حسناً فعل، المستشار الدكتور عبدالعزيز سالمان، الأمين العام للجنة الانتخابات الرئاسية، حينما نفي صحة ما ذكرته العديد من وسائل الإعلام، والمواقع الإخبارية، عن أن اللجنة ستحيل الممتنعين عن التصويت في الانتخابات الرئاسية المقبلة إلي النيابة العامة، مؤكداً أن هذا الخبر غير صحيح، وعار تماماً من الصحة. المستشار سالمان، أهاب بكافة وسائل الإعلام والصحافة، تحري الدقة في شأن ما تكتبه وتنشره من أخبار تتعلق بعمل لجنة الانتخابات الرئاسية، وأن تستقي وسائل الإعلام أخبارها من مصدرها الصحيح. ورغم إعلان اللجنة لنيتها بعدم إحالة الممتنعين عن التصويت إلي النيابة العامة، إلا أن تصريحات الأمين العام للجنة لم تتطرق إلي إلغاء العقوبات نهائياً، ومنها الغرامة المالية، والتي إذا ما طبقت بالفعل ستعني أيضاً إحالة الممتنعين إلي النيابة العامة، فاللجنة العليا للانتخابات لا تغرم، وطبيعي إذا طبقت الغرامة فإن من يوقع الجزاء هو النيابة العامة، وبالتالي فإن إحالة المواطنين الممتنعين إلي النيابة هو الإجراء الطبيعي، ومن ثم اتخاذ أمر جنائي أو تحويل لمحكمة الجنح لدفع مبلغ الغرامة. عدم نفي اللجنة العليا للانتخابات توقيع غرامات مالية علي الممتنعين عن التصويت في الانتخابات الرئاسية، المقرر إجراؤها يومي 26 و27 مايو المقبل، تسبب في حالة من الجدل السياسي، والقانوني، والدستوري، حول فرض عقوبة الغرامة، أو حتي الإحالة للتحقيق. واتفق رجال القانون حول صعوبة تطبيق عقوبة الغرامة، التي وردت بقانون الانتخابات علي أرض الواقع نظراً لكثرة أعداد الممتنعين عن التصويت في أي انتخابات سابقة. وأكدت التصريحات الأخيرة للواء عادل لبيب، وزير التنمية المحلية والإدارية، أن اللجنة العليا للانتخابات لن تتراجع عن تنفيذ مادة معاقبة الممتنعين عن التصويت، فقد أعلن لبيب أن وزارة التنمية الإدارية ستساعد اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية في إحصاء أعداد الممتنعين عن التصويت في الانتخابات الرئاسية التي ستجري يومي 26و27 مايو المقبلين، مشيراً إلي أن الإحصاء سيكون بعد الانتهاء من إعلان النتيجة النهائية للانتخابات الرئاسية. تلك التصريحات أكدها المستشار عبدالعظيم العشري، المتحدث باسم وزارة العدل، حيث أشار إلي إن اللجنة العليا للانتخابات ستفرض عقوبات تتمثل في غرامة مالية للممتنعين عن التصويت، منوهاً إلي أن وزارة العدل لم تحدد بعد قيمة تلك الغرامة. المحامي، والفقيه القانوني، مختار نوح، أكد أن هذا القانون موجود منذ 30 سنة، ولم يتم تطبيقه حتي الآن، لافتاً إلي أن المواطنين لم يأخذوه علي محمل الجدية خاصة بعد ثورة 25 يناير 2011 حيث إن المواطنين اعتقدوا أن هناك عقوبة بالفعل، ولكن بعد ذلك فقدوا الثقة في تلك القرارات، موضحاً أنه لا يعتقد أن الغرامة المالية ستساهم في زيادة أعداد الناخبين المشاركين في الانتخابات الرئاسية المقبلة. بينما أكد الفقيه الدستوري، عصام الإسلامبولي، أن المادة القانونية الخاصة بوضع الغرامة المالية للممتنعين عن التصويت كانت موجودة علي مر العصور، ولكن باختلاف القيمة المالية للغرامة، غير أنه في النهاية وأياً كانت قيمة الغرامة فهي ليست حافزاً للمشاركة في الانتخابات الرئاسية، موضحاً أن عملية التصويت تتم عن طريق الاقتناع الكامل بأحد المرشحين للانتخابات الرئاسية، وليس بالتهديد بفرض غرامات مالية، أو التحويل للنيابة أو التحقيق. وشدد عضو المكتب التنفيذي لشباب جبهة الإنقاذ، محمد الأشقر، علي أن الحديث عن اتجاه اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية لإحالة الممتنعين عن التصويت في الانتخابات الرئاسية إلي النيابة العامة، كان مجرد محاولة تحفيزية في المقام الأول، لحث المواطنين علي مباشرة حقهم السياسي بالذهاب للجان الانتخابات الرئاسية. وأشار إلي أن مشاركة المواطنين بشكل واسع في الانتخابات سواء الرئاسية أو البرلمانية يعزز من قيمة التحول الديمقراطي. محمد منيب، القيادي في حزب