جاءت زيارة نبيل فهمي وزير الخارجية للولايات المتحدة الأسبوع الماضي لتحمل أهمية خاصة من عدة جوانب حيث إنها تزامنت مع قرب استكمال مصر للخطوة الثانية والهامة في خارطة الطريق والتي تعني الانتهاء من الانتخابات الرئاسية بعد أن تمكنت البلاد من وضع دستور يليق بمستقبل مصر.. من هنا تأتي أهمية التواصل مع دولة ذات تأثير كبير في الشئون الدولية والإقليمية.. كالولاياتالمتحدةالأمريكية وطرح الرؤي المصرية لحقيقة الأوضاع علي الساحة المصرية من خلال التواصل مع الساحة الأمريكية بمختلف مكوناتها الرسمية وغير الرسمية حتي يمكن تعميق الفهم لدي الجانب الأمريكي حول الصورة الصحيحة لمجريات الأمور علي الساحة المصرية لأن ترك الأمور دون توضيح أو معالجة حكيمة قد يكون له تداعياته السلبية علي المصالح المصرية.. وزيارة فهمي تنبع أهميتها أيضا من كثافة اللقاءات والاتصالات والفعاليات التي أجراها الوزير سواء في الساحل الغربي للولايات المتحدة حيث بدأ زيارة بمدينة سان فرانسيسكو نظرا لأهميتها الاقتصادية الكبيرة حيث التقي مع رجال الأعمال والمستثمرين لجذب الاستثمارات لمصر لاسيما أن مصر بدأت الدخول في مرحلة الاستقرار السياسي والاقتصادي ومن ثم تأتي أهمية هذه اللقاءات.. كما التقي فهمي خلال زيارة لسان فرانسيسكو مع قادة الفكر والرأي وممثلي المؤسسات الإعلامية المحلية لشرح حقيقة الأوضاع المصرية.. ثم انتقل نبيل فهمي إلي المحطة الثانية والهامة علي الساحة الأمريكية وهي العاصمة الأمريكيةواشنطن حيث تم ترتيب برنامج مكثف للزيارة مع جميع دوائر صنع القرار وتشكيل الرأي العام في الولاياتالمتحدة وقد بدأ هذه اللقاءات والفعاليات بإلقائه خطابا شاملا عن مستقبل السياسة الخارجية المصرية أمام مركز الدراسات الاستراتيجية للشئون الدولية وهي أحد أهم مراكز الأبحاث حيث تضمن الخطاب شرحا وافيا لأسس الفكر المصري المستقبلي وحرص علي نقل رسالة للساحة الأمريكية بأن مصر استردت عافيتها وتمارس دورها بقوة ولها طموحات إقليمية ودولية فضلا عن شرحه لعملية التحول الديمقراطي في البلاد وما تم إنجازه علي صعيد الدستور وتقديمه شرحا للأحكام القضائية الأخيرة.. كما التقي مع نخبة من المفكرين والأكاديميين في مركز «وودرو ويلسون» وفي مجلس العلاقات الخارجية.. ويضاف إلي ذلك لقاءات مع سياسيين قدامي وإعلاميين متميزين مثل هنري كيسنجر وريتشارد هاس وتوماس فريدمان ونجروبونتي.. كما أدلي وزير الخارجية بعدة أحاديث تليفزيونية وإذاعية لأهم المحطات الإعلامية الأمريكية ومن ثم جاءت هذه اللقاءات لتقدم شرحا للمفاهيم والرؤي المصرية لتصحيح المعلومات والرد علي بعض الادعاءات غير الصحيحة. وكان لنبيل فهمي لقاءات ومباحثات مكثفة مع كبار المسئولين في الإدارة الأمريكية.. وبالإضافة إلي لقائه مع چون كيري وزير الخارجية كان له لقاء مع سوزان رايس مستشارة الرئيس الأمريكي أوباما للأمن القومي.. بالإضافة إلي لقائه مع تشاك هيجل وزير الدفاع الأمريكي وعدد من قيادات الكونجرس بما يعكس المحاور المتعددة والمتشعبة