أربع سنوات مرت علي انطلاقة شرارة الربيع العربي.. علي ثورة شعوب ضد أنظمتها الظالمة الفاسدة الرافضة لأي إصلاح.. ثورة علي اليأس والاستبداد.. علي القهر والاستعباد.. صحوات أرادت منها شعوبها الحكم الرشيد والديمقراطية الحقيقية والعدالة الاجتماعية.. ثورات استغلتها الولاياتالمتحدةالأمريكية وحلفاؤها الغربيون لإغراق هذه البلدان لسنوات في الدماء واستخدمتها لتحقيق أطماعها لتشتيت الوطن العربي وتقسيم الشرق الأوسط.. أربع سنوات مضت ولم تطو هذه الانتفاضات صفحاتها بعد، ومازالت بلدانها تنتظر أن تجني ثمارها بعد أن فقدوا خلالها ومازالوا يفقدون شهداء ومصابين. وقد طرحت عدة صحف أمريكية وبريطانية رؤيتها لحال البلدان العربية بعد الربيع العربي، حيث شهدت البلدان العربية تقلبات وتطورات سياسية مختلفة، علي مدار السنوات الأربع الماضية؛ مما أسفر عن تغيرات في المسار السياسي والديمقراطي لتلك البلدان، وعلي علاقاتها مع باقي دول العالم بزعامة واشنطن، وأوضحت صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور» الأمريكية أنه في الوقت الذي يتحدث فيه الرئيس الأمريكي «باراك أوباما»، عن الديمقراطية وتغير نهج الولاياتالمتحدة في التعامل مع دول الشرق الأوسط في تلك الأيام العنيفة، فإن إدارته قررت العودة إلي سابق عهدها، وذلك عن طريق الاهتمام بالأمن والاهتمامات الاستراتيجية علي حساب الديمقراطية والمجتمعات المفتوحة. والبداية كانت تونس مهد «الربيع العربي» حيث شهدت في 17 ديسمبر عام 2010 انطلاق الثورة بوفاة الشاب التونسي، محمد بوعزيزي، الذي كان بمثابة الشرارة التي ألهمت ثورات في المنطقة، بعد إضرام النيران في جسده، للتنديد برفض السلطات قبول شكوي أراد تقديمها في حق شرطية صفعته أمام الناس في الشارع، فاشتعلت نيرانه بسرعة عبر المنطقة، وسقط النظام التونسي برئاسة «زين العابدين بن علي»، علي حد وصف الصحيفة الأمريكية، وأضافت أن العالم احتفل وقتها بالربيع العربي كدليل علي أن شعوب الشرق الأوسط تتوق إلي أن تكون حرة، ولكن الوقت لم يكن في صف المتفائلين، حسب قولها. وتأتي احتفالات الذكري الرابعة بعد انتهاء المرحلة الانتقالية بانتخاب الباجي قائد السبسي رئيساً للبلاد، إضافة إلي انتخاب برلمان جديد فاز فيه حزب حركة نداء تونس بالنسبة الأكبر من مقاعده. فيمكن القول إن ثورتها هي الوحيدة التي قدمت حكماً شاملاً ووضعت دستوراً يعادل موازين السلطة بين الرئيس ورئيس الوزراء لمنع عودة الحكم الاستبدادي، وعلي الرغم من الخصومات السياسية الشديدة، ظهرت التحالفات السياسية بين الأحزاب العلمانية والإسلامية. وجاء رأي صحيفة «الجارديان» البريطانية متفقا مع الصحيفة الأمريكية، حيث أوضحت توصل تونس لمفهوم التعددية وحققت تسوية أفضل، وحافظت علي شعلة الديمقراطية، وذهب العلمانيون وجها لوجه مع الإسلاميين في انتخابات برلمانية سلمية فاز بها حزب «نداء تونس»، الذي قاد تحالفا علمانيا، بفارق ضئيل علي الكتلة الإسلامية