عبقرية مكان مصر .. أن تكون مدعوا علي افتتاح معرض للكتاب، فهذا أمر عظيم، وأن تكون المرأة المصرية ضيفة شرفه، فذاك شأن أعظم، لكن أن تترك متابعة كل هذا وذاك، لابد أن هناك شيئا جللا قد حدث، وهو بمجرد دخولي إلي قاعة المؤتمرات بمكتبة الإسكندرية، ومشاهدة معروضات الهيئة العامة لقصور الثقافة، والعثور علي كتاب علي اسم مصر، كمايقول شاعرنا الكبير صلاح جاهين، فإن التاريخ يقدر يقول مايشاء، أنا مصرعندي أحب وأجمل الأشياء فقد أحسست أنني اكتشف عبقرية مصر في الزمان والمكان، كما يرسمها العاشق جمال حمدان، من خلال كتاب عن عالم المتاحف كنت أبحث عنه من فترة، وثان عن محمياتنا الطبيعية، وثالث عن مدينة السويس، ورابع عن سور مجري العيون، وخامس عن القاموس الجغرافي لمصر بأجزائه، وسادس عن الكنائس والأديرة وآخر عن القبور والأضرحة.. وقد عبأت كيسين من الكتب القيمة والتي دفعت فيها جنيهات قليلة لاتوازي سعر كتاب واحد من مطبوعات القطاع الخاص.. ودخلت قاعة الاحتفال وأنا ذهني مشغول بالكنز الذي اشتريته والذي سينفعني كثيرا في موضوعاتي المصورة عن تراث وآثار مصر الخالدة، وقد افتتح المعرض الدكتور خالد عزب مدير قطاع المشروعات بالمكتبة، والذي قدم الضيوف وتحدثوا بكلمات بليغة، لكن بمجرد تقديمه لعدد من الباحثين الشباب بصفتهم النخبة في المستقبل - الذين يغوصون في بحار تراث مصر من أجل استخراج كنوزها و توثيقه وطرحه للجمهور في صورة كتب وكتالوجات مصورة - وجدتني أشحذ همتي وأركز في الصور وأدقق في الكلمات التي يلقيها هؤلاء الشباب.. فقد قال الباحث محمد السيد إن ادارة المشروعات بمكتبة الإسكندرية سوف تصدر كتالوجا بثلاث لغات هي العربية والإنجليزية والفرنسية في طبعة فاخرة عن الجامع الأزهر الشريف في رحلته عبر الزمان والمكان، واشترك الدكتور خالد عزب والباحثة شيماء السايح وأنا في إعداده واستطعنا خلال عام ونصف العام من خلال فريق العمل الذي تكون من باحثين ومهندسين ومصورين وخطاطين من مكتبة الإسكندرية وبالتعاون مع مشيخة الأزهر الشريف ومتحف الفن الإسلامي بالقاهرة، أن نخرج بكتالوج يطوف بالقارئ بين أروقة الجامع ومدارسه، كاشفين عن كنوزه من تحف ومصاحف ومخطوطات، فالجامع الأزهر الشريف لم يكن جامعا مثل باقي الجوامع في البلاد، فقد اهتم به كل حكام وسلاطين مصر وأضافوا إلي عمارته أجزاء علي مر التاريخ، لأنهم كانوا يستمدون شرعيتهم منه، حتي الناس البسطاء ساهمت في استمرار كيان الأزهر عن طريق الأوقاف، فمن خلال الاطلاع علي الوثائق وجدنا مدنا وقري بأكملها في المنوفية والشرقية والدقهلية أوقفت للصرف علي الجرايات به، لتوفير الخبز واللحم والأرز لطلاب العلم به، فهو جامعة عالمية عمرها أكثر من ألف عام، كما أنه حافظ علي الهوية العربية والإسلامية لمصر من الغزاة، الذين أرادوا محوها وتغييرها، ويضيف الباحث محمد السيد: إن الكتالوج بحق يعتبر موسوعة شاملة عن الجامع الأزهر الشريف بعمارته وتاريخه مابين حقائق التاريخ وحسن التصوير ودقة التوثيق. ثم قدم الدكتور خالد عزب، باحث الدكتوراه حسام عبد الباسط مفتش آثار إسلامية، ليحدثنا عن كتاب ذاكرة الإسكندرية الفوتوغرافية الذي سيصدر خلال شهرين ضمن سلسلة إصدارات ذاكرة مصر المعاصرة، وهو نتاج مجهود الباحث وزميله محمد السيد، في تجميع صور من مكتبة الإسكندرية علي مدي 4 سنوات، والكتاب يقع في 300 صفحة ويضم حوالي270 صورة، من ضمن800 صورة فوتوغرافية نادرة تمثل عرضا ومشاهدات لأهم معالم مدينة الإسكندرية في