لم يختر منفذا الهجوم الإرهابي علي مجلة شارلي إبدو لحظة تنفيذ العملية عبثاً، فالحادية عشرة والنصف بتوقيت باريس من كل أربعاء هو موعد الاجتماع الأسبوعي للصحيفة الأسبوعية. هجوم خلف 12 قتيلا بينهم شرطيان و4 من أشهرالرسامين في فرنسا هم، شارب، مدير النشر بالصحيفة، وكابو، وولونيسكي، وتانجوس.. هجوم أصاب فرنسا بجرح غائر في قلب هويتها الثقافية، فرنسا التي طالما كانت رمزاً للتمرد وحرية التعبير، هجوم لم يقع بتلك الكثافة وبهذه القسوة علي مدار العشرين عاماً الماضية، حتي أن صحيفة لوموند اليومية وصفت ما حدث بأنه 11 سبتمبر فرنسية. استهداف رسامي شارلي إبدو كان متوقعاً، إذ إن الصحيفة الأسبوعية اعتادت رسم صور اعتبرها كثيرون مسيئة للإسلام ولنبيه محمد (ص). الهجمات من هذا النوع، التي ينفذها (إرهابيو المنزل) أي أولئك الذين تربوا وتلقوا تعليمهم في فرنسا، بدأت بخالد كيلكال عام 1995 حيث تسبب في مقتل 8 أشخاص وإصابة 148 وذلك في عدة هجمات عشوائية بقنابل وتفجيرات عن بعد، وفي عام 2012 قتل محمد مراح 7 أشخاص وأصاب 6، وكان من بين السبعة 3 شرطيين و4 يهود في هجوم علي معبد يهودي بمدينة تولوز. وفي 24 مايو 2014 نفذ شخص من أصول مغاربية اسمه مهدي نيموش الإعدام بحق 4 أشخاص بمعبد يهودي بالعاصمة البلجيكية بروكسل، واليوم الأخوان سعيد وشريف كواشي المتهمان الرئيسيان في مجزرة شارلي إبدو التي راح ضحيتها 12 شخصاً، والجدير بالملاحظة هنا أن 3 فئات دوماً مستهدفة في كل الحوادث سالفة الذكر: رجال جيش وشرطة (دائما بينهم مسلمون)، صحفيون، ويهود. ما هي السمات المشتركة لتلك الأفعال؟ يمكن أن نرسم بورتريهات «لإرهابيي المنزل»: جميعهم تقريباً من أرباب السوابق الذين أمضوا عقوبات سجن بسبب السرقة، وجميعهم تقريباً وُلدوا دينياً من جديد واعتنقوا الفكر الجهادي علي يد شيخ ما أو من خلال قراءتهم علي الإنترنت أو من خلال أصدقاء جهاديين، كما أن جميعهم سبق له زيارة إحدي دول الشرق الأوسط أو دولة بها حرب مثل: أفغانستان، باكستان، العراق، وسوريا.. 4 سمات رئيسية إذاً: الجريمة والسجن وخوض تجربة الحرب واعتناق الإسلام الراديكالي. يتميزون ذاتياً بكراهية المجتمع والانعزال عنه، حيث يقيمون دائماً في الضواحي ويعتنقون الفكر المضاد لغالبية المجتمع، سواء كانوا فرنسيين أباً عن جد أو فرنسيين من أصول مغاربية. إقامة هؤلاء منعزلين في الضواحي أشبه ما تكون بالعيش في جيتو، يتحول إلي سجن داخلي بمرور الوقت، والسبيل الوحيد للخروج من ذلك السجن هو تحويل نظرة احتقار وكراهية الآخرين لهم إلي نظرة خوف منهم. وهم يسعون في المقام الأول إلي وصم تمردهم بأفعال سلبية بدلاً من التنديد بما يتعرضون له من عنصرية، علماً بأن كثير من أقرانهم تمكن بالعمل والمثابرة من اللحاق بالطبقة المتوسطة والاندماج في المجتمع، وعند أولئك الذين يتعرضون للإيذاء والتهميش بقسوة تتحول الكراهية إلي المفاخرة بارتكاب الجريمة بحق المجتمع، أو إلي جهادي يعطي لغضبه ولأفعاله