بدأ العد التنازلي لانتخابات مجلس النواب الاستحقاق الثالث لخارطة المستقبل وهذا المجلس سيكون له «شكل تاني» غير كل البرلمانات التي شهدتها مصر منذ قيام ثورة 23 يوليو، بعد تحول مصر من النظام الملكي إلي النظام الجمهوري.. حيث يتمتع بصلاحيات تفوق بكثير كل البرلمانات السابقة، بل وتفوق صلاحيات رئيس الجمهورية، ولذلك فإن الدقة في اختيار النواب سيتوقف عليها شكل مستقبل مصر خلال السنوات القادمة. ولا أبالغ إذا قلت إن عملية الاختيار هذه المرة ستكون في غاية الصعوبة لعدة أسباب منها: مازلنا نعاني من توابع ثورتي 25 يناير - 30 يونيو ولم تتبلور أمام الشعب أي قوي سياسية يمكن أن نتنبأ بحصولها علي الأغلبية، ويمكنها إدارة دفة العمل السياسي والبرلماني. رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسي اختار ألا يكون له ظهير سياسي، واكتفي بظهيره الشعبي الجارف. الشعب اكتوي بنار حزبين كانا لهما الأغلبية والخبرة في البرلمانات السابقة (الوطني المنحل) والإخوان عندما كانت محظورة، والحرية والعدالة الذي أصبح محلولا، وسيحاول أعضاء المحلولين (فلول وإخوان) أن يتسللوا إلي البرلمان من جديد أو الدفع بأحد العناصر الموالية لهم دون أن يحمل شعار أي منهما، وسيستخدمان كل الألاعيب الانتخابية المشروعة وغير المشروعة. جميع الأحزاب الموجودة حاليا هشة لاتوجد لديها قاعدة شعبية، أو موالون حقيقيون يمكن الاعتماد عليهم لإدارة المعركة الانتخابية. عدم وجود نص في الدستور أو القانون يمنع أيا من أعضاء الحزبين المحلولين من خوض الانتخابات ودخول البرلمان. ارتفاع تكاليف الدعاية الانتخابية، مما يجعلها عائقا أمام الشباب الذين لابد أن يكون لهم مكان في برلمان الثورة، لأنهم هم من فجروها، وحملوا أكفانهم علي أيديهم في بدايتها. فشل كل محاولات لم الشمل السياسي، والوصول إلي قائمة موحدة، تجعل من الأحزاب الهشة كيانا كبيرا من خلال الدمج والعمل المشترك. زيادة نسبة الأمية، والفقر، والعوز، والطيبة، وحسن النية بين الناخبين. كل هذه العوامل مجتمعة تجعل الطريق ممهدا ومفروشا بالورود أمام الفلول أكثرهم رجال أعمال وأصحاب ثروات والإخوان تمولهم تركيا وقطر وأمريكا لدخول البرلمان، ليسيطروا مرة أخري علي مجلس النواب كما فعلوا من قبل طوال السنوات الماضية قبل ثورة 52 يناير، حتي إذا كانت أغلبية الشعب ترفضهم، وثاروا عليهم وأسقطوا نظام «الوطني» في 52 يناير، ونظام «الإخوان» في 03 يونيو.
هذه ليست نظرة تشاؤمية، ولكنها للأسف نظرة واقعية يجب أن ننتبه لعواقبها، ونحسبها صح قبل أن نقع في خية النظامين البائدين مرة أخري إذا ما استوليا علي البرلمان. ومن هنا يأتي دور الإعلام الوطني الشريف غير الممول من رجال أعمال يوجهون الدفة لمصالحهم الشخصية، وأقترح إعلان مبادرة لتكوين تكتل إعلامي تشكل من خلاله لجنة توعية تكون مهمتها: وضع قائمة سوداء بأعضاء «الوطني» و«الحرية والعدالة» المحلولين وإعلانها في الدوائر التي يخوضون الانتخابات فيها. التعاون مع لجان شعبية محايدة لرصد أي محاولة تمويل لأي مرشح من هاتين الجهتين. تقسيم دوائر مصر بين وسائل الإعلام لتقوم كل وسيلة «صحيفة أو فضائية أو موقع إلكتروني» بتغطية عدد محدد من الدوائر علي مدار ال42 ساعة بحيادية ونزاهة، وعمل مناظرات بين المرشحين ومنح كافة المرشحين مساحات زمنية أو تحريرية متساوية، لإفراز الأفضل والأصلح. عمل بحث ميداني عن كل مرشح في نطاق الدائرة التي تتولي الوسيلة الإعلامية تغطيتها، وكشف حقيقته كاملة أمام الناخبين سلبية كانت أم إيجابية. التقدم للجنة العليا للانتخابات لمراقبة عملية الاقتراع والفرز وإعلان النتيجة في اللجان التابعة للدائرة التي تتولاها كل وسيلة. خلق نوع من التنافس بين الدوائر علي اختيار النائب الأفضل، ومن يمثلها تحت قبة البرلمان، وتحويل التنافس من تنافس بين المرشحين إلي تنافس بين الدوائر. وإذا ماتم ذلك علي أكمل وجه سيكون من نتائجه المباشرة، وصول نواب أكفاء إلي البرلمان، ونتائجه غير المباشرة، فضح وكشف وسائل الإعلام المأجورة التي لاتسعي للمصلحة العامة، ووقتها سيلفظها القارئ والمشاهد والمتابع من تلقاء نفسه دون الحاجة لقانون لمعاقبتها. ولابد أن يبدأ التنسيق بين وسائل الإعلام من الآن ولنعتبر المعركة الانتخابية البرلمانية حربا ضد الفساد السياسي والأخلاقي والمالي والإعلامي وكل أشكال الفساد، وحتي يضطلع الإعلام بدوره الحقيقي في التنوير وخدمة المجتمع. ليس أمامنا طريق سوي أن نتكتل ونصبح يداً واحدة تضرب الفاسدين والمفسدين بقوة ولا ننتظر حتي يصدر قانون لإقصاء أحد. لم يعد في مصر إعلام موجه، فكل الصحف القومية التي أشرف بالانتماء والانتساب لها وبعض الصحف والقنوات الفضائية الخاصة لا يوجهها أحد، ولا يملي أحد عليها ما تكتبه أو تذيعه أو تبثه، ولا تحركنا سوي ضمائرنا وخشية الله ومصلحة الوطن وهذه فرصة تاريخية أمامنا جميعا كإعلاميين أن نتبني وننفذ هذه المبادرة، ولنكن كما أطلق علينا الرئيس الشهيد أنور السادات أعضاء السلطة الرابعة حتي ولو لم ينص الدستور الجديد علي ذلك. تعالوا نحمي ثورتنا، وشرف مهنتنا، وبلدنا من الفلول والإخوان، وننتصر للشعب والوطن. إذا لم ينجح الشعب في الاختيار الأفضل لنواب البرلمان، فستضيع الثورتان هباء. آخر كلمة لا تقل يارب إن عندي هماً كبيراً، بل قل يا هم إن عندي رباً كبيراً. إذا ما واجهت همومك بهذا المنطق، ستتخطي الصعاب، وتتجاوز المآسي، وتدوس علي العقبات. فكلٌ ميسر لما خُلق له، ولم يكلف الله نفساً إلا وسعها، فثق أن ما تواجهه من مشاكل أنت قادر عليه بإذن الله.. فلا تشغل بالك، لا بقلة الرزق، ولا بزيادة المشاكل، ولا بأي شيء.. فقط اعقلها وتوكل. قل يارب. والله المستعان .