بداية القرن العشرين، وتعتبر سجلا وثائقيا لمجموعة هامة من المباني التراثية والأثرية المعرضة للخطر والاندثار لا بفعل الزمن ولكن من جراء معاول الهدم، دون النظر للقيمة الحضارية والأصيلة للمجتمع السكندري، ويقول حسام عبد الباسط إن الكتاب تم تقسيمه حسب الأحداث التاريخية مثل ضرب المدينة عام 1882 وثورة 1919 وأيضا حسب الشوارع والميادين والأحياء السكنية الرئيسية مثل مدينة أبو قير والكورنيش وميدان سعد زغلول ووسائل المواصلات مثل محطة السكك الحديدية والطوابي والتحصينات العسكرية ومجموعة المساجد والسرايا والقصور الملكية والمباني والمناطق الأثرية، فالكتاب يعد وعاء وثائقيا وتسجيليا لتراث الإسكندرية بحق. ونغادر القاعة لافتتاح المعرض رسميا، وهناك يلفت نظري جناح مميز للجهاز المركزي للتعبئة والاحصاء، وكان يعرض أطالس لمحافظات مصر، فسألت عن أسعارها، فقالت لي ابتسام الحلبي مشرفة المعرض إن هذه الأطالس ليست للبيع ولكنها موجودة علي سي دي وعلي الفور جهزت لي مجموعة من المطبوعات وأعطتها لي كهدية يقدمها الجهاز لكل زائر، وعند تفحصها وجدت مسطرة طولها 20 سم تذكر الزائر بأن الجهاز يحتفل هذا العام بمرور 50 عاما علي إنشائه (اليوبيل الذهبي ) وعلي وجهها الأول بعض المبادئ الأساسية للإحصاءات الرسمية، وعلي الوجه الآخر نبذة عن الجهاز نفسه، وكتيب آخر عن مصر في أرقام 2014 إصدار مارس وأيضا دليل الإصدارات والخدمات في يناير 2014. وقد توقفت عند جناح القنصلية العامة للولايات المتحدةالأمريكيةبالإسكندرية، وفيه وجدت أمريكا تتحدث عن نفسها، من خلال مطبوعات مكتب برامج الإعلام الخارجي لوزارة الخارجية الأمريكية، والقيت نظرة سريعة علي المعروضات، فأمسكت بكتيب عن موجز تاريخ الولاياتالمتحدة قطع صغير وسألت عن سعره، فقالت المشرفة عن الجناح خذي كتابا آخر من نفس المجموعة وادفعي 5 جنيهات، وكنت سأعترض علي أسلوب الاجابة لكن كتيب موجز اقتصاد الولاياتالمتحدة، أغراني لكي آخذه، وعند الدفع فتحت صندوقا معدنيا وضعت بداخله الفلوس، وهي تشير إلي مجموعة أخري من المطبوعات، موضحة أنني من حقي اختيار إحداها كهدية لأنني اشتريت، وقد اخترت خريطة لأمريكا مع حقائق موجزة عنها، وقد كتب عليها usa وداخل كل حرف منها صور متلاصقة لمعالم الحياة فيها، وأخذت أقلب الخريطة وأقول لنفسي لو الخارجية المصرية تعمل زيها و تكتب اسم مصر بالإنجليزية لكن بالعرض وتضع فيها صورا للمصريين ولمعالم مصر ويوزعها الاعلام الخارجي أيضا ..كما لفت نظري أيضا جناح سلطنة عمان الذي بمجرد وقوفي أمامه أتحفني المشرف عليه بكتاب فاخر الطباعة عن بلاده في عام 2014م يضم مجموعة من الصور عالية الجودة، ويتحدث عن السلطنة وأهلها، كما أعطاني سي دي عن عمان في 2013، وتمنيت من كل قلبي أن تطبع الحكومة المصرية كتابا عن مصر، بنفس فخامة هذا الكتاب العماني. وقبل مغادرة المعرض عرجت مرة أخري علي جناح الهيئة العامة لقصور الثقافة ووجدت الجمهور المدعو للافتتاح قد أتي علي معظم المعروض علي الرفوف، واستطعت أن أحصل علي 6 كتب أخري كلها علي اسم مصر منها حكاية مصر القديمة، في أدب مصر الإسلامية، وثورة مصر وتكنولوجيا المعلومات ومحمد علي وبناء الدولة الحديثة ولم أشعر بثقل الكتب التي اشتريتها إلا عندما اعطاني الموظف كيسا آخر، مبررا ذلك بأن الكيس الأول لن يتحمل وللعلم معرض مكتبة الإسكندرية الدولي للكتاب لايزال مفتوحا أمام الجمهور وتستمر ندواته وأنشطته الثقافية المصاحبة له حتي 4 إبريل الجاري .