٫ رسائل تحذيرية وأخري دبلوماسية ناعمة تبعثها الولاياتالمتحدةوالصين كل منهما للأخري.. أوضاع متوترة وتهديد بالتصعيد يصل إلي استهداف طائرات بدون طيار وإرسال سفن حربية إلي بحر الصينالجنوبي حتي يحافظ كل منهما علي نفوذه ومصالحه بالمنطقة الآسيوية. وعلي صعيد آخر، هناك مصالح سياسية واقتصادية مشتركة تجمعهم علي طاولة مفاوضات واحدة، ربما تمهد الدبلوماسية لها الطريق وتهدئة المناوشات والحرب الكلامية الدائرة بينهما خلال الفترة الأخيرة. فمع اعتراف رئيس الوزراء الصيني بوجود خلاف مع واشنطن، أعلن البيت الأبيض عن قيام ميشيل أوباما سيدة أمريكا الأولي بزيارة للصين هذا الأسبوع لمقابلة نظيرتها الصينية ينج لي يوان، مؤكداً علي أهمية توطيد العلاقات مع التنين الأصفر، الذي يلعب دوراً مهماً علي الساحة الدولية. هيمنت، في الآونة الأخيرة، نبرة التهديد والتحذير علي الخطاب بين واشنطنوبكين، وتصاعدت حدتها في ظل تنامي قدرات الأخيرة العسكرية التي باتت تشكل تهديداً حقيقياً للنفوذ الأمريكي في منطقة آسيا والباسيفيك والقضاء علي مخططها في تشكيل المنطقة ومستقبلها. فخلال الفترة الماضية، دب الخلاف بين الولاياتالمتحدةوالصين بشأن عدد من القضايا، من بينها حقوق الإنسان والقرصنة الإلكترونية والنزاعات التجارية والقوة العسكرية الصينية المتزايدة في البحار المتنازع عليها مع الدول المجاورة. حيث أشارت معلومات استخباراتية أمريكية إلي أن بكين تمتلك منطقة دفاع جوي ثانية في بحر الصينالجنوبي، تشمل جزراً متنازعاً عليها مع فيتنام. كما أعلنت الصين عن فرض منطقة دفاع جوي فوق بحر الصين الشرقي وأجبرت الطائرات التي تحلق فيها أن تحيط السلطات الصينية علماً بهوياتها. لذا شعرت الولاياتالمتحدة بالقلق، بشأن ما تري أنها محاولات صينية لاكتساب سيطرة تدريجية علي المياه في منطقة آسيا والمحيط الهادي. مما دفع صقور الإدارة الأمريكية بالتكشير عن أنيابهم ملوحين بإرسالهم بوارج حربية إلي منطقة بحر الصينالجنوبي، إذا استمر التنين الأصفر في القيام بمثل هذه الخطوة الاستفزازية التي من شأنها زيادة التوتر بين البلدين، واصفين هذه الخطوة بعدم التزام الصين بتسوية الخلافات الجيوسياسية في المنطقة عبر الدبلوماسية. فيما وجهت الصين رسالة تحذير قوية عبر وزير خارجيتها "وانج يي" عند لقائه بنظيره الأمريكي "جون كيري"، مفادها أن بكين لن تسمح أبداً بأي فوضي أو حرب في شبه الجزيرة الكورية، وأن الصين جادة في هذا الأمر، وأن بكين لا تكتفي بقول ذلك فقط بل ستفعله". وجاء هذا الرد وسط توترات هائلة ومتصاعدة بين الصينواليابان، حليف الولاياتالمتحدة. ومن ناحية أخري، قال رئيس الوزراء الصيني لي كه تشيانج، إن هناك خلافا مع الولاياتالمتحدة، وإن علي أكبر اقتصادين في العالم أن يحترما مصالح بعضهما البعض. وأوضح لي، في مؤتمر صحفي في نهاية الدورة السنوية للبرلمان الصيني "هناك نوع من الخلاف نظراً لاختلاف التاريخ والخلفية الثقافية للصين والولاياتالمتحدة واختلاف المرحلة التنموية التي يمر بها البلدان فإن هناك خلافات حول بعض القضايا." وأوضحت صحيفة "واشنطن بوست" في تقرير لها حول تنامي قوة الصين، أن الأخيرة بإمكانها أن تمنع القوات الأمريكية من التدخل في الصراعات الآسيوية؛ فطبقاً لدراسة تايوانية حديثة