أسبوع عشته في «بودابست» عاصمة المجر، تلك المدينة الساحرة التي يظل جمالها أكثر بكثير مما يصفه القلم وتحكيه الصور، حيث يتوسطها نهر الدانوب بمياهه الزرقاء الصافية، وتصافح عيناك طبيعتها الخلابة، ومبانيها ذات الطراز المعماري الفريد التي يرجع تاريخها إلي القرن الثامن عشر، والحياة الهادئة بعيدا عن الضوضاء والصخب، وسكانها البسطاء الطيبين، وأطعمتها الشهية، ومنتجعاتها الراقية، وينابيعها المعدنية، والمقاهي الأنيقة التي تسهر حتي ساعات متأخرة من الليل، وبهذه السمات تنفرد عن معظم المدن الأوروبية! مدينة ساحرة تنعم بموقع هادئ في وسط أوروبا ويعود تاريخها إلي ألف سنة،ويتوسطها نهر الدانوب وهذا أول مارأيته واضحا عند تحليق الطائرة فوق «بودابست» عاصمة المجر التي يزورها سنويا حوالي 03 مليون سائح من الباحثين عن الجمال والراحة والهدوء والتمتع بالمناظر الحالمة، وهي أكبر مدن البلاد والمركز السياسي والاقتصادي والصناعي، ويسكنها حوالي مليوني نسمة، وهذا سر من أسرار جمالها الصامت، فلا زحام، ولا ضوضاء، ولا أزمات في المرور، ولا «كلاكسات» أو مضايقات، وأول ماصافحته عيني هنا من المصريين الآنسة «شيرين» كريمة كابتن مصر المعلق والحكم الرياضي الشهير «تحسين عثمان» وهي مديرة خطوطنا الوطنية ووجه مشرف لنا في «بودابست» منذ عام 1102، وعندما سألتها عن سر هذا الهدوء في التعامل مع الناس أجابتني بأنها لم تشهد قط مشاجرة واحدة بين مواطنين طوال الثلاث سنوات التي عاشتها، صحيح قد يحدث انفعال أو التلفظ ببعض الشتائم، لكن لا يصل الأمر أبدا إلي اشتباك، فهم ناس بسطاء جدا وطيبون ومتسامحون.. إلي وسط المدينة والجميل هنا أن الدولة وفرت كل الخدمات السياحية للقادم إليها، وتحميه تماما من الاستغلال والنصب والاحتيال كما يحدث عندنا، فكل التاكسيات التي تستقبلك عند خروجك من المطار حديثة، ومزودة بالعدادات لتحديد الأجرة وحماية السائح، كما أن الأتوبيسات النظيفة يمكن أن توصلك لوسط المدينة بأجر زهيد! والأروع من كل هذا تلك «الباصات» المكشوفة بدورين، ويمكن أن تأخذك إلي 31 موقعا من أهم المواقع في «بودابست» وأشهرها المعالم السياحية والتاريخية والدينية بتذكرة موحدة قيمتها 02 يورو، وتمر بك في وسط شوارع المدينة وأسواقها ومتاحفها وكنائسها وجسورها لتستمتع بهذه المشاهد الجميلة بدون مرشد سياحي! بل إن كل هذه «الباصات» الملونة الجميلة مزودة بجهاز وسماعة علي كل مقعد، لينقل إليك ترجمة مسجلة بكل لغات العالم بما فيها «العربية» لتكون دليلا ومرشدا لأسماء هذه المعالم وقصتها وتاريخها! علي ضفاف الدانوب وأول ماتشاهده علي سطح هذه الباصات المفتوحة في الهواء الطلق (حتي أنهم وزعوا علي كل منا «بالطو» بلاستيك مجانا لحماية ملابسنا حالة هطول أمطار)، هي تلك المساحات الهائلة من الخضرة والحدائق المزدهرة بأجمل أنواع الزهور والورود الناطقة بأجمل الألوان التي تبهج النفوس، وتلك المناظر الطبيعية الخلابة، والمباني التراثية العريقة ذات الطراز المعماري الفريد التي يعود تاريخها إلي القرن الثامن عشر، ويتوسطها نهر الدانوب بمياهه الزرقاء الصافية، بعد أن أصبحت العاصمة مدينة واحدة علي ضفتيه، إثر اتحاد مدينتي «بودا» علي الجانب الغربي بمبانيها التاريخية العتيقة وأكبر الفنادق والمتاحف، و«بست» من الجانب الشرقي التي تشتهر بأروع الأماكن لحياة الليل والسهر، وكل مكان تقصده أسعاره محددة، وخدماته متكاملة علي أعلي مستوي، والعاملون هنا في غاية الذوق والرقة، ويرتدون الملابس الرسمية بشكل أنيق ، حتي «عربجي» الحنطور في كامل هندامه بالبدلة وربطة العنق، ولا تنطع أو طلب «للبقشيش» أوالإكراميات إلا إذا منحته من تلقاء نفسك وهنا ينحني لتحيتك وشكرك! التعامل بالعملة المحلية واللغة السائدة في الشارع هنا هي «المجرية» وهي صعبة وليس من السهل فهمها أو التحدث بها، لكنني أنصحك ببعض الكلمات البسيطة الأساسية للتعامل مع الناس مثل «كوسونوم» ومعناها «شكرا»، أو «يونابوت» بمعني نهارك سعيد، والمواطن المجري يشعر بسعادة بالغة إذا أنهيت معه معاملاتك بهذه الكلمات! والعملة المحلية هنا هي «الفورنت»، والدولار الواحد