إلي لعبة التستر بالواجهات الكارتونية عادت جماعة الإخوان.. نفر غير قليل من الغارقين في عسل "سبوبة مساندة الشرعية والشريعة في الخارج"، بكل ما تحمله الكلمة من معني، وغالبيتهم غير منتمين للتنظيم من الأساس، إضافة إلي أسماء محسوبة علي الذراع العالمية للجماعة، وكذا بعض قادتها بالداخل، دشنوا الجمعة الماضية في العاصمة التركية اسطنبول، كيانًا جديدًا غامضًا، يحمل اسمًا براقًا هو تحالف "المجلس الثوري المصري"، بزعم استعادة 25 يناير، فيما نضح بيانه التأسيسي بهدفه الحقيقي مباشرة ومن دون أي مواربة، وهو ضرب الدولة المصرية بشتي الطرق. من السطر الأول للبيان يقول المؤسسون للمجلس الثوري المزعوم، ومن بينهم وليد شرابي، ومحمد محسوب، وجمال حشمت، وصلاح عبد المقصود، ومجدي سالم، وإسلام الغمري، ومها عزام (رئيسة المجلس)، وعصام تليمة، وغيرهم، إنهم دشنوه ليكون نافذة للقوي والأفراد المصريين في الخارج المتمسكين بمبادئ ثورة 25 يناير 2011، ومن أجل دعم ما أسموه بالحراك الميداني السلمي، في حين لن يصبح بديلا عن القيادة الميدانية، بل مؤيدة ومساندة لخطواتها.. هذا هو العنوان العريض للمجلس، لكن أحدًا من مؤسسيه لم يقل لنا من الأصل، أين ذلك الحراك الميداني المناوئ للسلطة الحالية من الأساس؟..أم أن بضع المئات الذين يخرجون شراذم في الشوارع في بعض الأحيان، وبعد صلاة الجمعة كل أسبوع، يمثلون أي قوة تأثير في الشارع؟.. فبحسب القيادي الإخواني السابق، سامح عيد، فإنه لولا فيديوهات الجزيرة مباشر الموجهة، وربما الملعوب فيها وفي مادتها وزواياها الإخراجية، فضلا عن البيانات الحنجورية المضحكة لتحالف دعم الشرعية، وهو واجهة كارتونية قديمة أيضاً للجماعة، لم يكن ليسمع أحد عن أي نشاط إخواني علي الأرض. علي أية حال، أفصح تحالف المجلس الإخواني عن نيته الحقيقية من تأسيسه، بالإشارة إلي مواصلة الإخوان سياسة الاستقواء بالخارج ضد سلطة ما بعد 30 يونيو. يقول البيان إن التحالف "سيكرس جهوده في التحرك الدولي علي كل المستويات، خاصة السياسية، والقانونية، والحقوقية، والإعلامية، لحشد الدعم اللازم للثوار في الشارع، لمقاومة الحكم العسكري وأساليبه القمعية، والعمل علي تفكيك دولة الفساد والاستبداد".. وفي موضوع آخر أوضح أنه سيؤسس "مكتبًا سياسيًا، يقوم علي الشؤون السياسية، وإدارة الاتصالات والعلاقات الدولية للمجلس، مع جميع الحكومات والبرلمانات ومؤسسات المجتمع المدني"، إضافة إلي التأكيد علي أن التحالف الجديد يضم مكتبًا قانونيًا وحقوقيًا، يتولي "توثيق وحصر (ما اعتبره) جرائم وانتهاكات، وملاحقة من قاموا بهذه الانتهاكات أمام المحاكم الدولية والإقليمية". بل إن القيادي الإخواني السابق، ثروت الخرباوي، يؤكد أن بيانًا صادرًا عن مكتب المدّعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، متاح بعدد من اللغات من بينها العربية، في عشرات المواقع الإليكترونية الإخبارية، قالها بوضوح إن الإخوان كاذبون بل ومزوّرون أيضًا، حيث أنهم رفعوا دعاوي قضائية لمحاكمة رموز ما بعد 30 يونيو، وفي مقدمتهم الرئيس عبد الفتاح السيسي، والرئيس السابق عدلي منصور، ورئيس الوزراء