مقاتلون من كل الجنسيات فى سوريا بعد فشل مؤتمر جنيف في التوصل لحل ينهي الحرب الأهلية السورية، أصبح المشهد السوري معتماً بشكل كبير. بعض السوريين قرروا الهروب من هذا الجحيم، قرروا ترك الأمر كله، والرحيل بعيداً عمن يحاربون بعضهم البعض دون رغبة في إنهاء معاناة ملايين السوريين. محمد أحد الشباب الذين هربوا من هذا المشهد. كان مقاتلاً في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام والمعروف باسم داعش، وهو التنظيم المرتبط فكرياً بتنظيم القاعدة، لكنه قرر ترك هذا التنظيم بعد أن اقتنع تماماً أن من يحاربون علي أرض سوريا يريدون مصلحتهم فقط دون أدني اعتبار لمعاناة السوريين. يسكن محمد الآن في إحدي البلدات بجنوب تركيا. حاول محمد أن يغير من ملامحه وأن يرتدي ملابس غربية بعيداً عن الزي الباكستاني الذي كان يرتديه في سوريا. هو يبلغ من العمر الآن 23 عاماً، ورغم صغر سنه فقد قاتل طوال الفترة الماضية في صفوف داعش. هو الآن رحل، أو بالأحري هرب، من مصير محتوم. فالجماعة التي تسيطر علي مناطق في شمال سوريا، إذا عرفت بمكانه فإن مصيره المحتوم هو الذبح. ومع ذلك فإن محمد لا يبدو عليه القلق، فقد شاهد بعينيه ما يكفي من الخوف والترويع. ولد محمد في عائلة بسيطة بقرية في شمال حلب. لم يستطع استكمال تعليمه فسافر إلي لبنان في 2011 ليعمل في إحدي شركات التكييف، وظل هناك حتي يوليو 2012. بعد أن سيطر الجيش السوري الحر علي حلب، علم محمد أن شقيقيه الاثنين وأولاد عمومته انضموا للقتال ضد بشار. فقرر العودة والبقاء مع عائلته، لكن دون أن يشارك بصورة فاعلة في القتال. بعدها بدأ نفوذ داعش يتنامي في حلب إلي أن استطاعت السيطرة عليها بالكامل، وكان هذا في ربيع 2013. لم يكن محمد معجباً بالجيش الحر بسبب قلة إمكانياته، وتحدث إليه بعض أصدقائه بشأن الانضمام للمجاهدين الأكثر تنظيماً الذين يملكون تسليحاً وتمويلاً أفضل. ويقول محمد: "أقنعوني بالانضمام إليهم ووعدوني بأنهم سيتحدثون لأمير الجماعة عني. وأنا فكرت وقلت لم لا؟ كنت مبهوراً بفكرة القتال معهم وبقوتهم وتنظيمهم وكنت أتمني المشاركة في عمليات عسكرية كبري" بعدها بأسبوعين تم استدعاء محمد إلي مدينة الرقة التي خضعت للسيطرة الكاملة لداعش التي صارت المعقل الرئيسي لها بعد ذلك.. عندما وصل التقي بأمير المدينة وهو رجل في الثلاثينيات من عمره، والأمير في داعش هو الرجل الذي يأمر فيطاع. وكل مجموعة تتكون من أكثر من 3 أشخاص لها أمير. وافق الأمير العراقي علي ضم محمد، لكنه طلب منه أن يرتدي الزي الباكستاني وأن يحلق شاربه. أما بالنسبة للحيته فهي خفيفة بطبيعتها ولم يستطع محمد أن يطيلها بالشكل المطلوب. كان لابد لمحمد أن يحضر الدروس الدينية التي تنظمها داعش حتي يستطيع الاندماج مع زملائه، وهي اجتماعات لازمة للوافدين الجدد مثل محمد الذي قال بشأنها: "كنت أحضر بعضها، من يتحدثون فيها رجال لهم قدرة هائلة علي الإقناع، لديهم طريقة جذابة في الحديث ولديهم معرفة واسعة، ورغم أنهم صغار في السن قادمون من الكويت والشيشان وأماكن أخري. في كل مرة كان لديّ العديد من الأسئلة التي أريد طرحها عليهم، لكن ما إن يبدأوا الحديث الممزوج بآيات من القرآن وأحاديث من السنة، أنسي الأسئلة التي في ذهني. في إحدي المرات فقط تشككت في كلامهم، حينما وصف أحدهم الابتسامة التي رآها في عيني أحد الشهداء في مذبحة حماة في الثمانينيات وهو يبدو عليه أنه صغير السن وبالتأكيد لم يشاهد هذه الواقعة" "حماة" مدينة رمزية للثوار السوريين، فهي تقع في غرب البلاد ووقعت فيها مذبحة مروعة إبان حافظ الأسد في 1982. ولقي وقتها حوالي 15 ألفا إلي 25 ألف شخص مصرعهم. ويستكمل محمد حديثه: "كنت أحلم دائماً بالمشاركة في معركة كبري. لكن أول معركة شاركت فيها كانت في الواقع تشبه المزحة. كنت في كتيبة تضم 30 شخصا، فيهم 5 سوريين