صفة القداسة. يتحول الفرد إلي الانسلاخ من هوية المجتمع الذي يعيش فيه، ويصبح في قطيعة كاملة معه ويراه بالكامل مذنباً، قبل أن يتبني مصطلحات من نوعية: زنديق، أثيم، والموت شهيداً من أجل قضية، حتي وإن وجد الشخص صعوبة في اعتناق عادات وتقاليد المجتمع الجهادي الذي يعتنق أفكاره. أهم ما يمنحه إياه الفكر الجهادي صفة المجاهد من أجل عقيدة وأنه فارسها المغوار المدافع عنها.. إنه يقتل وينشر الرعب ويستمد الفخر من اقتحامه إحدي وسائل الإعلام ليخرج من مرحلة كونه مغموراً وتافهاً إلي مرحلة يعرفه فيها الناس، لقد استبدل هؤلاء القوم من الموت بالتخويف بالموت وهو ما يكسبهم شعوراً بأنهم الأعلي. ومع اندلاع الحرب الأهلية السورية علي نطاق واسع مطلع عام 2012 وبالتوازي مع ذلك النموذج المنحدر من طبقة مهمشة، ظهر نموذج آخر من الطبقة المتوسطة في فرنسا ومن أصول فرنسية خالصة، ومن خلفيات دينية متعددة فمنهم المسيحيون واليهود والبوذيون، والأغرب أن منهم فتيات من الطبقة البرجوازية، راقت لهم جميعاً فكرة السفر إلي سوريا والالتحاق بصفوف التنظيمات الإسلامية الراديكالية التي تسعي للإطاحة بنظام حكم الرئيس بشار الأسد. دافع هؤلاء الشباب هو خلق نموذج مضاد لشباب مايو 1968 الذين ثاروا علي الإصلاحات السياسية للرئيس الراحل شارل ديجول، وكانوا يريدون العيش بفوضوية والإغراق في العدمية مع رفض السلطة البابوية الممثلة في الدولة والتي تفرض قيوداً وتدرجاً سلطوياً لا لزوم له من وجهة نظر هؤلاء الشباب، أما الشباب المعجب بداعش فيري أنه يعيش حياة بلا معني والمرأة تأخذ مكان الرجل فهؤلاء أيضاً يفرضون قيوداً يفرضها عليهم مجتمعهم ويرونها لا لزوم لها، كما أنهم يعشقون فكرة الإغراق في الملذات لا سيما الجنسية وهو ما يوفره لهم تنظيم داعش. والسؤال الآن ما هو مصير 10 ملايين مسلم معظمهم من أصول عربية يقيمون في فرنسا تحديدًا؟ الإجابة يمكن أن نستشفها من الفوز الكاسح لحزب الجبهة الوطنية بزعامة ماريلوبان (شقيقة جان ماريلوبان) بانتخابات مجلس النواب الأوروبي، وهو ينذر بإمكانية فوز لوبان بانتخابات الرئاسة الفرنسية المزمع إجراؤها عام 2017، ويتبني حزب لوبان شعار "فرنسا للفرنسيين" داعيًا طرد كل من هو ليس من أصول فرنسية، وكان جان ماريلوبان أطلق تصريحًا شهيرًا عن منتخب فرنسا الذي فاز بكأس العالم عام 1998 واحتل المركز الثاني في بطولة 2006، حينما قال إن المنتخب الذي يلعب فيه زين الدين زيدان وتيري هنري وهيلمان ماكاليلي، لا يمثل فرنسا. (آخر ساعة) تحدثت لكارين لاجون وهي رئيس قسم الشئون الخارجية بصحيفة لوجورنال دي ديمانش الأسبوعية، التي غطت الحرب بالعراقوأفغانستان، وأكدت أنها ستصوت لساركوزي بانتخابات الرئاسة في 2017، علماً بأنها يسارية قلباً وقالباً وصوتت لفرانسوا أولاند في الانتخابات السابقة، ولكنها ستصوت لساركوزي لأنها تعلم أن التنافس لن يخرج عن اليمين واليمين المتشدد. الأخوان سعيد وشريف كواشي البالغان من العمر 34 