يستبدل بحوالي 022فورنت، واليورو ب013 فورنت، والاستبدال من خلال شركات الصرافة الرسمية المنتشرة في كل مكان والسعر فيها أفضل من الفنادق، ولاتوجد هنا سوق سوداء للعملة، فالسعر واحد يتغير بالنقص أو الزيادة وفقا لآليات سوق الصرف يوميا وأحذرك من التعامل مع أي شخص يدعي أنه سوف يستبدل عملتك بسعر أعلي، فقد يمنحك أوراقا مالية قديمة منتهية الصلاحية!. وممنوع التعامل بالدولار أو اليورو أو أية عملات أخري في المتاجر أو المطاعم أو المقاهي أو التاكسيات، لن يستلموا منك أي عملة أصلا سوي عملتهم المحلية «الفورنت»، وبالتالي أنصحك ألا تستبدل عملات أجنبية أكثر من التي ستحتاجها لأن عملتهم غير متداولة دوليا! الأسعار هنا رخيصة! وعموما الأسعار هنا رخيصة إذا قيست بمستوي أسعار المدن الأخري الأوروبية مثل لندن أو باريس أو روما، وتنتشر هنا في «بودابست» حوالي سبعة «مولات»ضخمة للتسوق متعددة الطوابق، وفروع لمحلات ومتاجر عالمية، وتبيع أرقي الماركات، وتقبل التعامل ب «الفيزاكارت» وهذا ما أنصحك بضرورة حمله عند سفرك إلي المجر بمدنها المختلفة، وتتعامل أيضا ب «الفيزا» المطاعم الكبري والمقاهي المنتشرة في هذه التجمعات والمولات، وعلي أسطحها أنشأوا حدائق واستراحات في الهواء الطلق مزودة بأفضل الخدمات، كما أن (الصراف الآلي) منتشر في كل الأماكن العامة، وأشهر شوارعها «فاتسي» أي شارع السواح ويقع في قلب المدينة، ويتوسطه جسر «أرجي بت».. أي الجسر الأبيض، ويقع بهذا الشارع الكثير من المحلات التي تبيع الهدايا المصنوعة يدويا في المجر كتذكار ومأخوذة من تراثهم الوطني كالملابس الفلكلورية الملونة، والكريستال «البوهيمي» الشهير، والتحف، أما الملابس ذات الماركات العالمية فتشتريها كما ذكرت من «المولات» التي تصل إليها «بالتاكسي» وتستطيع معرفة أماكنها من استعلامات الفنادق، وموظفوها «بالمناسبة» متعاونون جدا مع النزلاء والسواح.. علي الشريعة الإسلامية وأسعار الفنادق هنا معقولة لكنها ليست رخيصة كما تظن، فأسعار الإقامة بسلسلة فنادق الخمس نجوم الشهيرة حوالي 005 يورو لليلة بالإفطار (حوالي 0005 جنيه مصري) ولكن هناك فنادق أربعة نجوم أنيقة وتقع في المناطق السياحية بوسط البلد في حدود مائة يورو في الليلة، أما فنادق الثلاث نجوم فهي في حدود مائة دولار لكنها نظيفة جدا، بالإضافة إلي الشقق السكنية التي يمكنك استئجارها عن طريق «النت».. هنا 09% من المطاعم تقدم لحوم «الخنزير» مثل باقي محلات أوروبا، لكن هناك مطاعم شعبية تقدم المأكولات البحرية، وحوالي 01% مطاعم إسلامية تذبح علي الشريعة الإسلامية ويعمل بها «أتراك»، وأكثر الأكلات التي يقدمونها هي «الشاورمة» وسعر «الساندويتش» منها لايتعدي أربعة دولارات، كذلك يقدمون «البيتزا» بكافة أنواعها وبارعون فيها، إلي جانب «الفلافل» التي يصنعها اللبنانيون والشوام ومعظمهم طلبة يدرسون بجامعة «بودابست» ويعملون لزيادة دخلهم لأنهم يحملون «الإقامة» كما أنهم نجحوا في إعداد وتقديم «الشيشة» بالمقاهي التي تستقبل الساهرين لبعد منتصف الليل! بعد انهيار الشيوعية والمجر من أول البلاد الأوروبية التي تخلصت من «الشيوعية» في صيف 9891 والتي انهارت بعد سقوط جدار برلين بأسبوعين، وبعد مرور 52 سنة علي هذا الحدث ودخولها عضوة في منظمة «الشنجن» تري مظاهر الحياة الناعمة تسيطر علي مجريات الأمور الحياتية «رغم أن متوسط دخل الفرد 004 يورو شهريا» من سلسلة المطاعم الأمريكية الشهيرة، والفنادق العالمية الفخمة، والسيارات الفارهة، والمراكز والمصحات لإعادة الشباب، وأندية الفروسية، والبحيرات المثلجة للتزحلق علي الجليد، وأماكن التسلية، وتنظيم المعارض والمؤتمرات الدورية، التي كان آخرها مؤتمر الاتحاد العالمي للصحفيين والكتاب السياحيين (فيجيت) برئاسة الصحفي التيجاني حداد (وزير السياحة التونسي السابق)، وشهد جلسات مطولة أدارها الكاتب الصحفي المصري صلاح عطية رئيس اتحاد الكتاب السياحيين العرب ونائب رئيس الاتحاد العالمي للصحفيين، وناقشوا مستقبل صناعة السياحة العالمية ودور الإعلام في رعاية هذه الصناعة، وارتباطها بالحفاظ علي البيئة والتقاليد والتراث الإنساني.