تستطيع الصين صد الأمريكيين وغزو ديمقراطيات المنطقة بحلول 2020 إذا أرادت، فالصين تقوم بتطوير وشراء دفعات من التكنولوجيا العسكرية، وعند دمجها مع الأسلحة الحالية، ستزيد التوترات في المنطقة. وبحسب مقال نشرته مجلة "فورين بوليسي" للأمريكي ستيفن والت، أستاذ الشؤون الدولية في جامعة هارفارد، فمن المرجح أن الصين الصاعدة تُرغم الولاياتالمتحدة علي الخروج من آسيا؛ حيث تفيد جميع وثائق الأمن القومي الأمريكي الصادرة منذ العام 2001 بأن بكين لن تكون الحليف الاستراتيجي لواشنطن، بل خصمها ومنافسها الأول في القرن 21. فإن التهديد الصيني لا يستهدف فقط الوجود الأمريكي في آسيا وضياع حلمها بتشكيل المنطقة ومستقبلها، وإنما الجيران خاصة كوريا الجنوبيةواليابان اللتين انتقدتا منطقة الدفاع الجوي التي أقامتها الصين والتي يشمل جزراً يابانية منها "سينكاكو" التي تعتبرها الصين جزءاً من أراضيها وتطلق عليها تسمية "دياويو"، والمتنازع عليها بينهما في بحر الصين الشرقي. فمنذ زيارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلي إستراليا في نوفمبر عام 2011 أعلن متحدثو الإدارة الأمريكية عن تبنيهم سياسة "إعادة توازن" نحو آسيا والمحيط الهادئ، بتوجيه المحور المركزي للاستراتيجية الأمريكية من مراكزها السابقة إلي هناك. وتطرقت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون وقتها إلي حاجة بلادها إلي تخصيص موارد اقتصادية ودبلوماسية واستراتيجية وغيرها في جنوب شرق آسيا، مؤكدة علي أن العقد القادم سيكون عقداً آسيوياً. ولهذا كان هناك دعم قوي للوجود العسكري الأمريكي في منطقة آسيا الباسيفيك، وقاموا بإرسال المزيد من قواتهم البحرية إلي المحيط الهادئ، بغرض معادلة قوة الصين الآخذة في الازدياد. وتمركزت هذه القوات في استراليا نظراً لأنها نقطة تعد معبراً استراتيجياً إلي بحر الصينالجنوبي، الذي يعد أهم المعابر الاستراتيجية للتجارة، ويزخر بالموارد الطبيعية من بترول وغاز. والأهم، كون بحر الصينالجنوبي بمثابة بؤرة نزاع متوتر بين الصين من جانب وعدد من دول الجوار (فيتنام، الفلبين، بروناوي، ماليزيا، وتايوان) من جانب آخر حول حقوق السيادة علي عدد من الجزر الكائنة به. ولهذا أيضاً، عملت واشنطن علي بناء قدرات وتنمية شراكات قديمة وبناء شراكات جديدة مع هذه الدول بغرض تهدئة روع حلفائها (اليابانوكوريا الجنوبية) لتظهر أنها لن تتخلي عنهم لقوة الصين الصاعدة. وبدأت الولاياتالمتحدة التوجه إلي آسيا بعد أن انسحبت من أفغانستان عسكرياً، وضعف تأثيرها في العراق، وتركت وراءها الشرق الأوسط يمر بمخاض سياسي واجتماعي صعب، وعملية سلام متجمدة بالإضافة إلي استمرار التقدم الإيراني بامتلاك سلاح نووي. خرجت بحثاً عن سوق آمن للاقتصاد الأمريكي، بعد تصدع منطقة اليورو، وتأثرها بها. فكانت جميع المؤشرات ترجح كافة آسيا والباسيفيك كمحدد لما هو قادم، لذا عملت علي أن يكون لها دور أكبر وأطول أمدا في إقليم صاعد يرجح أنه سيحدد مجريات الأوضاع الدولية سياسياً واقتصادياً خلال المرحلة المقبلة. فأسواقها شاسعة وتتوسع، وبها كبريات الاقتصاديات الصاعدة مثل الصين، والهند، وإندونيسيا عن أن دولها تسهم بنصف إجمالي الناتج المحلي العالمي، وتقف وراء نصف حركة التجارة دولياً. وتواصل بكين