الذي يقرأ الأدب الجاهلي سوف يستوقفه خطب (قس بن ساعدة الأيادي) بما فيها من بلاغة، ولكن هذه الخطب إذا قورنت بخطب الرسول الكريم نجد الفرق شاسعا، فقد كان الرسول الأعظم ([) خطيبا بارعا أوتي الحكمة وفصل الخطاب، ومن منا يقرأ إحدي خطب الرسول الكريم ([)، ولايتوقف عند قمة البلاغة والفصاحة والبيان إنه يقول مثلا في خطبة خطبها: (أيها الناس.. إن لكم معالم فانتهوا إلي معالمكم، وإن لكم نهاية فانتهوا إلي نهايتكم، فإن العبد بين مخافتين: أجل قد مضي لايدري ماالله فاعل به، وأجل قد بقي لايدري ما الله قاض فيه.. فليأخذ العبد من نفسه لنفسه، ومن دنياه لآخرته، ومن الشبيبة قبل الكبر، ومن الحياة قبل الممات، فوالذي نفس محمد بيده، ما بعد الموت من مستعتب، ومابعد الدنيا من دار إلا الجنة أو النار). وسئل الرسول الكريم([): ما رأينا يا رسول الله من هو أفصح منك؟ فقال عليه الصلاة والسلام: وما يمنعني؟.. وإنما نزل القرآن بلساني، لسان عربي مبين، بيد أني من قريش، ونشأت في بني سعد. ومن منا لاتستوقفه تلك الكلمات الباهرة والمبهرة.. من بات آمنا في سربه، معافي في بدنه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها. لايؤمن أحدكم حتي يحب لأخيه مايحب لنفسه.. إنما الأعمال النيات، وإنما لكل امرئ مانوي. الظلم ظلمات يوم القيامة. من أعان ظالما سلط عليه. ذو الوجهين.. لايكون وجيها عند الله.. وهكذا، ونراه عليه الصلاة والسلام يقول »لمارية« وقد رآها تبكي ابنها إبراهيم بكاء متواصلا: تدمع العين، ويحزن القلب، ولانقول إلا مايرضي الرب. وقد وصفته أم معبد عندما رأته أثناء هجرته بقولها: إذا صمت فعليه الوقار، وإذا تكلم سما وعلاه البهاء، حلو المنطق، فصل نزر ولا هذر.. وكان منطقه خرزات نظم يتحدرن«. ويقول عن بلاغته القاضي عياض: وأما كلامه المعتاد، وفصاحته المعلومة، وحكمه المأثورة، فقد ألفت فيها الكتب، ومنها مالايوازي فصاحة، ولايباري بلاغة صلي الله عليه وسلم.