أشار تقرير حكومي أذيع قبل عدة أيام عن تراجع حجم الاستثمارات الأجنبية في مصر خلال العام الماضي وذلك بالرغم من جولات »بعثات طرق الأبواب« في العديد من دول العالم وفي مقدمتها الولاياتالمتحدةالأمريكية وكذلك الزيارات التي قام بها خلال العامين الماضيين السادة الوزراء وكبار المسئولين عن الشئون الاقتصادية والتجارية والاستثمارية لعدد من الدول مثل انجلترا والصين وتركيا وأخيرا سوريا. ومع تقديرنا لكل هذه الزيارات والجولات والمؤتمرات التي عقدت هنا وهناك ومدي أهميتها لتنشيط وتوسيع نطاق التعاون الاقتصادي والتجاري والتكنولوجي بين مصر وهذه الدول إلا أنها لاتكفي وحدها لتحقيق الطفرة المرجوة لإنعاش الاقتصاد المصري وزيادة معدلات التنمية الحقيقية وخلق مجالات أكثر للعمل والإنتاج من أجل تلبية الاحتياجات المحلية وتحقيق فائض للتصدير يساعد علي تحسين الميزان التجاري لصالحنا. قبل عدة سنوات كانت هناك توجهات قوية لدي رجال الأعمال والصناعة الألمان لنقل استثماراتهم خارج ألمانيا وذلك بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج نتيجة لارتفاع الأجور وأسعار الطاقة والضرائب.. ونظرا لاهتمامي بضرورة جذب مزيد من الاستثمارات من مختلف دول العالم بما في ذلك ألمانيا للاستثمار في مشروعات التنمية الاقتصادية والاجتماعية في مصر فقد سألنا يومها أحد رجال الأعمال الألمان عن الأسباب التي تحول دون تدفق استثماراتهم إلي مصر نظرا لما تتمتع به من ميزات نسبية كبيرة أولها الموقع الجغرافي الفريد وسط قارات العالم وكونها همزة الوصل بين الشرق والغرب إضافة إلي جوها المعتدل وتوافر العمالة الفنية الرخيصة؟ أجاب المستثمر الألماني علي سؤالي قائلا: هذه حقيقة ولكن لديكم في مصر بيروقراطية إدارية طاردة للاستثمار وغير جاذبة له برغم كل هذه الميزات التي تتمتع بها بلادكم ثم ضرب لي مثلا بدول الإمارات العربية وخاصة دبي ومايطلقون عليه »جيل علي« التي يمكن أن ينهي المستثمر كافة إجراءاته فيها خلال 48 ساعة فقط أي يومين. حقيقة إن خلق مناخ جيد للاستثمار يسبق في أهميته بعثات طرق الأبواب وجولات السادة الوزراء وكبار المسئولين ذلك أننا نعيش الآن في عصر ثورة المعلومات والاتصالات ولذلك فإن كل مستثمر في أي مكان في العالم يمكنه الحصول علي كل المعلومات التي يريدها حول فرص الاستثمار المتاحة في مصر وكذلك التسهيلات والمعوقات مقارنة بالدول الأخري المنافسة لنا من أجل جذب الاستثمارات سواء في منطقتنا أو أي منطقة أخري في العالم في أسرع وقت وهو في بلده دون أن يغادرها. كنت ومازلت علي يقين أن مصر تعد من أفضل دول العالم جذبا للاستثمار نظرا لما لديها من إمكانيات وقدرات هائلة تتميز بها علي العديد من المناطق الأخري اللهم إلا البيروقراطية اللعينة والروتين القاتل. قبل أكثر من عام توجهنا إلي الصين بدعوي الانفتاح عليها دفع آفاق أوسع أمام الصادرات المصرية في هذا السوق العملاق وإذا بالعكس هو الصحيح حيث أغرقتنا الصين بمنتجاتها في كافة المجالات وخاصة المنسوجات في كافة أشكالها ونوعياتها وهو ما أثر بصورة سلبية علي العديد من مصانع الغزل والنسيج في المحلة الكبري وكفر الدوار والمنصورة بعضها أغلق أبوابه وسرح عماله والبعض الآخر خفض من إنتاجه وكثرت إضراباته واعتصاماته. والآن ننفتح علي سوريا الشقيقة وهو لاشك شيء عظيم من أجل الإخوة والعروبة وزيادة التجارة البينية العربية وهو الهدف الذي نسعي إلي تحقيقه علي مدي سنوات طويلة.. ولكننا نحذر مرة أخري من شطارة السوريين في الصناعة وخاصة صناعة الغزل والنسيج وكذلك تميزهم في التجارة وحتي لاتعاني صناعة الغزل والنسيج عندنا أكثر مما نعاني منه الآن. وكما كان يفعل الإنجليز عندما كانوا يستوردون القطن المصري الخام الممتاز »طويل التيلة« ويصنعونه في بلادهم ثم يعيدون تصديره إلينا وإلي كافة دول العالم في شكل أقمشة ومنسوجات وملابس جاهزة.. هكذا يفعل الصينيون الآن معنا.. يستوردون كتل الرخام المصري الممتاز من المحاجر مباشرة إلي الصين حيث يقومون بتقطيعه وتشغيله ثم يعيدون تصديره لنا وللعالم بعد إعادة تصنيعه. إن الانفتاح علي العالم شيء هام للغاية غير أنه لابد أن يسبقه تطوير هائل للصناعة المصرية في كل مجالاتها بهدف رفع مستوي المنتج المصري وزيادة قدراته التنافسية وحتي يأتي الانفتاح علي الخارج أولا وأخيرا لصالح الاقتصاد المصري ورفاهية المواطن المصري كما أنه لابد أن تستهدف سياسة الانفتاح الاقتصادي علي العالم زيادة الصادرات وتحسين وضع الميزان التجاري لصالح مصر وهو ما سوف يؤدي إلي زيادة فرص العمل والتشغيل أمام الشباب والقضاء علي شبح البطالة الذي صار يهدد كافة قطاعات الاقتصاد المصري . إننا الآن في حاجة إلي إدارة اقتصادية علمية واعية ومتطورة تعمل علي تشجيع المنافسة وتمنع الاحتكار بكل صوره وأشكاله.