم اهتمام الدولة بالخدمة الصحية في المناطق النائية التي تتدهور يوماً بعد يوم. وغير ذلك نجد أنه يستثني محافظات الصعيد، سوهاج وأسيوط وقنا من المناطق النائية، ما أسهم في عزوف الأطباء عن كتابة هذه المحافظات ضمن رغبات التكليف، ونتيجة لذلك أصبح لدينا عجز طبي هائل في محافظاتجنوب الصعيد، هناك 450 وحدة صحية مُجهزة في هذه المحافظات خالية تماماً من الأطباء. هذا الوضع الكارثي للخدمة الصحية بالمناطق النائية يزداد سوءا ويتفاقم في شمال سيناء، فخطورة الأوضاع الأمنية وصعوبة المعيشة هناك ساهمت في تناقص أعداد الأطباء بشكل كبير، ما دفع النقابة لإطلاق قوافل طبية لمدن رفح والعريش والشيخ زويد، خاصة أن المستشفيات تغلق أبوابها في فترة حظر التجول يومياً. لماذا اعترضت نقابة الأطباء علي قانون المستشفيات الجامعية الجديد؟ - كان لدينا اعتراضات شديدة علي مشروع قانون تنظيم العمل بالمستشفيات الجامعية الذي ناقشناه مع المجلس الأعلي للجامعات، لأن نصوصه كانت تحمل تمهيداً ضمنياً لخصخصة المستشفيات الجامعية التي تخدم قطاعا هائلا من المرضي وبخاصة من محدودي الدخل، وهو ما لا يمكن أن نقبل به، فاعتراض النقابة نجح في إيقاف إصدار القانون وإعادة دراسته لوضع البدائل لأن به عيوبا خطيرة تتركزفي ثلاثة محاور. أولها أنه كان ينص علي أن تُعامل المستشفيات الجامعية كوحدات ذات طابع خاص تُشرف علي نفسها وتستقل مالياً وفنياً وإداريا، بإتاحة إمكانية الشراكة مع القطاع، ما يعني أن ترفع الدولة يدها عن دعمها وهذا كان مرفوضا لدينا بشكل قاطع. الاعتراض الثاني كان علي العلاقة بين المستشفيات الجامعية وأعضاء هيئات التدريس بكليات الطب، القانون في صورته الأولي كان يقضي بأن تتعاقد المستشفي مع من تريد من الأساتذة والأطباء، ويعني ذلك أن يبقي البعض دون عمل، ما يؤثر بشكل كبير علي المهمة التعليمية لهذه المستشفيات. أما العيب الثالث فكان متعلقا بالنظام الإداري المنصوص عليه، والذي يفصل المستشفيات الجامعية عن عمداء ومسؤولي كليّات الطب، ويجعلها في يد سلسلة مجالس يرأسها وزير التعليم العالي ورؤساء الجامعات، بينما يُستبعد الأطباء ورؤساء الأقسام من المنظومة. كيف تري الصفقة التي تمت لبيع 12 مستشفي تابعا للقطاع الخاص إلي شركة إماراتية؟ - هذه الصفقة كارثية رفضتها نقابة الأطباء بشدة، ومنذ بدأ الحديث عنها كنا أول من أطلق جرس الإنذار للتحذير من تبعاتها، لأن القطاع الصحي هو قطاع استراتيجي لا يمكن بحال من الأحوال أن يعامل وفق منظور استثماري بحت، ونخشي أن تكون الصفقة بداية لاحتكار أجنبي يُهيمن علي قطاع الصحة بشرائه أبرز المستشفيات والمؤسسات الصحية التابعة للقطاع الخاص، والخوف الحقيقي أن يفرض الطرف الأجنبي شروطه علي الهيئة الجديدة للتأمين الصحي عند إنشائها. ورغم أن وزارة الصحة أصدرت قراراً بالإبقاء علي إدارات هذه المستشفيات وعدم تغييرها من قبل الشركة الإماراتية إلابالتنسيق مع الوزارة، إلا أن هذه الخطوة غيركافية، لأن مُلاك أسهم هذه المستشفيات هم المتحكمون الحقيقيون بها، ما يمكّنهم من إقرار السياسات بشكل كلي داخل المستشفي. للأسف لا تملك أي جهة في الدولة إيقاف هذه الصفقة لأن قانون الاستثمار الحالي يعامل القطاع الصحي كأي قطاع استثماري آخر. وهذا لا بد أن يتغير، يجب أن توضع ضوابط محددة للصحة، لتفرض الدولة هيمنتها علي هذا القطاع في مواجهة الأيدي الأجنبية التي تتسلل إليه.