للعلاقات المصرية الأمريكية. لقاءات مكثفة حرص نبيل فهمي وزير الخارجية خلال لقاءاته المكثفة بالعاصمة الأمريكية علي نقل العديد من الرسائل المصرية الهامة والرد علي العديد من التساؤلات الأمريكية بشأن الواقع المصري وخاصة فيما يتعلق بمسار تنفيذ خارطة الطريق والأحكام القضائية الأخيرة.. وفقا للمصادر الدبلوماسية فإن ما يمكن استخلاصه من نتائج هذه اللقاءات أن الدولتين لديهما اهتمام قوي بمواصلة التعاون فيما بينهما وفي هذا الإطار أكد فهمي في رسالة واضحة للجانب الأمريكي استقلالية القرار المصري وأهمية التعامل البيني علي أساس من الاحترام المتبادل والندية وعدم التدخل في الشئون الداخلية.. وأوضح فهمي خلال هذه اللقاءات أيضا أن مصر لاتقبل باستغلال برامج المساعدات الأمريكية كأداة للضغط عليها وقد لمس فهمي تفهما من الجانب الأمريكي لذلك. ومن هذا المنطلق أبرز الجانب المصري خلال مباحثاته في الولاياتالمتحدة بأن التعاون الاقتصادي هو الذي يسمح ببناء وتطوير المؤسسات ويزيد من كفاءتها ويحقق التنمية بينما التعاون العسكري له طبيعة استراتيجية ومن ثم لابد من التعامل معه بحساسية خاصة دون المساس باستقراره باعتبار أنه يوجه لمجالات ترتبط بالأمن القومي والسيادة ومكافحة الإرهاب. وجاء الطرح الأمريكي خلال لقاء فهمي مع كبار المسئولين بواشنطن ليؤكد أهمية مصر ودورها ومكانتها الإقليمية والثقة في إنجاح التطور الديمقراطي بها وأكد الجانب الأمريكي دعمه الكامل لخارطة الطريق وقبول الطرح المصري بالتمسك باستقلالية القرار. كما أكد المسئولون بالإدارة الأمريكية خلال المباحثات أهمية التعاون البناء مع القيادة المصرية المنتخبة.. وقد أوضحت بيانات وزارة الخارجية الرسمية ملاحظة الجانب المصري لتكرار الحديث من قبل الجانب الأمريكي علي كافة المستويات الرسمية وغير الرسمية عن قضايا حقوق الإنسان في مصر والأحكام القضائية الأخيرة. نتائج إيجابية وفي حقيقة الأمر فإن مباحثات وزير الخارجية نبيل فهمي بالولاياتالمتحدة أسفرت عن عدة نتائج هامة وإيجابية كان لايمكن التوصل إليها إلا من خلال التواصل والنقاش علي أساس من الشفافية والصراحة الكاملة بشأن ما تواجهه العلاقات بين الدولتين من مشاكل وضرورة وجود رؤي وأسلوب مختلف في التعامل مع هذه القضايا القائمة وتهيئة المناخ لعلاقة مستقبلية تستند للاحترام المتبادل والندية في التعامل وهو ماتم الاتفاق عليه بالفعل.. وإحدي الخطوات التي تم اتخاذها من الجانب الأمريكي للتمهيد لزيارة فهمي وضمان نجاحها كان القرار الخاص بالإفراج عن الطائرات الأباتشي بعد مشاورات أمريكية - أمريكية داخلية امتدت لأسابيع. من أهم نتائج الزيارة أيضا هي أن فهمي استطاع نقل رسالة واضحة للساحة الأمريكية بأن مصر صاحبة قرار مستقل ولديها خيارات متعددة ومتنوعة علي الصعيد الخارجي وهي في نفس الوقت صديق لكل من يصادقها. من ناحية أخري لمس الجانب المصري في المباحثات اهتماما أمريكيا كاملا بالتشاور مع القيادة المصرية الجديدة المنتخبة في أقرب فرصة ممكنة وفور