علي الرغم من أن ظاهرة التحرش ليست جديدة علي المجتمع المصري إلا أن انتشارها داخل المؤسسات التعليمية سواء الجامعات أو المدارس فجر غضبا مجتمعيا وتحديدا بعد سوء تعامل الإدارات التعليمية مع تلك الظاهرة الأممالمتحدة: 90 % من المصريات يتعرضن للتحرش ! فحادثة التحرش الجماعي بطالبة كلية الحقوق داخل حرم جامعة «القاهرة» الأسبوع الماضي كانت سببا في غضب حقوقي ودولي أيضا وهو ماجعل فريق الأممالمتحدة في مصر يعبر عن عن قلقه من الواقعة مشددا علي أن تعرض طالبة مصرية لمضايقات لفظية وجسدية وتحرش من زملائها الذكور في الحرم الجامعي يعد حادثاً غير مسبوق، بل هي المرة الأولي التي يتم فيها الإبلاغ عن حادثة تحرش جنسي جماعي داخل مؤسسة تعليمية. وأكدت الأممالمتحدة أن التحرش يعد انتهاكاً لحقوق الإنسان وتهديداً لسلامة وحرية النساء والفتيات، يمنع مشاركتهن الكاملة في الحياة العامة. وأشار فريق الأممالمتحدة المتواجد في مصر في بيان له الي أن للنساء والفتيات الحق في أن يعشن حياة خالية من جميع أشكال العنف وفقاً للدستور المصري (المادتان 11 و19) . وأشادت الأممالمتحدة بالأداء الرائع لهؤلاء النساء والفتيات، وكذلك الرجال الذين يدعمون قضيتهن لجعل الأماكن العامة أكثر أمناً، داعية الحكومة إلي زيادة التدابير الوقائية لضمان سلامة النساء والفتيات في الأماكن العامة والخاصة وتقديم مرتكبي هذه الجرائم إلي العدالة. وكانت هيئة المرأة بالأممالمتحدة ألقت في تقرير مصور لها الضوء علي مشكلة التحرش الجنسي في مصر، وضعت له عنوانًا عريضًا هو «حط نفسك مكانها بدل ما تلومها». واستعرض المقطع ما تتعرض له المرأة في مصر من تحرش مستمر، ومن رفض المجتمع لها في حالة محاولتها ردع المتحرش، والحفاظ علي حقوقها الطبيعية في عدم التعرض لما يؤذيها بدنيًا أو نفسيًا، متناولا المشاكل التي تعترض أي فتاة ابتداء من خروجها من المنزل وحتي عودتها إليه. وينتهي المقطع المصور بإحصائية تشير إلي أن 90 بالمائة من المصريات يتعرضن للتحرش الجنسي في الأماكن العامة، استنادًا إلي دراسات وإحصائيات مختلفة، بحسب ما تقوله الهيئة. داخليا، أعرب المجلس القومي للمرأة عن إدانته الشديدة لواقعة التحرش، وأشار إلي أنها زادت من حالة الاستياء الشديد بين الأوساط النسائية علي اختلاف أطيافها، وطالب المجلس كل مؤسسات الدولة بإصدار مرسوم بقانون "منع العنف ضد المرأة»، الذي أعده قومي المرأة وتضمن عقوبات رادعة ضد المتحرشين، وعدم انتظار تشكيل البرلمان القادم، حيث إن الأمر لا يحتمل الانتظار. كما دعا إلي التنفيذ الفوري الرادع للعقوبات ضد كل من تسوّل له نفسه ارتكاب تلك الجرائم، مناشداً مؤسسات الدولة جميعها التكاتف للتصدي لتلك الظاهرة السلبية التي تلقي بظلالها علي المجتمع المصري، وتؤدي إلي تشويه صورة مصر بالخارج. فيما أستغلت وسائل الإعلام الإسرائيلية الواقعة للتهكم والسخرية وتساءلت: كيف يحدث هذا في أكبر دولة عربية ومسلمة؟ وروت تفاصيل الواقعة بشيء من الإثارة، حيث قالت إن تغيير سلوك الشباب المصري أصبح شيئاً صعباً، "فتاة شقراء ترتدي ملابس طويلة"، جينز وقميصا ورديا، وتسير في جامعتها العريقة فيلتف حولها مجموعة من الشباب الذكور وهم يتحرشون بها لفظياً وجسدياً وأعينهم تلتهم جسدها ويمطرونها بوابل من الصراخ والعبارات الخادشة، فكيف يحدث هذا في أكبر دولة عربية ومسلمة وفي أعرق جامعاتها؟! وبعد تلك الحادثة سارع آلاف المصريين إلي مواقع التواصل الاجتماعي للتنديد بالظاهرة. وأطلقت فتيات رسما جديدا يحمل موضوع "أول محاولة تحرش كان عمري" وبواسطته تروي مصريات بالمختصر المفيد قصة أول حادثة يكنّ فيها ضحية للظاهرة التي غالبا ما يعشنها وهنّ مازلن أطفالا. وقالت مغردة تدعي رانيا إنّها تعرضت للتحرش عندما كان عمرها 15 سنة وأنها انهارت من البكاء وأضافت: من "ساعتها لم أعد أتحمل منظر أي راجل لحد ما كبرت وفهمت أنه من الضروري أن أكون بجحة وآخذ حقي بإيدي." أما المغردة "هدي" فتقول إنّ أول محاولة تعرضت لها كانت في التاسعة من "عمري ولم أكن فاهمة أي حاجة وثاني مرة وكنت أبلغ من العمر 12 عاما وكنت فاكرة إن دا عقاب من ربنا لأني ما كنتش بساعد أمي في أعمال المنزل. ظاهرة التحرش التي انفجر الرأي العام غضبا لحدوثها في الجامعة تحدث بصفة شبه يومية إما داخل المدارس أو بالقرب منها وهناك العديد من الشكاوي التي تتلقاها وزارة التربية والتعليم والمديريات التعليمية في هذا الشأن التي كان أشهرها ما تعانيه مدارس منطقتي المعادي وحدائق المعادي من انتشار ظاهرة التحرش بطالبات المدارس وتدني مستوي الأخلاق لدي الطلاب والطالبات في كافة المراحل التعليمية من الابتدائي إلي الثانوية العامة. وقال حمدي سعيد ولي أمر طالبة بمدرسة الحرية الإعدادية بنات بالمعادي التابعة لإدارة البساتين التعليمية إنهم تقدموا بشكاوي كثيرة لمأمور قسم البساتين - لحماية الطالبات من أعمال التحرش والمعاكسات من قبل بعض الشباب الذين يتواجدون أمام المدرسة طوال اليوم الدراسي وأثناء خروج الطالبات ، ولكن دون جدوي. وأضاف أن الطلاب يتجمعون أمام المدرسة ويصطحبون كلابا لترويع الفتيات ومعاكستهن والتحرش بهن حتي وصل الأمر إلي التحرش باليد، وليس المعاكسة بالألفاظ، بجانب تواجد عدد من «التكاتك» أمام المدرسة تستخدم الأغاني الشعبية بصوت عال وتشترك في معاكسة الفتيات. إلا أن قوانين وزارة التربية والتعليم تؤكد أنه بمجرد خروج الطالبات من باب المدرسة يصبحن تحت مسئولية الدولة ممثلة في وزارة الداخلية وليست مسئولية المدرسة. كما شهد الأسبوع الماضي أيضا تقدم عدد من أولياء أمور طالبات بمدرسة الهدي التجريبية ببلاغات ضد مدرس لغة عربية قام بالتحرش ببناتهن، ومطاردتهن في حوش وطرقات المدرسة لإجبارهن علي أفعال غير أخلاقية، مطالبين بمحاسبته بعقوبة رادعة. و تقدم ولي أمر التلميذة بالصف الخامس الابتدائي بنفس المدرسة ببلاغ يؤكد فيه أن ابنته تعرضت للتحرش الجنسي يوم الثلاثاء 31 يناير الماضي، وظل الأمر طي الكتمان ورفضت ابنتي البوح بهذا السر طوال شهر فبراير الماضي، ولكن جلست البنت مع أمها وذكرت لها ما حدث، مؤكدة لها أن مدرس اللغة العربية "أغتال طفولتها، وأمسك بيدها ليجبرها علي تقبيله. الأب تساءل في نهاية بلاغه قائلا: ما الحل في مدرس يتبع وزارة التربية ويقوم بهذه الأفعال المشينة؟