بدأت الحكومة الأسبوع الماضي حوارا مجتمعيا حول أهمية تحويل الدعم العيني إلي نقدي بهدف ترشيد النفقات وتحقيق العدالة الإجتماعية وتوصيل الدعم إلي مستحقية بدلا من استحواذ فئات غير مستحقة لأكثر من 60 % من جملة الدعم الذي بلغ 204 مليارات و545 مليون جنيه مزايا ومنحا ودعما. إلا أن نتائج تلك المناقشات سلبية حتي الآن وهو ما ظهر من خلال آراء النسبة الأكبر من خبراء الاقتصاد الذين أكدوا أن الدعم النقدي سيتسبب في ارتفاع الأسعار بشكل جنوني ولن تستطيع الدولة السيطرة علي السوق. تصريحات الوزراء جاءت مؤيدة للتحول الي الدعم النقدي وهو ما أكده الدكتور أشرف العربي وزير التخطيط والتعاون الدولي مشيرا إلي أن هناك حاجة إلي تطوير قوانين الاستثمار وقانون العمل والوظيفة العامة والمنظومة الضريبية مشددا علي أهمية الشفافية وإتاحة البيانات التي تشجع علي مناخ الاستثمار. وأضاف العربي في تصريحات إعلامية أن مصر لن تنهض إلا بالقيمة المضافة مؤكدًا وجود تعاون كبير بين مصر والبنك الدولي مشيرًا إلي أن الزيارة التي قام بها 13 مديرا تنفيذيا لمصر مؤخرًا كانت ناجحة وانعكست في إجماع البنك علي تمويل المشروعات متناهية الصغر ب300 مليون دولار. وأكد الوزير علي أنه يتفق مع فكرة الدعم النقدي مضيفًا أن مصر لديها إمكانيات كثير لم تستغل بعد وعلي الحكومة اتخاذ إجراءات إصلاحية سريعة. هاني قدري دميان وزير المالية أكد خلال عرضه للتحول الي الدعم النقدي أن دعم الموازنة العامة للدولة لقطاع الكهرباء يبلغ نحو 21 مليار جنيه ، مؤكدا أنه متحمس للتحول الي تطبيق الدعم النقدي خاصة أنه يمنح حرية الاختيار ويحقق العدالة لجميع الأطراف وقلل من مخاوف زيادة هذا الاتجاه لمعدلات التضخم والأسعار بالأسواق. وأشار الي أن خطة تحريك أسعار الكهرباء لن تمس الشرائح الدنيا التي تخص الفقراء ومحدودي الدخل مشيرا إلي وفورات يمكن تحقيقها من خلال إنارة الشوارع باعتماد نظام الطاقة الشمسية ما يوفر نحو50 الي 80 ميجاوات سنويا لإنارة المصانع والمنازل وصيانة شبكات التوزيع لتخفيف الهدر، والسيطرة علي التسرب في الكهرباء . وأكد أن مشكلة التضخم في مصر ترجع لأسباب مختلفة منها انحسار المعروض ووجود اختناقات بالسوق المحلية بجانب اتخاذ كثير من المستوردين احتياطاتهم بهامش ربح مبالغ فيه نتيجة عدم اطمئنانهم للأحوال الاقتصادية وسعر الصرف وغيره . قال وزيرالمالية إن مشروع توزيع الوقود بالبطاقات الذكية سيتم تنفيذه في ضوء متوسط استهلاك الفرد الطبيعي وما يزيد عن ذلك يدفع بسعر مختلف يجري الاتفاق عليه لاحقا ويرتبط بالتكلفة وليس بالسعر العالمي ونفي أي مشكلات في تطبيق منظومة الكروت للبنزين والسولار أو تأجيلها. أضاف قدري أن علينا أن نبدأ باتخاذ خطوات ستبدو صعبة ولكن علينا أن نتحملها كمواطنين ومنها إصلاح منظومة الدعم والنظام الضريبي. أما رأي الخبراء فكان معاكسا لذلك تماما فالدكتور أحمد آدم الخبير المصرفي أكد أن عجز الموازنة في مصر بلغ 246 مليار جنيه وتبلغ الميزانية العامة للدولة حوالي 650 مليار جنيه منها 171 ملياراً مخصصة للدعم بجميع أنواعه منقسمة إلي 120 ملياراً جنيه دعما للطاقة و51 مليارا دعما ل33 سلعة تموينية بجانب 18 مليارا دعما للصحة والتعليم والرياضة والثقافة وهذا يعني أن أغلب الدعم موجه إلي الطاقة كما أن 80 % من هذا الدعم