إجراء الانتخابات الرئاسية المقبلة. كما لمس الجانب المصري أيضا التأكيد الأمريكي الكامل علي أهمية العلاقات مع مصر باعتبارها قوة إقليمية مؤثرة ووجود مصالح متبادلة تتجاوز كثيرا مجرد منح مساعدات من طرف لآخر حيث أكد الجانب المصري أهمية أن تكون هذه العلاقة قوامها المشاركة الكاملة بحيث لاتقتصر علي كونها علاقة مانح بمتلق وذلك في إطار الحديث عن مستقبل العلاقات بين البلدين. وهناك اتفاق بين الجانبين علي ضرورة وضع أسس واضحة لمستقبل العلاقات تستند إلي الاحترام المتبادل والبناء علي نقاط الاتفاق وحسن إدارة نقاط الاختلاف والتباين. كما أن زيارة فهمي للولايات المتحدة كانت فرصة هامة لتقديمه شرحا كاملا بما تم إنجازه علي صعيد تنفيذ خارطة الطريق خاصة فيما يتعلق بإقرار الدستور وما تضمنه من مواد غير مسبوقة في ضمان الحقوق والحريات ونقل الصورة الحقيقية للأوضاع في مصر وشرح ملابسات الأحكام القضائية الأخيرة وتأكيد استقلالية القضاء المصري. الإرهاب وملفات أخري من أهم النتائج الإيجابية لزيارة فهمي ومباحثاته بالولاياتالمتحدة كان الاتفاق الكامل بين الجانبين المصري والأمريكي علي خطورة ملف الإرهاب والتعاون الأمريكي الكامل مع مصر في مواجهته وفي هذا النطاق أكد الجانب الأمريكي علي أعلي مستوي أنه لاتوجد أي مؤامرات علي مصر وأن الولاياتالمتحدة حريصة كل الحرص علي نجاح عملية التحول الديمقراطي بها. وقد أظهرت هذه الزيارة وعلي حد وصف البيان الرسمي الصادر من وزارة الخارجية تحول الجانب المصري من الدفاع إلي المبادرة وإظهار الثقة بالنفس وهو ماتحقق إلي حد كبير بحيث لايمكن لأحد التشكيك في مصداقية ذلك. كما لمس الجانب المصري خلال اللقاء مع جون كيري وزير الخارجية الأمريكي احترامه الكامل للدور المصري الإقليمي والعالمي بما في ذلك رؤية مصر في قضايا هامة كالعلاقة مع إيران والأوضاع في ليبيا والقضية الفلسطينية والأزمة السورية وقضايا الأمن الإقليمي ومنع الانتشار فضلا عن تطورات الأزمة الأوكرانية وهو ما يعكس تعافي مصر وعودتها لممارسة دورها الإقليمي والدولي ويضاف إلي ذلك أن الجانب المصري استطاع نقل الموقف المصري من قضية الأمن المائي والالتزام بسياسة تنويع البدائل والخيارات الخارجية بإضافة شركاء جدد كروسيا والصين واليابان وكوريا الجنوبية والهند والبرازيل وغيرها. وقد اختتم فهمي زيارته لأمريكا بعقد لقاء مع بان كي مون سكرتير عام الأممالمتحدة خلال توقفه في نيويورك في طريق عودته لمصر حيث كان اللقاء فرصة هامة للتشاور حول التعاون المشترك في عمليات حفظ السلام الأممي في أفريقيا وإدانة أعمال الإرهاب التي تواجهها مصر وكان هناك تفهم من بان كي مون لحقيقة التطورات الداخلية في مصر. لقد كان لزيارة وزير الخارجية للولايات المتحدة بالفعل نتائجها الإيجابية والتي تعني أولا وقبل كل شيء استرداد مصر لعافيتها وإعطاء رسالة واضحة للجميع أن مصر تسير علي الطريق الصحيح وتمارس دورها الإقليمي والدولي بخطي ثابتة ولايمكن لأحد أن يوقف مسيرتها علي مر الزمن والتاريخ.