علاقاتهما القوية سياسياً واقتصادياً والأطماع المشتركة بينهما بالشرق الأوسط، إلا أنه عندما اختلفت المصالح وتباينت الأولويات، سعت كل منهما لفضح الأخري وتوجيه الانتقادات وربما فرض عقوبات وتهييج المجتمع الدولي ضدها".. هكذا بات الوضع ظاهراً الآن بين الولاياتالمتحدةوتركيا. فعلي مر عقود، كانت أنقرة واحدة من أكثر حلفاء واشنطن مرونة، تتبع السياسة الأمريكية علي نحو موثوق به، إلا أن كلا منهما أكد في الفترة الأخيرة علي توجه جديد في المنطقة أنقرة ساحة لتدريب وعلاج وتمويل عناصر التنظيم الإرهابي تفجر التغيير الذي طرأ علي السياسة الأمريكية تجاه الحكومة التركية بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان علي الصعيد العلني الأسبوع الماضي، بعد الانتقاد شديد اللهجة الذي وجهه البيت الأبيض للسلطات التركية، بسبب عملية الاعتقالات التي طالت عدداً من الشخصيات الإعلامية المعارضة لأردوغان، هذا بجانب إصدار القضاء التركي مذكرة توقيف بحق الداعية "فتح الله جولن" خصم الرئيس التركي، الذي يعيش في المنفي في الولاياتالمتحدة منذ 1999 بعد اتهامه بقيادة "منظمة إرهابية"، وتتهم السلطات "جولن" الحليف السابق للنظام التركي بالتآمر سراً لإسقاطها. وقالت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية "جين بساكي" إن واشنطن تتابع بقلق شديد التقارير حول المداهمات والاعتقالات. وأضافت "ندعو السلطات التركية- بوصفنا صديقاً وحليفاً - إلي عدم انتهاك حرية الإعلام والاستقلال القضائي، أسس الديموقراطية بالبلاد". وتأتي هذه العملية بعد يومين علي إعلان أردوغان تنفيذ عملية جديدة ضد "قوي الشر" التي يتهم "جولن" بتحريكها، كما يتهمه بأنه نسق العام الماضي إطلاق التحقيق حول الفساد ضد أفراد من المقربين منه. وإثر ذلك نقلت العديد من وسائل الإعلام الأمريكية والبريطانية، مطالب ساسة وخبراء استراتيجيين إلي واشنطن وحلفائها بضرورة إعادة تقييم العلاقات مع تركيا، وعلي رأسهم المحلل السياسي "ميشيل ويرز" عضو مركز "التقدم الأمريكي بواشنطن"، قائلاً: "إن تركيا تسلك طريق الاستبداد، فخلال الفترة الأخيرة، مارس حزب العدالة والتنمية إجراءات قمعية سيطر بها علي الجهاز القضائي ومضايقات سياسية واعتقال إعلاميين. وأضاف أن سياساتها أبعدتها عن الغرب والاتحاد الأوروبي، وطالب بضرورة الشد عليها أو إعطائها إشارة بأن وزنها كعضو في الحلف الغربي بدأ يتناقص بسرعة. وقال يجب علي الإدارة الأمريكية أن تهدد بطرد أو تعليق تركيا من حلف شمال الأطلسي "الناتو" مما يساعد علي عودة أردوغان إلي رشده. فيما أوضح "جوناثان سكانزير"، نائب رئيس الأبحاث في مؤسسة "الدفاع عن الديمقراطيات"، أن تركيا في ظل حزب العدالة والتنمية هي قضية خاسرة. ومن ناحية أخري، قال إنه لن يتم طرد تركيا من "الناتو" نظراً لموقعها الجيوستراتيجي علي الخريطة، وقالوا إن العلاقات الأمنية مع أنقرة ستظل قوية رغم الخلافات. فيما كتب "كينيث تيمرمان" الكاتب الصحفي المتخصص في شئون منطقة الشرق الأوسط، يتساءل في مقاله بعنوان "تركيا.. صديق أم عدو؟" بمجلة "فرونت بيج" الأمريكية. حيث أوضح أن ما يحدث مؤخراً من