مقدم للمصانع كثيفة الاستخدام للطاقة ومع الخصخصة فإن أغلب هذا الدعم يصل إلي رجال أعمال وهو ما يعني أن الدعم لايصل الي مستحقيه. وأضاف أن الحكومة بدلا من أن توقف الدعم عن تلك المصانع لجأت إلي المواطن البسيط الذي تحاول أن تعطيه الدعم النقدي وتتركه وسط غلاء الأسعار فمثلا مصانع الأسمنت تبيع طن الأسمنت ب700 جنيه في الوقت الذي تبلغ تكلفته 120 جنيها فقط وبالتالي هناك مكاسب كبيرة لا تستفيد منها الدولة، مشيرا الي أن الحكومة تخشي من رجال الأعمال بسبب سطوتهم الإعلامية ولكنهم ليس لهم أي تواجد بين الجماهير. كما أكد أن الوقت الحالي ليس مناسبا للتحول من الدعم العيني إلي الدعم النقدي، فمثل هذه التغيرات من المفترض أن تحدث بعد أن تنتهي الدولة من استحقاقاتها الديمقراطية كاملة وخاصة اختيار رئيس مصر القادم. وأشار إلي أن الجميع يغفل سلبيات الدعم النقدي التي يأتي علي رأسها ترك المواطن فريسة للأسعار العالمية بالأسواق المحلية خاصة أن أغلب السلع في مصر يتم استيرادها كذلك سيواجه بدون مساندة الدولة له الارتفاعات المتلاحقة للأسعار عاما بعد الآخر متسائلا: كيف ستتمكن الدولة من التفريق بين مستحقي الدعم وغير مستحقيه فقاعدة البيانات المطلوبة لا تفرق بين دعم عيني ونقدي وحتي الآن الدولة لم تنجح في هذا الأمر. وأوضح أن رفع الدعم العيني يعني استبداله بدعم نقدي في صورة ارتفاع في الأجور الأمر الذي سيزيد من العجز بالموازنة العامة للدولة مقارنة بالدعم العيني وليس العكس كما يردد البعض لافتا إلي أنه ليس مع هذا التحول كما أن الوقت ليس مناسبا للحديث عنه من الأساس. وتعمل وزارة التضامن الاجتماعي حاليا علي إعادة تقييم برنامج معاش الضمان الاجتماعي، لتحديد مدي كفاءته وتحديد أبرز عيوبه حتي تستطيع تلافيها في سياسات المساندة الاجتماعية الجديدة التي تعتزم الحكومة تطبيقها خلال الفترة القادمة. وستعتمد الحكومة في تشكيلها لقاعدة البيانات التي ستعتمد عليها في توزيع الدعم النقدي علي بيانات مليون ونصف المليون أسرة تستفيد حاليا من برنامج معاش الضمان الاجتماعي فضلا عن 2.5 مليون أسرة كانت الحكومة قد جمعت عنها معلومات خلال عامي 2009 و 2010 وعرّفتهم وقتها بأنهم الأسر الأولي بالرعاية الاجتماعية، وفقا للمصدر الذي أضاف أن الحكومة تعيد مراجعة تلك البيانات في الوقت الحالي. وستعتمد القاعدة علي التوزيع الجغرافي لمعدلات الفقر كما أن بعض المناطق التي ستصل نسبة الفقر فيها إلي 80% قد تستهدفها الحكومة لتقديم الدعم النقدي لكل مواطنيها. كما ستقوم الوزارة بعمل نماذج لأسئلة استبيان ستجيب عنها بعض الأسر ومن خلالها نستطيع تحديد مدي أحقيتهم للحصول علي الدعم النقدي من عدمه. «آخر ساعة» تعرفت علي آراء بعض المشاركين في الحوار الذي أطلقته وزارة المالية علي موقعها الإلكتروني فبعد مرور عدة أيام علي اطلاقها، شهدت مدونة وزارة المالية للحوار العام حول القضايا الاقتصادية والمالية، تجاوباً ملحوظاً من المشاركين سواء بالتعليق علي المواد المنشورة بالمدونة أو من خلال إبداء الآراء والمقترحات. جاء معظم التعليقات حول ملفي الأجور ودعم الطاقة بالإضافة إلي عدد آخر من القضايا الاقتصادية والمالية كسداد ديون مصر والإصلاح الضريبي وأسعار الكهرباء وإصلاح مناخ الاستثمار ودعم الصناعات التحويلية والصناعات الصغيرة وغيرها.