الرئيسية «النهضة»، وأسفر عن فوز السبسي. وعلي الرغم من تغيير المشهد السياسي إلا أن انضمام فاعلين جدد تمثل في فوز حزب «نداء تونس» الذي يضم قيادات من حزب بن علي، يعني عودة لإنتاج نظام بن علي ولكن بوجوه جديدة. هذا بالإضافة إلي احتجاجات عائلات ضحايا الثورة ومصابيها المطالبة بحقوقهم حتي وإن كان تكريما معنويا. وبحسب حصيلة رسمية، نشره مواقع فرانس 24 الإخباري فإن قمع الثورة التي أطاحت بالرئيس بن علي في 14 يناير 2011 أدي إلي سقوط أكثر من 300 قتيل ومئات الجرحي بمن فيهم أشخاص قتلوا أو جرحوا في الأيام التي تلت فرار الرئيس السابق. وقالت منظمة «هيومن رايتس ووتش» إن جهود تونس لإقرار العدل بحق مرتكبي عمليات القتل خارج إطار القضاء، أثناء فترة الانتفاضة قبل أربع سنوات، قد تم القضاء عليها من خلال مشاكل قضائية أو ذات صلة بإجراءات التحقيق وهو ما لم يؤد إلي إنصاف الضحايا». وأضافت المنظمة «وباستثناء الحكم بالسجن المؤبد غيابيا في حق بن علي فإن المخاض الطويل أمام المحاكم العسكرية أدي إلي عقوبات رحيمة وحتي حالات تبرئة للأشخاص المتهمين بأنهم تسببوا في مقتل متظاهرين. وبعد تونس وثورة الياسمين تأتي مصر بثورتها وحالة استقرارها بعد 4 سنوات من ثورة 25 يناير التي أطاحت بمبارك كرئيس تاركة نظامه البائد برجاله يعودون للمشهد السياسي مرة أخري. تري «الجارديان» أن مصر نجحت بعد تونس، مع تولي «الرجل القوي»، علي حد وصفها، المشير عبد الفتاح السيسي الحكم في مايو الماضي، عقب عزل الإخوان ومرسي الذي لا يحظي بشعبية. وتوضح الصحيفة أن المصريين رأوا السيسي بمثابة المنقذ للمصريين، حيث دعمته وسائل الإعلام، واعتبرت أن ما قام به واجب وطني، خاصة في ظل الإرهاب الذي يهدد البلاد من الخارج والداخل في شبه جزيرة سيناء، من جماعة أنصار بيت المقدس التي تتخذ سيناء مقرا لها، وتعهدت بالولاء لتنظيم «داعش». فيما رأت عدة صحف أمريكية أن إدارة أوباما التي تحدثت عن الديمقراطية والتغيير في الشرق الأوسط مع بدء ثورات الربيع العربي عادت مجددا ومعها الكونجرس بديمقراطييه وجمهورييه للعمل بشكل عادي مع النظام الجديد في مصر حيث تتصدر فيه أولوية المخاوف الأمنية والاستراتيجية المطالب بالديمقراطية وانفتاح المجتمعات. وأبرزت موافقة الكونجرس الشهر الماضي علي مشروع قانون لاستئناف المساعدات المالية والعسكرية لمصر، ورفع الحظر الذي فرض علي تسليم مروحيات الأباتشي من أجل مساعدة السيسي علي محاربة الإرهاب. واعتبرت مجلة «كنساس سيتي ستار» الأمريكية، أن الإفراج عن مبارك وإسقاط التهم عنه في أكبر قضية وهي قتل المتظاهرين أثناء الثورة، وكأن لم يكن هناك ثورة ووصفته بالمزحة. فيما ذكرت صحيفة «جلوبال بوست» الأمريكية إن الاضطرابات التي شهدتها مصر في السنوات الأربع الماضية أثرت علي الصحة النفسية للمصريين، حيث أثار الأطباء المخاوف من الزيادة في عدد حالات الإصابة بأعراض ما بعد الصدمة والمشكلات الأخري المتعلقة بالصحة