تحديها لصقور الإدارة الأمريكية من خلال تعزيز القوة العسكرية لجيشها الذي تكشف مصادر استخباراتية أمريكية أنه سيكون قادراً خلال العشر السنوات المقبلة علي مناطحة القوي العظمي في المنطقة. ففي ظل انغماس الولاياتالمتحدة في الشؤون الشرق أوسطية والأفريقية تعمل الصين علي تعزيز قدراتها العسكرية. فعلي مدي العقدين الماضيين، قامت الصين بتحديث قدراتها العسكرية، التي من الممكن أن تحول ميزان القوي العالمية لصالحها، حيث بنت قواتها المسلحة علي غرار واشنطن، بعد دراسة عميقة للعمليات القتالية لأمريكا في البلقان والشرق الأوسط، حيث ركزت بكين علي قدرات تمكنها من تحويل البحار القريبة لها إلي منطقة محرمة. فيما بدأت تظهر معالم سباق نحو التسلح من خلال الموازنة الدفاعية التي خصصتها كل من البلدين، في أجواء يشوبها التوتر علي خلفية ما يجري في العالم من أحداث، لاسيما أزمة أوكرانيا وسوريا. حيث خصصت واشنطن 7 مليارات دولار لدعم دول الربيع العربي في ميزانية 2015. فيما أعلنت الصين عن زيادة كبيرة في ميزانيتها العسكرية لعام 2014 لتصل إلي2.12% والذي يقدر بنحو 131.6 مليار دولار، مما أثار بذلك قلق جيرانها الذين يتواجهون معها في خلافات علي الحدود لا سيما اليابان. فمن المعروف أن ميزانية الدفاع الصينية هي ثاني أكبر ميزانية في العالم بعد الولاياتالمتحدة. وفي هذا السياق، تشير مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية إلي أن الولاياتالمتحدة تشعر بالقلق منذ فترة طويلة من افتقار الجيش الصيني للشفافية والانفتاح. في الآونة الأخيرة، أعرب الأدميرال هاري هاريس، قائد أسطول الولاياتالمتحدة في المحيط الهادئ، عن قلقه من النمو العدواني للجيش الصيني وافتقاره إلي الشفافية. مضيفاً، أن هذا الغموض يثير أيضاً مخاوف البنتاجون حول نوايا الصينيين. لذا في رحلة إلي بكين في فبراير الماضي، قال رئيس أركان الجيش الجنرال ريموند أوديرنو أن البلدين يخططان لبدء حوار رسمي بين الجيشين وبرنامج التبادل قبل نهاية عام 2014. ورغم هذه التحذيرات والخلافات إلا أن البيت الأبيض أعلن عن زيارة ميشيل أوباما للصين وذلك لمقابلة السيدة الأولي بنج ليوان في الصين وعدد من طلبة المدارس والجامعات الصينية. ونقل البيت الأبيض عن ميشيل تأكيدها أهمية زيارة الصين باعتبارها إحدي أكبر دول العالم من حيث الكثافة السكانية وتلعب دوراً هاماً علي الساحة الدولية. وكانت ميشيل قد تلقت دروساً في اللغة الصينية استعداداً لهذه الرحلة. ويري بعض المحللين أن هذه تعد من أنواع الدبلوماسية الناعمة، خاصة بعد تصريح أوباما أن العلاقات الصينية - الأمريكية تتطور بشكل إيجابي منذ اجتماعه مع الرئيس الصيني شي جين بينج في قمة أنينبرج، معرباً عن أمله في أن يحقق البلدان إنجازات جديدة في التعاون بشأن قضايا رئيسية، في حين يمثل العام الحالي الذكري السنوية ال35 لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصينوالولاياتالمتحدة. ويبدو أن النفوذ الصيني لا ينحصر فقط في الجانب العسكري بل يتعداه إلي الجانب الاقتصادي حيث تحتل الصين المراتب الأولي عالمياً في عديد القطاعات فضلاً عن تنامي نفوذها التجاري الذي يغطي كافة القارات وهو ما يخلق منافسة شرسة بين القطبين الاقتصاديين الولاياتالمتحدةوالصين.