، مطالبا "وزير التربية والتعليم بالتدخل للحفاظ علي المنظومة التعليمية، والتحقيق مع المدرس الذي غاب عنه ضميره وخان أمانته". وفي الفصل الدراسي الأول تمكنت مباحث الآداب، في محافظة المنيا ، من ضبط 20 حالة تحرش جنسي بطالبات المدارس، والتعرض لهن بالطريق العام.وتحررت محاضر بالوقائع، أحيلت إلي النيابة للتحقيق. والتحرش هو أحد أنواع العنف السائد حاليا في المدارس المصرية الذي تسبب في مقتل مدرس الدراسات الاجتماعية بمدرسة عمر بن الخطاب الإعدادية بمحافظة الإسكندرية ويدعي "سامي خطاب"، بعد أن دخل في مشادة مع طالب بالصف الثالث الإعدادي بالمدرسة يدعي "إبراهيم. ا"، حيث قام الطالب المذكور بالتعدي عليه بدفعه علي الأرض. وأفادت عمليات التعليم، أنه علي الفور تم استدعاء الشرطة وتحرير محضر بالواقعة، وتم القبض علي الطالب لعرضه علي النيابة وإجراء التحقيقات اللازمة واتخاذ الاجراءات القانونية ضده. الدكتور عبدالله سرور وكيل مؤسسي نقابة علماء مصر والخبير التربوي أكد أن المجتمع المصري يعيش حالة من التحلف الثقافي منذ سنوات وهو ما أدي الي الانحدار الأخلاقي الذي تشهده الجامعات والمدارس المصرية إلا أن ذلك الانحدار قد يكون عارضا وقد ينتهي بانتهاء الظرف المحيط والدليل علي ذلك أن الأجيال القديمة لم تشاهد ذلك الانفلات ولم يكن موجودا بهذا الشكل الفج. وأشار إلي أن المؤسسات التعليمية في مصر تعاني من أزمة ثقافية وذلك بعد أن توقفت جميع الأنشطة الثقافية تقريبا سواء في المدرسة أو الجامعة وجعلوا كل تركيزهم علي التعليم فقط . وأكد أن القيادات الإدارية في المؤسسات التعليمية ضعيفة ومتأخرة ولاتستطيع اتخاذ قرار التوجه نحو الأنشطة الثقافية وغير قادرة علي إحداث الفارق الثقافي كما أنه نتيجة لظروف المجتمع الحالية صار القانون في إجازة فلايوجد أي تطبيق للقانون علي أرض الواقع ولذلك أصبح العنف مباحا للجميع داخل وخارج أسوار مؤسساتنا التعليمية. وقال سرور إن التخلف الثقافي أدي إلي تراجع القيم والتقاليد الاجتماعية للمجتمع وأصبحنا نعيش في وقت اللا قيم وتلك القيم هي التي حفظت قوام الشخصية المصرية من نخوة وشهامة واعتدال وتسامح وتتسلل قيم سلبية غريبة للمواطن المصري. كما أن القانون وحده لايعالج الأخلاق فلابد أن يشعر الجميع أن هيبة الدولة وسلطتها قائمة وأن تكون للدولة عصا معلومة ترهب الجميع وهي سطوة تطبيق القانون بكل حزم. كما طالب سرور بضرورة وضع نظام جديد لاختيار القيادات في كل المواقع التعليمية فالقيادات الحالية تربت بطريقة معينة ولاتستطيع أن تواكب الواقع الجديد.