حكومة أردوغان لم يكن بالأمر الجديد، كما أن هناك ارتباطات ومصالح تجمع بين تركيا والغرب، وعندما تختلف المصالح من المؤكد سيحدث نوع من التوتر.. فكان هناك عمليات شد وجذب مع واشنطن وتسبب في توتر العلاقات والإدلاء بتصريحات غاضبة؛ حينما انزعج أردوغان من قرار البيت الأبيض إسقاط أسلحة جواً للقوات الكردية في سوريا في نفس اليوم الذي وصف الأكراد ب"أنهم إرهابيون يريدون عرقلة العلاقات بين واشنطنوأنقرة". وبصرف النظر عن مدي تأكيد المسؤولين علي الجانبين علناً علي وجود توافق، بسبب الخلافات في الاستراتيجية بشأن قتال تنظيم الدولة الإسلامية بالعراق والشام "داعش" ومصير بلدة عين العرب "كوباني" السورية الحدودية المحاصرة في توتر العلاقات بين واشنطن وحليفتها الإقليمية المهمة مما يزيد عزلة تركيا بصورة مستمرة. ونظراً لوجود علاقات تجمع بين النظام التركي وتنظيم الدولة الإسلامية وتعاملات سرية مع الجهاديين، هذا بجانب رفض أردوغان، السماح لطائرات التحالف الدولي باستخدام قاعدة "أنجيرليك" لقصف مقاتلي داعش. واستند "تيمرمان" بتحقيق أجرته مجلة "نيوزويك" بعنوان "الأكراد يتهمون الحكومة التركية بدعم داعش"، حيث أوضح استحالة عودة الثقة المفقودة بين تركيا والأكراد، نظراً لوجود تعاون بين قوات أردوغان ومقاتلي التنظيم، في "كوباني"؛ فهناك خلايا إرهابية صغيرة في المدن الجنوبية التركية تمد داعش بالأسلحة والذخائر عبر الحدود مع سوريا، وتلقي أعضاء التنظيم العلاج في المستشفيات التركية والعودة مجدداً للقتال. وتري المجلة أن أنقرة تلعب علي الجانبين وخاصة في سوريا؛ لأن الرئيس التركي بات ينتابه هاجس من تقوية شوكة الأكراد وتسليحهم من خلال الأسلحة المقدمة من دول التحالف الدولي لهم؛ وأن يتم إنشاء إقليم كردي في تركيا علي نمط كردستان العراق. لذا يريد أردوغان الضغط ومساومة الغرب لتتفادي أن تتحول الحرب ضد "الدولة الإسلامية" لصالح الأكراد، وتخسر هي مصالحها وأمنها الاستراتيجي. فهو يعلم أن موقفه سيضع أمام الب نتاجون عراقيل لوجستية علي الحملة العسكرية التي ستستغرق سنوات. وقال الكاتب الأمريكي إن الموقف التركي يكشف نهاية التحالف بين واشنطنوأنقرة، مضيفاً أن "أصعب ما في الأمر، هو كيف يمكن لتركيا عضو "الناتو" العمل ضد الحلف؟ فأنقرة لا تتصرف باعتبارها حليفة لأمريكا أو صديقا مقرباً للاتحاد الأوروبي، بعد تخليها عن ذلك منذ فترة طويلة، فهناك لقاءات علنية تجمع الحكومة التركية بجبهة النصرة السورية، المرتبطة بتنظيم القاعدة، وبغيرها من المنظمات الإرهابية. ورأي أن أردوغان يتعمد غض الطرف عن الجهاديين الأجانب، الذين يستخدمون أراضيها للعبور إلي الأراضي السورية. وكان أردوغان قد انتقد الاتحاد الأوروبي ومحذراً إياه من التدخل في شئون تركيا قائلاً: لا يهمنا ما يقوله الاتحاد الأوروبي وإن لم يوافقوا علي عضويتنا في الاتحاد فلا ضرر من ذلك". الأمر الذي استنكرته صحيفة "الإيكونوميست" البريطانية، واصفة إياه بإصابته بحالة من "جنون العظمة"، حيث إنه أدرج الاتحاد أيضاً ضمن قائمة من يرغبون في الإطاحة بحكومة حزب العدالة والتنمية مشيرة إلي أن حرية الصحافة في تركيا ماتت.