النفسية. أما ليبيا فدخلت في حرب أهلية علي مستوي منخفض بعدما تدخلت أمريكا ودول أخري بحلف شمال الأطلسي «الناتو» للمساعدة في الإطاحة بنظام معمر القذافي، وعمت فوضي خطيرة غير قابلة للسيطرة، حتي ظهر المتشددون الذين يحاربهم تحالف دولي بقيادة الولاياتالمتحدة في سوريا والعراق. تري «الجارديان» أن ليبيا لم تنجح حتي الآن في تحقيق الاستقرار بسبب سهولة الحصول علي الأسلحة وضعف مؤسسات الدولة التي سمحت بوجود ميليشيات مسلحة، تعرف باسم «فجر ليبيا»، سيطرت علي أجزاء كبيرة من العاصمة طرابلس، وأصبحت مدينة بنغازي ساحة حرب بين الميليشيات وقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر وآخرين. وفي مايو الماضي شن حفتر، هجمات ضد الميليشيات المسلحة وتعهد بتخليص البلاد من المتطرفين، إلا أنها باتت الآن مقسمة بين حكومة طبرق المعترف بها دولياً وبين الميليشيات في طرابلس، وباتت لها حكومتان متنافستان، وكان رد فعل الشرق والغرب حالة من الجمود. كما شهدت ليبيا أيضاً ظهور أحد أفرع تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» من قبل بعض المقاتلين الليبيين الذين عادوا من جبهة الحرب السورية، حيث أنشأوا الفرع الذي ينشط في مدينة درنة شرق ليبيا، وأغلقت أغلب السفارات الصيف الماضي في البلاد، وأصبحت الدولة قليلة الكثافة السكانية الغنية بالبترول، منقسمة. في حين أن المظاهرات في سوريا المطالبة بالتغيير تحولت إلي أكثر الحروب الأهلية دموية حالياً في العالم بعد مقتل نحو 200 ألف شخص وتشريد الملايين من منازلهم. حيث تحولت الانتفاضة، التي قامت ضد نظام الرئيس «بشار الأسد» إلي حرب أهلية معقدة تسببت في تمزيق الدولة بين حربين، أولهما بين الميليشيات المتمردة، التي انبثقت عن الثورة السورية عام 2011، مع قوات الأسد، والثانية من قبل متطرفي تنظيم «الدولة الإسلامية». إن ذلك الصراع شهد أيضاً مشاركة أكثر من ألف من الميليشيات، ما شكل تهديداً وجودياً لسوريا وحدودها ومواطنيها. وتري واشنطن إن دعم معارضي الأسد جزء من استراتيجيتها، لكنها بقصف مواقع الدولة الإسلامية يوميا وشن بعض الغارات علي مواقع جبهة «النصرة» أطلقت يد سلاح الطيران التابع للأسد لقصف معارضين آخرين في أماكن أخري. فيما انقسمت قوات المعارضة التي حظيت بدعم من القوي الغربية إلي مئات الجماعات التي يتناقض كثير منها في الفكر والمصالح. حيث تقاتل ميليشيا كردية ضد الدولة الإسلامية بالتنسيق مع التحالف الذي تقوده الولاياتالمتحدة مثلما يحدث في المعركة المستمرة منذ ثلاثة أشهر في مدينة كوباني. كما تلعب الميليشيات الموالية للأسد دوراً في الصراع أكبر من أي وقت مضي. وفي الذكري الرابعة للربيع العربي، وفقاً لصحيفة وول ستريت جورنال، فإنه لا يوجد شيء يستحق الاحتفال به في أي بلد من بلدانها، وقالت الصحيفة في تقرير لها إن عقارب الساعة عادت إلي الوراء في الشرق الأوسط، حيث تسيطر الأنظمة القديمة علي الأوضاع بعد مرور سنوات علي الثورات.