اذا زرت أجمل مدن تركيا إسطانبول وقصدت أكبر متاحفها (قصر طوب كابي) فستجد جناحا كاملا مستقلا اسمه «الأمانات المقدسة» ويحتضن بعض مقتنيات رسول الله [ وصحابته الكرام، ولابد أن تدفع رسوما محددة لقاء هذه الزيارة. وعندنا في مصر في مسجد الإمام الحسين غرفة للآثار النبوية الشريفة تفوح منها روائح العطر الذكية لسيف الرسول [ وثيابه، وشعره، ومكحلته، وعصاه.. ورغم قدسية المكانين، فإن الحكومة التركية استثمرته لجذب السياح والدفع بالدولار بينما لايعيره الدكتور مختار جمعة وزير الأوقاف أي اهتمام، بل يتم فتح هذه الغرفة المقدسة بأمر كتابي منه لكبار الزوار وبدون أي مقابل ببلاش ويحرم باقي الجماهير المُحبة لرسول الله [ من مشاهدة آثاره الخالدة! السيف والبردة والعصا والمكحلة أبرز آثاره الكريمة في القاهرة كل مسلم فينا يعاوده الحنين لزيارة مقام حضرة رسول الله [ بالمدينةالمنورة حين يزور الأراضي المقدسة سواء للحج أو العمرة، بل ويسعي شوقا لرؤية مقتنيات النبي [ وآثاره الخالدة في أي مكان يزوره في العالم، وأكبر بلدين يحتضنان هذا التراث الشريف من حيث العدد هما تركيا.. ومصر.. من مكةوالمدينة وقبل أن أخوض في تفاصيل هذه الرحلة الممتعة لابد من الإجابة علي سؤال محدد: كيف وصلت هذه المقتنيات الشريفة من مكةالمكرمةوالمدينةالمنورة حيث أقام [ دولته إلي اسطانبول أو القاهرة؟ تقول المصادر التركية إنه عندما تولي السلطان سليم الأول الدولة العثمانية في أوائل القرن السادس عشر الميلادي (2151 0251) كانت في الشرق الأدني ثلاث دول إسلامية كبري هي الدولة العثمانية في آسيا الصغري، والصفوية في إيران والعراق، والمملوكية في مصر وسوريا والحجاز.. ومالبثت أن قامت الخلافات والمنازعات بين الدول الثلاث، واندلعت الحرب بين الدولة العثمانية من جانب، والدولتين الصفوية والمملوكية من الجانب الأخر حتي استولي العثمانيون علي الشام ومصر والحجاز وسائر البلاد العربية.. وهكذا أصبحت الدولة العثمانية هي دولة الإسلام الكبري التي تحمي وتخدم الحرمين الشريفين والحرم القدسي (المسجد الأقصي وقبة الصخرة) وانتقلت خلافة المسلمين إلي السلطان سليم الأول، وأصبحت اسطانبول أو الأستانة أو القسطنطينية عاصمة الخلافة، فبعث شريف مكة «الحسن» يحمل إلي السلطان ماكان بالمدينةومكة من المقتنيات الخاصة بسيدنا رسول الله [ اعترافا منه بالخلافة! إلي السلطان سليم كما جمع الأتراك من البلاد العربية الآثار الدينية والتاريخية وبعثوا بها إلي السلطان سليم في مصر بعد فتحها وكان يحكمها قبل ذلك الخليفة العباسي المتوكل، ثم نقلها سليم إلي اسطانبول، وإن ظل بعضها في مصر.. وحاليا يحتفظ قصر «طوب كابي» في جناح الأمانات المقدسة ب 506 قطع تخص سيدنا الرسول [ وآله وصحابته الكرام، وقد تم إنشاء جناح الأمانات المقدسة بين عامي 4741 8741م بأمر من السلطان سليم الأول، وكان هذا الجناح يطلق عليه سابقا اسم «الغرفة الخاصة» حيث كان السلطان يقوم بإدارة الشئون الخاصة بالدولة ويستقبل الزوار ويتقبل البيعات، وظل الأمر كذلك حتي تحول «طوب كابي» إلي متحف وعرضت هذه المجموعة متحفيا سنة 8291 9291. داخل طوب كابي وحتي تزور هذا القصر والمتحف في اسطانبول، فإن المسافة يقطعها التاكسي من وسط المدينة (ميدان تكسيم) إليه في حوالي نصف ساعة، وحتي تدرك مدي ذكاء وحرص الحكومة التركية علي استثمار هذا المكان اقتصاديا فإنك لابد أن تدفع تذكرة دخول لقصر «طوب كابي» واسمه أيضا «توب» كابي ومعناه بالعربية باب قصر السلاح، قيمتها بالليرة التركية تعادل 51 دولارا لتشاهد أرجاء قصر الحكم وكيف كانت حياة السلاطين السالفة بأثاثهم وملابسهم وأسلحتهم ومقتنياتهم الثمينة الباهظة! أما لكي تزور الأمانات المقدسة النبوية الشريفة في الجناح الخاص فيجب أن تدفع تذكرة أخري «ممغنطة» بنفس الثمن عبر بوابة إلكترونية، وتخيل كم تجني تركيا من العملات الصعبة عبر ملايين السياح التي تزور اسطانبول (في حدود 03 مليون سائح سنويا) ومن هذا العدد نسبة كبيرة من المسلمين في العالم تحرص علي مشاهدة هذا التراث الشريف داخل هذا القصر! مقتنيات رسول الله [ وتحتضن الأمانات المقدسة