لا يكفي القول في تقييم نتائج قمة مجلس التعاون الخليجي الخامسة والثلاثين بالدوحة أن نذكر فقط عقد القمة في موعدها المحدد، حتي وإن كان هذا هو أهم إنجازاتها بعدما كادت الخصومة تفتك بالراوبط الخليجية.. باختصار ربما يكون العنوان الوحيد للقمة وهو «قمة لمّ الشمل» أو تتويج للمصالحة التي جرت عقب اتفاق الرياض التكميلي في نوفمبر الماضي، حتي وإن كان هذه المصالحة شكلية حتي الآن ولم تتم بلورتها في قرارات عملية. وبقراءة متأنية لجدول أعمال القمة والبيان الختامي لها يمكننا وصف قمة الدوحة بأنها قمة مواقف وليست قرارات.. حيث خرج البيان الختامي للقمة أشبه ببيان سياسي حول الأوضاع الإقليمية والدولية.. دون التطرق لقرارات حقيقية تمس جوهر القضايا الخليجية وبحسب مصدر دبلوماسي خليجي فإن قمة الدوحة وإن كان عنوانها «خليجياً» كان مسرحها عربيا. فعلي مستوي المشاريع المؤجلة التي جرت مناقشتها في قمم خليجية سابقة نجد ماصدر بشأنها في القمة الحالية إنما يندرج في سياق «الأمنيات» بدءا من الوحدة الجمركية ومرورا بالبنك الخليجي والطاقة الموحدة والتعاون الاقتصادي بين القطاعين العام والخاص وصولا إلي الاتحاد الخليجي.. حيث غلب علي هذه القرارات الذي حملها البيان الختامي الطابع التضامني دون وضع آليات وضوابط عملية لتجسيد ماجاء بها وتوحيد المواقف علي الأرض. البعض يرجع السبب الأهم وراء ذلك أن الدوحة كانت مطالبة بإطلاق مواقف إزاء قضايا كانت السبب وراء الخلاف «الخليجي الخليجي» وأن ذلك ما أعاق ممثلي الدول الخليجية الست في القمة من التوصل إلي قرارات علي أي مستوي في أي من القضايا الخليجية المعلقة. فيما يري آخرون تباين مواقف الدول الخليجية في عدة ملفات وليست فقط تغريد دولة قطر خارج السرب.. فعلي سبيل المثال نجد أن الخلافات السعودية الإماراتية من جهة وسلطنة عمان من الجهة المقابلة لاتقل عن خلافاتها مع قطر.. فالدور الذي تقوم به مسقط باستضافة مباحثات مجموعة (1+5) الدولية مع طهران لا تحظي برضا سعودي إماراتي حيث تربط مسقط علاقات متميزة مع إيران كما تتخذ مواقف مرنة في التعاطي مع الأزمتين السورية و اليمنية.. كذلك الموقف العماني من مشروع نقل المجلس من صيغة العمل المشترك إلي «اتحاد خليجي» حيث أعلنت السلطنة معارضتها للمشروع علي أبواب القمة الخليجية السابقة التي عقدت في الكويت العام الماضي.. حتي أنها هددت بالانسحاب من مجلس التعاون في حال المصادقة علي قيام اتحاد بدل المجلس. من مظاهر الخلاف كذلك حين نأت دولة الكويت بنفسها عن توجهات المملكة العربية السعودية والإمارات من جماعة «الإخوان المسلمين». كما أنها لم تنخرط في الحلف الدولي ضد «داعش» أيضا حافظت علي قنوات اتصالها مع دمشق.. وعلاقتها مع طهران توصف ب«الدافئة». إضافة إلي قرار دولة الكويت بإعادة فتح سفارتها في دمشق. إلا أنه لايمكن إنكار أن القمة حافظت علي الحد الأدني من التنسيق بين دول المجلس الذي بدا واضحا من موقفها الموحد من ملف الإرهاب حيث أكد البيان الختامي «مساندة المجلس الكاملة ووقوفه التام مع مصر حكومة وشعبا في كل ما يحقق استقرارها وازدهارها.. وأن المجلس الأعلي لمجلس التعاون الخليجي بحسب البيان الذي تلاه الأمين العام لمجلس التعاون عبداللطيف الزياني.. جدد مواقفه الثابتة في دعم جمهورية مصر العربية وبرنامج الرئيس عبدالفتاح السيسي المتمثل في خارطة الطريق».. ورغم أن مصر كانت جوهر الاتفاق الخليجي بدليل أن خبر موقف القمة من النظام المصري قد تصدر جميع شاشات الفضائيات الإخبارية العربية والأجنبية فور الانتهاء من تلاوة البيان الختامي للقمة إلا أن علامات استفهام عديدة مازالت مفتوحة أمام حقيقة الموقف القطري.. فهل أرادت قطر فقط أن تنحني أمام العاصفة الخليجية حتي لاتخسر دبلوماسيا بفشل انعقاد القمة بالدوحة في موعدها المحدد.. خاصة بعد الموقف السعودي الحاسم والتهديد بانشقاق مجلس التعاون إذا ما استمرت قطر في التغريد