والباقون من جنسيات مختلفة فيهم إنجليزي وفرنسيان. ذهبنا لمنطقة شرق الرقة كانت تسيطر عليها القوات النظامية، وانضمت لنا قوات من الجيش السوري الحر. القرية الأولي سقطت في أقل من ساعتين. واستطعنا تحرير أكثر من 22 موقعا دون خسارة في الأرواح" بعدها بدأ محمد يتعلم تكتيكات القتال في داعش. في البداية تنطلق سيارة مفخخة يقودها انتحاري بسرعة كبيرة تجاه الهدف، وعندما تنفجر يشعر العدو بالرعب، فيتقدم 5 أشخاص علي أقدامهم ويفجرون أنفسهم بالأحزمة الناسفة، ثم تبدأ المرحلة الثالثة التي كان يشارك فيها محمد دائماً وهي مرحلة تقدم المقاتلين بالأسلحة الآلية. بعدها ذهب محمد إلي الرقة وكان يقود كتيبة مراقبة علي حدود المدينة وكان يقف ملثماً حتي لا يتعرف أحد علي شخصيته. يتحدث محمد عن عدد كبير من الأسري في صفوف داعش، منهم الصحفيون الأجانب ومنهم النشطاء السوريون، هؤلاء الرهائن لهم أهمية كبري لدي داعش، فهم يستخدمونهم كورقة للتفاوض، ويعد هروبهم أمرا صعبا للغاية لأن معناه إعدام جميع حراسهم، كما أنه من الصعب عليهم أن يعبروا خارج الحدود السورية. ومع ذلك لم نستمع منذ وقت طويل عن عروض لمبادلة الأسري مقابل فدية مالية، ويعتقد محمد أن السبب هو وجود فائض من الأموال والسلاح لدي هذه المجموعات. فبيع المسروقات التي يجمعونها من المنازل المهجورة يقدم لهم عائداً جيداً، بخلاف السلاح الموجود في مخازن النظام. ويعتبر محمد أن من الأشياء الإيجابية في داعش توزيعهم للغنائم بشكل كريم خاصة علي أهالي المقاتلين الذين يسقطون في صفوفهم. فهم لا يبخلون عليهم في أي طلب يطلبونه. لكن مصدر الدخل الرئيسي بالطبع هو الأموال التي تضخ من الخارج خاصة من دول الخليج ومن تركيا، فكثير من المقاتلين الأجانب يأتون وهم يحملون حقائب من الأموال بها مئات الآلاف من الدولارات. أما الوافدون فيتم استقدامهم عن طريق الإنترنت، ثم يأتون ليقضوا أياماً في مراكز مخصصة لاستقبالهم، ويتم سحب جوازات سفرهم وإعطاؤهم جوازات أخري قبل أن يتم توزيعهم علي المناطق. ويتعجب محمد دائماً من حماس هؤلاء الأجانب للقدوم إلي سوريا ولم يتوقف عن سؤال نفسه، لماذا أصبحت سوريا مرتعاً لكل المجانين والمخابيل والمعقدين نفسياً في هذا العالم. لقد رأي محمد أمريكياً أشقر ومعه زوجته وابنته التي تبلغ من العمر 20 عاماً لكنهم يريدون المشاركة في القتال، أما الفرنسيون فيكونون دائماً من أصول جزائرية وكانوا مدعاة للسخرية بسبب لكنتهم العربية غير المفهومة المطعمة بالفرنسية. حماس الشاب السوري للقتال لم يستمر إلا عدة أشهر ويقول: "بعدها كنت محبطاً من عدم مشاركتي في معارك علي الأرض، كما أنني فتحت عينيّ علي كم كبير من الفساد والكذب والوحشية. النظام الداخلي للجماعة يسمح باعتبار أي شخص كافرا في لحظة لمجرد أنه خالف أمرا أو قال شيئا مختلفا ويتم إعدامه في التو واللحظة. كما أن الاتفاقات والتفاهمات مع نظام الأسد واضحة للعيان. وتداخل جهات خارجية كالعراق وإيران واضح. ووجود عدد كبير من القوقازيين والشيشان جعلني مقتنعا أن هناك عملاء لروسيا مزروعين هناك". يعتقد محمد أن العالم كله متآمر علي سوريا، يريد للقتال أن يستمر أطول فترة ممكنة، يريد قتل السكان وتدمير البلاد من أجل عقود إعادة الإعمار في المستقبل. كانت النقطة الفاصلة بالنسبة له، في نهاية 2013 عندما بدأت المواجهات بين الثوار وداعش، لحسن الحظ لم يطلب منه أن يحارب أشقاءه، لكنه سمع عن اعتقال ابن عمه وإعدامه، ومنذ ذلك الحين عقد العزم علي الرحيل. لمدة أكثر من أسبوع لم ينم محمد بسبب التفكير في انتهاز الفرصة المناسبة للهرب، وفي وقت ما استغل هدوء الأجواء وطلب من الأمير أن يسمح له بزيارة عائلته في حلب. وهرب في اتجاه الحدود التركية. هو لا يعرف الآن ماذا سيفعل في المستقبل، لكن ما هو متأكد منه أنه نادم أشد الندم علي كل ما فات.