يعد شارع سوق السلاح من أشهر شوارع حي الدرب الأحمر، ليس لما يتضمنه من آثار متنوعة، بل لأنه كان بمثابة المورد الرئيسي للأسلحة أثناء حكم المماليك بمصر، لاحتوائه آنذاك علي العديد من ورش ومصانع الأسلحة علي اختلاف أنواعها، من رماح وسيوف ودروع، ومع مرور العصور، وتراجع الطلب علي هذه الأسلحة، اختفت المهنة تماماً، وتحولت المحلات إلي مجالات أخري لا علاقة لها بنشأة الشارع. وذلك بالتزامن أيضاً مع تراجع حالة مبانيه العتيقة. يظهر هذا جلياً في بداية الشارع، عند بوابة "منجك السلحدار" التي أنشأها الأمير "سيف الدين منجك السلحدار" عام 1347م، إذ كانت في العصور الأولي المدخل الرئيسي لسوق السلاح، والأثر الذي وثّق علي جدرانه صناعة السيوف والدروع بالرسومات المختلفة. الآن صارت البوابة مقلباً للقمامة، وتشوهت حوائطها المرتفعة برماد الحرائق، وتم إحاطتها بسور حديدي حتي لا يمر من خلالها أحد. "لو تم رفع القمامة يظن المار إلي سوق السلاح أنه تائه".. هكذا يقول بهجت محمد أحد الأهالي كدليل علي أن بوابة السلحدار تعاني يومياً من المخلفات التي يلقيها السكان عليها، قائلاً إنهم لا يستطيعون منع الناس من إلقاء القمامة، لأن الشارع ليس به صناديق مخصصة لذلك، محملاً وزارة الآثار ومحافظة القاهرة وحي الدرب الأحمر، مسئولية انهيار المباني، خصوصاً أنه يري الترميم الذي يتم من حين لآخر مجرد "شوية أسمنت"، وأن الحال يبقي كما هو عليه. تركنا البوابة في حالة من الغضب، وتوغلنا إلي داخل سوق السلاح، لتستقر بنا أقدامنا أمام مسجد لجاي اليوسفي، الذي يعود إلي عام 1373م، إذ أنشأه الأمير "سيف الدين الجاي بن عبد الله اليوسفي" كمدرسة ومسجد. ويتميز بأبوابه العملاقة وساحته الداخلية الكبيرة. وقد أطلق عليه الناس فيما بعد وحتي الآن اسم جامع "السايس" نسبة إلي السايس الذي كان يرعي فرس السلطان حسن، ويقال إنه دفن أسفل المسجد في مكان مجهول. ووفق حديث محمد أحمد حسنين أحد الأهالي يشهد المسجد حالة من الترميم المستمرة، خصوصاً بعد تعرض شرفاته في الفترة الأخيرة إلي السقوط. أمام جامع السايس، يوجد سبيل، غالبية الأهالي لا يعرفون اسمه، ولا يوجد حتي لوحة تعلن عن هويته، لا شيء سوي كتابة علي بوابته الخارجية المغلقة تفيد أنه تحول أوقات الحروب إلي دفاع مدني، شخص واحد الذي يعرف اسم السبيل الذي لا يختلف في معاناته عن المباني الأثرية الأخري، هو سبيل مصطفي سنان الذي يجمع بين الطراز المملوكي والعثماني، حيث توجد فيه بلاطات الخزفية العثمانية، والشباك المستطيل بالمصدعات المعدنية. بجوار سبيل مصطفي سنان، يوجد ضريحان أحدهما أثري والثاني وقف، الأول عبارة عن قبة للشيخ سعود الرفاعي الذي يحفظ الأهالي له عدداً من الكرامات، ولقب ضريحه بالقبة الخضراء لأنها كانت مكسوة من الخارج ببلاطات القيشاني الأخضر. والثاني ضريح سيدي محمد الرفاعي الذي يقام له مولد