خارج السرب الخليجي!! أم أن القمة الطارئة لقادة المجلس التي عقدت في الرياض منتصف الشهر الماضي قد نجح بالفعل بعد أن اتفق الجميع علي خارطة طريق سميت «اتفاق الرياض التكميلي» الذي لم تنشر تفاصيله رسميا.. وتوج بقرار عودة سفراء كل من السعودية والإمارات والبحرين إلي الدوحة.. هذا الاتفاق الذي جاء تكملة لاتفاق لم ينفذ سُمي «اتفاق الرياض» الذي تم التوصل إليه في نوفمبر من العام الماضي.. وكنتيجة لعدم التزام قطر ببنوده سحبت كل من السعودية والإمارات والبحرين سفراءها من الدوحة في مارس الماضي.. حيث كشفت الكثير من التسريبات غير الرسمية وقتها عما تضمنه الاتفاق من ضرورة التزام قطر بالتوقف عن التدخل في الشئون الداخلية لدول الخليج ودول أخري وعدم تجنيس مواطنين من دول المجلس.. وكذلك إبعاد كل العناصر المعادية لدول المجلس والمطلوبة قضائيا عن أراضيها خصوصا جماعة «الإخوان المسلمين» ووقف الحملات الإعلامية. فهل بالفعل صدور البيان الختامي للقمة بدعم تام لمصر يعني أن العقبة الرئيسية التي كانت تقف أمام حل الخلافات الخليجية قد أزيلت وأن دولة قطر مثلت لشروط المصالحة جميعا بعد أن شعرت بأن عليها قضاء ما فات من فرائض سياسية في ملفات الخلافات الخليجية؟ أما الوضع في اليمن فحاولت القمة إظهار اتفاق خليجي موحد تجاه اليمن في مواجهة تدخل إيران لتأكيد أن الخليجيين مهتمون باليمن كبعد استراتيجي وهو ربما ما يبشر باحتمال ظهور مبادرة خليجية جديدة تجاه اليمن في الأيام القادمة. أما سوريا بأزماتها المعقّدة والمتشعبة بدا لافتا موقف البيان الختامي للقمة حين تبني المجلس الحل السياسي في سوريا علي أساس مقررات مؤتمر (جنيف 1) بالرغم من إدانته لنظام الرئيس بشار الأسد. في السابق. وهو ماجعل بعض المراقبين ينظرون إلي تراجع وتيرة التصعيد الإعلامي والسياسي الخليجي إزاء الوضع السوري مؤشرا علي تحول في الموقف الخليجي بشكل عام الذي كان حتي وقت قريب يتبني فكرة إسقاط النظام السوري عبر السلاح.. وهو ما قد يرسم معالم مرحلة جديدة تأتي في سياق الحرب علي الإرهاب والتفاهمات التي تجري علي المستويين الإقليمي والدولي. وإن كانت دول مثل لبنان والعراق لم تكن ضمن الأولويات الخليجية في هذه القمة إلا أن دبلوماسيين عرباً يرون أن الحراك الدبلوماسي الدولي والحوار الإيراني السعودي الذي استعاد زخمه أخيرا عبر القنوات الدبلوماسية السرية.. من المتوقع أن يكون عاملا مؤثرا في تسهيل انتخاب رئيس جديد في لبنان بدءا من فبراير المقبل. حتي القضايا الأمنية الخليجية التي تصدرت جدول أعمال القمة حيث اتخذ القادة الخليجيون خطوة «محدودة» بإنشاء قوة بحرية مشتركة للدفاع عن مياهها الإقليمية يطرح سؤالا هاما حول ما إذا كان إنشاء قوة بحرية مشتركة سيحدث فارقا في موازين القوي الإقليمية وتعزيز اعتماد دول الخليج علي قدراتها الذاتية في الدفاع عن نفسها؟ خاصة أن كل دول الخليج العربي بدرجات متفاوتة تري أن أمن المنطقة منوط بالدول الغربية لاسيما الولاياتالمتحدة للدفاع عن مصالحها في هذه المنطقة الحيوية من خلال وجود عسكري مباشر يسد ثغرة اختلال ميزان القوي العسكرية بين دول الخليج العربي مجتمعة وإيران.. وهو ما يأخذنا لسؤال آخر أهم وأخطر عن الاتفاق الذي وقعته كل من لندن والمنامة ويسمح لبريطانيا بإقامة قاعدة عسكرية جديدة في البحرين وهي أول قاعدة عسكرية بريطانية في الشرق الأوسط منذ انسحاب بريطانيا من المنطقة عام 1971 وهي قاعدة جوية يقول محللون إنها لن تستخدم في الضربات الجوية ضد تنظيم داعش الإرهابي لكنها ستمح لبريطانيا بنشر المزيد من السفن الحربية في مياه الخليج!!.. وهو الاتفاق الذي طالعتنا به وكالات الأنباء قبيل أيام من انعقاد القمة الخليجية ولم نشهد له علي المستوي المنظور من القمة أي نقاشات علي جدول الأعمال أو أي إشارات له في البيان الختامي ليبقي واحدا من تساؤلات لم نجد لها توضيحا أو مبررا منطقيا حتي اللحظة!!