السابق، الدكتور حازم الببلاوي، ووزير الداخلية محمد إبراهيم وغيرهم، باسم المعزول محمد مرسي، بزعم أنه لا يزال رئيسًا شرعيًا للبلاد، وبالتالي فهم حاولوا تزوير الواقع، وتصوير أن السلطة الحالية بمصر غاصبة، ومن ثم لو كانت قد قبلت المحكمة قضاياهم بتلك الصيغة، لكان قد مثّل ذلك اعترافًا دوليًا بأحقية مرسي في العودة إلي الحكم، وأحقيته كذلك في تمثيل مصر خارجيًا، وهو ما كان سيعد أيضًا تجريمًا لسلطة ما بعد عزله، غير أن المحكمة رفضت ذلك المنطق، واعتبرت أن قضايا الإخوان قد زورت في الواقع وفي الأوراق الرسمية. تلك الانتهازية تجسدت أيضًا في بيان المجلس الإخواني الجديد، حيث أعاد استخدام نفس المغازلة المفضوحة للقوي الشبابية والثورية، من أجل التحالف في مواجهة النظام الحاكم القائم، داعيًا إلي "اصطفافُ كافةِ القوي الثوريةِ والشبابيةِ المناهضةِ لنظامِ الحكمِ، وتجاوزُ خلافاتِ الماضي، وبناءُ رؤيةٍ مشتركةٍ للمستقبل، إضافة إلي حشد الدعمِ الدوليِّ لثورةِ يناير، وحقِّ الشعبِ المصريِّ في إقامةِ دولةٍ مدنيةٍ دستورية".. الإخوان يواصلون هنا التلفيق، اعتمادًا علي أخطاء السلطة والحكومة من ناحية، ورهانًا علي ضعف ذاكرة النشطاء، وربما انتهازية بعضهم، من ناحية أخري هم يمنون نفسهم، وفق سامح عيد، بالالتحام مرة أخري مع قوي شبابية ومستقلة، من أجل غسل أيديهم من الأخطاء والجرائم التي ارتكبوها في حق البلد بعد الاطاحة بمرسي. بينما يبقي، أخطر ما في البيان التأسيسي لمجلس الإخوان، ما يتعلق بالحديث صراحة، عن الوعد بمزيد من الدعم بمختلف أشكاله المادي والمعنوي، وقبل هذا وذاك بالغطاء السياسي، عبر التعهدب"تقديمُ الدعمِ الكاملِ للمقاومة الشعبية".. قبل أن يحدد البيان لكوادره المتبقين علي الأرض، خطط الفوضي المنشودة في الشارع، بالإشارة إلي أن المجلس رسم مسارات تفكيكِ مؤسساتِ الدولةِ، وهو هنا يمنحهم أمرًا تنظيميًا مبطنًا لضرب الدولة، بعد أن حكم عليها وعلي القائمين عليها، بعدم المشروعية، جراء فسادهم.. هذا أمر تنظيمي بحرق البلد، علي حد تعبير ثروت الخرباوي. إن الفخ الأكبر في البيان التأسيسي لمجلس الإخوان الجديد، شأنه في ذلك شأن كافة الكيانات الإخوانية الأخري، التي ظهرت علي الساحة في الشهور القليلة الماضية، كتحالف دعم الشرعية، أو إعلان بروكسل، أو حتي إعلان القاهرة، إنه لم يشر من قريب أو بعيد إلي أي اعتراف، من جانب أعضاء الجماعة ومن والاهم، بجرائمهم السياسية والجنائية في حق المصريين، وتجاهل الاعتذار عن الاستقواء بالخارج والإرهاب الذي يمارسه التنظيم وحلفاؤه بحق الشعب، في حين قال أمين الحزب الإسلامي، محمد أبو سمرة، إن إعلان بروكسل يخدم الأمريكان والصهاينة والأوروبيين، ولم ينسق معنا أحد بشأنه، متهمًا الإخوان ببيع ما أطلق عليهم، بالثوار الحقيقيين في مصر، وبيع الدين ونصرته، إرضاءً لواشنطن. لا يبدو إذن، المجلس الإخواني الجديد، بحسب رؤية الباحث في شئون التيارات الإسلامية، هشام النجار، إلا محاولة من الجماعة لإعادة الروح فيها من جديد، بعد أن تواري أي تأثير لها في الشارع، فضلا عن انهيار تحالفاتها في الداخل، وفي مقدمتها، تحالف دعم الشرعية.