رفض الخال عبد الرحمن الأبنودي أن يذوق الإجابة حين سألناه عن تأثير أكتوبر علي الأدب، وضع يده علي جرح متاجرة الساسة بالنصر والدخول في مفاوضات مع العدو مما سبب الإحباط للكتاب فتحفظوا عن التعبير، في حين وصف عبد المعطي حجازي الحل السياسي ب(المفيد)، ورأي محمد إبراهيم أبو سنة أن أكتوبر أكبر بكثير من كل ما كتب عنها سياسيا وأدبيا وفنيا وفكريا، وتمسك بهاء طاهر برؤية نجيب محفوظ التي تقول إن الأدب الحقيقي لا يواكب الأحداث بل ينتظر حتي تنضج. لا يظن الأبنودي أن حرب أكتوبر لعبت دورها في الأدب والفن بالشكل الذي يليق بحجمها وتحقيقها لحلم كان ينغص علي المصريين حياتهم ويقول إن مشكلة هذه الحرب أنها لم تمهل دماء شهدائنا أن تجف علي رمال سيناء، كان سوق البيع والشراء والمساومة قد فتح علي آخره ودخلنا في المساومات مع العدو ولعب الأمريكان دورهم الكبير. وهنا وقف الجميع مشلولين علي المسافة بين النصر العظيم الذي حققه الجندي المصري والنحو الذي اتخذه الساسة قبل أن تنتهي الحرب ومن هنا حدث هذا الإحباط الرهيب في نفوس المصريين وبالتالي أهل الأدب والفن باعتبارهم مرآة للواقع بطموحاته وانتصاراته فتحفظ الوجدان المصري في التعبير عن هذه الحرب وتمجيدها لأن ذلك كان يصب في "ماعون" الباعة والمساومين ممن وضعوا يدهم في يد العدو وذهبوا إلي بلادهم وهكذا. يري الخال أن التعبير عن النكسة كان أكثر صدقا وحرارة وقوة لأبعد الحدود سواء علي مستوي الشعر أو علي السرد بأنواعه أو حتي في المقالات الصحفية ويواصل: أمدتنا النكسة بطاقة حزن جعلت التعبير عنها صادقا بينما لم تسمح لنا الحرب بذلك، فقبل أن نستدير لنجلس علي كراسي الإبداع كان الإحباط يحاصرنا من كل جانب ففقد الأدباء والشعراء هذا الإحساس العظيم الذي أوحي به أكتوبر العظيم. يشير الأبنودي إلي 7 سنوات من التعبئة والانتظار والمظاهرات والحماس الرهيب للمطالبة بالحرب .. البسطاء الذين أودعوا أبناءهم طيلة هذه المدة علي ضفاف القنال تحت وطأة الانتظار ينتظرون اللحظة.. ولقد أثبت الجندي المصري أنه نوع نادر من المقاتلين وأن النصر يتحقق بأقل الإمكانيات وفي أصعب الظروف ولكن ما حدث بعد ذلك هو ما أدي إلي هروب الإبداع والاتجاه إلي التعبير السلبي عن هذه الحرب أو الابتعاد عنها وإغلاق الفم عن سيرتها سواء بالإيجاب أو السلب . يرصد الأبنودي كتابات يري أن معظمها كان متعلقا بتلك الحرب الشريفة المسماة حرب الاستنزاف ويؤكد: عايشنا هذه الحرب المظلومة التي تعد درة في التاريخ المصري وقد كتبت ديوانا كاملا اسمه (وجوه علي الشط) أحدث تأثيرا كبيرا في الواقع لأنني كنت أقرؤه في الإذاعة في ذلك الوقت وكان له تأثير كبير بين الجنود إلي جانب البرامج اليومية مثل (حروف الكلام) و(بعد التحية والسلام).. وكل هذه كانت رسائل للجنود فهذه الحرب ألهمتنا الكثير فقد كتبت علي سبيل المثال أغنية (يا بيوت السويس يا بيوت مدينتي) لأنني أقمت هناك علي شاطئ القناة خلال حرب الاستنزاف كلها ورأيت قتالا كان فيه الفلاح المصري يغطي الدبابة بشجرة مشمش تعب في زراعتها وخدمتها خمسة عشر عاما.. عايشت التجربة بتفاصيلها المذهلة الرائعة وحياة جنود يعيشون في جحور ومخابئ الساتر الترابي الغربي لقناة السويس. كانت حرب الاستنزاف ملهمة، وكتابات جمال الغيطاني حتي ولو كانت تأخرت إلي ما بعد حرب أكتوبر لكنها كانت متعلقة أكثر بفترة ما قبل أكتوبر (الاستنزاف) وكنا نتمني أن نستمر في هذا التعلق لولا تلك المعاهدة أصمتتنا. يتعجب الأبنودي ممن يتساءلون عن فيلم أو عمل أدبي يعبر عن أكتوبر ويقول: عليكم أن تستكملوا الجملة لتكون لماذا لا يوجد عمل عن أكتوبر بعد معاهدة كامب ديفيد فهي التي أبطلت كل ذلك؟! ويشترط لإعادة الكتابة عن حرب أكتوبر أدباء عظام كبار يكتبون الحرب وما قبلها وما بعدها أيضا باعتبارها وحدة واحدة.