و32 عاماً علي الترتيب، ولدا في المقاطعة التاسعة عشرة بالعاصمة باريس، في 7 سبتمبر 1980، و29 نوفمبر 1982، ولهما أخ وأخت أصغر منهما، وتوفي والدهما عام 1994، فتم وضعهم جميعاً في دار رعاية أيتام حتي عام 2000، وفيها حصل سعيد علي ديبلومة في السياحة والفنادق أما شريف فحصل علي شهادة في التربية الرياضية. وكان شريف معروفاً بعدائيته الشديدة وكراهيته لليهود وتم القبض عليه في عدة وقائع تتعلق بسرقة محلات اليهود في حي «بوت-شومون» بباريس، كما دخل السجن في قضايا مخدرات وتهريب. كان شريف كواشي، الملقب بأبو إيسن، يتدرب يومياً تدريبات بدنية شاقة علي مدار عامين، كما تلقي دورات خاصة في إطلاق النار من أحد المجاهدين الذي شارك في حرب أفغانستان، وفي عام 2005، بينما كان في مطار أورلي بباريس يستعد للسفر إلي سوريا ومنها للعراق، اشتبهت به سلطات المطار وفي التحقيق انهار واعترف بكل شيء فتم إيداعه المعتقل في الفترة من يناير 2005 إلي أكتوبر 2006 وفي المعتقل تعرف بجمال بقال الملقب بأبو حمزة والذي كان يقضي عقوبة السجن منذ 2001 بتهمة التخطيط لتفجير السفارة الأمريكيةبباريس، وكان بقال اعترف أنه سافر إلي أفغانستان وتدرب هناك والتقي بن لادن شخصياً، وبعد خروج شريف كواشي من المعتقل ظل محتفظاً بعلاقاته مع أعضاء خلية «بوت -شومون». وفي مارس 2008 تم تقديم أعضاء الخلية للمحاكمة مرة أخري، وكان من بين الأسماء الماثلة أمام القضاء: تامر بوشناق، ومحمد العيوني، وأبو بكر الحكيم، وشريف كواشي، وتم الحكم علي الأخير بالسجن 3 سنوات، منها 18 شهراً مع إيقاف التنفيذ، فخرج لأن فترة حبسه الاحتياطي كانت تغطي مدة الحبس المقررة. عقب خروجه من السجن مباشرة تزوج شريف كواشي من فتاة فرنسية ارتدت النقاب وتركت عملها لتستقر بمنزل الزوجية، وفي نوفمبر 2008، توجه شريف مع زوجته إلي مكةالمكرمة لأداء فريضة الحج. اختفي الأخ الأكبر سعيد كواشي عن الأنظار لسبب غير معلوم، وفي أبريل عام 2010 رصد الأمن الداخلي زيارة قام بها شريف كواشي لجمال بقال في مقر إقامته الجبرية، حيث كانت السلطات أطلقت سراحه قبل انتهاء مدة العقوبة بعامين، وفي مايو 2010 وجهت السلطات لشريف كواشي تهمة المشاركة في التخطيط لتهريب إسماعيل عيط علي بلقاسم وهو فرنسي من أصل جزائري أيضاً كان محكوماً عليه بالسجن مدي الحياة لمشاركته في أعمال إرهابية عام 1995، وفي 26 يوليو 2013 أفرجت النيابة العامة عن شريف كواشي لعدم كفاية الأدلة، ومنذ 2013 لم يسمع أحد شيئا عن الأخوين كواشي حتي وقع الهجوم علي شارلي إبدو، وبعد الهجوم مباشرة كشف نائب عام باريس فرانسوا مولان عن أن أحد الأخوين أو كليهما سافر لليمن عام 2011، وهناك صقل مهاراته القتالية وشارك في معارك لتنظيم القاعدة بجزيرة العرب بمدينة آبين، كما أفاد مولان بأن أمدي كوليبالي، الفرنسي ذا الأصول الأفريقية، الذي احتجز رهائن بمطعم يهودي شرق باريس قبل أن تصفيه الشرطة الفرنسية، نفذ عمليته بالتنسيق مع الأخوين كواشي.