كل سنة في شهر رجب. متران فقط يفصلان بينك وبين سبيل رقية دودو، المحاط بسور حديدي وأسلاك شائكة، كأنه في حالة حصار، بعد أن شن الحرامية عدة هجمات عليه بعد ثورة يناير، إذ سرقوا شبابيكه النحاسية، ما دفع وزارة الآثار إلي بناء سور من الطوب بديلاً عن هذه الشبابيك حتي لا يدخله أحد. بالمصادفة قابلنا امرأة تدعي الحاجة نادية، التي ترتدي سبحة حول رقبتها، وتبيع الخردة التي تخرج من القمامة، تقول: "اسألوني أنا عن سبيل دودو.. فقد تربيت فيه، وقضيت فترة الكُتاب بداخله، وشاهدت جماله الذي اختفي مع الزمن، والآن كلما حدقت نظري فيه أشعر برغبة في البكاء، فهذا السبيل أول سبيل بالقاهرة ذي واجهة مقوسة شيدته امرأة، والأسبلة الباقية من هذا النوع نادرة جداً". في منتصف شارع سوق السلاح، يوجد أشهر وأندر الحمامات في مصر، وهو حمام بشتاك باشا، الذي أنشأه الأمير "سيف الدين بشتاك الناصر" عام 742ه. الذي ظل الناس يستخدمونه لسنوات طويلة، إلا أنه أغلق ولم يعد يُستخدم الآن. الحمام يعاني من حالة تدهور بالغة، إذ هبطت جدرانه بفعل عمليات ردم الشارع المتواصلة، كما ترتفع حوله الأبراج السكنية، ومن المتوقع اندثاره خلال أيام مقبلة. الغريب في الأمر أن هناك من بني فوقه غرفا سكنية، يعيش فيها عدد من الأسر. يقول الحاج سعيد حجازي، الفكهاني الذي يملك محلاً أمام الحمام: إن هذه الأسر موجودة منذ ثمانية أعوام، لكنه لا يعرف أسماءهم. مضيفاً أن هناك صراعا كبيرا بين عدد من الأفراد لرغبتهم في الترويج أنهم يمتلكون حمام بشتاك، وذلك لكي يأخذوا من المحلات والغرف إيجارا شهرياً. ويقع في سوق السلاح أيضا، سبيل حسن أغا، وهو سبيل مستقل يعلوه كُتاب وله واجهتان، الواجهة الشمالية الغربية منهما بها شباك تعلوه كتابات تأسيسية وأنشئ عام 1694م. وملحق به مبني أثري كان حتي عام 1980م، مدرسة لتحفيظ القرآن ومن المتوقع تطويره وفتحه ليكون مقراً للتفتيش علي آثار حي الدرب الأحمر. وعلي بعد خطوات، يوجد ضريحان يعانيان من حالة انهيار للطابق الثاني، وانهيار لنصف واجهته. لكن لم يطل الانهيار المقام، وتركت لافتة تعلن أن المدفونين هما الشيخان علي الغواص وعلي المغربي. وأمام الضريحين بيت أثري قديم، يردد الأهالي أنه بيت عائلة الفنان الراحل فؤاد المهندس. وفي نهاية الشارع يوجد مسجد عارف باشا، ويسمي زاوية، وقد أقيم قديماً علي أنقاض مدرسة الأمير مقبل الملكتمري، إذ يقال إن المدرسة عندما تدهورت جددها عارف باشا الدرملي عام 1282م، وحولها إلي مسجد، لكنه توقف كمكان للعبادة منذ أكثر من 70 عاماً، وتقوي واجهته الآن أعمدة من الحديد، ويتوقع الأهالي تعرضه للانهيار في أي لحظة. يقول الحاج محمد فضل، الذي يبلغ من العمر 71 عاماً: "زمان كنا نتباهي بالآثار، أما الآن فقد تحولت إلي خرابات، ولا يوجد اهتمام من قبل الدولة، والترميم الذي يفعلونه لا يمثل لنا سوي إشغال للطرقات".