الكرامة، رئيس المركز الإفريقي للديمقراطية ودراسات حقوق الإنسان، يري أن الحديث عن تحويل الممتنعين عن التصويت للنيابة كان غير قانوني من الأساس، لأنه ليس من اختصاص العليا للانتخابات، وينبغي أن يكون لذلك القرار قانون يصدر من قبل الرئيس المؤقت، المستشار عدلي منصور، حيث إن قرارات اللجنة العليا للانتخابات إدارية فقط، وتطبيق مثل هذا القرار قد يعطي مدلولاً بأن هناك تداخلا في تخصصات مؤسسات الدولة. وقال منيب، إن التهديد بالغرامة والحبس لن يغير في نسب المشاركة بالزيادة أو النقصان، ولن يجبر أحداً علي المشاركة، منوهاً إلي أن اختصاص النيابة يكون في القضايا الجنائية فقط. الأمر ذاته، أكده حسام الخولي، سكرتير عام مساعد حزب الوفد، لافتاً إلي إن التصويت في الانتخابات الرئاسية حرية شخصية، وليس من حق العليا للانتخابات أن تعاقب أحداً من الممتنعين عن التصويت، وأكد أن الحديث عن الغرامة المالية والتحقيق يكون من شأنه استفزاز مشاعر المواطنين. حق مدني حافظ أبوسعدة، رئيس المركز القومي لحقوق الإنسان، أكد أنه لا يري ضرورة لمعاقبة من يمتنع عن المشاركة بالتصويت في الانتخابات الرئاسية، وأنه يعتبر أن المشاركة السياسية في الانتخابات حق من الحقوق المدنية السياسية التي نصت عليها المواثيق الدولية، وكذلك الدستور المصري، وكما أن التصويت حق للمواطن، فإن من حقه أيضاً أن يمتنع عن التصويت، لأن الامتناع قد يكون شكلاً من أشكال التعبير عن الرأي، مؤكداً أنه لا يجوز عقاب أي إنسان علي عدم ممارسة حق منصوص عليه. من جانبه، قال الدكتور محمد الذهبي، الفقيه الدستوري، إن هناك نصا كاملا ورد في قانون الرئاسة في الجزء المخصص من قانون العقوبات تتناول وضع العقوبة علي كل من امتنع عن التصويت، والمادة 40 من الدستور، والتي تنص علي وضع غرامة مالية لا تتجاوز ال500 جنيه، لمن كان اسمه مقيداً بقاعدة بيانات الناخبين، وتخلف بغير عذر عن الإدلاء بصوته في الانتخابات الرئاسية، لافتاً إلي أن هذا النص موجود ولكن لا ينطبق علي أرض الواقع. أضاف، أن التصويت في الانتخابات هو نوع من الرغبة الذاتية للمواطنين فلهم حق المشاركة والتصويت لأي من المرشحين ويلزم عليه أيضاً أن يشارك ولكن ليس عن طريق التلميح بالعقوبات، مؤكداً أنه لا يميل لوضع غرامة مالية لكل من امتنع عن المشاركة في العملية الانتخابية فمن الأفضل أن نترك الأمر للضمير الذاتي للمواطنين. واستنكر الدكتور مجدي مرشد، نائب رئيس حزب المؤتمر، الحديث عن تحويل الممتنع عن التصويت في الانتخابات القادمة إلي النيابة العامة، أو تطبيق غرامة 500 جنيه، وقال إن إدلاء المواطنين بصوتهم في الانتخابات حق يكفله الدستور والقانون ويعتبر التصويت حقاً للمواطن يستطيع استخدامه أو الامتناع عنه، وإننا بعد ثورة 30 يونيو لا يجب أن نجبر مواطنا أو نقوم بتهديده في حالة عدم التصويت. أضاف: "لا يجوز دستورياً ولا إنسانياً إرغام مواطن علي الإدلاء بصوته لأن هذا يعتبر قناعة شخصية يجب أن تخرج أولاً وأخيراً من المواطن نفسه، وأن يكون الدافع وراء ذلك اقتناعه بالاستحقاق وبمن يستحق". غير دستوري وانتقد طارق العوضي، الناشط الحقوقي، محاولات تقييد المواطنين وإجبارهم علي المشاركة في الانتخابات، مشيراً إلي أن ذلك يعيدنا إلي زمن ما قبل العصور الوسطي، لافتاً إلي أن قانون مباشرة الحقوق السياسية منذ عهد مبارك ينص علي أن عدم الذهاب إلي التصويت أو الاستفتاءات يغرم الناخب 500 جنيه، ولكن هذا النص لم يطبق حتي الآن لأنه غير دستوري، فالانتخاب حق، ولا يجوز الإجبار علي ممارسة الحق، والامتناع عن الذهاب للمشاركة في العملية الانتخابية يأتي نتيجة موقف سياسي، وبالتالي من حق الفرد مقاطعة الانتخابات. ولفت العوضي، إلي أنه من الصعب تطبيق الغرامة، لأنه من المفترض أن يمارس عملية التصويت حوالي 50 مليونا، ويشارك فقط 20 مليونا، وبالتالي يصعب محاكمة 30 مليون شخص، ومن الصعب أيضاً أن تقوم جهة إدارية بعمل محاضر ل30 مليون مواطن امتنعوا عن التصويت.