ضفاف النيل في القصر ذي الطراز المعماري الفريد الذي تمتلكه السفارة العراقية في القاهرة استقبلتنا سهاد الدباس حرم السفير العراقيبالقاهرة ضياء الدباس في "تراس" القصر المطل علي النيل في ضاحية "الزمالك".. كأن ابنة حضارة الرافدين أرادت أن تعرفنا وهي تشير بيدها نحوه "أجمل ما عشقته في مصر.. النيل". قبل أن ننطلق في حديثنا أو نبدأ بتناول القهوة العربي المميزة اصطحبتنا سهاد في جولة لنتعرف علي ما يحتويه القصر من تراث.. تلك اللوحة الفنية العراقية التي وضع لمساتها فنانون عراقيون أتت بهم السفارة العراقية بعد إعادة فتحها عام 2009. وبالتعاون مع فنانين مصريين بارعين في نقش الخشب.. تحوَل القصر الذي صممه المهندس الإيطالي "جيرالدينو" عام 1927 واشترته السفارة العراقية من أحد أبناء الملك فؤاد عام 1942 إلي قطعة من بغداد بتراثها العباسي الفريد.. تصفه حرم السفير بأنه بيت العراق المفتوح لكل العراقيين من أبناء الجالية بمصر والوفود القادمة من سياسيين ومثقفين وفنانين وأدباء. بداية وقفت أمام الأبواب الخشبية للقاعة العباسية تقول: "أجمل ما أعجبني في هذا القصر الذي انتقلت إليه مع زوجي منذ فترة قصيرة تلك الأبيات الشعرية المحفورة علي هذه الأبواب: "بغداد ما أشتبكت عليك الأعصر/ إلا زوت ووريق عمرك أخضر/ مرت بك الدنيا وصبحك مشمس/ ودجت عليك ووجه ليلك مقمر". اغرورقت عيناها بالدموع، وشعرت بلحظة ذكريات يملؤها الشجن. انتقلنا لمكان آخر ، كان الزهو والفخر يملأ صوتها وهي تشير إلي صورة الملكة "شبعاد" التي حكمت وادي الرافدين في زمن الحضارة السومرية وهو اسم يقترن بالقيثارة الذهبية.. وقالت: "هذه الملكة قادت جيوشا وحروبا". تابعت: المرأة العراقية قوية علي مر العصور.. كم من المحن والمعارك مرت بالعراق.. من الذي حافظ علي البيت؟.. وتكمل: "أول وزيرة بالشرق الأوسط كانت عراقية وهي الوزيرة نزيهة الدليمي عام 1958.. وأول سفيرة في الوطن العربي كانت أيضا عراقية أُوفدت إلي أنقرة عام 1935. سهاد الدباس زوجة سفير تقوم بكل الأنشطة الاجتماعية والثقافية والخيرية من خلال عضويتها في أكثر من رابطة ومنظمة منها منظمة (Womenassaciation) التي تضم زوجات السفراء وسيدات المجتمع المصري وبعض الأجانب وتقوم بنشاط ثقافي وخيري لمساعدة الفقراء والأيتام.. أيضا رابطة الدبلوماسية المصرية وتضم زوجات السفراء المصريين.. ولجنة نساء السفراء التي تضم فقط زوجات السفراء العرب والأجانب.. التي تحرص من خلالها علي التعريف بالحضارة العراقية للآخرين من تاريخ وفن وتراث حتي الأكلات العراقية. تقول: "أنا فخورة أن أخدم بلدي وأقوم بهذا الدور من خلال وجودي بالقاهرة". لا تخلو حفلات الاستقبال التي تقيمها من الأكلات العراقية الشهيرة التي تحرص علي إعدادها بنفسها، مثل الدولمة وكبة الحامض والبرياني والسمك المسجوف.. التي تقدَمها لضيوفها علي أنغام الموسيقي العراقية المميزة.. وأنشطة كثيرة تقول إنها تفوق في الجهد المطلوب لها ما يبذله زوجها الذي يتفرغ لعمله السياسي فقط. ولم يكن مستغربا علي المرأة التي ولدت وعاشت بين أحضان خمس حضارات مرت بالعراق هي "حضارة وادي الرافدين والبابلية والسومرية والآكدية والآشورية".. وسكنت منذ طفولتها بجوار مرقد "الإمام الكاظم"، وتنقلت بين "العتبات المقدسة" في كربلاء بالنجف الأشرف ومزارات أربيل الشهيرة وغيرها من الآثار الممتدة في أرجاء العراق.. لم يكن غريبا أن ترتبط حين وطأت أرض الكنانة بالقاهرة الفاطمية التي عثرت فيها علي الروح المصرية.. كما تقول: "كل العادات والتقاليد حتي أفراح المصريين وأحزانهم وجدتها تتمركز بجوار سيدنا الحسين.. دائما أنا في خان الخليلي.. زرت بيت السحيمي وزينب خاتون.. ولا يمر أسبوعان إلا وأزور السيدة نفيسة والسيدة زينب والإمام الشافعي وسكة السيدة فاطمة النبوية". حدثتني عن كشري "أبو طارق" وعربة الفول الشهيرة في حي الزمالك.. وكم أحبت "الحمام المحشي" و"أم علي"و"الأرز باللبن" وكلها أكلات مصرية غير معروفة في المطبخ العراقي.، كما تعتز بمشاركتها مع أبنائها للمصريين في ثورة 30 يونيو وتقول: "أنتم شعب غيَر وأنجز"، وتضيف: "زرت قناة السويس الجديدة وبكيت إعجاباً حين رأيت المصريين يعملون بهذا الحماس". فاجأتني إجابتها عندما سألتها عن المشهد الذي يملؤها ثقة في صمود العراق ويمنحها الأمل أن كل هذه المحن إلي زوال حين قالت: "كلما أنظر إلي النخلة العراقية بشموخها أطمئن أن العراق راجع بعون الله".