من مقتنيات سيدنا رسول الله [ سيفين، بردة، شعرات للرسول [ مجموعة في حافظة زجاجية واحدة من «الكريستال» وأثر قدم لسيدنا ومولانا رسول الله [ في الحجر، وكان معروفا أن رسول الله [ كانت تظهر آثار أقدامه الشريفة علي الحجر، ولم تكن تظهر في الرمل أو التراب، ويقال إن هذا الأثر لقدم المصطفي اليمني جاء به واحد من قوات الجيش التركي في عهد السلطان عبدالحميد سنة 7481م من ليبيا حيث كان قد نقل إليها! وتري أيضا مفتاح الكعبة وقفلا كان علي باب الكعبة المشرفة وليس مفتاح بني شيبة الذي أمر الرسول الكريم ببقائه في حوزتهم، وهو مصنوع من الفضة، ومحفظة كانت علي الحجر الأسود من الذهب الخالص وتزن حوالي خمسة عشر كيلو جراما، وخاتما منسوبا لسيدنا رسول الله [ مصنوعا من حجر العقيق وهو بيضاوي الشكل وردي اللون يشبه فص الخاتم الكبير، وحفرت عليه «محمد رسول الله». كذلك يمكن للسائح مشاهدة رسالة النبي [ إلي المقوقس، عثر عليها عالم الآثار الفرنسي بار تلبي BAR THLEBY أثناء رحلته في مصر عام 0581م، وكانت الرسالة مكتوبة علي جلد وملصقة علي غلاف إنجيل قبطي قديم، وقد حملها العالم الفرنسي معه إلي «القسطنطينية» وسلمها للسلطان عبدالحميد الذي أمر بحفظها داخل إطار من الذهب، ثم نعلين شريفين لرسول الله [ مصنوعين من الجلد الأسود! وهكذا رأينا الاستثمار التركي للترويج للسياحة الدينية بالنسبة لعرض مقتنيات رسول الله [ أمام السائحين واجتذاب ملايين الدولارات يوميا. ماذا فعلنا في مصر؟ أما الآن فتعالوا نستعرض التجربة المصرية في التعامل مع الآثار النبوية الشريفة: فقد حصلت علي إذن خاص من العالم الجليل الدكتور محمود حمدي زقزوق (وزير الأوقاف الأسبق) لزيارة حجرة المقتنيات النبوية الشريفة المغلقة بمسجد الإمام الحسين ] والتي لا تفتح عادة إلا لكبار الضيوف والشخصيات والملوك والرؤساء والأمراء الذين يزورون مصر. هذه الحجرة لايفصلها عن مقام المشهد الحسيني والضريح سوي جدار، وبمجرد أن أدار حامل المفتاح «الكالون» ذي الطراز القديم وكان ذلك في حراسة أمنية مشددة وانفتح الباب حتي فاحت رائحة ذكية لم أشمها داخل كبري ديار العطور في العالم رغم أنهم لايرشون الحجرة بأي عطر طوال العام! داخل الغرفة النبوية وقع بصري في الجانب الأيمن من الحجرة علي ذلك الدولاب الحائطي الطويل العتيق يتوسطها ويزينها، وقد احتضن تلك الآثار النبوية النادرة والخالدة، والتي تتمثل في بعض بقايا ماكان سيدنا رسول الله [ يستخدمه في حياته اليومية كالمرود والمكحلة وقميص، كما تضم بعض شعيرات رأسه الشريفة، وجزءا من العصا التي كان يتكئ عليها. بالإضافة إلي سيفه العضب، وكذلك مصحف منسوب للإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ومصحف سيدنا عثمان بن عفان الضخم.. تملكني شعور من الرهبة، وقد اختلط بالفخر الجميل أن تكون القاهرة حافظة لجزء من هذه المقتنيات الثمينة النادرة الوجود، فكلنا كمصريين قد نكون أكثر من جيراننا في المنطقة العربية والإسلامية حبا لسيدنا رسول الله [ وآل بيته الأطهار الأخيار، بل وعشقنا اللامحدود لكل أثر يذكرنا بسيرته الطاهرة، وما أعظم أن تتذكر النفس المسلمة أمجاد العصر المحمدي، وتتطلع إلي مواطن عزه، وتعيش في ذكراه.. ذكري حلول المولد النبوي الشريف، وعلي أنواره وأمجاده.. وأول ماتشرفت به يداي من لمس هذه الآثار النبوية النادرة هو سيف رسول الله [ واسمه: العضب الذي أهدي إليه من الصحابي سعد بن عبادة وآل إلي الإمام علي كرم الله وجهه بعد رحيله إلي الرفيق الأعلي.. وغادرت الغرفة النبوية وأنا أحس بسعادة غامرة تعادل فرحتي يوم أسعدني الله مرتين بدخول الكعبة المشرفة.. للأسف الشديد ثروة نادرة مهدرة، ولم تكن محل اهتمام الحكومة الحالية، ولم يفكر وزير الأوقاف الحالي محمد مختار جمعة يوما في استثمارها منذ تولي مسئوليته، وعرضها للجمهور المصري وكذلك لجذب السياحة الدينية لبلادنا، فهذه الحجرة الشريفة لايتم فتحها إطلاقا إلا لكبار الزوار وبالمجان، وكان آخرها يوم فتحها الوزير في مارس الماضي مجاملة لرئيسه المهندس إبراهيم محلب (رئيس الوزراء) يوم زيارته المفاجئة للمشهد الحسيني ]!.