يقترض بهاء طاهر الإجابة من نجيب محفوظ الذي قال إن الأدب لا يواكب الأحداث بل ينتظر حتي تنضج فيتم التعبير عنها، ويضرب مثالا بالحرب الروسية في عهد نابليون فيقول إن أعظم أدب رواية عبرت عنها هي (الحرب والسلام) ل تولستوي التي كتبها بعد الحرب بخمسين عاما. ويفرق بهاء بين العمل الأدبي والريبورتاج الصحفي الذي يجب أن يكون مواكبا للحدث، ويبين أن الكثير من الريبورتاجات الصحفية قد تصل إلي مستوي الكتابة الأدبية مثلما كتب عن هيروشيما، لكن الأدب الحقيقي الجدير باسمه لا يواكب أحداثا بل ينتظر حتي تنضج في وجدان الكاتب.
لا يتفق أحمد عبد المعطي حجازي مع الأبنودي وبهاء ويري أن الإجابة تحتاج إلي مراجعة لأن حرب أكتوبر التي مضي عليها حتي الآن أكثر من أربعين عاما تستحق أن ننظر فيما تركته من تأثير علي الثقافة المصرية عامة سواء في الآداب أو الفنون، ولا ينسي أن حرب أكتوبر ألهمته حوالي 6 قصائد موجودة في ديوان (أشجار الأسمنت) ويتذكر شعراء مصريين وعربا نظموا قصائد في حرب أكتوبر. يوضح حجازي أنه يتحدث عن مشاعر بها قدر من التناقض لأنه من ناحية حرب أكتوبر كانت انتصارا مجيدا حققه المصريون بينما لم يكن الانتصار كاملا كما تمنينا لكن الختام أو الحل الذي وصلنا إليه وهو حل سياسي كان مفيدا وعاقلا كلفنا بعض الالتزامات يجب أن نتحرر منها لكنه كفانا شر خسائر فادحة. يستعيد شعوره بالاعتزاز أثناء الكتابة وقت الحرب والمسئولية والثقة في أن الجنود المصريين سوف يطهرون أرضهم من المحتلين المعتدين خصوصا أن العبور تم بكفاءة عالية وخسائر قليلة. يفاخر حجازي بإخوته الثلاثة الذين كانوا يقاتلون فكان حاله حال كثير من المصريين لأن مصر كلها خاضت الحرب.
يلفت محمد إبراهيم أبو سنة إلي أن ما حدث في 6 أكتوبر أكبر بكثير من كل ما كتب عنه سياسيا وأدبيا وفنيا وفكريا ولم يستطع أن يواكب الحدث ويعتقد أن حرب أكتوبر بالنسبة للمصريين كانت اكتشافا للقدرات المصرية الوطنية وللخيال المصري، ويضيف: هذا لا ينفي أن الأدباء جميعا تأثروا بالحدث وهم أسرع من عبر عنه بالأغنية أو بالقصيدة أو بالأشكال الدرامية الفنية المختلفة أما الرواية فهي تتطلب وقتا أطول لأنها تتعقب التفاصيل وتدرس الشخصيات وبناء فني، ونستطيع أن نقول أن أسرع الأشكال الفنية التي عبرت عن نصر أكتوبر كانت القصيدة. ويقول: تأثرت الرواية بالحرب ولدينا نماذج جسدت بطولة الجندي المصري والشعب بأكمله فالحرب ألهمت الأدباء جميعا خيالا جديدا وبالعكس فتحت آفاقا أخري للتعبير عن الشخصية المصرية، وأول ملامح هذا التحول كان الخروج من النفق المظلم وإعادة إكتشاف قدرات الشخصية المصرية وتنشيط للخيال المصري تجسد في أعمال شعرية وأدبية وإبداعية اشترك فيها الشعراء من كل الأجيال فنستطيع قراءة أشعار لصلاح عبد الصبور وأحمد عبد المعطي حجازي وفاروق شوشة ومحمد إبراهيم أبو سنة وأحمد سويلم ووفاء وجدي وملك عبد العزيز ومحمد عفيفي مطر وأمل دنقل وكمال عمار. وجاء التعبير في إطار من القداسة والتقدير والاحترام والانحناء أمام البطولات والتضحيات وتجسيد إيمان الجندي والجيش وعودة الثقة إلي المواطن، وإبراز حرص المصري وإيمانه بإحتضان أرضه وافتدائها فكانت صورة الأرض خصوصا سيناء في قلب المشهد فتكررت كلمة سيناء في كل الأغاني التي عبرت عن هذه الحرب، فضلا عن رؤية أخري جسدتها الرواية مثل ما كتبه جمال الغيطاني وأحمد الشيخ وغيرهم من الروائيين، أما الأفلام التي عبرت عن الحدث لم ترتق إلي مستوي النصر العظيم.. ويؤكد: تحتاج حرب أكتوبر لإعادة كتابة مرة أخري فلا تزال موضوعا صالحا للتناول لأن هذا النصر مليء بالأسرار والأفكار والمعاني.